الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخوان على مفترق طرق

جهاد الرنتيسي

2010 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتسع مطاطية الفكرة ، لتجمع النقيض بنقيضه ، تحت سقف واحد ، ويتحول الوقوف عند مفترقات الطرق الى احتراف ، وفي بعض الاحيان تأخذ المراوغة منحى المنهج ، وتنتهي بديلا له .

كما تتلاشى في التفكير الغيبي معالم الزمن ، وتطفو الهلاميات ، لتخبو الشواهد ، ويجوز التجريب ، لاستحضار ما يصعب استحضاره من التاريخ .

فالانكفاء الى الوراء ، واستيطان الاغوار السحيقة لزمن مضى , سلاح الاصوليين للالتفاف على اللحظة الراهنة ، وملاذهم في مواجهة الاستحقاقات الصعبة .

وشعور " النوستالجيا " لدى اصحاب هذا المنهج ، لايثيره الحنين ، الى لحظة عاشها الانسان ـ كما هو مفترض ـ فهو نتاج عصور متخيلة ، مر بها السلف ، ويتمثلها الخلف .

كما يقود الجمع بين الماضي والحاضر ، والمثال والتجريب ، الى منزلقات وخطايا يصعب الدفاع عنها ، مما يبقي اطراف الازمات المستعصية في جماعة الاخوان المسلمين في حالة استنفار دائم بحثا عن المبررات .

فلم تخرج الجماعة ، منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي ، عن الترنح ، بين ماض مختلف عليه ، وحاضر تنقصه العكازات .

لكن غياب البدائل ، والافق المسدود امام شعوب المنطقة ، وعجزها عن بناء علاقات سوية مع الاخر ، مكن جماعة الاخوان المسلمين ، في مختلف مراحل تطورها ، من اخفاء حقيقة غياب البوصلة ، كما حال البعد الترهيبي في خطابها ، دون اخضاعها لمناهج التحليل العلمي .

ومن خلال الخطاب الترهيبي ـ الذي يهدف من بين ما يهدف اليه الى اخفاء خلل غياب البوصلة السياسية ـ كادت الجماعة ان تكتسب قداسة ليست من حقها ، لكن ذلك لم يحل دون تشعب الخلل ، ليتحول الى اختلالات .

تشعب هذا الخلل في رؤية الجماعة ـ انعكس على الابعاد الاممية والاقليمية والمحلية في تفكيرها لتغيب فواصل ومحددات النشاط والحركة ومعالم العلاقات الداخلية بين تنظيماتها المنتشرة في ارجاء المنطقة وخارجها ـ حولها الى عدة رؤى تتناحر خلف ستار حديدي ينكسر امام المنعطفات القادرة على تعرية الطرح السياسي وكشف هشاشة البنى .

وسجال اوساط الجماعة في عمان وغزة ودمشق وبعض عواصم الخليج العربي حول مصير الارتباط بين حركة حماس واخوان الاردن واحدة من محطات تجلى فيها تداخل الرؤية .

ففي عمق الخلاف الدائر جوانب دينية ، ترتبط بنصرة حركة حماس ، باعتبارها الفرع الفلسطيني للجماعة ، ولا تقتصر على انهاء التداخل بين تنظيمين ، احدهما اردني له اولوياته والاخر فلسطيني باولويات مختلفة .

ويضفي الجانب الديني ، اعتبارات لم تكن موجودة ، في ترتيبات تنظيمات يسارية ، تتبنى المنهج العلمي ، كما حدث مع بدايات الانفتاح الديمقراطي مطلع تسعينيات القرن الماضي حيث خرج حزب الشعب الديمقراطي من رحم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وتبعه فرز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنظيمها الاردني في حزب يخضع للقانون الذي يحكم عمل الاحزاب الاردنية.

كما يلعب اختلاف الظروف الموضوعية ـ بين ما حدث في مطلع التسعينيات وما يحدث راهنا ـ دوره في الاعتبارات المحيطة بالسجال الدائر .

فالجبهتان الشعبية والديمقراطية اللتان انهتا ارتباطهما بتنظيميهما في الاردن تنظيمان فلسطينيان ضما اردنيين بينما جماعة الاخوان جزء من تنظيم اشمل يحرص على البقاء في اطار العالمية .

ومن ناحية نظرية ينهي قرار فك الارتباط التنظيمي بين اخوان الاردن وحماس ـ المحاط بغموض النفي والتاكيد ـ العلاقة بينهما لكنه يصطدم بتداخل العلاقات الاردنية ـ الفلسطينية الذي تصطدم خطوات انهائه بحقوق المواطنة وحساسيات الديموغرافيا .

كما يعيد نفي اخوان الاردن الخجول ، لصدور قرار فك الارتباط ، بين الجماعة وحماس ، تسليط الاضواء مجددا على الجدل الدائر بين تيارات الاخوان حول طبيعة العلاقة المستقبلية مع تنظيم الاسلام السياسي الفلسطيني الاول المتردد في الخروج من تحت عباءة الجماعة .

الزوايا المظلمة في علاقة اخوان الاردن مع حركة حماس ليست نقاط الغموض الوحيدة ، التي استقرت تحت الاضواء ، فهناك جوانب اخرى لا تقل غموضا ، وتتجاوز اخوان الاردن الى التنظيمات الاخوانية في مختلف اماكن تواجدها .

وتتمثل هذه الجوانب في طبيعة العلاقة التي تربط فروع الاخوان مع تنظيمها العالمي .

فقد بقيت حدود العلاقة ، في الاطار الجامع الذي تعود بلورته الى مطلع الثمانينيات ، ملتبسة على الباحثين في قضايا الاسلام السياسي .

وتركز اللبس حول الهامش المتاح لحركة الفروع ، ومقدار هيمنة المركز العالمي عليها ، وآليات صناعة القرار في سدة الجماعة ، وتركيبة الهيئة التي تتولى وضع السياسات العامة .

الا ان محاولات المعالجة التي تصدت لهذه الجوانب بقيت ـ على اهميتها ـ دون توضيح الغموض .

ففي الوقت الذي ضخم البعض روابط القيادة العالمية مع الفروع الى حد وضعها في خانات الهيمنة قلل اخرون من اهميتها ، ولم يخل الامر من اعتقاد بان التمسك ببقاء الهيئة ، جاء نتيجة حرص على وجود اطار للفروع ، بعد تعثر فكرة مكتب تنفيذي فروع الاخوان المسلمين في الدول العربية .

وتندرج في اطار فشل تجربة المكتب التنفيذي المشترك لفروع الجماعة ، قصص خلاف تمتد على مدار عقود مضت قبل خروج هذه التجربة الى النور ، وتظهر ضعف الجماعة ، المتمثل في العجز عن ايجاد المواقف الجامعة لفروعها ، وفي داخل كل فرع من هذه الفروع .

فقد شهد العام التالي لنكسة حزيران اصطفافات داخل الجماعة حول تأييد ومعارضة فكرة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الاسرائيلي .

ولم تتوان بعض تنظيمات الجماعة عن التشكيك بحق شهداء الفصائل الفلسطينية في صفة الشهادة واتهامهم بالالحاد .

في فترة لاحقة ظهرت شواهد اخرى على تعارض الحسابات المحلية لتنظيمات الجماعة مع الحسابات الاقليمية ، وتقليص البعد المبدئي ، حيث ايد اخوان سوريا نظام الرئيس صدام حسين نكاية بالرئيس حافظ الاسد ، رغم تعرض اخوان العراق لملاحقة اجهزة الامن العراقية .

الا ان الجماعة استعادت بعديها الاممي والايماني، بخطوة مثيرة للجدل ، حين ادارت ظهرها للقضية الفلسطينية ، وركبت الموجة الاميركية ، لمواجهة الاتحاد السوفيتي في افغانستان ، على ارضية الفرز بين الايمان والالحاد .

واظهر اختلاف المواقف الاخوانية ، وتذبذبها ، وتحولاتها السريعة خلال غزو الكويت ضيق افق يفقد الجماعة حق ادعاء الحقيقة المطلقة واحاطة مثل هذا الادعاء بهالات القداسة .

فلم تكن تنظيمات الجماعة التي حيرت محاولي رسم خارطة مواقف القوى السياسية في ذلك الحين افضل حالا من التنظيمات الوطنية والقومية واليسارية العربية التي اخفقت في ايجاد مواقف متوازنة تجاه الغزو والتدخل الاجنبي .

والواضح ان فروع الجماعة لم تخرج من دائرة الخلاف حول تعقيدات اوضاع المنطقة وتعارضات المحلي والاقليمي والاممي .

فالموقف من النظام السوري قضية خلافية بين اخوان سوريا الذين يقراون المشهد بناء على معطيات محلية وغالبية فروع الجماعة اللاهثة وراء شعارات الممانعة .

ويحاط موقف فروع الجماعة تجاه السياسة الايرانية بغموض متعمد يظهر بوضوح في تجنب معظم هذه الفروع التطرق الى النفوذ الايراني في العراق ودول الخليج العربي .

كما ظهر التباين واضحا في حدة مواقف فروع الاخوان خلال الحملة التي شنتها الجماعة ضد بناء الجدار المصري على حدود قطاع غزة .

وعلى الدوام تترك تعددية الخطاب وتحولاته ، وسهولة تحويل العدو الى صديق ، والصديق الى عدو ، واختلاف رؤى الفروع حول المواصفات المطلوبة في الحلفاء والخصوم ، ودوام البحث عن مبررات لتغيير الاهداف علامات استفهام كبيرة حول اولويات الاخوان المسلمين وتكتيكاتهم واستراتيجياتهم .

الا ان نتائج محاولات البحث عن اجابة للسؤال الذي خلفته " مطاطية " الفكرة بقيت محدودة لعدة اسباب .

يعود ابرز هذه الاسباب الى سيف التكفير والارهاب الفكري الذي طال قامات عالية من الباحثين لمجرد اقترابهم من هوامش حركة الجماعة وغيرها من قوى الاسلام السياسي .

ولا يخلو الامر من قدرة كل فرع من فروع الجماعة على التلون مع الاوضاع السياسية والاجتماعية المحلية الى درجة التماهي مع اولويات الفئات الشعبية دون توفر التصورات الحقيقية لتلبية حاجاتها .

فالفكرة بحاجة الى شعارات لتسويقها والطرق الالتفافية مخارج لتجاوزالمنعطفات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة