الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- تشنجات الدين الوافدة على المجتمع المصري- ملامح و أثار

محمد عابدين

2010 / 2 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" تشنجات الدين الوافدة على المجتمع المصري"
ملامح و أثار
من الطبيعي أن يسعى أي مجتمع إلى التمايز بين المجتمعات الأخرى .. وتأكيد ثقافته وهويته التي تميزه عن الآخرين على أسس ومعايير موروثة كاللغة والدين والعادات والتقاليد و ما يتبعها من قيم
..
إشتهر المجتمع المصري وحتى أواخر هذا القرن بسعة صدر وتعاليم سمحة أدت لنجاحه في إقامة نظم إقتصادية وسياسية ، وفرت لأبناءه الحياة الكريمة
إلى أن وصلت إليه بعض الصور والقيم المجتمعية الوافدة من تقاليد وأعراف تعصبية ومفاهيم دينية متشددة غيرت الكثير من سماته الأصيله ليتحول لمجرد تجمع بشري يفتقد لقيم المواطنة ويشرع في محاولة للتقسيم الذاتي على أسس إنتقائية
(عقائدية أو طائفية أو طبقية )
..
وإذا ما نظرنا بتمعن للأحوال التي بات عليها المجتمع المصري الآن سنرى بأم أعيننا إشكاليات جمة غالبيتها تكبل قيم المواطنة وتنتقص من مفهومها لدى الفرد
بل وتعتم وضوح الرؤية لديه لمفهوم المواطنة بما يتفق عليه دستورنا وغالبية دساتير الأمم المتقدمة
لكن
القضية ليست كامنة في نصوص أو مواد دستور
متفق عليها محليا ً وعالميا ً
بل تكمن في إنها لم تجد طريقها للتفعيل في ثقافة الفرد .. لتصبح قيمة مجتمعية .. تتوالد منها سلوكيات التواطن والمواطنة
والتساؤل هنا :
هل يستطيع مجتمع يجمع بداخله أشكال عدة من التزمت والانغلاق والتشدد أن ينافس المجتمعات الحديثة بإقتصادياتها وعلومها وتعاليمها المتقدمة ؟
أولا ً :
تعالوا نتعرف على كنه التزمت والتشدد والتعصب الديني ، ثم الإنغلاق كتابع لهذه القيم
وما بالنا من ثقافة تستدعي قيمة تَرى الشريك العقيدي في أقاصي المعمورة أولى بالمعروف والمشاركة من شريك الوطن المخالف للعقيدة
والذي يسترعى إنتباهنا هنا هو إنتشار فكر التعصب مختبئ ً في رداء ثقافة وتعاليم دينية ليصبح أساس التعامل فيما بيننا كمصريين على نحو عقائدي وليس وطني
أو بمعنى أدق ..
أن هناك حالة ذهنية عامة يشترك فيها الجميع وليدة لقيم التعصب الوافدة .. ترفض قبول الغير حولنا وتستقوى بغالبيتها
والعجيب في الأمر إنه
لم يستطع أيا ً من المتعصبين حتى الآن أن يدلل مطلقا ًعلى إن تعصبه هذا ينم عن عمق إيماني
بل لقد أثبتت الأحوال التي عليها المتعصبين أن التعصب ليس إلا شعور بالنقص وعدم الثقة بالذات .. وما هو إلا تشنج لفظي أو إثارة فكرية تعجز عن الدفاع عن معتقدها بالحجة والدليل والبرهان فتهيج هياج الثور ليرهب من حوله ..
لذا تجد إنه كلما هبت نخبة من المثقفين لمناقشة حال الوطن والمواطنة بشفافية وتجرد .. تجابه هذه النخبة بحائط صد منيع مبني على إتهامات مسبقة كلنا نعرفها لكثرة تداولها فيما بيننا ودائما ما تدفعنا لتصرف ينم عن عدوانية سلوكية تكشف في حقيقة الأمر عن ضعف داخلي مما يترتب علية صراخ وتشنجات لا طائل منها
ثانيا ً :
ننتقل لملاح هذا التشنج
وليسأل أيا ً منا نفسه عما عاد إلينا من تلك التعاليم الوافدة التي دعت وتدعوا للتعصب والكراهية والعدوانية
منها على سبيل المثال لا الحصر
مظاهر الفتة الطائفية البادية على السطح تلك الأيام
السلوكيات العامة بين المواطنين وبعضهم داخل
( الأسواق ، المواصلات ، التعاملات ، .. ، .. )
ويبحث عن الإجابة بنفسه شرط أن تكون بعين فاحصة ، وضمير مرتكن لحكمة خلق العقل بالإنسان ، وبحياد تام بعيدا ً عن أية تعصبات ..
وللمساعدة
ليبحث كلا ً منا عن الإجابة من خلال علاقات أعضاء المجتمع ببعضهم البعض .. في ظل هذه التعاليم الوافدة ،
ُترى هل يجد تقدم على الأقل في القيم الأخلاقية
ومستويات التعليم والثقافة ؟؟
هل يُرى تقدم سلوكي وحضاري مع ما حوله من بيئة ومحتوياتها وأساسياتها !!
هل لتلك التعاليم الوافدة الغريبة عن مجتمعنا آية تأثيرات مستحسنة لازمت قيمنا بأنواعها ؟؟
ومن ثم ليسأل كلا ً منا نفسه :
عن أين ذهبت التعاليم الدينية السمحة ، وقيم المحبة والود ، والسلوكيات الحميدة التي كان المصريين يتسموا بها ؟؟ ومَن وراء إختلال التوازن الفكري الذي أصبحنا عليه , وباتت تشوه تلك القيم فيما بيننا من معاملات على الأقل ؟؟
والأمر المؤكد أنه لا توجد عقيدة دينية أو دعوة نبيلة تحض مبادئها علي التعصب وكراهية الغير أو إزدراء عقائدهم والتحقير منها‏.‏ فمثل هذه السلوكيات تفصح عن الحالة النفسية لبعض المناصرين لتلك العقيدة أو الدعوة وسماتهم النفسية والأخلاقية في مراحل الإنغلاق والإنكفاء علي الذات والتعصب الأعمى ‏.‏
وهذا الكلام ينطبق على كلا طرفي العقيدتان المسيحية والإسلامية
والتساؤل هنا :
هل كان وراء هذا الإختلال والإحتلال الذي نحياه تلك الأيام .. المصريين أنفسهم .. أم أن هناك إحتلال فكري وثقافي وافد ووارد ومخالف لما ترعرع عليه أباءنا ، ذاع وإنتشر بين أولادنا ؟؟
كنتيجة للإنتقال والترحال والهجرة الساعية وراء تحسين الحال والأحوال
والعودة بقيم وتقاليد وعادات وسلوكيات غريبة عنا تدفع بكلا ً من طرفي النزاع للتناحر
وهذا
سؤالنا الثالث للسادة جهابزة العلم الإجتماعي .. وإستدعائهم للحل السريع
الذي يجري اليوم خصوصا داخل المجتمع المصري تحت تأثير المد الديني الوهابي ..
هل هو تدين أم تشنج ؟
و لندلف سويا ً من أبواب ملامح هذا التشنج

الإعلام .. ووسائطه
والتي من أقلها شأنا ً تلك الملصقات التي تتلاقى وعينيك في أي مكان تتواجد به بدء من المواصلات وصولا ً لأكشاك البيع بالشوارع ، ومرورا بالكتيبات والنشرات التي تدعو لفكر بعينه .
وأعلاها وصولا للعامة وإستقطابهم .. التلفاز .. فهو محور مهم في بث روح التشنج الوافدة والتأكيد عليها وعلى صحتها من خلال برامج الفضائيات من كل شكل ولون والتي تعتبر من أكثر الأوراق الرابحة التي تستقطب المشاهدين ..

التعليم .. بمراحلة المختلفة
ومدى إنتشار وكثافة المدارس شبه الدينية
مبتدئن بأولى مراحل العمر بالتعليم في حضانات يطلق عليها مصطلحات تعريفية دينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية (( برغم أن الأخيرة تكاد تختفي من على الساحة الشعبية والجماهيرية وتنحصر داخل أماكن العبادة الخاصة بهم((
أما الغريب
في بعض تلك المدارس أو المعاهد وخصوصا ً التي تتخذ من الطابع الإسلامي الشكلي رمزا ً وعنوانا ً .. أن تشترط فيمن تكون المسؤولة عنها .. إحدى المنقبات أو المنتقبات ولديها ذخيرة من فكرهم الديني لا بأس بها .. وقد تصل تلك الشروط للأهل وأولياء الأمور وذويهم
كما وتشترط طلبا من تلك المسؤولة سرعة إيصال تلك الأفكار المتشدده إلي عقول الأطفال
وهذا شرط الخبرة الوحيد في مقابل الحصول على الوظيفة مع إمكانية التنازل عن جميع المؤهلات العلمية الأخرى
إستغلال مابعده إستغلال بإسم الدين .. للتربح كان ، أو لبث فكر بعينه من خلال
كثافة .. إنتشار .. إنتقاء .. ضمان بقاء على الساحة
مع تتابع السنين لهؤلاء المتلقين .
أما عن تلقين التعليم في تلك المدارس فحدث دون حرج حيث كونه هو الأسلوب المنيع في تلك المدارس لا التفكير
مناهج تفتح أبواب الفتن
وفكر أيدولوجي .. إن دلل على شيئ فإنما يدل على مبادئ سيسودينية
وهنا تكمن المصيبة .. كما تكمن في
المدرسين الذين يزرعون بذور التعصب والإرهاب وتسيس الدين
في عقول أولادنا .. أجيال المستقبل
ليشبوا منعدمين القدرة والمقدرة على إستخدام عقولهم البتة .. وما هم إلا مجرد حفظة .. يحفظون ولا يفكرون .. أدوات يستخدمونها لتحقيق أغراضهم ويحسنوا إستخدامها .. أجيال مصابة بحالة من الكِبر وإحتقار الأمم والأديان الأخرى .
وأخيرا ً
الحل من وجهة نظرنا
يمكننا على الأقل أن نقول بأن هذا ليس إلا منبت أصيل للإرهاب الفكري
وهو نفسه مستنقع الإرهاب الذي تكلمنا عنه من قبل وقلنا أن الإرهاب لن ينتهي بمقتل الألاف أو حبسهم بالمنع عن الإختلاط بالمجتمع .. بل ينتهي عندما ينتهي دوره المؤثر في المجتمع بردم المستنقع الذي تتوالد فيه يرقاته
المتمثل في كارثة تكثيف الجمعيات الأهلية التابعة لفكرهم وحضاناتها ومدارسها و مساجدها
وما أكثر تلك المنافذ ونشاطها في
سرعة الوصول إلى العامة من الناس .. ومن الأدلة على ذلك الكثير
فقط أنظر حولك من جميع الإتجاهات والمجالات
ونحذر من تلكم المجالات ، شديدة الخطورة على مستقبل أولادنا ..
والتي تدلل على الإسلام السياسي الذي يغرز مخالبه في أعماق جسد مجتمعنا ، و يربط الدين والدولة بعقال واحد يرفض أيا ً من كان إلا نفسه
لو لم تراجع هذه الحالات والأفكار من قبل المختصين .. سنخطو بخطى متعجلة نحو الهاوية
ولو تركناها دون لفت النظر إليها وإعادة تكييفها لتطابق الفكر السوي ستشتد العاقبة أكثر وأكثر ؟
تنبيه أخير
الذي يجري اليوم خصوصا داخل المجتمع المصري تحت تأثير المد الديني الوهابي ..
تشنج وليس تدين ؟
ولنا لقاء آخر بإذن الله
محمد عابدين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توصيف جيد للشارع المصري
أبو لهب المصري ( 2010 / 2 / 17 - 10:30 )
الاستاذ /محمد عابدين
شكرا على مقالتك التى لخصت فيها حالة الانفصام الذى يعانيه المصريين بإدخال الدين فى كل أمورهم الشخصية(خصوصا الأفكار الوهابية منها)
تحياتى ودمتم بخير


2 - ليتنا نجتمع ونتفق على حل قاطع وسريع
محمد عابدين ( 2010 / 2 / 17 - 11:43 )
أولا ً شكرا ً لمروركم الكريم
وثانيا ً كم أتمنى أن يكون للمثقفين دور بَناء في إعادة بِناء الشخصية المصرية الأصيلة
فيا ليتنا نجتمع ونتفق على حل قاطع وسريع لمواجهة أسراب طيور الظلام  .. تقبل إحترامي وتحياتي .. محمد عابدين


3 - شكر وتقدير للموقع
محمد عابدين ( 2010 / 2 / 17 - 17:11 )
شكر خاص للموقع للمحافظة على سلوكيات الحوار
لو إني كنت أفضل التحذير من سلوكيات التعصب بفضحها للعوام حتى نتبين الخيط الأبيض من الأسود .. تحياتي لكل القائمين على الموقع


4 - لماذالا تعطينا الحق في فضح المذهب الشنودي
صلاح الدين المصري ( 2010 / 2 / 18 - 10:26 )
من المؤسف انك سمحت بنقد الاسلام تحت غطاء الوهابيه ولم تسمح لنا بنقد المسيحية تحت غطاء المذهب الشنودي الذي يحمل في طياته استئصال المسلمين المصريين وردهم الى جزيرة المعيز وهو ليس خطرا فقط على المسلمين وحتى العلمانيين واللبراليين المسيحيين لا بل على المسيحيين الاخرين من مذاهب اخرى لا ترضى عنها كنيسة شنوده .


5 - أوليس المسيحي من خلق الله
محمد عابدين ( 2010 / 2 / 18 - 15:07 )
يا سيدي
قبل أن تحاول نزع القشة من عين غيرك إسعى أولا ً لنزع ذلك الجزع من عينيك
وتأكد لو كان هناك ما تتكلم عنه .. فإبحث في أصل الإشكالية وأسبابها ومسبباتها علك تقتنع .. بأن البادي أظلم .. وعلى كل حال واضح إنك متأثر كثيرا ً بالمرويات المنقولة عن طريق العنعنة وواضح أيضا ً إنك لم تكلف نفسك عناء البحث في مؤثرات المنقول عنه الشخصية والبيئية والزمنية .. وأخيرا ً إسمح لي أن ألفت نظرك لموضوع مهم
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك
ولا ترضى لنفسك ما لا ترضاه لغيرك
تراني وقد عكست بعض التعابير .. ليس غفلة .. بل عن قصد ربما في محاولة تصحيحها تأخذ في طريقك بعض المفاهيم الآخرى التي تؤثر على إسلوبك في الحوار
جميل أن نتحاور .. ولكن في حدود الإلتزام بحق وحرية الآخرين وأولهم المخالف لنا


6 - المذهب الشنودي المتطرف خطر على مصر
صلاح الدين المصري ( 2010 / 2 / 19 - 20:49 )
الحقيقة ان نقدك للحالة الدينية في مصر عرجاء وحولاء فأنت تنظر الى جهة واحدة من المشهد وتحاول ان تجامل كلا تنافق المسيحيين على حساب الحقيقة والمصداقية والموضوعية والعلمانية والعلمية
عليك ان تنقد المشهد بالكامل وخاصة انتشار المذهب الكنسي الشنودي الذي يهدد الوطن والوحدة الوطنية ويزرع البغضاء والكراهية في ارض مصر كن صادقا مع نفسك ولو لمرة يا عم عابدين

اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر