الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سجن الجفر الصحراوي... والذاكرة الشعبية
عناد ابو وندي
2010 / 2 / 8الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
أقيم سجن الجفر سيء الصيت (في البادية الأردنية) في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي بأمر من قائد قوات البادية آنذاك غلوب البريطاني (أبو حنيك/ الاسم المعروف به عند البدو)، بهدف حماية المنطقة من غزوات البدو، وتحتضن تلك المنطقة "قلعة الجفر" واحدة من ثلاث قلاع أقيمت جنوبي البادية الأردنية تسمى "تيغريت" او المقاطعة.
وارتبط اسم الجفر بأقصى درجات العذاب الإنساني حيث كان في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات يغص بالسجناء السياسيين المعارضين حيث دخله أول المساجين السياسيين في عام 1949 من عصبة التحرر الوطني الفلسطيني بعد تنظيمهم مظاهرة احتجاجا على عدم العمل على إقامة دولة فلسطينية في المنطقة المخصصة لإقامة دولة عربية في فلسطين إلى جانب الدولة اليهودية التي كانت قد قامت بالفعل فكان من أبرزهم رشدي شاهين وعبد الكريم القاضي.
وفي عام 1950 حلت دفعة أخرى من المساجين الشيوعيين( قبل أن يشكل شيوعيو العصبة الذين بقوا في الضفة الغربية ، مع ماركسيي الأردن الحزب الشيوعي الأردني عام 1951)، لكن هؤلاء لم ينزلوا في القلعة نفسها، بل في خيمة أقيمت على مقربة منها، ومن أبرز هؤلاء المساجين فؤاد نصار وعبد الرحيم بدر وحنا حتر وفؤاد قسيس وعبد العزيز العطي.
في ذلك العام أضيفت إلى الخيمة الأولى خيمتان أخريان، ثم أقيمت مهاجع تشبه "البركسات" ضمن أرض مسورة، وكان ذلك إيذانا بتحول الجفر إلى سجن. أما الإعلان الرسمي عن ذلك التحول فقد تم عام 1953.
ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقف الجفر عن استقبال المعتقلين السياسيين. وعلى الرغم من أن معظم هؤلاء كانوا من الشيوعيين، فإن الجفر استقبل معتقلين من مختلف الانتماءات السياسية، وبخاصة عام 1955 حين حاول المعلمون إقامة نقابة لهم فواجهتهم حكومة سمير الرفاعي آنذاك بالشدة، واعتقلت كثيرين منهم، كان من بينهم بعثيون وقوميون عرب، وبعض الإخوان المسلمين.
ويذكر يوسف العظم في مذكراته أنه سجن في الجفر، وأنه أقام في مهجع واحد مع القائد الشيوعي فؤاد نصار، والذي كان يستيقظ مبكرا كل يوم ويعد طعام الإفطار ويوقظ العظم لكي يتناولانه معا.
وفي عام 1957 حدثت أحداث الزرقاء التي وقعت على خلفية الانقلاب العسكري،حيث تم اعتقال أعداد كبيرة كان للشيوعيين من الاعتقال نصيب الأسد حيث تشير بعض المصادر ان عدد المعتقلين كان زهاء 1000 معتقل جلهم من الشيوعيين (99%) الذين طالت أقامتهم فارتبط اسم الجفر بهم.
لكن أرادتهم وحبهم للحياة جعلتهم يعملون على تحويل منطقة الجفر ذات الطبيعة الصحراوية الى منطقة زراعية حيث استغلوا آبار المياه لزراعة الملوخية والسبانخ واليقطين والكوسا والباذنجان والبندورة، كما تم زراعة أنواع من التفاح والعنب والدراق.
كان المهندس الزراعي عبد العزيز عدينات أول من بدأ عملية التحويل الكبير تلك، حيث بدأ مع فريق من الفلاحين المجربين بغسل التربة وتنقيتها من الرمل، وبعد ذلك، بدأ عدينات وعدد كبير من المساجين في طلب البذور من خارج السجن لزراعتها في تلك المنطقة السهلية.
