الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكي ، و تجدد الحياة .. قراءة في مجموعة نصف ضوء ل عزة رشاد

محمد سمير عبد السلام

2010 / 2 / 16
الادب والفن


في نصوصها القصصية " نصف ضوء " – الصادرة عن دار هفن للنشر بالقاهرة 2010 – تجمع عزة رشاد بين الكشف عن الخصوصية الإبداعية للأنثى ، و روحها الفردية البهيجة الأكثر اتصالا بالقوى الكونية ، و عوالم المخيلة ، و اللاوعي ، و الأسطورة ، و الإيحاءات المجازية للواقع ، و كذلك البحث عن ملامح الهوية الثقافية للمجتمع المصري في النماذج الشخصية التي ترتكز عليها بؤرة السرد .
تميل عزة رشاد إلى بناء الشخصية من خلال بحث الساردة عن خصوصية لا يمكن اكتمالها دون الآخر ، أو الأخرى في النص . ثمة إغواء وجودي ، و مجازي يكمن في اتصال وعي الساردة بالشخصية بحيث يمكننا قراءة التكوين الفريد للبطلة من داخل المخيلة التأويلية الإبداعية للساردة .
إن عزة رشاد تحرص في مشروعها الإبداعي – على الإمساك بأثر الشخصية ، أو بما تتركه خلفها من ذكريات ، و إيحاءات لا يمكن محوها أبدا ؛ فهي تقبض على تناقضات العدم ، و الخلود في بنية الأثر ؛ لكي نواجه دائرية الحياة ، و امتداد أطيافها في الصوت الذي يمارس فعل الحكي ، و كأنه مادة للخصوصية التي تقع بين الأنا ، و الآخر من جهة ، و تمثيل للوهج المقاوم للمحو في الأثر ، أو الشخصية من جهة أخرى .
و في سياق استعادة النشوء الأول للشخصية دائما ترتكز عزة رشاد على الوظائف السردية الدلائلية ، و هي هنا ممتدة ، و قابلة لإعادة التكوين في المتلقي حين يتوحد بالأثر ، أو الشخصية القصصية .
الوظيفة السردية – في المجموعة – لا تنتمي لفاعل واحد ، أو سياق منطقي ، و لكنها تبرز أمامنا في لحظة دائرية مجردة تقع بين الماضي في ذاكرة الساردة ، و المستقبل الذي تعبث فيه أطياف الحياة المقاومة للعدم ، أو النهايات .
يرى رولان بارت أن بعض القصص وظيفي بقوة ؛ مثل الحكايات الشعبية ، و الآخر دلائلي بقوة ؛ مثل الروايات النفسية ، و بين القطبين سلسلة كاملة من الأشكال الوسيطة ( راجع / بارت / مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص / ترجمة د منذر عياشي / مركز الإنماء الحضاري بسورية مع سوي بباريس / ط1 / سنة 1993 ص 46 ) .
هكذا نرى الوحدات الوظيفية قد تجاوزت سياق المغامرة – في مشروع عزة رشاد – إذ ينشأ الحدوث من الذاكرة ، و يتجدد في الوحدات الدلائلية ، و قد اكتسبت قوة المادة دون التحلل ، أو التلاشي .
في نص " الرابحة " تلتحم البطلة بأفكار الساردة حول خصوصية الكينونة الأنثوية ، و تقاطعها مع أخيلة الخصوبة ، و الانحياز للتأمل الجمالي ، و الحرية الفردية ؛ فالبطلة تحتفظ بجمالها ، و تميل للرقص ، و المرح ، و كانت تكشف ذراعيها ، و تكره الفيزياء ، و تتحدى السائد في علاقتها بتامر ، و إصرارها على دخول مدرسة الفنون ، ثم تموت في النهر مثل عروس النيل ، و يتحول صوتها الخفي في الساردة التي تنحاز لدراسة ابنتها للفن .
الآخر في النص خليط من تأويلات الساردة ، و تفرد البطلة ، و النمو السردي / التشبيهي لأطيافها ، و أساطيرها ؛ فالبطلة تربح وهج الحياة الكامن في الماضي ؛ إنه الوهج المضاد لبنية التضحية بعروس النيل ؛ إذ يطمح للخلود ، و الاتصال الخفي بالمستقبل من خلال دوال الخصوبة المتجدد ، و التي لا تتعارض مع قيم الفردية الأنثوية .
إن البطلة تتجاوز نفسها في مدلول الأصالة الجمالية ؛ ففيه ينقلب الغياب إلى حضور ، و اندماج بتاريخ الفن ، و تحولاته في النشوء المتكرر للإنسان الفرد .
و في نص " المفعوصة " نلمح صراعا بين الروح الأنثوية المتحررة ، و الموقع الاجتماعي الحتمي المفروض على البطلة من الخارج ؛ فالبطلة تقفز ، و تصاب بجرح في الرأس ، ثم تستبطن الساردة وعيها ، و ترصد حالة النبذ التي تعرضت لها ؛ لأنها البنت الوسطى ، و مدى المعركة بين الموت ، و الخلاص مع صورة الشاب / طالب الطب الذي أبدى اهتماما بها .
لقد تحول الموقع الحتمي للبطلة إلى فراغ للاستبدال اللعبي بين العلامات ؛ فنرى فيه القفزة خارج التكوين ، و السياق الثقافي ، أما الموت فيأتي كجسر للهوية الإبداعية للبطلة ، و قد تحققت من خلال استنزاف الموت لبنيته في الوعي النسوي للساردة .
و في نص " خيط ممدود " تتوحد الساردة بمدلولي الطفولة ، و الأمومة في سياق بحثها عن طفل مفقود ، الطفل هنا دال متفرد لا يمكن القبض عليه في النص إلا من خلال التأويل ، أو الحكي المنتج لآثاره اللانهائية .
إن اختفاء الطفل حدث مناهض للوظيفة السردية ، و لماديتها في آن ، إنه موقع للعب الدلائل النفسية للساردة نفسها التي تسقط أحلامها ، و أخيلتها حول الأمومة على الحدث ، هل وجد الطفل ؟ أم أنه الصوت الآخر للأنثى ؟ .
إنه طيف مجازي في الدوال الواقعية ، أو نبوءة بالاختفاء ، و التعدد ، و الانتشار معا ، و قد استخدمت عزة رشاد تقنية توثيق آراء الرواة ؛ كي تؤكد أصالة التأويل ، و لامركزية الحقيقة ؛ فتخبرنا الساردة أن هناك من رأى الولد في حضن أمه قبل ثوان من اختفائه ، و من رآه انضم إلى سرب فراشات ملونة ، و من ذكر محاولة الأطباء إنقاذه من الموت .
إن الساردة تفكك البنية المادية للولد ؛ إذ يلتبس حضوره بالأسطورة ، و وجوده بالعدم ، و الانتشار في وعي الآخر دون نهاية .
و في نص " لا أحد يغضب من أميرة " ترصد الساردة التأثير السحري للأنوثة من خلال تداعيات شخصية أميرة في الساردة ، و صديقتها ، و مفردات الواقع . أميرة تتصل بأخيلة الخصوبة ، و تؤكد هويتها في تجاوز النمط ، و تفكيكه ؛ فهي خارج أطاري المرح المطلق ، و الفناء معا ؛ إنها بهجة ملائكية ذات تحول مادي مستمر .
ترصد الساردة تفوقها في السباق ، و ذكاءها ، و حبها للشيكولاتة ، و انصياع الأب لرغباتها في اختيار الملابس ، ثم زمجرتها في فترة المرض ، و الاحتضار ، و بقاء أثرها / الخاتم في يد صفاء ، مع استعادة جماليات جسد أميرة مرة أخرى في النص .
لقد ولدت أميرة في وعي الساردة كبديل عن الجمال الأبولوني ، و ارتباطه الخفي بالروح الأنثوية المتحررة ، هذه الروح التي تمنح الموت دلالة التحول ، و تفكيك منطق المرأة التقليدية / صفاء .
و في نص " نصف ضوء " يلتحم فعل الحكي بتجدد الحياة ، و التأملات الأنثوية المضادة للصراع ، و القتل ، و يبدو ذلك واضحا في شخصيتي سارة / الأخت الصغيرة ، و ما تمارسه من حكايات بسيطة تحتمل دلالات ثقافية عميقة ، و العم يوسف ، و حكاياته عن المدينة ، و منتزهاتها ، و شوارعها المزدحمة .
لم هذا التواتر لفعل الحكي في النص ؟
إنه الخيال المجدد لحالة الموت ، و تكرار أثر الدم ، و الانقطاع في النص ؛ فثمة طفل غائب ، و وفاة غامضة ليوسف ، و لكن يظل الحكي مؤولا للخطيئة ، و متجاوزا لها .
و في نص " قدماه صغيرتان و جميلتان " يقاوم التكوين الجمالي لقدم الطفل متاعب الأم ، و الأسرة ، حمرة الدم تبعث المرح الداخلي في الساردة ، و تحرر طاقتها النفسية من دوال الانهيار في المشهد .
و يتميز هذا النص بتجسيد لقاء الوعي بالتفاصيل الصغيرة ، و قدرتها على النمو ، و الانتشار في العوالم الداخلية للمتكلمة ، مثلما ينتشر المجاز في الواقع الحتمي .
و في نص " في الصالة المكتومة " تناقش الساردة أصالة مدلول الأنا الأعلى في شخصية البطلة / بطة التي سرقت ثعبانا ذهبيا من شقة حماتها ، و أعادته دون أن تفارقها أحاسيس الذنب ، و الرغبة في الاعتراف ، و الإحساس بالفقدان ؛ فهي لم تنجب ولدا ، و تعاني من نقص المال ، ثمة أصالة للعقاب في لاوعي هذه الشخصية البسيطة ، فقد رأت في المنام حديقة تستحيل ثعبانا يهاجمها ، و كأن البهجة الأنثوية هنا يلازمها انهيار ، و موت معلق في بساطة الأداء ، و مرح الصور التي تمنح الشخصية حضورا جديدا معقدا .
و في نص " عقدة لسان عم ريحان " تبدع عزة رشاد شخصية ريحان في سياقات ثقافية ، و جمالية ، و أنثوية تناهض البساطة ، و الاختزال ؛ فتكوين ريحان يجمع بين القوة ، و النشاط ، و البساطة المصرية ، و هو صاحب مزاج إبداعي يبدو في طبيعة عمله كرفاء للملابس من جهة ، و حرصه على جماليات التكوين ؛ إذ استعان بأرنب كي يبدو الملبس بلون واحد ، و هو يتطور من داخل الوعي النسائي للساردة ؛ لأنه ينتمي إلى أخيلة الالتئام ، و الإيروس .
إن انهيار حرفة ريحان في النص يدل على الرغبة الخفية للساردة في استعادة الشخصيات ، و التكوينات الفريدة ، و هي محاكاة تحريفية لحرفة ريحان ، و قد صار الآخر الداخلي المتجدد في وعي الساردة .
و في نص " عازل للصوت " ترصد الساردة نموذج سومة الغولة ، و تنتمي هذه الشخصية إلى شريحة تمارس العنف في المجتمع انطلاقا من أزمة إنسانية ، أو تشويه ثقافي للخصوصية من خلال الضرورة في أسوأ أشكالها .
تؤول الساردة سومة من داخل الجمال الأول الذي تحول إلى ضوضاء ، و تشوه ، و موت على يد زوجها الأول . البطلة تجمع بين الجريمة ، و الانسحاق ، و الانهيار الذاتي للعنف ، بينما تبقى الروح الجمالية كأثر للشخصية فيما بعد التلوث ، و العدم .
و في نص " دوائر للفوضى " تستعيد البطلة الحبيب ، أو تنتجه من وهج الانفعالات المجازية ، و الإدراك النسائي الذي يقترن بزهد لا ينفصل عن وجود الآخر داخل العالم الداخلي للمتكلمة نفسها .
إن عزة رشاد تقبض على لحظة انقسام جمالي في صوت المرأة تؤدي إلى توحد يقع في صلب النزعة الفردية ؛ لأن مدلول الآخر يقع في الوعي بصورة دائرية .
و في نص " أوسكار " تتنازع الفنانة / الممثلة لحظات التمرد ، و العشق ، و التعالي ، و التبديل ، و البحث عن الخصوصية ، و تجاوز الأبنية العامة لمدلول الحب في الرعب . الإبداع يقترن هنا بالروح المتحررة داخل البطلة ، تلك الروح التي تفكك المرجع الأول دائما ، و تستنفده في حالة التجدد ، تلك التي تميز كتابة عزة رشاد ، و مشروعها الإبداعي الذي يرتكز على استعادة البكارة الإبداعية للشخصية في حكي يتجاوز المحو .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية