الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدالة الفارغة ما بين هوبز وأفلاطون ( الحلقة الثانية )

هيبت بافي حلبجة

2010 / 2 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



إذا أحتسبنا ، في الحلقة الأولى ، الثالوث ( الجنس ، الإقتصاد ، المعتقد ) بذرة مقولة القمع ، فإن هذه الأخيرة كي تحافظ على أنطولوجيتها في حال فاعلة تتجاوز مفهوم الفردي وهو ما سميناه ، إدراكاً فقط ، الإستبعاد بالقمع ، ليتسنى لمفهوم الإستبعاد بالهيمنة ، إعتماداً على المحتوى الإجتماعي الموازي، إن يخترق غشاء بكارة المحظور ، لذلك يؤكد هوبز بحق ثمة ، دائماً ، توقع حدوث تحالفات ، حتى لو غير منظمة ، لقهر القوة الفردية مهما كانت عظيمة . من هذا القول البسيط نستشف أمرين ، الأمر الأول : إقرار مبدأ الهيمنة مندمجاً إجتماعياً بمبدأ القمع ، والأمر الثاني : هذه التحالفات ( قمع آخر ، هيمنة جديدة ) هي تعبير صارخ عن إنجاب القمع لذاته في ، ومن خلال ( شيء من التنظيم – الإجتماعي ) الذي يضمر التخاذل والقوة ( يبدو ذلك جلياً لدى حكومات المنطقة ، والأحزاب العربية والكوردية قاطبة) لإنه لايمكن أن يستمر على مبدأ المواجهة القمعية والتصادم الظاهري المبسط على غرار مقاومة الريحانة الرياح العاصفة حسب تعبير الشاعر الفرنسي أراغون ، إنما يمكن أن يستمر على أساس مبدأ وشرط . المبدأ هو الربط ما بين محتوى إجتماعي معين وهذا الشيء من التنظيم - الإجتماعي . والشرط هو نزوع هذا المحتوى الإجتماعي المعين نحو الشمولية ( أي في الحقيقة ، نحو القمع ، الهيمنة ، السياسة ) . من هنا نجد أنفسنا إزاء ثنائية تتعلق بالهيمنة والسياسة ، بعد أن كنا إزاء مفهوم إحادي عصامي : القمع ، وتتعلق أيضاً بالجانب الحتمي في العلاقة ما بين المقولتين ، أي إن الإرتقاء ، الدحر الحاصل بالفعل يتضمن أمرين أثنين ، الأمر الأول : يتلاشى القمع ، في الجانب الزمني ، نحو ولادة الهيمنة . والأمر الثاني تتماهى الهيمنة في السياسة في الجانب الموضوعي لمؤشر القمع . لذلك فإن إعتقاد هيجل بشمولية الطبقة / الشريحة البيروقراطية ارتبط بإضمحلال الهيمنة في الوعي ، وأعتقاد ماركس بشمولية الطبقة العاملة أرتبط بإضمحلال الهيمنة في التاريخ ، وحتى تروتسكي الذي رأى ضرورة تعميم المفهوم القائل بالتطور المترابط والمتفاوت نتيجة إن الإمبريالية قد عممت شروطها الخاصة في وسائل الإنتاج والقوى المنتجة ، فقد رهن على إضمحلال الهيمنة في المفهوم ، وهذا هو التناقض ( البارادوكس ) الأساسي في الفكر الإنساني ، وإذا ما أدمجنا آراء هؤلاء السادة الكبار ، هيجل ، ماركس ، تروتسكي ، في لوحة تشكيلية رساموها أطفال قرية تائهة ، لعثرنا على قمة التناقض في المعرفة البشرية ، لإن هؤلاء الكبار ، هيجل ، ماركس ، تروتسكي ، يعممون ، في الحقيقة ، شرط السياسة ( الوعي ، التاريخ ، المفهوم ) في شمولية مبدأ الهيمنة المرتبط بالمضمون الإجتماعي الموازي تاركين مبدأ القمع مرتبطاً بالدالة الفارغة ، لإن ذلك المضمون الإجتماعي يفتقر إلى إمتلاء في الكلي ( الأرسطوي ) والنسبي ( الأنشتايني ) ، وهذا هو مبعث الأسطورة في التاريخ البشري ، وليس الحال العكسية ، قوة الخير ضد قوة الشر . هنا قد يسأل أحدهم : إذا أنتفى ( هذا الشيء من التنظيم الإجتماعي ) وسادت الفوضى ، وعمت حالة اللانظام الجذرية ، فهل نكون قد تحررنا من مفهوم الهيمنة ، في الحقيقة سنكون في هذه الحالة إزاء الدالة الفارغة ، ليس لإننا تحررنا من مفهوم الهيمنة ، كلا إنما لإننا إزاء حالة أسميها أفتقار إلى امتلاء ، ولقد تحققت هذه الحالة في بدايات القرن العشرين في إيطاليا ، على صعيد الفعل الإنساني ، حيث يقول أرنست ماندل ، ثمة أزمة حقيقية خانقة أجتاحت إيطاليا ما بين 1918 – 1927 وعلى أثرها تقلد الفاشيون زمام السلطة ، هذا يعني إن الفاشيين نجحوا حيث أخفق الشيوعيون . فأين مفهوم الدالة الفارغة في هذه الواقعة ؟ في الواقع لو كان المجتمع الإيطالي ( ممتلئاً ) أي لم يكن بحاجة إلى أصلاح جذري ، أو لو استطاع الشيوعيون أختراق هذا ( الفراغ الممتلىء الصارم ) ، وتم تحجيم القوة الفاشية من أستلام المبادرة في التاريخ السلبي ( كما هو الحال اليوم في سوريا وأيران ) ، لما كنا إزاء مفهوم الدالة الفارغة ، لكن من منطلق إن المجتمع الإيطالي كان بأشد حاجة إلى تغيير وأصلاح راديكاليين فإن دالة الثورة ( الإمتلاء ) هي وحدها التي كانت تتطابق مع نوعية الإصلاح بالذات ، لكن هذا الإصلاح لم يرتبط بدالة ثورية معينة لإن المجتمع الإيطالي ، الذي أبتغى القطيعة مع الماضي ، لم يكترث بطبيعة الدالة الثورية وركز على المنطوق المجرد ( ضرورة الإنقاذ ) ، دون أن يدرك كيفية ونوعية الإنقاذ ، ولا من يمثله ، وهكذا فإن المقولة السلبية ( ضرورة الإنقاذ ) هي التي أقحمت المجتمع الإيطالي في مستنقع الدالة الفارغة ( وهذا هو واقع حال المجتمعين العربي والكوردي على حد سواء ) . وأما على صعيد الفكر الإنساني ، فإن مقولة الدالة الفارغة تبرز جلياً لدى كل من هوبز وأفلاطون ، فهوبز يصيغ قاعدة عامة مفادها إذا ما أنتفت حالة النظام في وضعية الفطرة الطبيعية ، وتوافرت حالة اللانظام الجذرية كضرورة إجتماعية ، فإن الليفياثان ( الدولة الكلية القدرية) تؤلف وتؤسس النظام الوحيد المستقر في المجتمع . طبقاً لهذه القاعدة وأنسجاماً مع الفكر الهوبزي نرى : أولاً إن حالة الفطرة الطبيعية تتميز بحرب الجميع ضد الجميع ، وثانياً إن الليفياثان ( الدولة الكلية القدرة ) تكون وحدها قادرة على منح النظام مفهومي المعنى والديمومة ، وثالثاً في حالة أستشراء الفوضى لايهم نوعية النظام ولا تأصيلاته ، إنما الذي يهم هو فرض النظام ، ورابعاً إن فكرة السلطة لاتقتفي أثر نوعية النظام ، إنما تنسحب إلى فكرة إقامة النظام . في الفعل ، وإذا ما تجاوزنا الأخطاء القاتلة التي يرتكبها هوبز في ربط مجمل هذه المفاهيم قسرياً ، فإنه لايرمي إلى نوع معين من النظام ولايصبو إلى دالة الأمتلاء ، بل إن كل ما يهدف إليه هو فرض النظام الذي يتجلى في ثتاياه مفهوم الأستبعاد بالقمع . وطالما إن فرض النظام من قبل الليفياثان لاعلاقة له بمضمون ومحتوى النظام أبداً ، فإن هذا يشكل أساس المحنة لديه التي تحتضن القطيعة مابين الفكر الهوبزي ومقولة الهيمنة ، والتي على أثرها تبرز مقولة الدالة الفارغة . وإذا كان أفلاطون يقف على الطرف المعكوس من هوبز من زاوية إنه يطلب نظاماً ممتلئاً مقترناً بتحديد عدد سكان المدينة ، لكنه لايعقله ، ويطلق العنان للأمتلاء إلى حد إن الإطلاقية تتسرب إلى مضمون النظام نفسه ، لإنه يميت كل أمكانية التباين فيه . أي أن الإطلاقية تفرغ النظام من كل محتوى له ، ليغدو صندوقاً قد يحتوي على أي شيء ما خلا ( النظام ) نفسه ، لنغدو نحن إزاء مفهوم أسميه ( النظام اللادال ) الذي يجاسد مدلول الدالة الفارغة . لذا يمكننا بكل أبعاد المقاس أن نشابه مابين الفكر الأفلاطوني هذا ومدلول مبدأ الوجود لدى هيجل الذي جعله عاماً مطلقاً ، ولإنه مطلق وعام فهو فارغ المحتوى على حسب تعبير يوسف كرم . وعلى النقيض من الدالة الفارغة ، ثمت دالة الهيمنة التي تجلت جلواً صارخاً إبان الثورة الفرنسية ، فالمجتمع الفرنسي الذي عزم على القطيعة مع الماضي ، كان على بينة من تخصيص المستقبل في التواصل ، وهذا التواصل هو الذي يحايث فكرة الإمتلاء المعياري ، بل يولده على الأرجح ، ويجعله يتقاطع بالضرورة مع المركز ويتطابق معه ، تماماً مثلما يلج الذكر الأنثى ويتطابق معها ، وإلا كنا ( وكان الذكر ) إزاء الدالة الفارغة ، ولما أفضى ذلك بنا إلى مقولة دالة الهيمنة . تلك الدالة التي ركنها الأمتلاء المعياري وشرطها التقاطع والتطابق ، قد تبدو جنينياً كما هو الحال لدى أرسطو والقديس توماس الأكويني ، وقد تبدو صارخاً كما هو الحال لدى كل من هيجل ، ماركس ، تروتسكي ، غرامشي . ( الحلقة الثالثة ) ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة