الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل الفتنة

يحيى الوكيل

2010 / 2 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وصلت الى رسالة الكترونية أصابتنى بصدمة لدى قراءتها – و ما أكثر ما أتعرض اليه هذه الأيام من صدمات – تتعلق بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الثانية و الأربعين و المقام حاليا فى أرض المعارض بمدينة نصر بالقاهرة، و فحوى هذه الرسالة أن النشاط التنصيرى قد مد رأس جسر الى النشاط الثقافى المقام له المعرض بل و كاد يتم احتلاله الا من بعض جيوب المقاومة المستميته و الباذلة الجهد و المال – بل و الدم لتكتمل الحبكة الدرامية – الحريصة على ابقاء العقيدة نقية لدى من يحتكون بالأنشطة التنصيرية.
و لما كنت من رواد معرض الكتاب المستديمين كلما توافقت مدة اقامته مع تواجدى فى القاهرة، فقد اهتممت بالأمر – بينما أنا عادة لا ألتفت لمثل هذه الرسائل – خاصة و أن التعليق على الموضوع كان طلبا لصديق أكن له كل الاحترام. و لكى يتفهم القارئ خطورة الأمر فقد نسخت الرسالة حرفيا كما وصلتنى على البريد الالكترونى – بكل الأخطاء النحوية و الاملائية من "حراس العقيدة المزعومين" و أوردتها فى السطور القادمة، راجيا من القارئ أن يغفر لى الاطالة فى المقال.

"معرض القاهرة الدولى للتنصير (الكتاب سابقا)

(اربع كتب بربع جنية ...)
(كتاب وقلم ب75 قرش ...)
(كتاب وشريط فيديو بجينة ...)
(الانجيل بجنية وعليه 3 كتب هدية ...)
( سي دي وقلم وكتاب بجنية .....)

هذه الصيحات تصم اذنك وأنت تتبختر في معرض الكتاب
وويصدم عينك الزحام على المنادي فتتقدم لتحصل على أي من هذه العروض السخية
وعندما تمد يدك بالمال للبائع تجده يعطيك كيس من الكتب ولا يأخذ منك شيئا
وان أخذ يعطيك حملا من الكتيبات هدية على هذا العرض
تبتعد قليلا وتفتح الكيس وانت مذهول من كرم البائع
تتفحص غنيمتك الباردة التي يصطف الناس حولها طوابير

تصعقك المفاجأة
إنها جميعا كتب تنصيرية تدعوك لاعتناق النصرانية وتلمح إلى هدم عقيدتك من طرف خفي
تنظر الى كتلة البشر المزدحمة على البائع تجدهم جميعا مسلمون
نساء واطفال وشباب..
سبحان الله

لا تدرى ماذا تفعل ؟!
تتقدم إلى رجال الامن وتخبرهم ان ما يحدث هو تنصير واضح لاسيما وعلى الكتب ارقام هواتف وعناوين شقق وكنائس ومكاتب ومواقع انترنت وإيملات
ينظر اليك الشرطي بامتعاض ويقول
حد ضربك على ايديك وقال اشترى منهم ؟
تقول :لا
يقول: يبقى حل عن دماغي

في زاوية المكان تجد شاب مسلم يحمل شنطة سوداء ويقف زائغ العينين خوفا من ملاحقة الامن
يتتبع الشاب كل مسلم يشترى من مكتبات النصارى
يخاطبه بود وشفقة ويستبدل ما اشتراه من النصارى بمجموعة من الكتيبات الاسلامية ثم يعاود الاختباء من جديد
تقترب منه وعيناك غائمة في دموعها
تجده شاب مسلم صغير يشترى الكتيبات على حسابه الخاص
ويقوم بتوزيعها هنا على من يتعرضون للتنصير

يالله ..... رحماك يا رب
يا صغيري أين اموال أمتك ؟
أين رجالها؟
أين شبابها وطلبة علمها ؟

وقبل أن تعبر عن شكرك لهذا الشاب الكبير جدا جدا
تفاجأ بالشرطة تلقي القبض عليكم وتسوقكما إلى مكتب ضابط أمن الدولة
وهناك يرغي الضابط ويرعد ويتوعد ويهدد
فيجيب الشاب الصغير
"أنهم يوزعون كتيبات تنصيرية على المسلمين وأنت تتركهم
فلما لا تتركني وانا اوزع كتيبات اسلامية على المسلمين!"
لا يجيب الضابط يهدد ويتوعد ويأمر بالشاب فيلقي خارج المعرض
ويمنع من الدخول مرة اخرى أو يتم تلفيق قضية مصنفات له
ويلقي به وسط اللصوص والمجرمين حتى ينتهى المعرض

ترحل عن المكان حزينا وتعاود التجوال في المعرض
وتتوقف امام مكتبات النصارى المنتشرة بكثرة وترى الزحام مرة اخرى
لكنك تشم في المكان أنفاسا طيبة
تتلفت حولك لتشاهد شاب اخر يحمل حقيبة سوداء ايضا
لتعرف بعد هذا انهم مجموعة من شباب الاسلام يدخرون على مدار العام
ليشتروا كتبا يقاومون بها التنصير في المعرض
وتفاجأ انهم جميعا تم القبض عليهم مرارا ومع هذا فهم صامدون
وعندما تسأل احدهم : ألا تخافون ؟
يقول : طبعا نخاف ولكن هل هذه الصورة تتحمل التاخير أو الخوف
لو رأيت متنصرا واحدا فستعلم أهمية ما نحن فيه

وقبل ان تكمل حوارك مع هذا المجاهد الصغير أو حتى تحكل عينك من بهاءه .
تجده يستأذنك ويسرع إلى منصر يقف مع فتاة مسلمة يحدثها عن النصرانية
وتفاجأ أن هؤلاء الشباب أعلم بالنصرنية من أهلها
وأنهم يشكلون رعبا لكل منصر في المعرض
فهم معرفون بأعيناهم وأسمائهم لكل نصارى المعرض
وللأسف لجهاز الامن بالمعرض الذي ينكل بهم كل يوم وكل ساعة

تتركهم مبتسما منتشيا فخورا وترحل
ولكن هل سترحل ؟
هل ستتركهم وترحل ؟!
الا تستحى من رجولتك واسلامك ان ترحل وتتركهم وحدهم في الميدان ؟؟؟؟

ونسأل الله تعالى لنا ولكم السداد والثبات"
انتهى نص الرسالة.

عندما وصلتنى هذه الرسالة كنت قد ذهبت للمعرض بالفعل عدة مرات و لم أشهد أيا من ما جاء بالرسالة، بل شهدت عكسه تماما. ذهبت من ضمن ما ذهبت الى مكتبة مسيحية تبيع الانجيل بجنيه و لم أشهد غير ذلك، و أيضا شهدت توزيع كتبا اسلامية 11 كتاب بجنيه - كلها كتب صفراء من كتب الجهل المقدس ليس منها القرآن.
لم يطاردنى أحد لكى يفرض على كتبا مسيحية - برغم أننى دخلت مع صديقة ابنتى المسيحية الى المكتبة و كذلك دخلت معى ابنتى و صديقتهما الثالثة المحجبة و قلبنا فى الكتب.
لم يكفنى كل ذلك و قررت أن أتوجه للمعرض كصحفى هذه المرة و أحقق الموضوع كمادة صحفية؛ و لم يكن لدى خيار آخر، فقد شارفت على الافلاس مما اشتريت من كتب فى زياراتى السالفة للمعرض و لم يعد هناك مجال لزيارة المعرض كزائر – أو كما جاء فى الرسالة "أتبختر في معرض الكتاب".

يوم الخميس و قبل انتهاء المعرض بيومين بدأت يومى بحمام بارد اضطررت اليه لنفاذ الغاز من الأنبوبة منذ أيام و عدم وجود أنابيب بوتاجاز فى المستودع بالاضافة للأسعار الفلكية التى وصلت الى ثمانين جنيها للأنبوبة لدى "الموزعين الأهليين" – هذا ان وجدوا أصلا، و هو الحال الذى سنبقى عليه لمدة لحين انتهاء الأزمة – التى تسبب فيها "أخوتنا" فى الجزائر بمنعهم الغاز عنا بعد هزيمتهم فى مباراة كرة القدم الأخيرة فى أنجولا، و تسبب فيها "أخوتنا" القائمون على أمورنا فى الحكومة بتصديرهم الغاز الذى نحتاجه لاسرائيل ثم استيراده من الجزائر بأغلى مما نصدره و العمولات طبعا سارية سواء ان كان بيعا أم شراءا؛ و تحسبا لامتداد الأزمة فالبحث جار حاليا عن وابور جاز مع مستلزماته من فونيا و ابرة تسليك و صفيحة صاج لتسخين المياه – راجين من الله ألا ينتبه "أخوتنا" لما نفعل فتتسبب عمولاتهم فى زيادة أسعار ابر بوابير الجاز أو أن يضن علينا "أخوتنا" فى الجزائر بالكيروسين.
انتهيت من الحمام و ارتداء ملابسى لأنزل الى شارع تلفحه رياح صحراوية ملتهبة و متربة ما أشبهها بالرسالة التى وصلتنى، فأطبقت أسنانى و زممت شفتى و مضيت فى طريقى الى المعرض عازما على ألا يعوقنى معوق عن كشف الحقيقة وراء تلك الرسالة.

أول ما دخلت من اتجاه شارع ممدوح سالم لفت نظرى – و قد بدأت أدقق كصحفى هذه المرة – لافتات تعرض بيع المصحف بجنيه واحد و أخرى تعرض مصحف التجويد المطبوع بأربعة ألوان بعشرة جنيهات فقط و هو سعر أقل بكثيرمن تكلفة طباعته ناهيك عن التكاليف الأخرى من النقل و غيره. تلك اللافتات تكاد تكون العامل الثابت فى الأكشاك المقامة فى تلك الناحية – مدخل المعرض، بالاضافة لوجود المندوبين الذين "يدعونك" للدخول و مشاهدة المعروض مستخدمين آخر التقنيات الحديثة فى علم التسويق من شدك من ذراعك أو دفعك فى اتجاه الكشك أو الجرى وراءك خلال منطقة النفوذ الخاصة بهذا المندوب و التى لا أعلم كيف يحددها، ربما كما تفعل النمور فقد كانت لهم شراستهم و خفة حركتهم.
خرجت من هذه الأكشاك بعدة كتب – دفعت ثمنها بالاعتداء على مخصصات أخرى من ميزانية البيت راجيا أن أتصرف قبل نهاية الشهر و ألا تقرأ زوجتى هذا المقال، و لكنى ما كنت مستطيعا أن لا أفعل فمن يستطيع مقاومة أن يكون ثمن مجلد واحد لابن حجر العسقلانى خمسة جنيهات أو أن يكون ثمن الأجزاء الكاملة لاحياء علوم الدين للامام الغزالى أقل من مائة جنيه بكثير – و لن أقول لكم بكم و الا أصابتنى عين الحسد.

الأهم ما خرجت به من لقاءات مع عدد من العارضين فى تلك الأكشاك، و الذين أجمعوا على الامتناع عن التصريح لى بذكر أسمائهم و أسماء دور النشر العاملين بها كما فعل كل من قابلتهم فى المعرض. فى لقاءاتى مع هؤلاء العارضين وافقونى على أن الكتاب الدينى الاسلامى يلقى دعما ماديا من "أهل الخير"، و أن الأسعار العالية للكتب الأخرى – التى تتناول مجالات المعرفة الانسانية غير الدين - تدفع المتعطشين للقراءة الى شراء الكتب الدينية لأنهم لا يجدون غيرها بأسعار فى متناولهم، بالاضافة الى الشعور الدينى العميق فى النفس المصرية.
أفاض على فى الشرح رجل ملتح من العارضين يدير أحد تلك الأكشاك لأنه وجدنى "أخا مسلما"، فشرح لى أن دعم الكتاب الاسلامى فرض جهادى لمقاومة التشكيك فى الاسلام الذى يدور على الفضائيات و لو "بتأليف القلوب" المذكور فى القرآن، و أن لتأليف القلوب أوجه عدة ليس منها بالضرورة دفع الأموال بصورة مباشرة و هم لا يخالفون القرآن فى شيئ. و ببسمة بهيجة على وجهه كطفل فاز بجائزة أوضح لى أنهم يقطعون الطريق على "النصارى" بصرف الناس عن الشراء منهم بتخفيض الأسعار و تقديم الهدايا. بادلته ابتساما بابتسام – جعلها الله فى ميزان صدقات كل منا – و قلت له أنه لا توجد أى مكتبات مسيحية فى مدخل المعرض و أن المكتبات المسيحية حسبما طفت بالمعرض بنفسى محصورة بالطرف الغربى لساحة العرض المكشوف و فى الطابق العلوى باحدى السرايات، فلا وجود لمنافسة مباشرة و أن من سيتوجه لهذه المكتبات المسيحية سيكون غالبا اما مسيحى أو باحث لابد له من الاتجاه اليها، فغام عندئذ وجهه و اكفهر و جز على أسنانه و أوضح أن لو أن الأمر بيده لما سمح لهذه المكتبات المسيحية بالتواجد فى المعرض من الأساس. انتقل معى الى البرود التام حين سألته عن كيف يحصل المسيحى إذاً على كتبه المسيحية ان لم يسمح للمكتبات المسيحية بالعرض و أجاب باقتضاب و بشكل صادم أن المعرض يتبع الدولة و أن الدولة لا يجب أن تشجع على نشر الكفر.
نعم، هذا هو اللفظ الذى استعمله: نشر الكفر.
قلت له – و أنا حذر من الابتسام هذه المرة – أن فى المعرض كتبا تعرض فكر كارل ماركس و ريتشارد داوكينز الالحادى و كذلك فكر كونفوشيوس و الفكر البوذى، فما ضره أن يعرض الفكر المسيحى لأهل مصر و مواطنيها من المسيحيين؟ فكان رده – و ملامح الندم بادية على وجهه لحسن استقبالى فى البداية – أن لا أحد يبشر بالبوذية فى مصر أما البهائية و التشيع و النصرانية فلابد من مطاردة المبشرين بها و ضربهم بالرصاص "ككلاب السكك" بحسب تعبيره.
عند هذا الحد تركته و مضيت شاكرا له افاضته و حسن استقباله.

توجهت لساحة العرض المكشوف و اخترت مكانا أرقب منه المكتبات المسيحية المجموعة فى صف واحد – و لا يظن أحد أنهن كثرة، فقد كن أربعة مكتبات فقط و لا زحام عليهن - لمدة زادت على الساعة و النصف انتهت مع وقت آذان الظهر فقد اكتشفت أن مسجدا فى العراء يقع على بعد أقل من ثلاثين مترا من المكتبات المسيحية و رأيت الناس يتوجهون اليه لصلاة الظهر فغيرت موقعى لأشهد ماذا يحدث.
فى الفترة التى راقبتها لم أشهد أيا مما ادعته هذه الرسالة المشبوهة، فلم أجد عارضين يتخطفون الناس لادخالهم الى المكتبات المسيحية أو يتهافتون عليهم بعروض مجانية أو مخفضة، ووجدت الفتيات العارضات يقمن بخدمة الفتيات مثلهن و الشباب يخدمون الرجال، فلا منصرين و لا يحزنون، كذلك لم أشهد تواجدا أمنيا على الاطلاق – فلا جنود فى الزى الرسمى و لا مخبرين متخفين و أنتم تعلمون أن من أسهل الأشياء اكتشاف المخبرين المتخفين. لم أشهد أيضا أى من أولئك الشباب المزعومين الواقفين كحراس المرمى يتلقفون من يهوى فى فخ "المنصرين" لينقذوه و يبدلوا ما حصل عليه من كتب.
كل ما لاحظته أن كل العارضين الواقفين داخل و خارج المكتبات المسيحية لا يأتون بأى خارج عن المألوف عما يدور بالقرب منهم فى سور الأزبكية بل كانوا أقل بكثير، و طوال فترة الصلاة لم يخرج من أحدهم صوت.
بانتهاء الصلاة انتظرت أن تنقض صقور المنصرين على الحملان من المصلين فلم يحدث و خسرت سبقا صحفيا أكيدا.

مغتاظا من خسارة السبق الصحفى و الذى كان سيجعلنى فى مصاف الأستاذ هيكل و لا أقل، توجهت لأول مكتبة فى الصف و قدمت بطاقتى الصحفية ثم تظاهرت بالبحث عن قلمى فلم يندفع أيا من الموجودين لاعطائى أيا من الأقلام المجانية الوهمية التى زعمت رسالة الفتنة توزيعها على مرتادى المكتبات المسيحية، بعدها شرعت فى طلب التعليق على الاتهامات الموجهة فى رسالة الفتنة التى بدأت بها المقال و كررت ذلك فى كل المكتبات بالتتابع و كانت النتائج واحدة حتى بالرغم أن اسمى فى البطاقة الصحفية يوضح أننى مسلم و بالتالى صيد سمين – حرفيا للأسف – لكل منصر، و لكن لم يكن هناك أى من المنصرين؛ فقط عارضين و عارضات.
كالعادة، أجمعوا على الامتناع عن التصريح لى بذكر أسمائهم و أسماء دور النشر العاملين بها كما فعل من سبقوهم ممن قابلتهم فى المعرض – و لعل هذا كان الشيئ الوحيد الذى اتفقوا عليه، و لا ألوم أيا منهم.
لم أجد أربعة كتب بربع جنيه كزعم رسالة الفتنة، بل كانت هناك أربعة كتيبات صغيرة – أشبه بكتيبات الأذكار الاسلامية تباع بجنيه كامل. لم أجد مجموعات من الأقلام و الكتب تباع معا بل كان هناك قلم دعاية يهدى فى أحد المكتبات مع المبيعات التى تزيد على حد معين و هو أسلوب فى التسويق متبع فى الكثير من المحال التجارية. لم أجد أقراصا مدمجة تباع بقروش زهيدة كما ادعت الرسالة بل وجدت أرخص ما يباع من الأقراص المدمجة بمبلغ يتناسب مع السعر العادى فى السوق و محمل عليه فيلم موجود على النت بالمجان و متاح للجميع. وجدت طبعة رخيصة فى حجم صغير للعهد الجديد فقط و ليس للكتاب المقدس ككل تباع بجنيه واحد، و لا أظن أن تكلفتها تزيد كثيرا عن ذلك و لكن حتى لو تصورنا أنها مدعومة فأى بأس فى ذلك طالما أنها لا تفرض على أحد؟
لم يعطنى أحد كتبا مجانية – و لا حتى كوب من الماء و إن عرض بعض الشباب منهم على كوبا من الشاى ليس بغرض التنصير و لكن لتربيتهم المصرية الكريمة و رفضتها لضيق الوقت، فقد كان لابد من عودتى للمنزل قبل عودة زوجتى من عملها حتى لا تضبطنى محملا بكتب من المعرض فوق ما اشتريت و الا لوضعت لى السم فى الطعام.

تركت أكشاك المكتبات المسيحية و أنا حانق عليهم؛ لقد أتيت لأوثق التنصير فلم أجد منصرين أو عناوين لشقق أو كنائس على الكتب كما ادعت رسالة الفتنة – فقط عنوان الناشر و ربما موقعه أو بريده الألكترونى كما يفعل الناشرون جميعا.
لقد أتيت لأضبطهم فى فعل التنصير و أحقق المجد الصحفى الأكيد، فلماذا لا يُنصرون!؟
توجهت بعد ذلك لمكتبات مسيحية أخرى فى الطابق العلوى لأحد سرايا العرض و لم أدخل هذه المرة بل اكتفيت بالمشاهدة من بعيد و السؤال فى أماكن العرض الأخرى عن أعراف البيع المسموح بها فى السرايا المغطاة، فوجدتهم يلتزمون بها من حيث عدم تواجد عارضين خارج "جدران" مكان العرض و لا صوت كاسيت عال بتلاوة لانجيل و لا حتى لترانيم و لا يتصيدون أحد للدخول و الشراء و لا يهدون أقلاما و لا أقراصا مدمجة.
باختصار، فقدت الأمل فى الترقى لرئاسة تحرير الجريدة و عدت أدراجى مفكرا فى تلك الرسالة الألكترونية: من مٌرسلها؟ لماذا أرسلها؟ ما الغرض من كل ما كتبه كلمة كلمة و حرفا حرفا؟

نجحت فى الدخول الى المنزل و اخفاء ما اشتريت من الكتب قبل أن تقوم مصلحة الجمارك و الضرائب المنزلية بالقبض على متلبسا بجريمة انفاق النقود على مزيد من الكتب و هى جريمة فى عرف الزوجات فى خطورة جريمة اهدار المال العام الا أن اهدار المال العام لا عقوبة عليه و شراء الكتب عقوبته مغلظة.

تفرغت لبقية اليوم فى تحليل رسالة الفتنة، و فيما يلى عرض لما استنتجته:

* من مجمل الرسالة، فالأسلوب الركيك و الأخطاء اللغوية المتراكمة بالجملة تفصح عن ضحالة ثقافة من كتبها و وزعها، و هو ما يتوافق مع الجيل الحالى من الشباب المنضمين لجماعات التطرف الوهابية؛ هو غالبا شاب من أصول بسيطة – يفضحها اهتمامه بتحدث المنصرين الرجال مع الفتيات المسلمات – و حظ متوسط فى التعليم يفضحه ركاكة الأسلوب و طريقة العرض حيث اختار ألوانا فجة و ضبط كل السطور بالمنتصف كما تفعل بالعنوان الرئيسى دلالة على رغبته فى جذب الانتباه لعدم قدرته على جذب الانتباه الى شخصه بما له من فضائل و قدرات هى بالتأكيد ضعيفة.
* بدأ الرسالة بتحديد قيم و أسعار غير حقيقية بغير ادراك أن هناك من قد يحقق وراءه و يفضح كذبه، و هذا يدل على فترة طويلة قضاها كتابع لا يناقش ما يُلقى اليه و لا يهتم بالتحقق منه؛ هذا أيضا يتوافق مع أتباع الجماعات الجهلوية الوهابية.
* اتخذ اسلوبا فى السرد يقترب من أسلوب القصص القصيرة، معتمدا الزمن المضارع كأسلوب لتقريب احساسك باللحظة آملا أن يفور دم القارئ لما يقرأ من أول جملة أو اثنين فلا يلقى بالا لما يقرأ بعد ذلك؛ هذا الأسلوب يعتمده الكثير من المحاضرين عند الكلام عن الجنة و نعيمها و القبر و عذابه و يتوافق تماما مع ما يمكن أن يكون عليه كاتب تلك الرسالة المحرضة على الفتنة.
* اعتمد شدة المبالغة، و من ذلك "تتفحص غنيمتك الباردة التي يصطف الناس حولها طوابير" و لم أشهد أى طوابير، و أيضا الاشارة الى التزاحم الشديد "تنظر الى كتلة البشر المزدحمة على البائع تجدهم جميعا مسلمون، نساء واطفال وشباب.." و لم أشهد أى كتل بشرية تتزاحم على المكتبات المسيحية و لا نساء و لا أطفال.
الاشارات اللغوية المخفية فى كلامه كالاشارة الى "الغنيمة" بالباردة فى محاولة لحث عقل القارئ الباطن على استحضار صورة جثة أو جيفة باردة بعد الموت فيه اهانة للكتب و أظنها مقصودة، و الاشارة الى النساء و الأطفال فيه استثارة لنخوة النصرة – و كيف لا و العقيدة مهددة بالهدم - و كأنهم فى خطر. كل هذا يتوافق مع العقيدة الدعوية للجماعات الجهلوية الوهابية.
* الايهام بوجود خطر يستلزم اللجوء لرجال الأمن لدفعه، ثم تقرير عجز رجال الأمن عن دفع هذا الخطر بل و تواطئهم مع مصدره يدفع القارئ للتهيؤ بالموافقة لأن يقوم المتطوعون من أفراد تلك الجماعات بدور رجال الأمن بل و يبارك القارئ ما يفعلون.
* أشار الشباب من العارضين أن الجزء الأول من الرسالة – و الذى ينتهى بالمواجهة مع رجل الأمن الذى يرفض التدخل لوقف النشاط "التنصيرى" - متداول على النت منذ بضعة سنين مع بعض التعديل الطفيف، و هو ما يعنى أن الهجوم على معرض الكتاب ليس وليد اليوم.
هذا يعنى أن الجماعات الجهلوية الوهابية لا تريد رأيا آخر و لا فكرا آخر يتم تداوله غير فكرهم و ثقافتهم، و أنهم لو استطاعوا لقصروا معرض الكتاب على كتبهم و من يدرى ماذا بعد؛ فلو دان لهم الأمر فقد يمنعون النت أيضا.
* بدلا من الأمن الرسمى تقدم الجماعات الجهلوية الحل الخاص بها: شبابها من المجاهدين و المقدمين حاليا فى مرحلة استضعاف "في زاوية المكان تجد شاب مسلم يحمل شنطة سوداء ويقف زائغ العينين خوفا من ملاحقة الامن" – و لا تخطئ العين الاشارة الى زاوية المكان و هو المكان الذى يحتمى به الضعيف.
لا حظوا أيضا الاشارة الى "الشنطة السوداء" دليلا على رقة الحال و بالرغم من ذلك تجده يعطى مما عنده، و أيضا الاشارة الى تحدث الشاب "بود وشفقة" تماشيا مع متطلبات مرحلة الاستضعاف و الله أعلم أى مرحلة تليها و كيف ستختلف أحاديثهم وقتها عن أحاديثهم "بود وشفقة".
* التهويل من خطر التنصير بحيث أن بضعة كتيبات عن العقيدة المسيحية تستلزم أن يتم تتبع من اشتراها "و يستبدل ما اشتراه من النصارى بمجموعة من الكتيبات الاسلامية".
ألهذا الحد يظنون الضعف فيما يؤمنون به بحيث تزعزعه بضعة كتيبات عن عقيدة أخرى؟
أهو ضعف العقيدة التى يدافعون عنها أم ضعفهم هم؟
* نأتى لبيت القصيد، و سأسرده فى سطر و احد و يستطيع من يشاء العودة الى الأصل كما ورد فى رسالة الفتنة فى السطور الأولى من مقالى: "يا صغيري أين اموال أمتك ؟ أين رجالها؟ أين شبابها وطلبة علمها ؟"
هذا ما تطلبه الجماعات الجهلوية الارهابية الوهابية الآن: الدعم بالمال و الرجال تمهيدا لمرحلة الاستقواء ووأد الحلم الليبرالى لكل مثقف مصرى.
مهدوا لهذا الطلب بحبكة درامية تدمى القلوب و تفوق "بائعة الكبريت" و التى ما انفكت عيناى تدمعان لها كلما قرأتها حتى بعد أن شارفت على بداية العقد السادس من العمر، و سينتهون بأخبار تتوارى بجانبها مذابح جنكيز خان خجلا، و هو الذى كان يبنى أهراما من جماجم ضحاياه بعد أن أعلن نفسه "غضب الله" المسلط على الأرض كما هم يعلنون عن أنفسهم و رسالتهم.
يريدون المال و الرجال اليوم، و غدا السلاح و بعد غد الحرب الأهلية و تنفيذ خطة لبننة مصر و غزوها انتقاما لغزو جيش ابراهيم باشا لشبه الجزيرة و تأديب الوهابيين الذين كانوا قد قطعوا طريق الحج.
* يعلنون عن صدامهم مع الحكومة فى المشهد الخاص بضابط أمن الدولة الذى يفترى على الشاب مجاهد "الشنطة السوداء" – و هو ما يمكن تصديقه لأن العقل الباطن ملئ بقصص تجاوزات ضباط الشرطة و خاصة جهاز أمن الدولة، و يجهزون عقل قارئ الرسالة لاتخاذ جانبهم فى حال الصدام مع الحكومة عند وصولهم الى مرحلة الاستقواء.
و المشهد فى مجمله ركيك و الغرض منه ربطه بمشاهد تعذيب المسلمين الأوائل التى نشاهده كل رمضان و أول سنة هجرية فى مسلسلات ركيكة و أفلام محفوظة و لكن ارتباطها بالمخزون الفكرى و الثقافى قادر على استحضار صورة كفار قريش فى لحظة و ربطها بضباط أمن الدولة و جهاز الشرطة عامة. هكذا تجهز تلك الجماعات أتباعها و من والاهم بتخزين قناعاتهم الوهابية فى الغرف الخالية من العقل الباطن الجماعى لهؤلاء الأتباع – ذوى العقول الخالية أصلا – تمهيدا لتقديمهم قرابين فى محرقة الصدام الذى يرتبون له.
* لا يغفل الوهابيون أبدا استعمال سلاح الجنس لتهييج المشاعر و اثارة النفوس، فتجد مجاهديهم يستأذنون – تحت الضغط – و "يسرع إلى منصر يقف مع فتاة مسلمة يحدثها عن النصرانية". هنا يستحضر العقل الباطن للقارئ الخطر المترسب فى أعماق العقل الذكورى من بدايته بخطر فقدان الاناث للأعداء، فيترسخ لديه أن "المنصر" عدو و بالتالى كل نصرانى و أنهم شديدى الخطورة لأنهم ينوون الاستيلاء على اناث القبيلة و قد يقبل الرجل أن يفقد أملاكه بل و أحيانا حياته و لكن لا يحصل رجل آخر على أنثاه.
أرجو من القارئ أن يغفر لى ما سطرته فى السطور السابقة، و لكن هذه هى الحقيقة و هكذا هو تركيب عقلية البدوى الصحراوى الجهلوى الوهابى و من تبعه.
* فى كل النقاط السابقة نجد أن تداول الجزء الأول من الرسالة كان من الخطورة بمكان و لم يتصد له أحد – على حد علمى، و لكن ما استجد على الرسالة يشتمل على تحريض واضح و انتقال الى مرحلة أخرى تتعدى مرحلة الاستضعاف بالكثير.
و لا أدرى ما هو موقف المثقفين من هذا الأمر.

سيسارع الكثيرون طبعا – مدفوعين بالحمية الغائب عنها اعمال العقل – الى الدفاع عن الدعوة الى وقف التنصير، و ربما هاجمنى آخرون و اتهمونى بالضعف فى العقيدة أو موالاة حركة التنصير أو غير ذلك و ذلك من التهم.
و لهؤلاء و هؤلاء و غيرهم أقول لهم أن العقيدة القوية هى من تنتصر على التحديات بالعقل و النقاش و ليس بازالة هذه التحديات بالعنف و القهر و المنع؛ إن صدقنا ما قيل عن دعوات الى التنصير فكيف تمثل بضعة كتيبات توزع فى المعرض – هى حتى لم تقرأ بعد – خطرا و هدما للعقيدة كما جاء فى رسالة الفتنة؟ إن صدقنا ما قيل عن دعوات الى التنصير فكيف تمثل بضعة كلمات يتبادلها "منصر" مع مسلم هدما لعقيدة المسلم الا ان كانت عقيدته خواء أو هو نفسه خواء و هو فى هذه الحالة أفضل أن ينسلخ عن عقيدته الأصلية لأنه يكون بخوائه ضارا بها.

نحن أمام رسالة تحريضية هى جزء من خطة أكبر و أخطر لتحويل مصر الى لبنان طائفية أخرى و لكن هيهات.
لن يسمح بهذا كل أولادك يا مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه عقلية عامة الشعب المصري المسلم
hyndai ( 2010 / 2 / 13 - 00:10 )
صدقني يا سيدي هذه ليست سوى نسخة من الاسلوب العام فيما يمكن تسميته تجاوزا بالتفكير للمعظم الغالب من مسلمي مصر وهذا ليس كلام مرسل او نقلته من خبرات او ربما ادعائات آخرين لا بل هو خلاصة تجارب شخصية على مدي خمسة وثلاثون عام ليست هي كل عمري بل هي عمر وعيي أي منذ تفتح ذهني لفهم ما يجري حولي فمن حكايات خرافية اسطورية بتفاصيل عجيبة لا يصدقها انسان له نصف عقل ولا يراجعها منطق مثل ان الاقباط هم من هجموا بالاسلحة على المسلمين في الزاوية الحمراء دون ان يسأل نفسه كيف هذا وجميع الضحايا 84 شهيد جميعهم مسيحيين كيف يقوم المسيحيين بتسميم مياة الشرب وهم يستعملونها ولو فرضنا انهم يخزنون مياة تكفيهم عدة أيام ماذا سيفعلون بعدها وهل يمكن تطهير محطة المياة والمواسير الناقلة بعد أن تسممت في يوم وليلة وهل أصلا من المنطقي ان يسمموا المياة في قرية هم الغالبية العظمى من سكانها وهل للمسيحيين سوابق في هذا الاسلوب حتى يمكن تصديق مثل هذا الكذب المفضوح لقد سمعت ورأيت بنفسي ملمين يتحدثون بهذا أمامي كما في احدى المرات تداولا صورة مركبة واضحة جدا لفتاة مبططة قالوا انها مسيحية اسلمت فقتلها اهلها وفي الايام التى تلت 11-9


2 - تابع-هذه عقلية عامة الشعب المصري المسلم
hyndai ( 2010 / 2 / 13 - 00:32 )
فقد اشاع احد زملائي في العمل بأن رقم رحلة احدى الطائرات المستخدمة في هجوم 11-9 الشهير هو كود سري لليهود يرمز للعملية ثم احضر لنا رقم مكون من حروف وارقام وقال انه رقم الرحلة المزعومة دون ان يتعب نفسه تقديم مصدر معلوماته والاغرب انه قال ان الرقم عند كتابته في برنامج مايكروسوفت وورد ثم تغيير نوع الخط الى خط معين يحول الحروف والارقام الى رسوم رمزية سنرى رسم لناطحتي سحاب و بجوارهما طائرة والجميع صدقوه على الفور دون ان يسألوا انفسهم هل اليهود هم من يحدد ارقام الرحلات الجوية وما هو الهدف من تضمين هذا الرمز هل هي رسالة مشفرة الى الطيار المسلم من اليهود ليعرف الرحلة التي سيقوم بصدمها بأحد البرجين وماذا عن الثلاث طائرات الباقية هل كلها لها نفس الرقم حتى تعبر عن نفس المضمون والاغرب ان من اشاع واكد هذا عاد ونفاه دون ان يخرج من هذه التجربة باي درس مثل هل نصدق اي ادعاء مهما كان عجيب وغير معقول ودون اي دليل وبعدها بعدة ايام وجدت وصلة في منتدي مصري به وصلة عندما ضغطت عليها لازالتها وجدتها تقودني الي صفحة اخرى بها اعلان عن مشروب كوكا كولا مرسوم فية شعار وزجاجة المشروب فوق صورة للمسجد الاقصى


3 - مغالطة
سناء ( 2010 / 2 / 13 - 05:45 )
الجزائر لا تهزها نتيجة مباراة في كرة القدم ،ولا تتصرّف بإنفعالية كما تفعلون في مصر.الجزائر إكتشفت ان الاخوّة أكذوبة وشعار ونفاق،فعادت إلى وعيها وصحّحت خطأها وقرّرت ان يكون تعاملها مع-الاخوة- مبني على أساس المصالح لاعلى شيْ أخر.وكما قلتم عنّا:-إلّي ما يحبناش ما يلزمناش- ،فعلينا أن نعاملكم بالمثل.

اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي


.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية




.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا