الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الإصلاح الانتخابي المفقود في لبنان

عماد الدين رائف

2010 / 2 / 4
المجتمع المدني


حمّلت الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي في لبنان الأطراف السياسية مسؤولية التأخير في إقرار قانون الانتخابات البلدية والتسويف المتعمد في اعتماد الإصلاحات المقترحة باتجاه إلغائها أو الالتفاف عليها. واعتبرت الحملة في بيان لها تلا اعتصاماً أمام السرايا الحكومية في بيروت أثناء انعقاد مجلس الوزراء اللبناني عصر 3 شباط/ فبراير 2010، أن النقاش الذي يدور حالياً هو نقاش صحي ومفيد، إلا أن ذلك ينبغي ألا يؤدي إلى تلاشي البنود الإصلاحية أو تأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد. وكانت الحملة قد تقدمت بجملة من الإصلاحات المقترحة منها خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة، اعتماد نظام التمثيل النسبي في جميع البلديات، إعادة تشكيل هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية، اعتماد الكوتا النسائية، القسائم الانتخابية المعدة سلفاً، السماح لأساتذة التعليم الرسمي بالترشح، وتقليص مدة ولاية المجلس البلدي إلى 4 سنوات. كما رفضت الحملة التي ينضوي فيها عدد كبير من جمعيات المجتمع المدني اللبناني الحقوقية والمطلبية أن تكون هذه الإصلاحات مادة للمقايضة بين الأطراف السياسية اللبنانية، ووضعت الحكومة أمام امتحانها الأول بعد نيلها الثقة في إثبات مصداقية بيانها الوزاري الذي ركز على أهمية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية التي هي حق للمواطنين ومن صلب العمل البلدي؛ مذكرة الحكومة بأن تأجيل إجراء الانتخابات أو تجاوز الإصلاحات قد يطيح بالبيان الوزاري الذي نالت الحكومة الثقة على أساسه.

معضلة الانتخابات

لا بد من الإشارة أولاً إلى أن مصطلح "الإصلاح" في لبنان قد استهلك إلى حدود النفاذ، على الرغم من أن استعماله من قبل الساسة المطالبين دوماً بالترفع عن مصالحهم الفئوية الضيقة لا يشبه إلى حد بعيد استعماله من قبل منظمات المجتمع المدني الذي ترى من خلاله خطوة مهمة نحو مستقبل الدولة المدنية. وهكذا، يجد المجتمع اللبناني نفسه أمام معضلة استحقاق الانتخابات البلدية المقررة هذا العام، والتي يتم العمل من قبل الساسة اللبنانيين على تأجيلها أو تطييرها كل وفق مصالحه المناطقية أو الطائفية أو الفئوية، وتبدو الانتخابات معضلة حقيقية لهؤلاء الساسة أنفسهم، خاصة بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية العام المنصرم، والتي أنتجت مجلساً نيابياً قائماً على المحاصصة الطائفية إرضاء لأمراء الطوائف، الذين اجتمعوا في الدوحة ربيع 2008، وأسسوا لهذا المجلس من خلال قانون انتخابات درسوا بدقة كبيرة تقسيم الحصص على أساسه وحصروا المعارك الانتخابية فيه في مناطق محددة، وقد لا يعبر إلى حد بعيد عن توجهات كثيرين من اللبنانيين يرغبون إلى دولة القانون والمؤسسات خارج إطار القيد الطائفي. أما مع الانتخابات البلدية المنتظرة، والتي قد لا ترى النور هذا العام، على الرغم من التوكيدات المتكررة من الساسة على إجرائها في موعدها، فأمراء الطوائف أنفسهم يحسبون بدقة نتائج الصناديق المحلية في البلدات قبل أن يختاروا السير باتجاه هذه الانتخابات. ومن نافلة القول إن موازين القوى في البلدات والقرى تختلف عما هي عليه في الدوائر الانتخابية النيابية، وأن أمراء الطوائف يرضون بالإصلاحات التي تصب في خدمة مصالحهم حصراً، ولا تصب في خدمة مصالح خصومهم السياسيين، وإن كان تعبير خصم سياسي في لبنان يعتبر من المصطلحات المرحلية، فكم من خصم البارحة تحول حليفاً اليوم والعكس كذلك، تبعا لبورصة المصالح الضيقة.

أهداف منشودة

يذكر أن الإصلاحات المنشودة تقاطعت جزئياً مع المشروع المعد من قبل وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، والذي كان قد تقدم به إلى مجلس الوزراء في 19 كانون الثاني/ يناير 2010، بصفته الجهة المسؤولة عن تنظيم العملية الانتخابية في البلاد. منهجياً، تتعدى غاية الإصلاح المدني في المجال البلدي الاستحقاق الانتخابي نفسه، وتسعى إلى تنظيم الحكم وإدارة التنمية في البلاد لتحقيق أعلى مستويات المشاركة المواطنية، والتمثيل الصحيح والتنمية، على المستويات الوطنية والمحلية على حد سواء، ما يتطلب ورشة إصلاح مؤسسي وسياسي شاملة، تشاركية وشفافة ومبرمجة زمنياً، وذلك لا يمكن تحقيقه في لبنان في المدى المنظور بدون أدنى شك. لذا، حاول المجتمع المدني تقديم اقتراحات لإدخال بعض الإصلاحات الفورية الهادفة إلى تحسين شروط وآليات إجراء الانتخابات البلدية ونتائجها، مع حرص متواز على أن تتساير هذه المقترحات مع المبادئ الإصلاحية العامة محلياً ودولياً، والأهداف المحددة لهذه الاقتراحات تكمن في: المساهمة في خفض حدة التنافس المحلي خارج إطار البرامج التنموية، المساهمة في تحسين التمثيل البلدي، المساهمة في توفير المتطلبات البشرية لزيادة فاعلية وإنتاجية المجالس البلدية، تحسين شروط الحياد في العملية الانتخابية، الحفاظ على سرية الاقتراع كحق أساسي للمواطن، والحرص على تأمين حق الاقتراع لجميع المواطنين دونما تمييز. وقد أرفق المجتمع المدني اللبناني هذه الأهداف بأسبابها الموجبة بعد قراءة متمعنة للواقع المحلي، ثم بالتعديل المقترح على قانون الانتخابات البلدية الذي عفا عنه الزمن، والذي يعمل به منذ سبعينات القرن المنصرم.

إصلاحات محددة

أولاً: جعل مدة ولاية المجالس البلدية أربع سنوات بدلاً من ست سنوات وفق القانون الحالي رقم 118/1977، ما من شأنه التخفيف من حدة الصراع الناتج عن الشعور بالانتصار أو بالإحباط لدى الرابح والخاسر، وكذا تحسين شروط المساءلة والشفافية .
ثانياً: اعتماد التمثيل النسبي، ما من شأنه صحة التمثيل وضمان فعالية المجلس المنتخب، على أن يتم الترشيح على أساس لوائح مقفلة مكتملة أو غير مكتملة مع شرط تخطي عدد الأعضاء ثلثي عدد المقاعد؛ في حال عدم حصول أي لائحة على أكثر من نصف الأصوات فتحصل اللائحة الفائزة بأكبر عدد من الأصوات حكماً نصف عدد المقاعد زائداً واحداً في المجلس البلدي وتوزع المقاعد المتبقية على اللوائح حسب نسبة الأصوات، وفي حال حصول لائحة على أكثر من نصف الأصوات فإن المقاعد تتوزع على اللوائح بحسب نسب الأصوات الفعلية، فيما تعود رئاسة المجلس البلدي للائحة التي حصلت على أكبر نسبة من الأصوات.
ثالثاً: لتحسين فعالية وإنتاجية المجالس البلدية كذلك، اعتماد الكوتا النسائية في لوائح الترشيح بنشية الثلث، خفض سن الترشح من 25 إلى 22 سنة، ما يتبع خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة، والسماح لأساتذة الجامعة اللبنانية وأساتذة التعليم الرسمي في مختلف المراحل بالترشح على عضوية المجالس البلدية.
رابعاً: لضمان حيادية العملية الانتخابية، تم اقتراح إحياء هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية النيابية بشكلها السابق المنصوص عليه في القانون 25/2008، إضافة مادة على القانون البلدي تعترف بحق المجتمع المدني بمراقبة العملية الانتخابية، وتعديل شكل لجان القيد الابتدائية.
خامساً: لضمان سرية الاقتراع، إعداد وطباعة قسائم اقتراع رسمية تعتمد حصراً في عملية الاقتراع، واقتصار مسؤولية هيئة القلم على عد الأصوات بعد انتهاء عملية الاقتراع فقط لا غير، على أن يتم الفرز على مستوى مركز الاقتراع لا القلم.
سادساً: لضمان اقتراع المواطنين دونما تمييز، تم اقتراح تفصيل آليات اقتراع الأشخاص ذوي الإعاقات واتخاذ الإجراءات العملية وتكليف من يلزم من أجل تجهيز الوسائل الكفيلة بضمان ممارسة هذا الحق في الانتخابات البلدية.

في انتظار الانتخابات

لم يدل جميع الساسة بدلوهم بعد في التناتش الحاصل على المستوى الإعلامي بما يخص الانتخابات البلدية المرتقبة، وإن كان كثيرون منهم يفضلون تأجيلها إلى أجل غير مسمى احتفاظاً منهم بمكاسب نالوها في الانتخابات النيابية التي جرت في 7 حزيران/ يونيو 2009، وقد سقط المطلب الإصلاحي الشبابي الأساسي المتعلق بخفض سن الاقتراع في لبنان من 21 إلى 18 عاماً، وذلك لأن الحسابات الطائفية الضيقة ربطته بإيجاد آليات لاقتراع اللبنانيين غير المقيمين، واسترجاع الجنسية من قبل مئات آلاف المغتربين من الجيلين الثالث والرابع من ذوي الأصول اللبنانية ممن يودون استرجاعها. وأمام هبوط أسهم بعض الإصلاحات التي تقدم بها الوزير بارود والتي تتقاطع جزئياً مع مقترحات المجتمع المدني اللبناني، يتجه الناشطون المدنيون اليوم، فيما يبدو، وقبل أن ييأسوا من التجاهل المتعمد لأصواتهم إلى إنقاذ ما تبقى من الانتخابات البلدية التي انتظروها لست سنوات.. أي أن يتم إجراء الانتخابات على الأقل حتى لو لم يتم إدراج أي إصلاح فيها، لأن إجراءها هذا العام يعد معجزة لبنانية بحد ذاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية


.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق




.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري