الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصعود الى السماء (1)

ناظر عبد الحق

2010 / 2 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العودة الى الغربة
-----------

لاشك ان أي عقيدة شمولية لابد وان تستند في بنائها على منظمومة متكونة من مجموعة من القضايا الفكرية والقيمية التي تسعى من خلالها الى بلورة رؤية شاملة لكل مفردة من مفردات الوجود والاجابة عن التساؤلات الازلية التي تتعلق بالطبيعة وماوراءها من خلال تفسيرات ومقولات تعد المائز الذي يميزها عن غيرها من العقائد من غير ان يعني ذلك ضرورة وجود نسبة منطقية ثابتة كالتناقض او التضاد بين المنظومات العقائدية لجهة كثرة القضايا التي تتضمنها العقائد المختلفة , لكنه يعني حتما ان انطباق عنوان عقيدة ما على معتنقها يستلزم خضوعه لاشتراطاتها ووقوفه على محدداتها والعمل بمقتضى رؤيتها طبقا لمنظومتها تلك , ولايكفي في ذلك ان تولد معه عقيدته ارثا وفي مرحلة لاحقة تستحيل تلقينا ليجد نفسه في النهاية على هذه العقيدة او تلك حاملا لمسؤولية تشكيل وعي الجيل اللاحق على ذات النسق الذي تشكل عليه وعيه , بل ان الحديث يأخذ منعطفا اشد خطورة عندما نتحدث عن العقائد الدينية لان التوريث العقائدي مخالف تماما لاساس بعثة الانبياء الذي يهدف الى الى اخراج الناس من ظلمات واغلال الجبرية العقائدية الى نور الحرية وفضاء الاختيار الواسع.
ويتبدّى ماسبق بشكل جلي في الديانات الابراهيمية الثلاث وفي باقي العقائد الدينية وان كان بشكل اقل وضوحا ، وتعد هذه الاشكالية من ابرز الاشكاليات التي ساهمت في انحراف العقائد – ولازلت هنا اتحدث عن العقائد الدينية- عن مسارها التي ارادها لها المنادون بها .
والعقيدة الاسلامية واحدة من تلك العقائد التي عانت من موضوعة التوريث العقائدي على الرغم من ان الحدود والسمات التي وضعها الإسلام للمسلم بما فاضت به السماء والتي ينبغي ان يتمتع بها الفرد لكي يكون مسلما لاتمت باية صلة ومن اية جهة لكونه خرج من هذه البطن او تلك او انها متلعقة لميدان نشوءه وبيئته , ومن هذه السمات والشروط :
1- (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ )1
2- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } 2
3- (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة)ٌ 3
4- {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } 4
5- (المسلم اخو المسلم) 5
6- (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه ) 6
7- (لايؤمن احدكم حتى يحب لاخيه مايحب لنفسه) 7

وكثير غيرها من الايات والروايات المشابهة لما سبق التي يمكن ان تعد دالات حقيقية يستدل بها على انطباق عنوان المسلم* على الفرد من عدم انطباقه مع الأخذ بنظر الاعتبار الاس الاعظم وهو الشهادتان وما عدا ذلك سيكون مصداقا لقوله تعالى ( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) 8 .
ولانعبأ بعد ذلك بالانطباق القسري لعنوان دين بعينه على معنون ما لان هذه القسرية قد تكون مبررة فيما اذا كان الفرد فاقدا للقدرة على التمييز وعاجزا عن الرؤية بمستواها الطبيعي اما اذا كان متمكنا من ذلك ولو بالحد الادنى وقادرا على النظر في خياراته التي ينبغي ان تكون متاحة فلن يكون من الدين ان يحجر عليه بين جدران معتقد موروث ومنعه من ممارسة حقه في اختيار العقيدة التي تناسبه نظرا لايات كثيرة تعطي حق اختيار العقيدة للانسان بصفته المجردة عن اية اعراض اخرى كقوله تعالى ( وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) 9 .
ان الاشكالية الخطيرة التي انتجها لنا الفكر الاسلامي الداعي الى تحكيم الانتساب في تحديد الهوية العقائدية للمسلم وغيره هي اصطباغ الكثيرين من اتباعه بصبغة الإسلام الظاهرية مع خروجه عنه عند تطبيقات الشروط والسمات انفة الذكر والتي توسلنا بها لتكون كاشفا عن حقيقة انطباق العنوان على معنونه ,وبالتالي اصبح الإسلام هو الذي يعاني من قسرية انطباقه على مصاديقه اكثر مما تعانيه المصاديق من انطباق مفهومه عليهم. وقد اشار نبي الإسلام محمد (ص) الى قلة المصاديق الحقيقة للاسلام وغربتها بين مصاديق زائفة ومصاديق تعود في حقيقتها لمفاهيم ومعتقدات اخرى بقوله ( بدا الإسلام غريبا وسيعود غريبا) 10 ليؤكد المعاناة المتبادلة بين مفهوم يفتقد لحوامل حقيقية تمثله في الخارج ومفردات تائهة بين كونها حوامل لذلك المفهوم او لمفاهيم اخرى الامر الذي يدعو وبالحاح الى ايجاد حلول تمتزج فيها الدينية بالواقعية لكي لاتضطر المصاديق الوهمية للمضي في طريق تشكيل المفهوم بالمقاييس التي تلائمها سعة او ضيقا بحسب ماتمليه عليه ضروراتها او مصالحها ايا كانت هذه الضرورات او المصالح ذاتية او موضوعية. وسواءا كان الاسلام استشرف ظهور مثل هذه الاشكالية غيبيا او خضع لحتمية ولادة النقيض او المخالف من رحم نقيضه فقد وضع لها حلولا من داخله يمكن الاستعانة بها كمفاتيح لابواب عرصة الإسلام التي يجب ان تكون مشرعة للداخلين فيه او الخارجين منه بلا خشية حد تكفير او ردة ( والتي سنفرد لها مقالا مستقلا نثبت فيه ان عقوبتها اخروية محضة ) كقوله تعالى ( لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)11 ويعضدها قوله تعالى ( افانت تكره الناس ان يكونوا مؤمنين ) 12 وقوله تعالى ( وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء ومن شاء فليكفر) . منبهين في النهاية على ان استبطان العقيدة الاسلامية في منظومة التراث و التقاليد لدى المعتقد لايعطيه الامتياز الاخروي بالنظرة الالهية أو النبوية المستمدة منها مالم تستوطن وعيه الذي يمكن ان يكون طريقا لاستواءها في قلبه.
------------------------------------------------------------------------------------------------------
*ولاتحسبنّي غافلا عن الفرق بين المسلم والمؤمن ولكن شمولية الفكرة ولان الخروج عن الايمان في غالبه هو خروج عن الإسلام جعلني اغض الطرف عن ذلك.
1) آل عمران 160 المائدة 11 التوبة 51
2) الأنفال 2
3) الحجرات 10
4) الحج 35
5) المكاسب الشيخ الانصاري ج2 ص 20 - عوالي اللآلئ بن ابي جمهور الاحسائي ج3 ص 473 - فقه السنة الشيخ سيد سابق ج1 ص 598 - الكافي الكليني ج2 ص166
6) الحدائق الناضرة المحقق البحراني ج2 ص4 - علل الشرائع الصدوق ج2 ص523 - مسند الامام احمد بن حنبل ج2 ص 224
7) المجموع محيي الدين النووي ج1 ص 31 - سنن الدارمي ج2 ص 307 - شرح مسلم النووي ج2 (بزيادة او قال لجاره) ص 16
8) البقرة14
9) الكهف 29
10) صحيح مسلم ج1 ص 90 - مسند الشهاب بن سلامةج2 ص - 139 احكام القران بن العربي ج2 ص 229
11) البقرة 256
12) يونس 99












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمن سيصوت يهود أميركا في الانتخابات الرئاسية؟


.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم




.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah