الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقلانيه بين الاسلام والعلمانيه

ادم عربي
كاتب وباحث

2010 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلمانية من حيث سياقها التاريخي كظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية جاءت مرتبطة بالحداثة , والحداثة هنا ,

إشارة مرسلة تدل على تطور تاريخي لمجتمع ما في إطار التاريخ العالمي . أي بتعبير آخر , إشارة مرسلة تدل على حدوث تحول وتطور لمجتمع من المجتمعات في مجمل مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ... تحول وتطور عقلانيان يشيران إلى تجاوز قوى وعلاقات الإنتاج القديمة وتشكل أو إنجاز قوى وعلاقات إنتاج جديد تتناسب مع اقتصاد السوق وتحرير العملية الاقتصادية من رحم الاقتصاد البطريريكي بالترافق مع بدء انتشار وتكون وعي جديد ذي سمات علمية وعقلانية لتفسير حركة وآلية عمل الطبيعة والمجتمع بعيدا عن أسس التفسير السابقة المستندة على الرؤى والمفاهيم الذاتية والغيبية , هذا إضافة إلى تشكل جمعيات ثقافية وأحزاب سياسية ذات تصورات أيديولوجية مختلفة تتوزع مابين اليمين واليسار, واتساع لدوائر ومؤسسات الدولة الحديثة ذات التوجهات الليبرالية والسمات العقلانية .‏

إن كل ما أشرنا إليه , رافقه بالضرورة تحولات وحراك اجتماعي طال فئات وطبقات اجتماعية واسعة في المجتمع تمثل في في انتشار التعليم وزيادة نسبة المتعلمين واتساع حرية المرأة وبروز تبدلات في القيم والعادات والتقاليد ... الخ .‏

إذا كان هذا يصب في مفهوم الحداثة وعلاقتها بالعلمانية , فما هو مفهوم العلمانية إذن ؟ .‏

على العموم , إن العلمانية إن جاءت من ( العالم ) , أي من الحياة اليومية المباشرة بكل معطياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية , أم جاءت من ( العلم ) , بكل قوانينه الوضعية , فإن للعالم والعلم كلاهما له قوانينه الموضوعية التي تفرض نفسها على الإنسان وإرادته , وتتحكم بسير حركة الواقع وتطوره بشكل حتمي . بيد أن العلمانية التي تقر بوجود هذه القوانين الموضوعية لاتنفي بالمقابل أن للإنسان وعيا وحرية تعطيانه القدرة على التحكم أيضا في آلية عمل الكثير من هذه القوانين وضبط حركتها لمصلحته . أي إقرار العلمانية بأن ثمة فسحة واسعة من الحرية قد امتلكها الإنسان ليفكر ويمارس ويبحث عن ذاته وتنميتها , وبالتالي , فالعلمانية في ابسط صورها هي : امتلاك الإنسان القدرة على التفكير والحركة بحرية وعقلانية بعيدا عن أية سلطة أخرى , أو موقف فكري يدعي بأن الإنسان ضرورة فقط .‏

إن هذا الفهم للعلمانية يشكل برأيي نقطة الخلاف الأساس ما بين العلمانيين ومناهضي العلمانية , وبخاصة هؤلاء الذين يريدون أن يحجروا على حرية الإنسان وعقله , مطالبين وبكل صراحة بضرورة استقالة العقل أمام النقل , مكفرين العلمانيين تحت ذريعة الخروج عن النص الديني الذي فسروه هم كما فهموه أو أرادوه .‏

إن الدين في حقيقة الأمر لايخالف العلمانية من حيث الجوهر , فالدين لم يلغ في نصوصه البينات حرية الإنسان ودفعه إلى تجميد أو إلغاء التفكير عنده , بل على العكس فإن معظم النصوص تطالب الإنسان بالتفكير وتشغيل العقل للوصول إلى الحقيقة , ولم تخف هذه النصوص الدعوة بتكليف الإنسان ذاته خلافة الله على الأرض , هذا التكليف الذي رمى على عاتقه مسؤولية الإشراف والحفاظ على حسن سير الطبيعة والمجتمع , ولكي يدرك الإنسان ويعرف طبيعة هذه المسؤولية الملقاة على عاتقه , أُمر أن يسلك طريق المعرفة , فكانت أول آية قرآنية راحت تخاطب الإنسان هي ( اقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم . ) .‏

نعم لقد كانت دعوة صريحة للإنسان الخليفة وتنبيها له بأنك لن تستطيع أن تمارس دور الخلافة على الأرض ما لم تكن حرا ومدركا لدورك ورسالتك وطبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقك , وهذه لن تتحقق إلا باكتساب المعرفة أولا , وأول ما عليك معرفته هو , أن الواقع الذي تعيشه أقوى من النص , وأن النص جاء للواقع , ومن أجل تغيره وإعادة بنائه أو أعماره من أجل مصلحة الإنسان وبما يخدم تنميته والسمو به إلى عالم الإنسانية الرحب , ولو لم يكن النص كذلك لما جاء في الحقيقة منجما , ولما كان الناسخ والمنسوخ ... الخ .‏

على هذا الأساس نتساءل ما هي معطيات المقاربة ما بين الدين والعلمانية ؟ .‏

اولا : ضرورة الإقرار بأن النص الديني مفتوح في دلالاته الإنسانية على المطلق , وليس نصا مغلقا .‏

ثانيا : الإقرار بأن الإنسان يمتلك إرادة وتفكيرا حرين , ومسؤولية إنسانية توازي هذه الإرادة وهذا التفكير , وتعمل على ضبطهما بما يخدم حياة الإنسان ومستقبله .‏

ثالثا : الإقرار بأن الحياة في حالة من التطور والتبدل المستمرين , أي في حالة سيرورة وصيرورة دائمة.‏

رابعا : الإقرار بضرورة فصل الدين عن الدولة ( الدين لله والوطن للجميع ) وهي ضرورة تمليها طبيعة المجتمعات المتخلفة التي يسود فيها التعدد الطائفي والمذهبي كمجتمعنا العربي .‏

خامسا : رفض النزعة العدمية اتجاه الدين , وعدم الممانعة في الاتكاء عليه تربويا وأخلاقيا تحت مقولة ما نسميه التوظيف الديني سيسيولوجياً .‏

هكذا نجد من خلال هذه المقاربة الأولية ما بين الدين والعلمانية , أن العلمانية ليست ضد الدين أو نافية له , بل هي الجانب العقلاني والإنساني فيه , إنها دعوة لحرية الإنسان , وسيادة العقل والمنطق في تفسير ظواهر الحياة الطبيعية والاجتماعية ... إنها دعوة لتسييد العقل على النقل والامتثال .‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال




.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |


.. 80-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت