الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس صديقاً

سعد محمد رحيم

2010 / 2 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


على العكس مما يظن بعضنا لم يكن فردريك أنجلس هو صديق كارل ماركس الوحيد، وإن كانت الصداقة التي ربطتهما هي الأقوى والأخصب في حياة الرجلين.
كان ماركس بطبعه وفوران روحه الاجتماعية ميالاً إلى عقد الصداقات وإدامتها على الرغم من متطلبات وضعه مفكراً وفيلسوفاً، والتي تدفعه بالضرورة إلى العزلة والتوحد. لكن تلك الصداقات، كانت تتنفس أبداً في أجواء فكرية عارمة، وفي ساحات الكفاح السياسي المحتدم. أي أن ماركس كان يبحث عن الصديق الصنو، والصديق الند، والصديق المتفهم والمتعاطف، والصديق التابع ( فكرياً وسياسياً ). وأية قراءة لسيرته في هذا الجانب تُرينا كيف أن تلك الصداقات كانت تفضي إلى تفاعلات فكرية مثمرة، تنعكس عنها التماعات واستبصارات وشرارات فكر ببلاغة رفيعة نفاذة. وتُنتج عنها مقالات ودراسات ورسائل وكتب شكّلت بمجملها ما يُعرف اليوم بالمنابع الرئيسة للفكر الماركسي. ولولا تلك الصداقات ربما لم تكن للنظرية الماركسية أن تتخذ صيغها وسماتها ومحتوياتها ومساراتها التي انتهت إليها فيما بعد.
لم يكن ماركس فيلسوف البرج العاجي.. العقل البرجوازي المغرور الذي يراقب العالم من علٍ مثل إله زائف. ولم يكن من أولئك المفكرين والفلاسفة الذين تستغرقهم النظريات المجردة فيهيمون في عوالمها التي قد تكون متسقة منطقياً في الظاهر لكنها لا تصمد في أثناء خضوعها لامتحان الواقع والتاريخ. والواقع والتاريخ مثلما نعلم هما اللذان يُكسبان الفكرَ الحرارة والصدق والمعقولية والروح، ويجعلانه مصدر إضاءة لهما، وأداة للتغيير. وهذا كله كان يفرض على ماركس النزول إلى أرض الواقع والانغمار في معمعة النشاط السياسي. وكان بحاجة إلى خوض نقاشات حامية مع الآخرين، أو تبادل الآراء والأفكار معهم عبر الرسائل. وبذا كانت الصداقات تساهم في بلورة قناعات ماركس وأفكاره.
لم يكن كارل ماركس، في مراحل حياته المختلفة، على وفاق مع أصدقائه كلهم ( ربما باستثناء أنجلس ) فقد دخل في سجالات ساخنة مع أولئك الذين عرفهم عن قرب. وأحياناً كانت السجالات تلك تؤدي إلى الخصومة والقطيعة الاجتماعية. فماركس لم يكن ممن يتساهلون في مواقفهم وآرائهم، أو يتملقون أصحاب الشأن والمال.
كان ماركس حاداً وساخراً فيما يكتب، وكانت تحليلاته العميقة وتعليقاته المتهكمة تربك أصدقاءه ومناوئيه في الوقت عينه. وهذا ما جعل بعضهم ينجذب عن قناعة إلى حلقته، وبعضهم الآخر ينفر منها.
إن روحه الاجتماعية المتفتحة، ومرحه، وحتى سخريته المريرة، في أوقات المحن والفاقة، كانت عناصر لتغذية صداقاته، وإنقاذه من حالات العزلة والكآبة واليأس. ولذا كان ماركس في أحلك الظروف ذا إرادة قوية، ونفس وثّابة متفائلة.
من ناحية أخرى كان عمله في الصحافة لسنوات عديدة مناسبة للتواصل مع الآخرين وعقد علاقات عمل وصداقة معهم. قد تكون مؤقتة عابرة أحياناً وقد تكون دائمية وراسخة أحياناً. وفي النهاية كان عقل ماركس ينضج يوماً بعد آخر بتأثير عوامل شتى واحد منها صداقاته مع من كانوا جديرين بتلك الصداقة وذوي فائدة في تحفيز فكره ليترك لنا ذلك الإرث الوفير والثري والخلاّق.
عاش ماركس طفولته في أجواء عائلية حميمة.. العلاقة الزوجية بين أبويه ممتازة، والمناخ العام في البيت لا يكاد يعكِّره شيء، وأخته الكبرى ( صوفي ) تضفي من روحها المرحة على ذلك المناخ ما يجعل الأيام تمر بيسر وفرح وسلام. وإذا كان ذكاء كارل وقوة شخصيته وشغفه بالثقافة والعلم شروط ضمان تُطمئن العائلة على مستقبل ابنها فإن الأب "لاحظ من طرف خفي الشيطان الذي يركب ابنه المفضل". بالمقابل ستبقى الأم لسنوات طويلة تشعر بالأسى لأن ابنها لم يسلك السبيل القويم ويصبح محامياً كأبيه، وأهدر طاقته في دراسة الرأسمالية ونقدها والنضال ضدها بدل أن يعمل من أجل جمع رأس مال محترم يعينه في مواجهة صعوبات الحياة المعيشية!.
لم يشر ماركس في أية مناسبة إلى رفاق مدرسته في ( تريير ) حيث تخرّج في كليتها، ويبدو أن لا أحد منهم ترك، هناك، تأثيراً قوياً عليه. ومن أولئك لم يدل أحد بتصريح أو تعليق عن كارل ماركس حين اتسعت شهرته بعد سنوات.
كان والده أول أصدقائه ربما.. يشجع ابنه على الاغتراف من منابع الثقافة ويحس بالقلق لما يلمسه من طبيعة صلبة في شخصية الفتى والتي تختلف عن طبيعته هو اللينة. وسيكتب ماركس رسالة مفصلة عن سنته الأولى في برلين ( بدءاً من تموز 1836 ) موجهاً لوالديه، يتحدث فيها بطلاقة، ومن دون مواربة، صديقاً لأصدقاء، عن كفاحه الصعب للقبض على الحقيقة، حيث "يصل به الأمر إلى حد الإنهاك الجسدي والعقلي، كما تكشف عن ظمأه الذي لا يرتوي إلى المعرفة، وقدرته التي لا حدود لها على العمل المتواصل ونقده القاسي لنفسه". وكان والد خطيبته جيني ( لودفيغ فون فستفالن ) صديقاً من نوع آخر. وقد وجد كارل في منزل فستفالن جواً ثقافياً منعشاً يفتقر إليه منزل والديه، وكذلك مدرسته. وسيبقى يخاطب الرجل الكبير بـ ( صديقي الأبوي العزيز ) ويحس تجاهه بأعظم العرفان.. كان فستفالن "يلقي مقطوعات كاملة من قصائد هومر، وكان يحفظ عن ظهر قلب معظم مسرحيات شكسبير بالإنكليزية، وبالألمانية أيضاً".
ظل ماركس طوال سنوات عمره بحاجة إلى ذلك الطراز من الأصدقاء الذين يتحملون ثمن صداقته ويمضون معه إلى آخر الشوط. وكانت جيني فستفالن ( ولدت في 1814 ) التي "تنحدر من عائلة نبيلة رجعية بروسية. شقيقها الأكبر كان وزيراً للداخلية في بروسيا في مرحلة كانت من أشد المراحل إغراقاً في الرجعية، وذلك بين 1850 و 1858" بتوصيف لينين، من ذلك الطراز. فجيني، من جهة ثانية، كانت الفتاة الذكية فائقة الجمال وابنة موظف ذي مركز مهم وصديقة أخته ( صوفي ) والتي تكبره بأربعة أعوام. وقد ضحّت بالفرص الطيبة كلها، المتاحة لها لزواج بورجوازي مستقر، وراهنت على "مستقبل خطر غير مأمون" على حد تعبير والد ماركس نفسه ( هنريخ ماركس ) بعلاقتها العاطفية مع كارل الذي سيكون زوجها وستكابد معه، خلال السنوات المقبلة، عذابات وظروف النفي والتشرد والفقر والجوع. وحتى هو على فراش الموت سيتذكر ماركس "بلهجة حزينة" الفترة السعيدة من شبابه التي أمضاها مع جيني؛ "أجمل فتاة في تريير" مثلما كان يفتخر.
انضم ماركس إلى نادي الهيغليين ( اليساريين ) الشباب في العام 1838 وهو في جامعة برلين.. كان آنذاك في العشرين من عمره. وبطبيعة الحال، سيكون بعض أعضاء ذلك النادي من أوائل أصدقائه الذين تجمعهم هواجس الثقافة والسياسة. وفي إحدى رسائله يخبر ماركس أباه بأن أقرب أصدقائه إليه هو روتنبرغ ( وكان يعلّم الجغرافيا في مدرسة برلين للضباط ). والذي سرعان ما سيُطرد من مدرسته لكتابته مقالات حاقدة معارضة للدولة في صحف ليبزغ وهامبورغ. وكان روتنبرغ ناشطاً ثورياً لا يستهان به، ولا تغفل عنه عين السلطة الأمنية. "وفي أيام 1848 كان فردريك وليم الرابع يرتعد أمام روتنبرغ معتقداً أنه المحرِّض الحقيقي للثورة".
ولأنه جذب الاهتمام بسبب حدّة ذكائه وقوة أفكاره ونشاطه صار ماركس مركز نادي الهيغليين الشباب ليكون أبرز عضوين فيه صديقين مقربين له وهما كارل فردريك كوبن وبرونو باور. وقد نشر الأول كتاباً في العام 1840 حمل الإهداء التالي: "إلى صديقي كارل ماركس". وأثار، في حينها، سجالاً حاداً. وكان كوبن متخصصاً في حقول البحث التاريخي، واستهدف كتابه "التقاط خيوط حركة الاستنارة البرجوازية في القرن الثامن عشر". وسيلاحظ روغه أن القاسم المشترك بين ماركس وكوبن هو الانطلاق من تلك الحركة. لكن ماركس لم يوافق على ما جاء في الكتاب الذي حمل اسمه، ولاسيما فيما يخص مقارنة كوبن بين بُعد الاستنارة فيما يقوله الفيلسوف كانط وتخريجات فردريك الأكبر الزائفة الذي كان كوبن يرى فيه ملكاً عظيماً وفيلسوفاً عظيماً!. وبعد مدة قصيرة اختلفت السبل بين الصديقين إلاّ أنهما ظلا محافظين على صداقتهما. ولمّا عاد ماركس لزيارة برلين بعد ذلك بعشرين سنة "وجد كوبن كما كان دوماً، واحتفى الاثنان بلقائهما وأمضيا معاً كثيراً من الساعات الممتعة". وقد توفي كوبن في العام 1863. أما برونو باور فكان القائد الحقيقي لنادي الهيغليين الشباب. وكانت علاقته منذ البدء وطيدة مع ماركس. وفي هذه الأثناء هاجم باور كتاب شتراوس ( حياة يسوع ) معلناً أن "المسيحية لم تُفرض كدين عالمي على العالم الروماني ــ الإغريقي القديم، ولكنها كانت نتاج هذا العالم... وقد اكتشف في الأناجيل الترسبات الفكرية للعصر الذي وضعت فيه". وفي إحدى المرات حين يدخل ماركس بون ولا يجد فيها برونو باور يقول: "من المؤسف أن لا يبقى أحد ( في بون ) ليضايق الأرثوذكسيين"!.
كان باور مخلصاً لفلسفة معلمه هيغل أكثر من كوبن. وفي مقابل معرفته الفلسفية الواسعة كان يعاني من قصر نظر في مجال السياسة مثلما يقول فرانز مهرنغ. واهتم الأصدقاء ( كوبن وباور وماركس ) بفلسفة وعي الذات الإغريقية، ملتقطين "خيوط حركة الاستنارة البرجوازية" من خلالها. فتلك الفلسفة، بحسب مهرنغ، أدت دوراً تاريخياً عظيماً "فهي قد فتحت أمام العقل البشري آفاقاً رحبة جديدة وكسرت الحدود القومية للهيلينستية، كما كسرت الحدود الاجتماعية للعبودية. تلك الحدود التي لم يحلم أفلاطون ولا أرسطو باجتيازها". وهنا درس ماركس الفلسفة الإغريقية بعمق وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة يينا عن أطروحته حول الفلسفة الطبيعية عند أبيقور وديمقريط والفروقات بينهما.
ضيّق الملك الجديد على حرية الصحافة في الولايات البروسية في العام 1841، وجرى إعداد قانون صارم للرقابة على المطبوعات مما حدا بالصديقين ماركس وباور إلى صرف النظر عن إنشاء مجلة خاصة بهما في هذا الوقت، وقررا المساهمة في مجلة ( دويتشه ياربشر ) التي أصدرها روغه في دويسدن. وستعاني هذه المجلة هي الأخرى من الرقابة، إذ سيكون من المستحيل نشر مقالة ماركس فيها عن تعليمات الرقابة الأخيرة كما سينبئ روغه ماركس في رسالة يوجهها إليه.
كان روغه يكبر ماركس بستة عشر عاماً، وكان مثل كوبن وباور يؤمن بقدرات ماركس الذهنية، وعبقريته الواضحة، ويحترمها، لكنه كان ( مثل بقية الناشرين والأصدقاء ) يضيق ذرعاً ببطء إيفاء ماركس بوعوده في الكتابة لمغالاته في مراجعة نصوصه المخطوطة، ونقده الذاتي الصارم الذي يجعله لا يرضى بسهولة عمّا كتب. وكانت شكوى روغه من ماركس واضحة في رسالة وجهها الأول بهذا الصدد إلى فويرباخ في العام 1844 يعلمه "أن ماركس يقرأ كميات هائلة، ويعمل بحماسة غير عادية، لكنه لم يكن ينهي شيئاً، بل كان ينقطع عن عمله باستمرار، ليقفز في بحر لا نهاية له من الكتب. ويعلمه كذلك أن ماركس أصبح عنيفاً يثور بسرعة خاصة عندما يعمل ثلاث أو أربع ليال بلا انقطاع". ويبدو أنه لم يكن بمقدور روغه التنبؤ بما سيقدّمه ماركس من نصوص فكرية مذهلة، بعد أشهر وسنوات، حالما يستوعب أفكار عصره والعصور السابقة، ويتمثلها برؤية نقدية ثاقبة.
وخلال فترة الإعداد لإصدار مجلة ( دويتشر ـ فرانز وسيش ياربشر/ الحولية الألمانية الفرنسية ) يكتب ماركس لروغه عن مشكلاته العائلية بصراحة، ولكن من غير إسهاب. يقول؛ "ضاع ما تبقى من الوقت في خلافات عائلية مزعجة. فعلى الرغم من أن عائلتي ميسورة إلاّ أنها وضعت في طريقي مصاعب جعلتني أواجه مؤقتاً ظروفاً محرجة للغاية، وأنا لا أستطيع بالطبع إزعاجك بوصف مشكلاتي الخاصة الحقيرة. ولعل من حسن الحظ أن المشاكل العامة تجعل من المستحيل على أي رجل ذي سلوك قويم أن يسمح لمشكلاته الخاصة بإزعاجه".
كان ماركس قد نذر حياته للمهام الكبيرة والصعبة، وحين أختيرت باريس مكاناً لإصدار المجلة نقل ماركس بيته الزوجي ( وكان قد تزوج لتوِّه ) إلى هناك بعد أن وعده روغه براتب شهري مقداره ( 500 تالر ) مقابل عمله في ياربشر. وفي نهاية شباط من العام 1844 صدر عدد مزدوج منها. إلاّ أنها، للأسف، كان العدد الوحيد. وساهم فيها أسماء فكرية مرموقة ( هاينه وهيرويغ وجوهان جاكوبي وموسى هس وشاب أصغر سناً من الجميعن لم يكن معروفاً، يدعى فردريك أنجلس ). أما توقف المجلة فكان نتيجة ضآلة التمويل والعقبات السياسية التي واجهتها بعد مصادرة 300 نسخة منها على الحدود الألمانية، واضطرار روغه منح ماركس جزءاً من راتبه نسخاً من المجلة! وغضب الحكومة البروسية من العدد الصادر بعدِّه خيانة عظمى، وطعناً في الذات الملكية، إلى جانب إعطاء تعليمات لحكام المقاطعات بإلقاء القبض على كل من روغه وماركس وهايند وبيرنز ( محررو المجلة ) ومصادرة أوراقهم الرسمية بمجرد دخولهم الأراضي البروسية. وبعد سنوات سيرسل روغه إلى وزير الداخلية البروسي رسالة استرحام "يخون فيها رفاقه في المنفى في باريس، ويحمِّل هؤلاء ( الشبّان ) مسؤولية الخطايا التي اقترفها". وسيعترف روغه في مذكراته بعد عشرين سنة أن سبب خلافه مع ماركس كان هيرويغ الذي لم يكن في نظر روغه سوى وغد فاشل، فيما أكد ماركس على المستقبل العظيم الذي ينتظره. وربما كان روغه في هذا على حق أكثر من ماركس. غير أن الافتراق النهائي بين الصديقين كان بسبب ما انتهى إليه روغه من الاعتقاد بفلسفة ستيرنر "أكثر خلفاء الفلسفة الهيغلية ( بحسب فرانز مهرنغ ) سوقية وابتذالاً بوصفها الدرع الواقي من الشيوعية التي اعتبرها أغبى الغباوات، ووصفها بأنها مسيحية جديدة يبشر بها السذج، ونظام يعني تحقيقه انحطاط البشرية إلى الدرك الأسفل". وحين تندلع ثورة عمّال النسيج في سيليسيا يقلل روغه من شأنها في الوقت الذي يتحمس لها ماركس قائلاً: "لننظر الطريقة العميقة المدهشة القاسية القوية التي تطرح بها البروليتاريا شعارات تناقضها العدائي مع مجتمع الملكية الخاصة... لقد بدأت الثورة في سيليسيا بوعي البروليتاريا ( لنفسها ) كطبقة". وكانت روحية الشباب الانفعالية وراء مغالاة ماركس في تقديره لتلك الثورة واتجاهاتها. حيث كان إحساس روغه بمحدوديتها أقرب إلى الصحة.
تلقى ماركس من أصدقائه المخلصين في كولون هدية مالية مقدارها ( 1000 تالر ) أعانته في أن يتفرغ لعمله الفكري في تلك السنة ( 1844 ). وكان من أصدقائه، في هذا الوقت، الشاعر الألماني هينريخ هاينه. وكان ماركس يكن احتراماً جلياً للشعراء ويتسامح بسعة صدر تجاه نقاط ضعفهم، ويشعر "أن الشعراء قوم غرباء يجب أن يُسمح لهم أن يحيوا كما يريدون" وهكذا تعاطف مع هاينه، كما تعاطف قبله مع الشاعر هيرويغ. وكان هاينه من وجهة نظره مناضلاً أيضاً، فقد أعلن في العام 1843 "أن روح الحرية التي تنفسها أدبنا الكلاسيكي أقل فعالية بين العلماء والشعراء ورجالات الأدب منها بين الحرفيين والعمّال". وبعد عشر سنوات كتب: "إن البروليتاريين في نضالهم ضد الوضع الراهن يستطيعون أن يدّعوا أن الأرواح التقدمية والفلاسفة العظماء هم قادتهم". ودعم ماركس هاينه في نزاعه مع بورن. وبقيا رفيقين يشدهما رباط "روح الفلسفة الألمانية والاشتراكية الفرنسية" وكان هاينه مخلصاً لغوته وهيغل ضد بورن الذي صوّر غوته بالعبد الموزون المقفى وهيغل بالعبد غير الموزون وغير المقفى.
في هذه الأثناء ( أيلول 1844 ) قدم إلى باريس شاب مثقف، ابن تاجر منسوجات ألماني ثري، متأثر بالفلسفة الألمانية والاشتراكية الفرنسية وسبق أن نشر مقالة في مجلة ( ياربشر ) أعجبت ماركس.. هذا الشاب المولود في العام 1820 هو فردريك أنجلس. وقد التقى ماركس وأمضيا "عشرة أيام منقعة بالبيرة" كما يصفها كاتب سيرة أنجلس (تريسترام هنت ) في كتاب عنوانه ( قائد ماركس: الحياة الثرية لفردريك أنجلس ). وسيكون لذلك اللقاء القدري أثره العميق، لا على حياة الشابين فحسب وإنما على تاريخ الفكر الاقتصادي الاشتراكي والنظريات السياسية والفلسفة المادية لعقود طويلة لاحقة. ومثلما يقول لينين فقد خاض الصديقان بعدئذ "نضالاً حاداً ضد مختلف نظريات الاشتراكية البرجوازية الصغيرة وصاغا نظرية و تاكتيك الاشتراكية البروليتارية الثورية أو الشيوعية (الماركسية)".
المصادر:
1ـ كتاب ( كارل ماركس ) فرانز ميهرنغ.
2ـ مقال ( كارل ماركس: سيرة مختصرة وعرض للماركسية ) فلاديمير لينين.
3ـ مقال ( أنجلس الثري المحب للحياة ) ترجمة ابتسام عبد الله.. المدى 2/9/2009.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 10 سنوات من الحرب.. أطفال اليمن، أجيال مهددة بالضياع!


.. ماكرون يقامر بانتخابات مبكرة... هل يتكرر سيناريو ديغول أم شي




.. فرنسا: متى حُلّت الجمعية الوطنية في تاريخ الجمهورية الخامسة


.. مجلس الحرب الإسرائيلي.. دوره ومهماته | #الظهيرة




.. هزة داخلية إسرائيلية.. وحراك أميركي لتحقيق الهدنة | #الظهيرة