الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى الثلاثين لأعتقال الشهيد نافع عبد الرزاق الحيدر

فائز الحيدر

2010 / 2 / 14
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


لمناسبة يوم الشهيد الشيوعي
في الذكرى الثلاثين لأعتقال الشهيد نافع عبد الرزاق الحيدر

كل الأغاني أنتهت .. إلا أغاني الناس
والصوت لو يشترى ... ما تشتريه الناس

أخي الحبيب ...لا نريد اليوم أن نرثيك فأنت باقٍ في قلوبنا دوما" ، ولا نريد أن نبكيك فالرجال لا تبكي فرسانها وعيوننا لا تعرف الدموع ، لا نريد اليوم أن نكتب سيرة حياتك النضالية فأنت الأولى بكتابتها بكفاحك ونضالك ، لقد كنت في طفولتك تهوى الشمس ، فهي بالنسبة لك المستقبل الزاهر والحياة السعيدة ، وعندها عرفناك بأنك المناضل الذي يهوى السفر بأتجاه الشمس ... ووبمرور السنين وبأنظمامك للحركة الوطنية حققت رغبتك في أكتشاف الطريق التي تسير فيه نحو غدك المشرق . وعرفت طريقك نحو الشمس ، رغم الهموم والمعاناة... النجاحات والإخفاقات .... ونسيت الطفولة والشباب والطموحات الجميلة .
وفي ظروف عصيبة مر بها الوطن ، ترجل البعض عن صهواتهم ، وغاب آخرون في الزحمة ، بقيت تصول وترفض مغادرة الوطن ، فأثبت للجميع بأنك الأبن البار لتلك العائلة الوطنية التي تمرست في دروب النضال لسنين طويلة وهي التي فتحت عيونك نحو الشمس لتجد المناضلين منهم يدفعون الثمن لمواقفهم الوطنية في السجون والمعتقلات .

أحس اليوم بالأحراج وأنا أكتب عنك هذه السطور يا أخي الحبيب وقد يتصور البعض إني ، أجحف حق الشهداء الأخرين في الذكر . فكل شهداءنا المندائيين وشهداء الحركة الوطنية ، سطروا بدمائهم مسيرة بطولية ومشرقة لشعبنا ، سواء أستشهدوا في غياهب السجون أو في المعارك أو في الغربة . وكل شهيد وشهيدة مفخرة لأهله ورفاقه وذويه . أن مشاعري تدفعني اليوم للكتابة عنك في يوم الشهيد الشيوعي يا أخي شهيد الوطن البطل نافع عبد الرزاق صكر الحيدر حيث تمر بعد أسابيع وبالذات في 18 مايس / آيار القادم من هذا العام / 2010 الذكرى الثلاثين لأعتقالك وفقدان أخبارك .

ولد الشهيد نافع في مدينة الفلوجة / محافظة الأنبار في 16 / نيسان من عام / 1949 من عائلة مندائية مناضلة معروفة ، قدمت للوطن العديد من الشهداء ، دمث الخلق ، هادئ الطباع ، صبورا" ، نبيلا" ، كريم النفس ، وفيا" ، شديد الدفأ والود لرفاقه ولأصدقاءه ولعائلته . يتميز بالبساطة والنشاط والحيوية والسمعة الطيبة ، والعلاقات الواسعة وخاصة مع أخوته المندائيين في أي مكان ألتقى بهم . محبوب من كل من عرفه وعاشره ، واضعا" مصلحة حزبه وشعبه في المقدمة .

أكمل الشهيد دراسته الأبتدائية في مدرسة التضامن الأبتدائية في محلة الدوريين في الكرخ ثم دراسته المتوسطة في متوسطة المستقبل ، والثانوية في ثانوية النضال في بغداد ، حيث أنخرط من ذلك الوقت بصفوف أتحاد الطلبة العام وكانت البداية لمواصلة العمل والنضال في صفوف الحركة الوطنية العراقية . واصل دراسته الجامعية في بغداد ، حيث تخرج وبتفوق كبير من كلية التربية / قسم الجغرافية عام / 1971. حيث كان من الأوائل على فرعه وكان يطمح لإكمال دراسته العليا إلا ان دعوته لأداء الخدمة العسكرية بددت أحلامه تلك .
وفي ظروف سياسية غاية في التعقيد مر بها الوطن أكمل الخدمة العسكرية والتي تجاوزت السنة والنصف في منطقة النفط خانة على الحدود الأيرانية شرق العراق ، حيث المناوشات العسكرية الحدودية اليومية المستمرة بين العراق وإيران والتي أدت الى قطع التموين عن الجنود ولأيام عديدة وتعرضوا خلالها للموت بسبب الحصار والجوع والعطش وعدم النوم ، ولغاية إنتدابه من قبل وزارة التربية للتدريس على الملاك الثانوي .






عين الشهيد مدرسا" لمادة الجغرافية في ثانوية قضاء سوق الشيوخ / محافظة ذي قار عام 1974 ولسنوات عديدة ، وهناك تبوء عدة مراكز حزبية ومنها ممثل للحزب في لجنة الجبهة الوطنية في محافظة ذي قار ، وخلال عمله هناك كسب حب وتقدير زملاءه وتلامذته في هذه المدينة الفقيرة ، وتوطدت علاقاته الحميمة مع أخوته من أبناء الطائفة المندائية في المدينة وخاصة رفاقه الأخوة الشهداء إلتفات ورعد ورشيد ثجيل خفي والذين غيبهم النظام الدكتاتوري في بداية الثمانينات ، وكانت زيارتهم لنا في بغداد مستمرة وفي مناسبات عدة يعلوها المرح والنقاش الجدي بمستقبل الوطن وهمومه اليومية ، ونظرا" لتفوق تلامذته في إداء الأمتحانات العامة وحصولهم على درجات عالية في الأمتحانات العامة نقلت خدماته الى بغداد عام 1978 ليواصل التدريس في متوسطة الثورة للبنين في مدينة الثورة في بغداد وليعمل بتفاني على رفع المستوى الدراسي لطلبته وخلق نوع من الصداقة والمحبة بينه وبين تلاميذه في هذه المدينة الفقيرة ، من خلال مساعدتهم في حل مشاكلهم اليومية والبحث عن فرص عمل لهم خارج الدوام الرسمي حيث كان بالنسبة لهم بمثابة الصديق والأخ والمربي الكبير . فحاز في نفس السنة على شكر وزارة التربية في يوم المعلم لنسبة النجاح العالية التي حققها تلاميذه في الأمتحانات العامة .

في بغداد تحمل عدة مسؤوليات حزبية ومهام عدة كان آخرها عضو المكتب التعليمي والصحفي للحزب ، وبالرغم من الظروف الصعبة التي كان يمر بها أثناء الهجمة الفاشية لتصفية الحزب الشيوعي العراقي كان المرح يطغي على سلوكه كتوما" لدرجة كبيرة لأسراره وحياته الحزبية ، رفض بشكل قاطع مغادرة الوطن ولو بشكل مؤقت أسوة بالأخرين لأنه كان يعتبر الوطن هو موقع النضال الحقيقي وليس الخارج .

أتذكر الدقائق الأخيرة من ليلة 15 / 5 / 1979 وأنا أستعد لمغادرة الوطن وهو يودعني في محطة الباصات في بغداد / الصالحية ، والبسمة التي أرتسمت على الثغر كأننا نتعانق وللمرة الأخيرة ولسان حالنا يشدو الخلود والدموع تنهال دون إرادتنا . بعد مغادرتنا الوطن ظل وحيدا" يهتم بأمورالعائلة وتحمل رعاية الوالد المريض وهموم العائلة ومضايقات أزلام النظام الفاشي ، إلا إنه لم ينسى مراسلتنا وهو يمر في تلك الظروف القاسية . وقبل شهرين من أعتقاله وفي 8 / آذار / 1980 بعث لي برسالة وأنا في عدن ، جمهورية اليمن الديمقراطية يذكر لنا ما يعانيه بشكل غير مباشر وبكلمات مشفرة متفق عليها ... ( نأسف لتأخير رسائلنا عليكم وذلك لتعبي الشديد وأنت تعرف نوبات الربو التي تلازمني لا تترك لي مجال حتى في الكتابة وأخذت أموري بالتحسن ولكن تحذيرات الأطباء تلزمني بأخذ الراحة والأستقرار ومع ذلك سأبقى كما تعرفني أمينا" للمثل العليا التي تربينا عليها ) .

في بداية آيار / 1980 وعند أشتداد حملة القمع والأرهاب ضد الحزب الشيوعي العراقي وسقوط العشرات ، كان لديه أحساس إنه سيقع في قبضة القتلة ، لذلك زار معظم الأقارب في بيوتهم ، يسمعهم ، يدردش معهم وكأنه على علم بأنه يودعم الوداع الأخير ، وهذا ما حدث .
ففي ذلك الصباح المشؤوم من يوم 18 / 5 / 1980 وهو يستعد للذهاب الى دوامه الرسمي ودع والدته المسنة وزوجته ... مؤكدا" للجميع بأنه أذا لم يعد في نهاية الدوام الرسمي فهذا يعني أنه وقع في قبضة القتلة ولكن يجب أن تعرفوا أني سأبقى أمينا" للمثل العليا التي آمنت بها لا تحزنوا ولا تبكوا فلست من يتقبل البكاء وأوصيكم بمواصلة المسيرة فالمستقبل لنا .

غادر البيت وسط أحتجاج ودموع الأهل جميعا" متوجا" الى بيت أخته في شارع فلسطين ليودعها وكان فعلا" الوداع الأخير ... فقد ألقي القبض عليه من قبل المخابرات العراقية في ساحة النهضة في بغداد ونقل الى جهة مجهولة وضاعت أخباره منذ ذلك الحين . مرت الشهور والعائلة تحاول تتبع أخباره من مصادر عديدة دون جدوى وكالعادة ينكر الجميع علمهم بأعتقاله . حصلت العائلة معلومات عنه من بعض المعتقلين المفرج عنهم إنه كان بطلا" خلال التحقيق حيث تعرض الى تعذيب وحشي بشع وهو يردد قصيدة سعدي يوسف المحببة لديه ( كل الأغاني إنتهت إلا أغاني الناس ، والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس ) ، لم يكتف القتلة بذلك بل أستمروا يترددون على عائلته بين فترة وأخرى يستفسرون عنه وينكرون أعتقاله ولكن الوالدة المسكينة وقد أنطفأ نور عينيها حزنا" وتجاوزت الثمانين من عمرها كانت تقف لهم بالمرصاد في كل مرة وتحملهم مسوؤلية أعتقاله وضياع أخباره وأنهم سيدفعون الثمن يوما" وأن هناك آلاف مثل أبنها نافع ، وهي تضع حقائق إعتقاله أمامهم وتطالبهم بالكشف عن أخباره .

عندها أبتسم القتلة وأطمئنوا للأمر وأدركوا إن ما يبحثون عنه فعلا" هو في قبضة أحدى أجهزتهم القمعية ، وبعد عدة أشهر عاد المجرمون كعادتهم لعائلته ولكن معهم هذه المرة تبليغ لمراجعة دائرة أمن المنطقة لتسلم شهادة الوفاة الصادرة من مستشفى الرشيد العسكري والتي كانت برقم 91241 ومؤرخة في 26 / 5 / 1984 والتي تنص على أنه أعدم شنقا" حتى الموت . هذه الشهادة التي ستكون شاهدا" ومستمسكا" رسميا" على جريمة النظام الفاشي أمام القضاء . ولا زال البحث جار عن رفاته دون جدوى .

بعد سقوط نظامهم المقبور ومن بين الوثائق التي حصل الحزب الشيوعي العراقي وثيقة صادرة من ( مديرية أمن مدينة صدام ، سري للغاية وشخصي ، الى كافة ضباط المعاونيات ، م / عوائل الشيوعيين المعدومين ، لاحقا" لكتابنا 63 في 10 / 10 / 1988 ولكتابنا 286 في 15 / 2 / 1988 ومرفق قوائم المعدومين والتأكيد في 605 في 23 / 3 / 1988 والتي تؤكد أعدام 91 شيوعييا" كان أسم الشهيد نافع عبد الرزاق صكر الحيدر من بينهم . تطلب المديرية في كتابها أعلاه من عناصرها تبليغ عوائل المعدومين بإعدام أبنائهم وتنظيم إستمارة الجرد وجمع المعلومات عن عوائل المعدومين وإرسالها الى المديرية لكون إن قوائم المعدومين مرسلة من مديرية الأمن العامة وأمن بغداد وسيتحمل ضابط المعاونية وآمر القاطع مسؤولية إي عنص معدوم درج أسمه في القوائم ولم تملي عائلته إستمارة الجرد .

يا أبا لينا ... الخالد ، من تبقى من أهلك ورفاقك دون إستثناء يذكرون بسمتك ، طلعتك البهية ، مآثرك مقدرتك ، يذكرونك في أحاديثهم وكلماتهم وعيونهم تذرف الدموع ..لقد غادرتنا يا أبا لينا بعجالة .. ولكنك لم تغب عن فكرنا وقلوبنا ... فما زال أسمك شاغل رفاقك وأصدقائك وسيبقى خالدا" .

لا رثاء لك يا عزيزنا نافع ، فقد أوفيت لشعبك ووطنك ، أجل قدمت ما تستطيع من عطاء ووفيت بنذرك للعراق ، وكلنا على رحيل لكنك إستعجلت هذا الرحيل فلم تشهد سقوط النظام ونعال أبو تحسين ، ثلاثون عاما" مضت وكأنكك بيننا ، بحثنا ...ولم نجد من يملأ مكانك ، فقد أعتدنا وجودك بيننا مثل قمر السماء .
وهذا هو قدر الشيوعيين يملأون الدنيا بتضحياتهم وحين يخلدون الى الموت ينفذون الى سويداء قلوب الناس ولا يأخذون معهم سوى المحبة والمهابة فهم لا يملكون سوى أرواحهم .

سلاما" .. سلاما" وتحية إجلال وإكبار لك أيها الأخ الخالد ولجميع رفاقك الخالدين الذين تصبح ذكراهم من مواسمنا الوطنية وحق لهم أن تكون ، لأنها ذكرى الرجال الذين لم تنكس راياتهم يوم إنتكست الرايات ، إليكم يا من إعتليتم المجد ، وصعدتم أعواد المشانق ، أو الذين أخترقت صدورهم وأجسادهم نيران البنادق ... أوالذين عذبوا أحياء في المقابر ، لقد خلدتم المسيرة في الزنزانة والظلمات ، حفرتم الأسماء وثبتموها على الجدران وفي الأعماق ، في غياهب السجون والمعتقلات ، سطر صمودكم البطولة والشموخ في سجلات ومآثر الخالدين الأباة .

كندا في 14 / 2 / 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مزبله التاريخ
--ابو فراس السويد ( 2010 / 2 / 14 - 07:25 )
كان رحمه الله من اصدقائى الجيدين والمقربين --حيث كنا على كرسى واحد فى اعداديه النضال فى بغداد ولمده سنتين --كان عالى الاخلاق شديد الذكاء محب للناس --اقول محب للناس --حيث كان عندنا احد الطلاب واذكر فقط اسمه الاول-- محمد --فاقد البصر --وكان نافع يرافقه دائما ويقراء له الكثير من المواد ومحمد يحفظ من نافع --كان شديد الذكاء لانه كان دائما الاول على الصف وبالنهايه الاول على الاعداديه وكنت دائما اغش عليه رحمه الله-هذا هو اعمال البعث --فقط القتل والذبح لكل ذكى مخلص لبلده --انا لله وانا اليه راجعون---نم قرير العين يانافع فان البعث اصبح فى مزبله التاريخ --

اخر الافلام

.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في


.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال




.. لماذا تتبع دول قانون السير على اليمين وأخرى على اليسار؟ | عا


.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا




.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