الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوقوف الى جانب الاطفال

نانا امين

2010 / 2 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


معضم الأحيان؛ عند انتهائي من قراءة هذه المقالة تدمع عيناي؛ فأحببت أن اشارك الجميع فيها:

"إن الحياة ملأى بالقصص والأحداث التي إن تأملنا فيها أفادتنا حكمة واعتباراً. والعاقل لا ينخدع بالقشور عن اللباب، ولا بالمظهر عن المخبر، ولا بالشكل عن المضمون. يجب ألا تتسرع في إصدار الأحكام، وأن تسبر غور ما ترى، خاصة إذا كان الذي أمامك نفساً إنسانية بعيدة الأغوار، موّارة بالعواطف، والمشاعر، والأحاسيس، والأهواء، والأفكار.

أرجو أن تكون هذه القصة موقظة لمن يقرؤها من الآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات، والأصدقاء والصديقات:




حين وقفت المعلمة أمام الصف الخامس في أول يوم تستأنف فيه الدراسة، وألقت على مسامع التلاميذ جملة لطيفة تجاملهم بها، نظرت لتلاميذها وقالت لهم: إنني أحبكم جميعاً، هكذا كما يفعل جميع المعلمين والمعلمات، ولكنها كانت تستثني في نفسها تلميذاً يجلس في الصف الأمامي، يدعى تيدي ستودارد.

لقد راقبت السيدة تومسون الطفل تيدي خلال العام السابق، ولاحظت أنه لا يلعب مع بقية الأطفال، وأن ملابسه دائماً متسخة، وأنه دائماً يحتاج إلى حمام، بالإضافة إلى أنه يبدو شخصاً غير مبهج، وقد بلغ الأمر أن السيدة تومسون كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر عريض الخط، وتضع عليها علامات x بخط عريض، وبعد ذلك تكتب عبارة "راسب" في أعلى تلك الأوراق.

وفي المدرسة التي كانت تعمل فيها السيدة تومسون، كان يطلب منها مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ، فكانت تضع سجل الدرجات الخاص بتيدي في النهاية. وبينما كانت تراجع ملفه فوجئت بشيء ما!!

لقد كتب معلم تيدي في الصف الأول الابتدائي ما يلي: "تيدي طفل ذكي ويتمتع بروح مرحة. إنه يؤدي عمله بعناية واهتمام، وبطريقة منظمة، كما أنه يتمتع بدماثة الأخلاق.

وكتب عنه معلمه في الصف الثاني: "تيدي تلميذ نجيب، ومحبوب لدى زملائه في الصف، ولكنه منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض عضال، مما جعل الحياة في المنزل تسودها المعاناة والمشقة والتعب.

أما معله في الصف الثالث فقد كتب عنه: "لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه.. لقد حاول الاجتهاد، وبذل أقصى ما يملك من جهود، ولكن والده لم يكن مهتماً، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات.

بينما كتب عنه معلمه في الصف الرابع: "تيدي تلميذ منطو على نفسه، ولا يبدي الكثير من الرغبة في الدراسة، وليس لديه الكثير من الأصدقاء، وفي بعض الأحيان ينام أثناء الدرس.

وهنا أدركت السيدة تومسون المشكلة، فشعرت بالخجل والاستحياء من نفسها على ما بدر منها، وقد تأزم موقفها إلى الأسوأ عندما أحضر لها تلاميذها هدايا عيد الميلاد ملفوفة في أشرطة جميلة وورق براق، ما عدا تيدي. فقد كانت الهدية التي تقدم بها لها في ذلك اليوم ملفوفة بسماجة وعدم انتظام، في ورق داكن اللون، مأخوذ من كيس من الأكياس التي توضع فيها الأغراض من بقالة، وقد تألمت السيدة تومسون وهي تفتح هدية تيدي، وانفجر بعض التلاميذ بالضحك عندما وجدت فيها عقداً مؤلفاً من ماسات مزيفة ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع فقط.. ولكن سرعان ما كف أولئك التلاميذ عن الضحك عندما عبَّرت السيدة تومسون عن إعجابها الشديد بجمال ذلك العقد ثم لبسته على عنقها ووضعت قطرات من العطر على معصمها. ولم يذهب تيدي بعد الدراسة إلى منزله في ذلك اليوم. بل انتظر قليلاً من الوقت ليقابل السيدة تومسون ويقول لها: إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي! !

وعندما غادر التلاميذ المدرسة، انفجرت السيدة تومسون في البكاء لمدة ساعة على الأقل، لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!، ومنذ ذلك اليوم توقفت عن تدريس القراءة، والكتابة، والحساب، وبدأت بتدريس الأطفال المواد كافة "معلمة فصل"، وقد أولت السيدة تومسون اهتماماً خاصاً لتيدي، وحينما بدأت التركيز عليه بدأ عقله يستعيد نشاطه، وكلما شجعته كانت استجابته أسرع، وبنهاية السنة الدراسية، أصبح تيدي من أكثر التلاميذ تميزاً في الفصل، وأبرزهم ذكاء، وأصبح أحد التلايمذ المدللين عندها.

وبعد مضي عام وجدت السيدة تومسون مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي، يقول لها فيها: "إنها أفضل معلمة قابلها في حياته.

مضت ست سنوات دون أن تتلقى أي مذكرة أخرى منه. ثم بعد ذلك كتب لها أنه أكمل المرحلة الثانوية، وأحرز المرتبة الثالثة في فصله، وأنها حتى الآن مازالت تحتل مكانة أفضل معلمة قابلها طيلة حياته.

وبعد انقضاء أربع سنوات على ذلك، تلقت خطاباً آخر منه يقول لها فيه: "إن الأشياء أصبحت صعبة، وإنه مقيم في الكلية لا يبرحها، وإنه سوف يتخرج قريباً من الجامعة بدرجة الشرف الأولى، وأكد لها كذلك في هذه الرسالة أنها أفضل وأحب معلمة عنده حتى الآن.
وبعد أربع سنوات أخرى، تلقت خطاباً آخر منه، وفي هذه المرة أوضح لها أنه بعد أن حصل على درجة البكالوريوس، قرر أن يتقدم قليلاً في الدراسة، وأكد لها مرة أخرى أنها أفضل وأحب معلمة قابلته طوال حياته، ولكن هذه المرة كان اسمه طويلاً بعض الشيء، دكتور ثيودور إف. ستودارد!!

لم تتوقف القصة عند هذا الحد، لقد جاءها خطاب آخر منه في ذلك الربيع، يقول فيه: "إنه قابل فتاة، وأنه سوف يتزوجها، وكما سبق أن أخبرها بأن والده قد توفي قبل عامين، وطلب منها أن تأتي لتجلس مكان والدته في حفل زواجه، وقد وافقت السيدة تومسون على ذلك"، والعجيب في الأمر أنها كانت ترتدي العقد نفسه الذي أهداه لها في عيد الميلاد منذ سنوات طويلة مضت، والذي كانت إحدى أحجاره ناقصة، والأكثر من ذلك أنه تأكد من تعطّرها بالعطر نفسه الذي ذَكّرهُ بأمه في آخر عيد ميلاد!!

واحتضن كل منهما الآخر، وهمس (دكتور ستودارد) في أذن السيدة تومسون قائلاً لها، أشكرك على ثقتك فيّ، وأشكرك أجزل الشكر على أن جعلتيني أشعر بأنني مهم، وأنني يمكن أن أكون مبرزاً ومتميزاً.

فردت عليه السيدة تومسون والدموع تملأ عينيها: أنت مخطئ، لقد كنت أنت من علمني كيف أكون معلمة مبرزة ومتميزة، لم أكن أعرف كيف أعلِّم، حتى قابلتك.

(تيدي ستودارد هو الطبيب الشهير الذي لديه جناح باسم مركز "ستودارد" لعلاج السرطان في مستشفى ميثوددست في ديس مونتيس ولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعد من أفضل مراكز العلاج ليس في الولاية نفسها وإنما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية)."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزتي الكاتبة
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 2 / 7 - 08:40 )
تأثرت جدا وأنا أقرأ قصتك الرائعة , كيف لا ؟ وأنا التي أؤمن أن اغداق الحب في فورته هو الجنائن المعلقة وأن الحب في خموده احياء لذكرى تبلّ القلب والعين . أشارك منذ ثلاث عشرة سنة في جمعية عالمية لرعاية المعوقين اسمها ايمان ونور , التزمت لمدة سنتين في خدمة البالغين ثم تحولت الى الأطفال أشاركهم حياتهم 4 مرات أسبوعياً , أنا أم لثلاثة شباب لكني في الحقيقة أصبحت أماً لكثيرين من الأطفال الذين نمّوا عندي الاحساس الانساني الى درجة عالية يصعب عليّ منها أن أرى تحلل المشاعر وأنانية الانسان ولا مسؤوليته تجاه أفعاله . كم من كلمة وفعل رفعتْ الانسان اٍلى الذروة وأخرى أودته الى الحضيض . الحب عندي كالصليب خشبته العمودية تصلني حباً بالكبير والصغير , والأفقية بالمؤنث والمذكر يعني الانسان , كما تعلمت من تراثي الديني . زوّدينا أكثر لنحبك أكثر فأكثر


2 - شكرا
عبد القادر أنيس ( 2010 / 2 / 7 - 12:47 )
لقد تأثرت لقراءة هذه القصة أيما تأثر. أنا أتابع يوميا الحياة الدراسية لابني الأصغر وأتألم من الحالة المتردية التي وصل إليها الكثير من المعلمين عندنا خاصة جنوح بعضهم إلى التدين المفرط وإقحام رؤاهم الدينية في كل المواد على حساب تعليم اللغة والعلوم والسلوك الحسن.
شكرا على حسن اختيارك


3 - للألم سحر فيما لو أُحسن إستعماله
الحكيم البابلي ( 2010 / 2 / 7 - 16:04 )
السيدة نانا
قصة رائعة تقطر إنسانية ومعنى ورقي
يقول أحد الحكماء : لا شيئ يصيرنا عظماء كالألم العظيم ، الألم له مفعول إيجابي عند بعض الناس ، ويمكن له ان يصقل ويطور الأحاسيس الإنسانية
بعض الناس - غير المازوخيين - يفهمون الألم ويُحسنون التعامل معه بكل دقة بحيث يستفادون منه ويستغلونه في خلق طاقة إيجابية بدل أن يدعوه يستغلهم بصورة سلبية مدمرة
حبي وتحياتي


4 - الى قارئة الحوار المتمدن
nana ameen ( 2010 / 2 / 7 - 16:18 )
الى قارئة الحوار المتمدن ؛ شكراً لك مرورك على هذه المقالة المنقولة؛ كما قلت الحب اسمى درجات العطاء في حياتنا سواء تلقيناه من معلم (ة) ام؛ اب؛اخ؛ اخت ؛ صديق (ة) ؛ زوج (ة)؛ واعتبره الطاقة التي تدفعنا لنمر بهذه الحياة بطريقة سهلة؛ واحيانا كثيرة اشعر بالألم لفاقديه.


5 - استاذ عبد القادر أشاركك قلقك هذا!!
nana ameen ( 2010 / 2 / 7 - 16:40 )
استاذ عبد القادر أشاركك قلقك هذا!! والمشكلة ليس فقط جنوح المعلمين للتدين الزائد؛ وفرضه على الطلاب وأهاليهم؛ بل المشكلة ان هذا التدين يأتي على حساب الطالب نفسه؛ فكما قلت المعلم ليس بمؤهل بخبرات علمية وادبية (كل شيء حلال وحرام) لأثراء عقلية الطفل الصغير؛ ناهيك عن الأكاذيب التي يحاولون حشرها في عقله الصغير


6 - الى استاذ حسن
nana ameen ( 2010 / 2 / 7 - 16:53 )
الى استاذ حسن اعتذر عن عدم نشرتعليقه فقد حذف خطأ ؛ لقد وضحت ان هذه المقالة منقولة ولكن حبيت أن اشارك فيها


7 - الحكمة الرائعة
nana ameen ( 2010 / 2 / 7 - 17:01 )
شكر استاذ حكيم على المرور وعلى الحكمة الرائعة -يفهمون الألم ويُحسنون التعامل معه بكل دقة بحيث يستفادون منه ويستغلونه في خلق طاقة إيجابية بدل أن يدعوه يستغلهم بصورة سلبية مدمرة -؛ هذه هي الحياة يجب أن نستغل المها في خلق طاقات ايجابية للأستمتاع بها وهذا ممكن واكيد.


8 - سيدتي
شامل عبد العزيز ( 2010 / 2 / 7 - 17:21 )
تحياتي وتقديري للجميع / فعلاً وكما جاء عند السيدات والسادة أصحاب التعليقات / قصة مؤثرة جداً / أتمنى لكِ المزيد
مع خالص التقدير


9 - الأم وما أدراك ما الأم
فيصل البيطار ( 2010 / 2 / 7 - 20:13 )
كنت بالأمس قد توقفت عن إكمال الموضوع في المكان الذي علمت فيه بوفاة والدة الطفل تيدي ، فأنا لا أطيق مجرد التفكير بوفاة الوالده ، وعندما سقطت والدتي العجوز مريضه قبل عشرة أيام بكيت بحرقه ولم آكل وزارتني الكوابيس في أحلامي وإنقطعت عن الحوار المتمدن ... لا أحد يمكن له أن يحتل مكانتها ولا حتى المعلمه الطيبه السيده تومسون ، هذا الطفل تيدي لا أعتقد أنه نسى أمه رغم ما لاقاه من حب وعطف معلمته .... الذي دفعني لإكمال القصه هو إيميل وصلني قبل قليل .
أعتذر حقا سيدتي فإن الأمر ليس بيدي ... بقلبي، ودمتِ سالمه .
سلام .


10 - اتمنى للوالدة الصحة والعفاء
nana ameen ( 2010 / 2 / 7 - 20:29 )
عزيزي الاستاذ فيصل؛ الحياة والموت ليست بأيدينا؛ نحن مكرهون لتقبل ذلك في حياتنا؛ وأنا متخيل ام عظيمة كأمك ( افترض ذلك من خلال عطائها رجل عظيم مثلك) صعب فكرة استبدالها بمعلمة او اخت او .....؛ ولكن هؤلاء الاطفال الذين حرموا من الحب بأي صورة كانت ؛ فقط لنحاول اعطائهم شيئاً بسيط من وقتنا وحبنا؛ انا متأكدة انك تتفق معي على ذلك؛ طبعا لا انسى ان اتمنى للوالدة الصحة والعفاء ؛ تحياتي ومودتي.


11 - شكرا استاذ شامل للمرور تحياتي
nana ameen ( 2010 / 2 / 8 - 01:49 )
شكرا استاذ شامل للمرور تحياتي


12 - أخي العزيز فيصل البيطار
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 2 / 8 - 02:28 )
ما أصعب أن تضيق الحياة عندما تطوى أسباب حياتنا فتنسحب معها مرحلة عامرة بالذكرى تطالبنا دوماً بالوفاء فكأن الاخلاص لهذه الذكرى هو الدين الذي يستردّه الأحباب ولا يتهاونون فيه أبداً , لا في اليقظة ولا في الحلم . أتمنى العافية والصحة لي قبل أمي , فلو أصِبتُ أنا , منْ سيذكر أمي من بعدي ؟ أتمنى لك أيضاً وافر الصحة ودمت بخير


13 - سيدتي نانا
إبراهيم جركس ( 2010 / 2 / 8 - 02:41 )
سيدتي العزيزة نانا
في الواقع لم أتعرف إلى مقالاتك إلا منذ وقت قريب
إلا أني باشرت بقرائتها والاطلاع عليها كلها
وبحق مقالاتك وأفكارك رائعة
أرجو لك دوام الصحة والعافية والعطاء
شكرا جزيلاً


14 - انت عملة نادرة ايتها الكاتبة
نادر عبدالله صابر ( 2010 / 2 / 8 - 06:17 )
كما توقعتك فأنت تمتلكين قبلا عامرا بالمحبة والأنسانية وتستلين قلما ترسمين به لوحات آخاذة ويحوي عقلك فكرا مستنيرا
شكرا لك لما تشاركيننا به من قصصك المعبرة

اخر الافلام

.. الغارديان تكشف نقاط ضعف في استراتيجية الحرب الإسرائيلية


.. تراجع مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين للمرة الثانية




.. حركة نزوح عكسية للغزيين من رفح


.. مصر تعتزم التدخل لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام -الع




.. ديفيد كاميرون: بريطانيا لا تعتزم متابعة وقف بيع الأسلحة لإسر