الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من جديد

فاديا سعد

2010 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ليس جديدا أن تشاهد حلقة من الاتجاه المعاكس وتخرج من غير عبرة. وليس جديدا أن تتابع ضيوف هذا البرنامج وتفقد شهيتك في نهاية البرنامج في التفكير بالانتماء إلى أحد الأطراف المتحاربة. وليس جديدا ألا يرتوي عطشك من الفهم، بانتهاء هذا البرنامج، لكن حلقة حوار الأديان، الذي مثل أستاذ جامعة الأزهر "ابراهيم الخولي" فيها وجهة نظر المتشددين، مقابل الشيخ ضياء الموسوي المعتدل، أوصلت العبرة بشكل أو آخر. لقد وضح من حلقة الاتجاه المعاكس إلى أي حدّ تشكل عنصريته تجاه الأقليات مشكلة مستعصية على الحل، فيما لو استلمت هذه النخب الدينية إدارة الحياة بشقيها الاجتماعي والسياسي. لغة الخولي تجاه الأقليات في مجتمعاتنا، التي كان يتعمد فيها استخدام مصطلحات حادة وعنيفة تجاه من يخالفه الدين أو المذهب هي اللغة القديمة التي استخدمها سابقا، وهي لغته الحاضرة وحكما ستكون مستقبلية، لأن قواعد وأصول الفكر المنغلق على ذاته تقتضي الثبات عند مرحلة تاريخية معينة من التاريخ الإسلامي، وقد عبر صادقا: نحن لسنا مسلمين، وهو يشير إلى الديناميكية الفكرية التي تمتع بها المسلمين الأوائل في عهد الرسول، وبهذا التصريح يمكنني أن أحكم من خلال لغته العنيفة تجاه الأديان الأخرى بأنه ليس مسلما، فالمسلمين الأوائل تمتعوا بفكر تطويري متغير متبدل حسب الظروف التي واجهتهم. فأين من مسلم كالأستاذ ابراهيم من المسلمين الأوائل، فهو يرفض بعد 1400 عام من ظهور الإسلام مصافحة الأديان الأخرى، والحوار معها.. ألا تكفي ألف وأربعة عام من التغيرات العالمية التي وقعت على المجتمعات الأخرى غير الإسلامية لتدخل كل التغييرات العالمية في معمل الفكر الإسلامي كي يجوز الحوار معها؟

يمكن لأي طرف يعتمد قواعد وأصول الفكر المنغلق، أن يستدعي شواهد من تاريخ الأديان استخدم العنف فيها إلى أقصاه، وغالبا حين يتم الحديث عن تطرف الحركات الإسلامية فإنهم يجيئون بالمثال التالي: محاكم التفتيش في أوروبا" ويمجوّن في المثال ويكررونه حتى لنكاد نعتقد نحن الأقليات "سلالات القردة والخنازير وهو التعبير الذي تكرر على لسانه عدة مرات" أننا كمسيحيين موجودين في الشرق العربي والغربي من بلاد العرب في القرن الثاني والعشرون مسؤولون مسؤولية مباشرة عن ما جرى في تلك المرحلة وتلك الأرض، وفي مرحلة محاكم التفتيش، و ونكاد نصدق الكذبة من كثرة تكرارها حسب نظرتهم أننا شاركنا فيها وقتلنا العلماء وصلبناهم وسممناهم وفتكنا بالضحايا فتك الأسد بالغزال.
إن هذا الحكم علينا، حسب هذه القاعدة الذهبية، يسقط من حساب المحكمة أننا في الشرق نعيش، وأننا نشارك المسلمين في صنع الظرف التاريخي للبلاد بكل أخطائه وأمراضه، وإيجابياته، فيما أن الأرض الأوروبية عليها أناسا آخرين تشملهم قوانين تطور مختلفة كما ونوعا.
يمكن للسيد الخولي ومن يشاركه من رجال الدين الاسلامي وجهة نظره العنصرية تجاهنا كأقليات أن يقولوا ما شاءوا من هذه العبارات:
كفار
سلالة القردة والخنازير....
ولأن الخولي كان صريح العبارة، بأن مسلمي اليوم هم أتباع دين، وليسوا مسلمين، فمن حقي كامرأة من الأقليات المسيحية أن أجزم أن هذا الحكم المجحف بحقنا كأقلية هو حكم صادر:
- عن مؤسسة دينية لا إسلامية: فالمؤسسة الدينية التي يسيطر عليها أشخاص عنصريين مثل الخولي وحسب تصريحه لم تتطور عبر التاريخ ومتغيراته وهي بالتالي غير إسلامية!
- يتسم الحكم علينا كأقليات دينية بصفة العشائرية، بحكم أن المؤسسة الدينية الاسلامية الأولى قامت وتشكلت قلبا وقالبا في أحضان النظام القبلي والعشائري، ولم يتطور هذا النظام ولم تطور المؤسسة الدينية بدورها، ولو اختلفت أشكال الحكم الحديث.
وبحسب هذا الافتراض فحكم السيد خولي علينا هو حكم عشائري. أي: ثأري وشمولي. ثأري: لأنه لا يأخذ التقدم الزمني بعين الاعتبار، وشمولي لأنه: يحكم على قبيلة بأكملها بجريرة أفعال فردية.
هذه المقدمة تفسر إلى حد بعيد لماذا قال الخولي ساخرا: " تستحق جائزة نوبل" معلقا على سابقه: الشيخ ضياء الموسوي حين عبر عن العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين بأن الحب والفضاء الإنساني الأوسع يجب أن يكونا حاضرين للحوار:
سأترك لعبة البرنامج التي أسقطت كل حسابات التقارب الديني من حصيلته، وارتضى –البرنامج- أن يلعب دور الفرقة بحجة الحرية الإعلامية، ففجاجة نظرة ابراهيم الخولي تجاه الأقليات، تجيء من هذا الخلط بين الأقليات الموجودة في الشرق ووضعها في سلة واحدة مع امتدادها الديني في بلدان أخرى، وفجاجتها أن هذه السلة تسقط كل حسابات التقارب البيئية واللغوية والوطني بالاشتراك بمصير الأرض وما عليها من وسائل إنتاج وعلاقات إنتاج، ليبقى العنصر الديني هو الجامع والمفرق، وكأن الأقليات لم يقع عليها بجانب المسلمين حرب ال67، ولا نكبة ال48 ولا...
وأيضا حسب هذه النظرة إن المسلم السوري و المصري و النيبالي هم أكثر قربا من بعضهم وأكثر قربا من الله وجنته من تقارب مسلم ومسيحي من نفس المكونات: بيئة، وأرض، وعلاقات إجتماعية، وأحكام عرفية واحدة يخضعان لها في ذات البقعة من الأرض، مع أننا لو جئنا بمسلم من بلاد شرق المتوسط وقارنا سلوكه، ومعياره الأخلاقي مع مسلم شيشاني لاختلفا حتى العظم في نظرتهما تجاه الحياة وتفاصيلها:
صديقة لي مسلمة من عرق غير عربي تعيش في سوريا، ذهبت تبحث عن أقاربها، الذين يعيشون وسط سلالة القردة والخنازير في روسيا!!، وقد احتفل أقاربها بمجيئها بكرم كبير، وحين جاء المساء وتجمعت العائلة حول منضدة الطعام، كانت العادة ألا يبدءوا بالأكل قبل أن يفتتح كبير العائلة الاحتفال، ولذلك بقي الكرسي المخصص له فارغا حتى جاءت امرأة عجوز، فجلست على رأس طاولة الطعام بهيبة كبير العائلة، وكانوا قد سكبوا لها الخمر في كأس كبيرة لتلقي كلمة الترحيب، نظرت العجوز إلى الجالسين حول الطاولة، ثم رفعت كأس الخمر عاليا، وهي تقول: بصحة الله!! وأفرغت الكأس حتى القطرة الأخيرة في جوفها، ثم اعتذرت من الجمع قائلة تابعوا احتفالكم فأنا ذاهبة للصلاة!!
سيكفّر الفكر الديني المنغلق بحكم تصريح الخولي: "أننا أتباع دين ولسنا مسلمين" تلك العائلة بالتأكيد، ولو حلفت بالقرآن كتابا سماويا واحدا، ولكن من حقي بحكم تصريح الخولي أيضا أن أسحب الحكم لأنه لم يصدر عن مسلم!! كي أقول: أن هؤلاء مسلمون بحكم الانتماء العقائدي وهم يعيشون في أحضان سلالة القردة والخنازير شئنا أم أبينا، وليس من حق وجهة النظر العشائرية الخاصة بمجتمعاتنا أن تطلق حكما عليها بأنها مسلمة أو غير مسلمة.
إن المؤسسات الدينية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تقارب البشر من بعضهم البعض في ظل ظروف قاسية لا ترحم الإنسان في إنسانيته، وعلى رجال الدين، والدعاة من كافة الأديان، والمذاهب أن يرتدوا الثوب الأوسع في النظر إلى الحياة وتفاصيلها.
إذ لا خيار ولا حل ولا بصيص أمل بتجاوز محن السلوك العنصري في مجتمعاتنا ما لم تتسع النظرة إلى الحياة.
وعلى برنامج الاتجاه المعاكس أن يتحلى بروح المسؤولية لا التجارية، في التقارب بين أتباع الديانات، فهي موجودة على أرض واحدة، سواء أكانوا مسلمين وسط سلالة القردة والخنازير، أو كان الأخيرين وسط المسلمين، وإن قلنا في الوقت الحاضر: "موتنا واحد، وحياتنا واحدة"، فقريبا سنقول: "موت الكرة الأرضية واحدة وحياتها واحدة!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لعنة
حمورابي ( 2010 / 2 / 4 - 09:15 )
يا ست فاديا...اربعة تلعنهم الارض والسماء: من يزرع الشوك ومن يطفئ السراج ومن يقطع الارزاق ومن يبذر الشقاق .وهذه جميعا مجتمعة بالخولي .تحياتي


2 - سلام الرب ونعمه معك أختنا فاديا
الدكتورأدريانوس ( 2010 / 2 / 5 - 00:38 )
من البدءخلق الله الخيرللصالحين وللخاطئين خلق الشرور أول ما تحتاج إليه حياة الإنسان الماءوالناروالحديد والملح وكذلك الحنطة والعسل واللبن وعصير العنب وازيت واللبن كل هذه خيرات للأتقياء لكنها تستحيل شرورا وشرارا عندما تدخل في قاموس الخولي لتصبح للإنتقام مثل البرد والجوع والموت أختي الغالية فاديا يجب أن يتعلم السيد الخولي أولا المحبة ثم المحبة فالمحبة الذي نادى بها رب المجد حتى تزال عنه هذه الكراهية المدفونة فيه لكل من خالفه دينه ورأيه وهنا نقول :حدثت معجزة أشكرك على مقالك ودمتي قلما صارخا بالبرية

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي