الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (2)

أنور نجم الدين

2010 / 2 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس التاريخ سوى تطور الزراعة، والتجارة، والصناعة، ولا يمكن دراسة تاريخ البشر ووعيه، خارج علاقته بتاريخ الصناعة والمبادلة (أنظر ص 39).

إن الوعي البشري، أو المعارف البشرية عن العالم، يقرره تنظيمهم المدني، فالصناعة والتبادل التجاري، هي التي تحدد معارفنا في كل عصر محدد من العصور التاريخية، وهذا النشاط الإنساني، هو أساس كل عالمنا الحسي، فالبشر إذًا يطورون معارفهم، ثم يوجهون نقدهم للعالم، في إطار التطور التاريخي، فنقد الإنجليز والفرنسيين للعالم جاء نتيجة التطور الصناعي ثم التجارب العلمية على الأشياء المادية لا الأوهام الفلسفية، أما النقد الألماني، فيتميز بمعارف فلسفية، يبحث في الأساس علاقة الوعي بالمادة، لا التاريخ الفعلي وعلاقة البشر ومعارفه به.

إن إنتاج الحياة الفعلي له أصل تاريخي، بينما التاريخي لدى الألمان، منفصل عن الحياة الواقعية. وهكذا، فتصبح العلاقة بين الإنسان والطبيعة، علاقة غير تاريخية. فبينما يتشبث الإنجليز والفرنسيون بالحياة الدنيوية، فالألمان يضع البشر خارج التاريخ، فالطريقة التي يتبعها الألمان في كتابة التاريخ، لا تولي الاهتمام للمصالح الفعلية، أو السياسية، بل للأفكار المحضة (انظر ص 51)، فالنقد الألماني يمثل أفكار الفلاسفة، أو الأفكار المنفصلة عن الواقع الفعلي، الأفكار التي قد دمرها التاريخ منذ أمد طويل.
إن هذه الأفكار الفلسفية، المحاطة بالأوهام المحلية، الألمانية، "تمضي حتى التأكيد بأن (النقد والنقاد وحدهم قد صنعوا التاريخ)، ص 52"، فالألمان لا يستطيعون أن ينظروا إلى التاريخ من منظور الأحداث الواقعية في السوق العالمية، ويَقتصر المسرح العالمي لدى الألمان، على معرض كتاب لإيبزغ والمناظرات المتبادلة عن (النقد - فلسفة بوير)، و(الإنسان - فلسفة فيورباخ)، و(الأوحد - فلسفة شترنر)، فبدل الأحداث الواقعية، يستند الألمان إلى القصص، والإنشاءات التاريخية، والثرثرة الفلسفية، لا البحث العلمي، فالنقد الألماني يرجع تطور العالم إلى منتجي المفاهيم، إلى المنظرين والأيديولوجيين لا إلى التاريخ الفعلي. وهكذا، فالألمان يصدقون مزاعم كل عصر عن نفسه، والأوهام التي يصنعها البشر عن أنفسهم.

3)

إن تمركز التجارة والمانيفاكتورة في إنجلترا، وتطورها دون انقطاع في القرن السابع عشر قد خلق بصورة تدريجية من أجل هذا البلد سوقًا عالمية، زادت بموجبها الطلب على المنتجات الصناعية الإنجليزية. إن هذا الطلب كان القوة الحافزة التي استدعت إلى الوجود، الصناعة الكبرى (انظر ص 71). وكانت الشروط الأخرى للثورة الصناعية موجودة سلفًا في إنجلترا: حرية المزاحمة من جهة، وتطور علم الميكانيك، العلوم الطبيعية، من جهة أخرى.
وكانت الحركة التاريخية هذه، تقف وراء الثورة التي تأتي بحرية المزاحمة، وحرية التجارة في كل مكان، (1640م) و (1688م) في إنجلترا، و(1789م) في فرنسا. والألمان يلحقون هذا التطور ابتداءً من أواسط القرن التاسع عشر (1840م)، فالحركة التاريخية هذه، طورت الصناعة التي أنشأت لا سوقًا عالمية للتجارة من خلال المنتجات الصناعية فحسب، بل ووسائل المواصلات الضرورية التي أخضعت في نفس الوقت هذه السوق الكونية، للرأسمال الصناعي أيضًا.

لقد دمرت الصناعة والوسائل التي خلقتها للمواصلات العزلة بين الأمم، وخلقت للمرة الأولى تاريخًا عالميًّا، جعل من كل قومية، بل وكل فرد، وكل ثورة رهن بالسوق العالمية، وحولت الصناعة الرأسمالية جميع العلاقات الطبيعية، إلى العلاقات النقدية الصرفة.
ومن البديهي كان هذا التطور الصناعي، يجر وراء الرأسمال الصناعي الأوروبي كل الأمم، حتى أشدها همجية، حيث الصناعة الكبرى، تؤثر بطريقة مماثلة إلى الاقتصاد المحلي الذي كان يفتقر إلى الصناعة، وذلك بقدر ما تنجرف الأمم المختلفة وراء التجارة العالمية والمزاحمة العمومية.
وإذا أردنا التحقق من هذه النظرة المادية إلى التاريخ، فنرى إن العالم، من أقصاه إلى أدناه، من أوروبا، إلى آسيا، وأمريكا، وإفريقيا، وأستراليا، أصبح صورة، تعكس فيها عالمًا من المزاحمة، لا تفصل بين البرجوازيين فحسب، بل وبين الشغيلة أيضًا. أما بقدر ما يكون هذا التطور بطيء، بقدر ما ينتجون الأفراد أفكار عن العلاقات لا يملكونها في الواقع.

وهكذا، فتستعير كل أمة من جهتها أفكارًا من الأمم المتمدنة، و تمزجها مع أوهامها القومية الخاصة وفقًا لتطورها الصناعي الخاص، وجهات النظر هذه، ستكون ضيقة، ومشوهة دائمًا، الأمر الذي سيزداد أهميته لدى الأفراد أثناء الحركات الطبقية، خاصة من خلال المثقفين البرجوازيين، المثقفين الذين لا يميزون إطلاقًا بين الصدامات الطبقية وأهدافها التاريخية. هؤلاء المثقفين لا يفهمون (الأيديولوجية الألمانية) إلا في الكلمات والجمل، يجدونها في حالتهم الاجتماعية الخاصة، أو المفاهيم العامة عن الأطوار التاريخية للتطور البشري في خطوطها العريضة، وتصنيف جديد للطبقات الاجتماعية، والصراعات الفكرية بوصفها صراعًا بين العلم والدين، بين المؤمنين والملحدين، واعتبار مادية ماركس التاريخية فكرة عن أزلية المادة، لا فكرة عن مادية التاريخ، فكارل ماركس لا ينظر إلى البشر ووعيه، أو معارفه عن العالم، إلا في سياق تطورهم التاريخي، المحدد بدرجة من تطور الصناعة والعلوم التي تنتجها.
أما المثقفين البرجوازيين، فيعلنون بأن الوعي خاصتهم، والشغيلة مثلًا، لا يمكنها فهم شروط حياتها الخاصة وأهدافها التاريخية، إلا من خلال أفكار المثقفين الذين لا ينظرون إلى تطور المجتمع، إلا من خلال نخبة متميزة عن باقي المجتمع، يمكنها فهم الأشياء بصورة مختلفة عن أكثرية المجتمع، فالأكثرية، لا يفهمون فقرهم، وجوعهم، وعبوديتهم، دون توعيتهم من قبل هؤلاء المثقفين الذين لا يتعلق الأمر في آخر المطاف إلا بمصالحهم الخاصة وتسلطهم على المجتمع. أما لدى ماركس، فالشغيلة لا يجتمعون على الأفكار، بل على المصالح، وليس الوعي بالنسبة إليهم، إلا نتاج شروطهم الحياتية، ولا تعين الأفكار أهدافهم التاريخية، بل الشروط الحياتية التي تخصهم.

وهكذا، فما يغير المجتمع، ليس هو الأفكار، أو الفلاسفة، أو العباقرة، بل الشروط المادية للتاريخ، فالتحرر إذًا عمل تاريخي وليس ذهنيًّا، "ولا يمكن تحقيق تحرير فعلي إلا في العالم الواقعي وإلا بوسائل الواقعية، وإنه لا يمكن إلغاء العبودية بدون الآلة البخارية والنول الآلي ودولاب الغزل، ولا إلغاء الرق بدون تحسين الزراعة، إن (التحرير) فعل تاريخي وليس فعلاً ذهنيًا، وهو يتحقق بفضل شروط تاريخية، تقدم الصناعة، والتجارة، والزراعة، ص 32".
أما الألمان فكانوا ينتجون الأفكار الفلسفية، أو التأملية محل الأفكار الواقعية عن الوقائع التاريخية، "وإن هذه التطورات الخاصة بالأفكار، هذه الحقارات المؤمثلة والعاجزة، تحل مكان التطورات التاريخية الغائبة، ص 33".

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام