الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (2)

أنور نجم الدين

2010 / 2 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



"لم نشرح لحد الآن سوى ديالكتيك هيغل. وسنرى كيف نجح برودون في تخفيضه إلى النسب المحقرة. وهكذا بالنسبة لهيغل، كل ما حدث ولا يزال يحدث هو الشيء الذي يحدث في عقله. وهكذا فلسفة فلسفة التاريخ ليست إلا تاريخ الفلسفة، فلسفته الخاصة".

"وهكذا لكي نصل إلى تشكيل القيمة – التي هي بالنسبة له أساس التطورات الاقتصادية – نراه لا يستطيع أن يقوم بالبحث دون أن يعود إلى تقسيم العمل وإلى المنافسة الخ... ورغم هذا نجد في لوائحه وفي التتابع والترتيب المنطقي، إن هذه العلاقات لم توجد بعد".
"فكيف قدرت القاعدة المنطقية الواحدة للحركة وحركة التتابع والترتيب وحركة الوقت أن تشرح بنيان وهيكل المجتمع حيث توجد كل العلاقات إزاء بعضها لتساند بعضها؟"

"لننظر الآن ما هي الأوصاف التي يخضع بواسطتها برودون ديالكتيك هيغل عندما يطبقها على الاقتصاد السياسي.
يرى برودون أن كل لائحة اقتصادية لها جانبان – جانب خير وجانب شر. وهو ينظر إلى هذه اللوائح كما ينظر البورجوازي إلى العظماء في التاريخ: كان نابليون رجلاً عظيماً، قد فعل كثيراً من الحسنات وفعل كثيراً من السيئات.
عندما نأخذ هذه المتناقضات معاً، جانب الخير وجانب الشر، الحسنات والسيئات، فإنها تشكل – بالنسبة لبرودون – التناقض في كل لائحة اقتصادية.
فالموضوع الذي يجب حله: الاحتفاظ بالجهة الخيرة والتضييق على الجهة الشريرة.
إن العبودية لائحة اقتصادية كأية لائحة أخرى. وهكذا لها جانبان. ودعنا نترك الآن الناحية الشريرة لنتكلم عن الناحية الخيرة لهذه العبودية. لا حاجة لأن نقول إننا نتكلم عن العبودية المباشرة، ونتكلم عن عبودية العبيد في سرينام Surinam وفي البرازيل وفي الولايات الجنوبية في أمريكا الشمالية.
إن العبودية المباشرة هي تماما محور الصناعة البورجوازية كالآلة الخ... التي هي محور الصناعة أيضاً. وبدون عبودية لا تحصل على صناعة حاضرة. هي العبودية التي أعطت المستعمرات قيمتها، وهي المستعمرات التي خلقت التجارة الدولية، وهي التجارة الدولية التي نعدها الشرط السابق للصناعة ذات الانتاج الضخم. وهكذا فالعبودية هي لائحة اقتصادية ذات أهمية كبرى".
"فماذا يفعل برودون لتخليص العبودية؟ إنه يضع المسألة كقاعدة هكذا: احتفظ بالجهة الصالحة لهذه اللائحة، وخفف أو ضيق الخناق على الجهة الشريرة.

لم يكن لدى هيغل مسائل ليضعها في قواعد. كان عنده ديالكتيك فقط. ولم يأخذ برودون من ديالكتيك هيغل إلا اللغة. وبالنسبة له فإن حركة الديالكتيك هي التفريق المبدئي بين الخير والشر.
ودعنا لدقيقة واحدة نعتبر برودون لائحة. ولنفحص جهة الخير والشر عنده ولنفحص حسناته وسيئاته.
لو كان يمتاز بحسنة على هيغل لأنه وضع مسائل جعل من حقه الوحيد أن يحللها لخير البشرية، فإن له سيئة أنه عُرف بالعقم عوضاً أن يخلق لائحة ديالكتيكية جديدة. إن ما يشكل حركة الديالكتيك هو وجود جهتين متناقضتين وصراع هاتين الجهتين المتناقضتين وادغامهما في لائحة جديدة".

"وهنا فجأة يصبح ميتافيزيك الاقتصاد السياسي خيالاً ووهماً! لم يتكلم برودون بحق أكثر من هذه المرة. ومن اللحظة التي تصغر حركة الديالكتيك إلى عملية مقابلة أو مضادة بين الخير والشر، وفي اللحظة التي تضع مسائل لتخفيف الناحية الشريرة، ومن اللحظة التي تعمل على إدارة وتسيير لائحة كدواء للائحة أخرى، عندئذ نرى أن هذه اللوائح تتجرد عن كل حقائقها، وتبطل الفكرة أن تنتج وتعمل، ولا تبقى حياة بها. وهكذا لا توضع الفكرة ولا تتشكل لتصبح لوائح. وإن تتابع اللوائح أصبح نوعاً من البنيان. ويقف الديالكتيك حتى يصبح حركة الحقيقة المطلقة. ولا يوجد بعد ديالكتيك على الأكثر إلا ديالكتيك الأخلاق المطلقة الصافية".
"وهكذا فكل شيء بالنسبة له حدث تاريخي في أثير الحقيقة الصافية. وكل شيء ينتج هذا الأثير بواسطة الديالكتيك. وبما أنه كان عليه الآن أن يظهر هذا الديالكتيك كواقع، كانت الحقيقة هي التي أخطأته".

"لكل مبدأ كان له عصره الذي أظهر ذاته به. إن مبدأ السلطة مثلا ظهر في القرن الحادي عشر كما أن عصر الفردية ظهر في القرن الثامن عشر. ففي التتابع المنطقي نجد أن العصر هو الذي كان يتبع المبدأ وليس المبدأ هو الذي كان يخص العصر. وهكذا يكون أن المبدأ هو الذي صنع التاريخ وليس التاريخ هو الذي صنع المبدأ. وحتى نخلص المبدأ ونخلص التاريخ، علينا أن نسأل أنفسنا لماذا نرى مبدأ ما ظهر في القرن الحادي عشر أو في القرن الثامن عشر ولم يظهر في عصر آخر، لذلك نحن مجبرون أن نفحص بدقة كيف كان الناس في القرن الحادي عشر وكيف كانوا في القرن الثامن عشر، وماذا كانت حاجياتهم الضرورية وقواهم الإنتاجية ونوع إنتاجهم والمواد الأولية التي تستعمل للمواد الأولية – وبكلمة واحدة، نسأل ماذا كانت العلاقات التي حصلت بين الإنسان والإنسان من جراء هذه الأحوال الموجودة. ولكي نصل إلى أعماق هذه الأسئلة – أي لكي نعرف تاريخ الناس المدنس الحقيقي في كل عصر ولكي نظهر هؤلاء الناس أنفسهم كحكام وممثلين لهذه المسرحية؟".

"دعنا نعبر ملتقى الطرق مع برودون.
نحن نوافق على أن العلاقات الاقتصادية – كما ينظر لها بأنها قواعد ثابتة غير متبدلة وبأنها مبادئ أبدية ولوائح مثالية – وجدت قبل وجود أناس أذكياء، ونحن نوافق أن هذه القوانين والمبادئ واللوائح كانت – منذ ابتداء الزمن – نائمة في « الحقيقة الانسانية غير الشخصية ». ورأينا مع كل هذه القيم الأبدية الثابتة والتي لا تتبدل أن التاريخ معكوس في الحقيقة الصافية لحركة الديالكتيك. إن برودون بقوله هذا – في حركة الديالكتيك أن الأفكار لا تختلف – يكون قد حطم ظل الحركة وحركة الظلال، إذ أن كل شخص كان يقدر أن يخلق من هذه الحركة تشبيها للتاريخ. وعوضاً عن ذلك نراه يريد أن يصبغ التاريخ بصيغة تفكيره. إنه يضع اللوم على كل شيء حتى على اللغة الفرنسية، فيقول برودون الفيلسوف: « ليس صحيحاً أن نقول أن شيئاً ما يظهر وأن شيئاً ما ينتج: ففي الحضارة كما في الكون نرى أن كل شيء وجد وصنع في الوجود منذ الأبدية »المجلد 2، صفحة 102.
إن قوة المتناقضات الإنتاجية التي تعمل والتي تجعل برودون يعمل هي كبيرة، ولدى محاولته أن يشرح التاريخ نراه مجبراً أن ينكره ولدى محاولته أن يشرح ظهور العلاقات الاجتماعية المتتابعة نراه ينكر أي شيء يقدر أن يظهر، ولدى محاولته شرح الإنتاج بكل تطوراته نراه يتساءل إن كان يمكن إنتاج أي شيء.
وهكذا لا يوجد تاريخ بالنسبة لبرودون، وهكذا لا يوجد تتابع للأفكار".

كارل ماركس، بؤس الفلسفة

"ان العنصر الأهم في كتاب برودون في خلق النظام في الانسانية هي جدليته التسلسلية، محاولة انشاء منهج في الفكر يستعاض فيه بعملية التفكير نفسها عن الأفكار المأخوذة على أنها وحدات مستقلة. ان برودون يبحث، من وجهة النظر الفرنسية، عن نظام جدلي كذلك الذي زودنا به هيغل فعلاً. وبالتالي فان ثمة قرابة فعلية بهيغل هنا، لا مجرد التشابه الوهمي الخالص. وبالتالي فقد كان من اليسير القيام هنا بنقد جدلية برودون لو أنه تحقق بعض النجاح في نقد الجدلية الهيغلية".

كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية

_____________________________________________________________________________________

"(الروح) التي ترى في الواقع مقولات، من الطبيعي أن ترجع كل الممارسة والنشاط البشري إلى عملية التفكير الدياليكتيكي"، "هذه الطريقة، مثل كل طرافات النقد المطلق، هي تكرار لطرفة تأملية. يجب على الفلسفة التأملية، وإن شئت الدقة فقل فلسفة هيغل، ان تحول كل المسائل من الحس الانساني العام إلى شكل الفكر التأملي، وان تغير المسألة الحقيقية إلى مسألة تأملية لتكون قادرة على الإجابة عنها – كارل ماركس، العائلة المقدسة ".

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي