الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في الدفاع عن دولة المواطنة -الجزء الأول
شاكر الناصري
2010 / 2 / 10المجتمع المدني
مثلما فتح سقوط النظام البعثي السابق أبواب العراق على مصاريعها من كل جانب وجعلها مشرعة للجميع ،فإنه كذلك قد فتح الابواب لدخول الكثير من القيم والمفاهيم الجديدة الى العراق ،المحرمة طوال عقود ، بفعل الزخم الاعلامي والتضخيم والوعود التي أطلقتها أمريكا لمرحلة عراق ما بعد صدام والبعث تتمثل في الترويج لمفاهيم وقيم الديمقراطية الحرية وحقوق الأنسان والتعددية السياسية والقضاء على ارث القيم والممارسات الدكتاتورية والاستبدادية ،قيم كان من السهل أستخدامها ببراعة أمام مجتمع منهار وشعب يعاني الويلات بفعل الاستبداد والقمع السافر والحروب المتواصلة والمهلكة وسلطة الحزب الفاشي الواحد الذي أستلب من العراقيين كل مبادرة للنهوض أو مواجهة ما يتعرضون له من أضطهاد وممارسات أجرامية أوصلتهم الى حافة اليأس والأنهيار وأنعدام الأرادة وكذلك بفعل القرارات والعقوبات الدولية الكارثية التي جعلت من المجاعة والفقر والامراض كوارث حقيقية مارست سطوتها على المجتمع العراقي منذ 1990 وحتى التاسع من نيسان من عام 2003، اي طوال فترة الحصار والعقوبات الاقتصادية على العراق.
وعلى الرغم من ضرورة أشاعة مفاهيم الديمقراطية والحرية والحقوق المدنية الاساسية في العراق الا أن مفاهيم وقيم أخرى كانت حاضرة و متحفزة للأنطلاق ولم تترد قوى سياسية في أطلاقها من قمقها ولكن تحت ستار الديمقراطية والظلم الذي عانى منه الشعب العراقي ومكوناته فاصبح العراق ساحة للنزاعات والحساسيات القومية والطائفية ولم تترد القوى السياسية ذاتها في ان تكون حامية لتلك القيم ومغذية لها بشكل سافر، كونها الاداة التي تمكنها من تحقيق مصالحها القومية والطائفية .
لقد حضر الجميع في ساحة صراع المفاهيم والقيم الاجتماعية والثقافية الجديدة أو تلك التي أطلق لها العنان لتكتسح الشارع وتتحول الى لغة وخطاب سياسي وأعلامي وثقافي وأداة في صراع الهويات بشكل منفر ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول ما حدث في العراق وأصبح الحديث عن قيم الديمقراطية والحرية يتم من زاوية أتساقها وتماهيها مع المصالح والنزعات القومية والطائفية ومصالح القوى السياسية المتنفذة والحاكمة .
لم تكن المواطنة ، لا كمفهوم ولا كمقولة سياسية وأجتماعية أو ثقافية ولا كهوية ، حاضرة في كل تلك الصراعات حتى وإن أستدعاها شخص أو قوى سياسية وحزبية ما، فأنها تستدعى باستحياء وخجل تام وكأنها لوثة وخارج صراع المفاهيم والقيم السياسية والاجتماعية الجديدة ولاتشكل أولوية في صراعات القوى والهويات وإن القصد منها أزاحة السائد من القيم والاعراف وزعزعة سلطتها و التحول الى بديل لها .
الكثير من الساسة زجوا بمفردة المواطنة في خطاباتهم وتصريحاتهم وأستخدموها أينما ذهبوا الأ إن الامر لايعدوا سوى محاولة للاستهلاك الاعلامي وأفراغ المواطنة كضرورة أجتماعية وسياسية أساسية ومصيرية بالنسبة للعراق من اي محتوى لها وجعلها أداة لممارسة خداع مفضوح في حملة تسويق أنفسهم في سوق السياسة العراقية وخداع المتلقي البسيط . و أذا ما أردنا تتبع خطابات الساسة والحكام في العراق وأستحضارهم لقيم وثقافة المواطنة فإن عملية كهذه سوف تكشف لنا حجم الهوة الشاسعة التي تفصل ما بين أدعاءاتهم حول الديمقراطية والمواطنة وبين الواقع الذي يعملون على ترسيخه وجعله واقع حال قائم ليس من السهل تجاوزه أو العمل على تغييره . وفي نفس الوقت فإن المواطنة أصبحت تتردد كذلك في خطابات رجال الدين وقادة أحزاب الاسلام السياسي والاحزاب القومية ، الكردية والعربية وأنهم يسعون لتحقيق دولة المواطنة أو السعي من أجل ان تكون المواطنة هوية أنسانية فاعلة في العراق .
حين نتحدث عن المواطنة فإننا نتحدث عنها كباقي المفاهيم والقيم التي دخلت الى العراق بعد التاسع من نيسان من عام 2003 ومارست سيطرة واضحة على ذهنية المواطن العراقي وأصبحت جزءا من لغته وأمنياته بعد أن تحولت الى مفردات أساسية في لغة الخطاب السياسي والأعلامي والصراعات السياسية في العراق ،لان المواطنة كانت مغيبة اصلا ومن القضايا التي لايجوز الافصاح عنها واثارتها وأعتبرت من القضايا التي تهدد وجود النظام القائم آنذاك ، أسوة بالديمقراطية والحرية والحقوق المدنية والتعددية السياسية والمشاركة فيها ،وأصبحت عبادة الفرد والقائد الضرورة والخضوع لسلطته منفذا وألية يتم تعريف المواطن العراقي وأخلاصه وحساسيته أزاء القضايا الوطنية والمصيرية من خلالها أو من خلال أرتباطه بسلطة الحزب الواحد ومبادئه واستعداده لتنفيذها حتى لو كانت بالضد من مبادئه وقناعاته وأفكاره ووجوده .
وعلى الرغم من أن الكثير من العراقيين ، يدركون تماما ما تعنيه المواطنة وضرورتها الحياتية والمصيرية بالنسبة لهم الا أن الزخم المخيف الذي أحدثه تنامي النزعات القومية والطائفية والعشائرية ،النزعات التي تريد أبتلاع الدولة والمجتمع وفرض هوياتها وسلطتها ، قد حجمت من أمكانيات تنامي نزعة المواطنة . وهذا ما سينتج عنه أن يعيش العراقيون في حالة المواطنة الهشة أو المواطنة التي لاتتمكن من مواجهة المد الطائفي والعشائري ، المدعوم سياسيا ودينيا ، الذي يسعى لفرض قيمه وأعرافه وهوياته المتعددة كهويات أساسية يتم تعريف المواطن العراقي على أساسها ، بمعنى ان تقول فلان شيعي أو كردي أو سني أولا قبل أن تقول إنه عراقي .
المواطنة كدين مدني
في كتابة القيم (الأمم والنزعة القومية منذ عام 1780 ) يشير أريك هوبسباوم مستندا الى ما أشار اليه جان جاك روسو سابقا الى أهمية الوطنية وضرورتها في تأسيس الدول الحديثة أو الدول التي تقوم على أساس أئتلاف مجموعات بشرية مختلفة دينيا وعرقيا ودمجها في كيان سياسي وجغرافي واحد وتأسيس دولة منها ذات كيان سياسي وحدود جغرافية ، فهذه المجموعات تسعى للابقاء على أعرافها وقيمها الثقافية وتتخذ منها وسيلة للدفاع عن وجودها ومحاولات تذويبها ودمجها في كيان جديد وفرض قيم الدولة الجديدة ، القوانين والدستور والسلم الاهلي والمشاركة السياسية ، وضرورة الانصياع . إزاء مجموعات مختلفة ومتناقضة كهذه فإن الوطنية تكون مثل دين مدني يتم الزج به لكي يؤمن به الافراد والجماعات الذين ينتمون الى الدولة الجديدة أو الذين تم جمعهم في هذه الدولة وعُرفوا كمواطنين فيها . دين مدني يدعوا الى الوحدة الوطنية والتلاحم والتعايش السلمي وفض النزعات والتخلي عن المطامح والاهداف السابقة للدولة والقائمة اصلا على أساس الأحاسيس والتعصب القومي أو الطائفي وأن هذا الدين المدني، أي الوطنية ، يمكنه أن يساهم في ترسيخ أسس بناء دولة تقوم على أساس المشاركة والحقوق والحريات الأساسية وبما يمكن من توفير الأجواء الطبيعية والضرورية لبناء كيان الدولة. وهو الدين الذي تسعى الدول الى تعزيز قيمه والتمسك به حينما تتهاوى العلاقات السياسية والأجتماعية السائدة في البلد والناظمة لقضية تلاحم المجموعات البشرية المنظوية تحت لواء الدولة الواحدة أو كما يقول هوبسباوم (لو أن الدولة لم تنجح ، بالمصادفة ، في أستمالة مواطنيها الى الدين الجديد قبل أن يصغوا الى المبشرين المنافسين لها ، لكانت قد ضاعت تماما ) *1 .
إن الوطنية التي نتحدث عنها تأتي هنا بمعنى الأنتماء للوطن وحمل هويته وأداء الواجبات التي يحددها الدستور والقوانين النافذة للمواطن أزاء وطنه وإن ذلك يدفع بأتجاه ان تتعزز قضية المواطنة وشعور الفرد بانه مواطن في هذا البلد أو ذاك حينما يجد ان ما يقدمه أتجاه وطنه لابد وان يقابل بقضية أساسية تجعله يتمسك بهذا الوطن ويعمل على تعزيز مكانته ودوره . الحقوق المدنية الاساسية والحريات والمشاركة السياسية وأشاعة قيم المساواة بين الافراد في البلد الواحد ،هي القضايا الاساسية التي تعزز مسألة المواطنة وتجعلها تتحول هي الأخرى الى دين مدني فاعل في المجتمع المعني والمؤلف من مجموعات بشرية وافراد مستقلين يكون تعريفهم على اساس الهوية والانتماء الوطني أولا وقبل أي أنتماءات أخرى دينية وطائفية وقومية ، اي أنتماءات ما قبل دولة المواطنة والناقضة لها أو الانتماءات التي تحمل دائما بذور أنهيار دولة المواطنة وتعريضها الى مخاطر الأنهيار أو التقسيم .
حين تم تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 ، فإن المجموعات البشرية المختلفة الاعراق والديانات والأنتماءات الطائفية ( أكراد ، عرب ، شيعة ، سنة ، تركمان ، مسيحين ) التي تم جمعها داخل كيان الدولة الجديدة كانت تجد في الكيان الجديد انتقاصا لوجودها وتطلعاتها السياسية ويحد من رغباتها في العيش داخل كياناتها الخاصة القائمة على أسس قومية وطائفية مختلفة فيما تواجه قيمها الاجتماعية والثقافية تهديدا مباشرا من القيم الجديدة التي تعمل الدولة الحديثة وسلطاتها ومؤسساتها على اشاعتها في أوصال الدولة والمجتمع الجديد. لقد تم الزج بالمواطنة كدين مدني حتى يؤمن به الجميع وحتى تتمكن هذه المكونات من الاندماج والتعايش فيما بينها على اساس الانتماء الوطني وإن الدولة العراقية حديثة النشوء هي دولة ووطن الجميع . وعلى الرغم من كثرت الصراعات السياسية وتنافس الزعامات وشيوع الكثير من الاساليب الانتهازية في العمل السياسي الا أن الدولة الحديثة سارت بشكل مثير للأهتمام وقطعت خطواتها الأولى نحو تعزيز القدرات وبناء مؤسسات مجتمع معاصر تحكمه الضوابط القانونية والدستورية والمشاركة السياسية وأشاعة التعليم وتوفير فرص العمل والاستمرار بالعمل على تعزيز أمكانيات المواطن وأحساسه بالامن والسلم في بلده . الا إن تلك الخطوات واجهت أولى أنتكاساتها في أول أنقلاب عسكري في العراق في 29 تشرين الاول من عام 1936 ( أنقلاب بكر صدقي) وضع الجهود التي بذلت منذ تاسيس الدولة العراقية على حافة الهاوية والضياع وشكل تحديا سافرا لمسيرة بناء الدولة الحديثة في العراق .
الانقلاب المذكور شكل أولى بوادر تحرك الساسة وكبار ضباط الجيش والمؤسسة العسكرية والاحزاب السياسية في العراق وممارسة دورهم في تعطيل مسيرة بناء دولة حديثة ومعاصرة لاتقوم على أساس التمييز بين مواطنيها على أسس العرق والطائفة والانتماء الديني و كما اشار الى ذلك دستورها الاول وأصبح العراق ساحة للكثير من الأنقلابات العسكرية والتحركات الحزبية التي أوصلت قضية المواطنة الى طريق مسدود خصوصا وان تلك الانقلابات قد ترافقت مع تنامي وتصاعد الحركات القومية الانفصالية أو المطالبة بتقرير مصيرها كالحركة الكردية المسلحة بقيادة ملا مصطفى البارزاني.
عثرات دولة المواطنة
إن تتبع سيرورة بناء الدولة العراقية تكشف لنا إن هذه العملية واجهت عثرات كثيرة ولم يتمكن القائمون على السلطة وصناع القرار من تذليل العقبات التي تواجهها مما ترك أكبر الأثرعلى مسار بناء وترسيخ دولة المواطنة على الرغم من التحركات ومظاهر المشاركة السياسية التي يمكن تلمسها أذا ما احصينا عدد المرات التي أجريت فيها أنتخابات برلمانية في العراق . ان ما حدث هو تغييب تام لقضية المواطنة وأصبحت السلطات الدكتاتورية تمارس كل ما من شأنه ان يزيد من مظاهر الأستبداد والقمع وخنق الحريات الاساسية ومصادرة الحقوق المشروعة للعراقيين ، أصبحت الحرب والعسكرتارية أدوات السلطة في تهميش دور المواطن في رسم مستقبل ومصير بلاده او تحديد شكل وطبيعة النظام السياسي الذي يحكمه ووسيلتها الأساسية في أدارة المجتمع .
الانظمة الشمولية والدكتاتورية القائمة على أساس سلطة الحزب الواحد أو الأنظمة التي تختصر هوية البلاد وكل تاريخها ومكانتها السياسية والحقوقية في شخص الزعيم أو الرئيس والقائد الأوحد ، تعد أنتهاكا حقيقيا لقضية المواطنة والانتماء الوطني ، لأنها تجردها من كل الأعتبارات الأجتماعية والثقافية وتعتبرها مجرد أحلام ومعاداة للنظام القائم . وفي نفس الوقت فإن الأنظمة التي تقوم على أسس قومية أو دينية لاتختلف بشيء عن الانظمة الدكتاتورية والشمولية التي تحدثنا عنها ، فأنظمة كهذه تحمل بذور التسلط والأستبداد والتمييز ضد مواطنيها أو تفضيل مجموعة على حساب أخرى وتسعى لأن تكون الدولة والمجتمع الذي تحكمه وفقا لقيمها وأعرافها وأن تحقيقها لهذا الأمر لابد وان يكون على حساب الحريات والحقوق الاساسية واشاعة التمييز والظلم القومي أو الديني في المجتمع وما يتبع ذلك من مظاهر تعصب وعنصرية لابد وان تتنامى وتتمظهر على شكل صراعات أو كراهية قومية وطائفية متبادلة وزعزعة السلم الأهلي . وعلى الرغم من كل الأحاديث حول الوطنية والانتماء الوطني الذي عادة ما يثار في أوساط المجتمعات التي تواجه أزمات كثيرة تهدد وجودها ، فإن المواطنة هي الرابط الوحيد القادر على أدامة وجود الدولة المعاصرة والقائمة على أسس ديمقراطية حقيقية .
إن الاحزاب السياسية في العراق ،ورغم الدور الذي لعبته في أيجاد حراك فكري وثقافي مشهود في المجتمع العراقي و تحقيق أستقطابات سياسية وأجتماعية واضحة ، لم تكن في يوم ما عاملا أساسيا في تعزيز ثقافة وقيم المواطنة في العراق وتحولت الى أداة في إدامة الصراعات والاحتقان الأجتماعي وكان أكثر ما يشغل الأحزاب هو تمكنها من تحويل المواطنين ، الى أداة في فرض شروطها وإن صراعات عقود الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تكشف لنا عن مدى الاستغلال الذي مارسته الأحزاب السياسية لأمكانيات المواطنين وزجهم في الصراعات والهيجانات الجماهيرية التي تحركها هذه الأحزاب ضد بعضها البعض وكانت أداتها من أجل حيازة مكانة سياسية في البلاد وفي الصراع على السلطة أيضا.
في مجتمع تتنامى فيه التيارات الدينية والقومية والعشائرية وتتواصل فيه عملية تقسيم المجتمع على أسس عرقية وطائفية فإن المواطنة ستكون خارج أولويات المعنيين بأمر المجتمع ولا تحتل مكانة في سلم أولياتهم ، فكل جهة تريد أن تعزز مكانتها وسط من أحتكرت تمثيلهم وان تعيد صياغة المجتمع الذي تنفرد بالنفوذ فيه وفقا لمعطياتها الخاصة ولأهدافها وتوجهاتها . القوى المذكورة عملت بأتجاهات عدة وكلها تؤدي الى فرض تراجع حاد على من يريد تعزيز ثقافة ودور المواطنة واعلاء شأن ثقافة الطائفة والقومية والعشيرة بما تحمله من أنعزالية مرضية ومخاوف فقدان للثقة بالمحيط الاجتماعي والسياسي .
أسلمة المجتمع بشكل دائم من قبل التيارات الاسلامية والمليشيات المسلحة التي تتمتع بنفوذ واسع في مناطق معينة وتمارس عمليات التحشيد الديني وممارسة الشعائر الدينية بشكل واسع النطاق ، يقابله تعزيز الشعور القومي المتعصب تجاه الفئات والمجموعات التي يتكون منها المجتمع العراقي بشكل متعالي ويحمل الكثير من العنصرية والكراهية في حين تبقى العشيرة والاعراف العشائرية ورقة بيد من يستطيع تطويعها وفقا لمصالحه . في مجتمع كهذا فأن المواطنة تواجه عثرات ومعوقات كثيرة وإن الارتقاء بها وتحويلها الى قضية أساسية في المجتمع يحتاج الى جهود جبارة ومضنية .
العلاقة بين المجتمع المدني والمواطنة علاقة مصيرية هي الأخرى ، فوجود مجتمع مدني فاعل يعني أن أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية ستتعزز أكثر الا أن المجتمع المدني في العراق يواجه عوائق كثيرة وإن عملية ترسيخ مجتمع مدني في العراق وسط أوضاع الاضطراب السياسي والتناحرات الطائفية وممارسات الاقصاء والتهميش ليست أمرا هينا وتحتاج الى قدرات كبيرة . وعلى الرغم من وجود كم هائل من منظمات المجتمع المدني في العراق الا إنها لم تتمكن من الرسوخ الفعلي ولم تتمكن من تعزيز مكانتها كشريك أساسي في أدارة المجتمع وأن يكون هدفها وممارستها الواقعية والعملية أيجاد مجتمع مدني في العراق . فما موجود حاليا من منظمات مجتمع مدني في العراق يغيب عنها طابع الاستقلالية عن الممارسة السياسية وإن الكثير من المنظمات الموجودة هو واجهات للأحزاب أو للمؤسسات الدينية ،أذا ما فهمنا أن الميزة الأولى لمنظمات المجتمع المدني ، هو بعدها عن الممارسة السياسية وأستقلاليتها عن الأحزاب والتزامها الجوانب القانونية والأدارية في عملها وسعيها الى أشاعة ما تحمله المواثيق والمعاهدات الدولية من قيم خصوصا ما يتعلق منها بحقوق الانسان وقضايا الحريات المدنية وأدارة المجتمعات وتعزيز الجوانب المدنية وإن فصل الدين عن الدولة أحدى مميزات المجتمع المدني الفاعل . تحولت الكثير من منظمات المجتمع المدني الى وسيلة لكسب الموارد المالية وأكتساب الخبرات بالنسبة للأحزاب السياسية في العراق مما حول هذه المنظمات الى شريك أساسي في تعزيز مظاهر الفساد الاداري والقانوني والسياسي وأصبحت الكثير من الدول المانحة والداعمة لمنظمات المجتمع المدني على صعيد العالم تنظر الى ما يحدث في العراق على إنه استنزاف للامكانات المالية والجهود المضنية في اقامة ورش العمل والمؤتمرات التي تقام من أجل تعزيز القدرات والخبرات الذاتية.
1- الأمم والنزعة القومية منذ 1780 .. أريك هوبسباوم ..دار المدى ..ترجمة عدنان حسن ..مراجعة وتحرير . د . مجيد الراضي..الطبعة الأولى 1999 .ص .90 .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - كلام نظري جميل
شكري فهمي
(
2010 / 2 / 10 - 22:13
)
كلام السيد الكاتب نظري جميل، لكن السؤال العملي الذي يطرح نفسه : كيف سيتم ترسيخ ثقافة المواطنة في المجتمعات اﻹسلامية العنصرية، المجتمعات التي تعتبر غير المسلم نجس وكافر.
.. اعتقال ضابط إسرائيلي بإطار قضية التسريبات الأمنية.. ما التفا
.. هاريس وترامب يحاولان استقطاب الأقليات في ولاية ويسكونسن
.. كلمة الأمين العام للأمم المتحدة خلال فعاليات المنتدى الحضري
.. كلمة المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البش
.. تغطية خاصة | طرابلس تحتضن النازحين إليها من جنوب لبنان والبق