ويشير الدكتور يعقوب زيادين في مذكراته (البديات) الى انهم استخدموا صفائح السمنة في صناعة مدافىء تقيهم برد الصحراء القارص، وتم صناعة كراسي وطاولات من الصناديق الخشبية التي كانت تأتي بها التموين ومن بعضها صنع مفرخة للصيصان حيث كان موسى اسطفان (أبو جميل) الرائد في هذا المجال فهو الذي اخترع المدافىء، كما استطاع صناعة آلة العود من يقطينة تركها تكبر الى ان أصبحت بحجم العود، وقطعها نصفين، وطلب أوتار من خارج السجن وركبها على الجزء المقطوع من اليقطينية فتحولت الى عود رنان، ليقوم داود عريقات العزف علية كونه صاحب صوت جميل وأداء عذب ووصفه الدكتور زيادين في مذكراته بأنه "فنان وعبقري بالفطرة.
وحولوا السجن الى منارة وشعلة من النشاط حيث استحدثوا أقسام لصيانة الملابس وفتح فصولا صفية للتعليم ، وكان الدكتور يعقوب زيادين يعالج المرضى من المساجين السياسيين ومن الحرس الذين يقفون على الأسوار.
ويبين زيادين انهم نسجوا علاقات مع الجنود وعلى رأسهم قائد السجن حماد سالم والد وزير الداخلية الأردنية الأسبق سلامة حماد الذي كان أميا حيث طلب ان يعلموه القراءة والكتابة وكان له ذلك.
ونظموا العديد من المحاضرات في مجالات المحاسبة التي تعلمها عدد كبير من الشيوعيين منهم منيف حمارنة فيما قدم عدد منهم امتحان التوجيهي ونجح إضافة الى المحاضرات التثقيفية وعملية الترجمة التي كانت تقوم بها لجنة شكلت خصيصا من كل من بشير البرغوثي وسليمان النجاب وعربي عواد وجودة شهوان وآمال نفاع. حيث تم ترجمة كتاب ضد دوهرنغ لفريدريك إنغلز.
ألوف من الشباب والرجال مروا بتجربة سجن الجفر الشهيرة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. قسم كبير منهم واصل العمل السياسي بعد انتهاء فترة الاعتقال، لكن أعداداً أخرى مرت بتلك التجربة كاملة، ولم يتح للعموم الاطلاع على تفاصيلها بسبب ابتعادهم النسبي عن العمل السياسي بعد الخروج من السجن. وتكشف الحياة الداخلية للسجن كما يرويها من مروا، بها عن أدوار رئيسية لمعتقلين واصلوا حياتهم بيننا فيما بعد بصمت.
انتهى...............
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تحيه
فيصل البيطار
(
2010 / 2 / 8 - 21:57
)
مقال جميل حقا ويؤكد أن الفكر الثوري لايموت في أي ظرف بل يتفاعل وبحيويه حتى مع معتقل الجفر الصحراوي ... أضحكني فعلا كون مديرا لسجن لا يقرأ ولا يكتب رغم ان والده وزيرا .
شكرا لك سيدي ودمت .
سلام .
2 - شكرا
مصباح جميل
(
2010 / 2 / 10 - 12:11
)
تضحيات الشيوعيون لا تنتهى فقد كانوا ولا يزالوا المدافعين الحقيقين عن المظلومين والكادحين والعاملين باجر فهم فعلا ملح الارض0000 شكرا لك عناد على تذكيرنا بجزء من تا ريخ المناضلين 000فتحية لك
.. عشرون عام على الاستشهاد (سعدون باق معنا)
.. الشرطة الهولندية تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين في روتردا
.. السيد الحسن لشكر خلال الندوة التي نظمها منتدى اقتصاديي التقد
.. السيد عبد الله بووانو خلال الندوة التي نظمها منتدى اقتصاديي
.. الرفيق صلاح كرين خلال الندوة التي نظمها منتدى اقتصاديي التقد