الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركات العلمانية في العراق

يوسف محسن

2010 / 2 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحركات العلمانية في العراق
أزمة سياسية ام أزمة تأسيسية؟

المشهد السياسي العراقي مابعد 2003 يطرح شبكة من التساؤلات وبالذات بصدد الحركات والجماعات والاحزاب العلمانية. هل هي ازمة سياسية ظرفية مرتبطة بالمتغيرات السياسية ام هي ازمة تأسيسية تعكس ازمة حقل الدولة، المجتمع، الثقافة؟.
حيث ان الحقل السياسي العراقي يقدم نموذج فاقع للسياسية بالمعنى العلمي والعقلاني يتجسد في تصدع البنى المجتمعية لصالح انفلات مكبوت، يعود بمجمله الى عدم اكتمال بنية المجتمع المدني وهشاشة المجتمع السياسي وهيمنة المجتمع الاهلي (الطوائفي، العشائري الاثني) والعسر في الانتقال من القبلية الى الدولة منذ تأسيس الكيان السياسي العراقي العام 1921 ويبين الباحث السوسيولوجي فالح عبدالجبار
اما المرحلة الممتدة من العام 1958 الى العام 1968 والتي اتسمت بالانقلابات العسكرية وصعود العسكرتارية الى السلطة فقد ساهمت وبشكل كبير في تحطم مؤسسات الاندماج الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني واعادة بناء وتنظيم المجتمع السياسي بالصيغة الامنية وتفكيك النخب ذات النزعات العلمانية عبر سلسلة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوسيع المجال السياسي لصعود الجماهيرات العنيفة والحد من اقتصاديات السوق والقطاع الخاص الذي صاحبه انهيار البرجوازية الوطنية بصيغتها الجنينية وتمركز الثروات المادية والريعية بيد الدولة والتي تمثل المقدمات الضرورية لنمو الاستبداد وتحديد الولاءات وطرق التفكير وهذا يفسر ضعف مقدرة الطبقات الاجتماعية الوسطى على تطوير نزعات مشتركة او مشروع تنويري وتبلور وتحول في طبيعية النخب العسكرية لتكونها كطبقة اجتماعية قرابية.طائفية واحتكار شمولي ورمزي للدولة ومؤسساتها.
هذا التطولا التاريخي جعل الاحزاب العراقية كمؤسسات تعاني امراض البنى الاجتماعية الهشة.


الجماعات العلمانية ازمة بنى ؟
يعرف معجم روبير العلمانية بوصفها مفهوم سياسي يقضي بالفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي أي ان الدولة لا تمارس اية سلطة دينية فضلاً عن ذلك ان المؤسسات الدينية لا تمارس اية سلطة سياسية وهذا التعريف يتطامن مع تعريفات عصر النهضة حيث صاغ محمد عبده هذا النسق في عبارة شهيرة (لا دين في السياسية ولا سياسية في الدين) والعلمنة على حد تعبير مارسيل غوشيه هي الفصل بين المقدس والدنيوي وانتاج الحداثة ولا تعني التخلي عن المعتقدات الدينية وانما الخروج من عالم يكون فيه الدين بحد ذاته منظماً بنيوياً يوجه الشكل السياسي للمجتمعات ويعين البنى الاقتصادية للرباط الاجتماعي، فالمجتمعات العلمانية تعمل فيها البنية التحتية مع غياب تام للعامل الديني ويستمر وجود الاديان فيها ولكن ضمن شكل سياسي وتنظيم اجتماعي فضلاً عن ذلك ان المجتمعات الحديثة انجزت هذا النسق من التنظيم لبناء دولة حديثة. يسودها القانون بدون تميز ديني للمواطنين.
وتطرح العلمانية في مجال الفكريات العراقية كمفهوم ملتبس ولم تخضع للتفحصات والجدل والحوار النقدي حيث يجري تصميم هذا المفهوم بشكل فج في الاعمال الصحفية والدوريات غير المتخصصة في عالم الفكر والثقافة، ففي المجتمع العراقي نجد كل شيء مقدس، تاريخ الدولة، الانتخابات، الفعل السياسي، شعائر ولادة الدولة مابعد 2003 ظهور النخب والاشخاص واختفائهم عن المسرح السياسي وهذا يعود الى ضعف الدماغ المعرفي للنخب السياسية العراقية والتي تقصي النسبي والسببي والعقلي والمتغير والتاريخي والبعد المستقبلي وتضفي المطلق على كل الاشياء. ويرى الباحث شاكر الانباري ان المجتمع العراقي رجع ثانية الى السؤال المطروح في المنطقة كلها أي من يمتلك الشرعية الحضارية للبقاء؟
أهي التيارات العلمانية المتناغمة مع الحداثة والحضارة الكونية ام الاصولية التي تعاني من هجمة الحضارة على معاقلها وتحاول بكل الوسائل الدفاع عن بقائها بما في ذلك وسيلة التقوقع على الذات والانغلاق الثقافي والعيش في صومعة التحريم والمصادرة والالغاء وصولاً الى استسهال الانتحار او استعمال القتل كوسيلة للوصول الى اهداف مستحيلة.
ولعل تحول المجتمع العراقي من مجتمع (مبعث) الى مجتمع (مؤسلم) يطرح امام الباحثين فرصة هائلة لاستقراء آليات هذا التحول وعلاقة الداخل بالخارج والذاتي بالموضوعي.
ويبين بروفسور ميثم الجنابي ان الاسباب الجوهرية الحالية لهزيمة التيار الدنيوي العلماني هي عدم نضوج الفكرة الليبرالية في العراق فضلاً عن ذلك صعود التيارات الراديكالية السياسية الحزبية والفكر الثوري بشقيه القومي والاشتراكي وكذلك فشلهم في تجسيد الشعارات المرفوعة وهي ظاهرة معقدة ولكنها تاريخية في حين يقوم تاريخ الامم والافكار الحديثة بأسبقية الاصلاح الديني ومن خلاله تتراكم المفاهيم والقيم الدنيوية بينما الذي جرى في العراق بالعكس، ومن هنا سترجاع المرحلة المفقودة في نمو المجتمعات أي اهميته وقيمة وفاعلية الفكرة الدينية، وهي ظاهرة صحيحة بالمعنى التاريخي السياسي والثقافي، لكنها عملية لن تطول امام الاسترجاع الجديد للفكرة الدنيوية والليبرالية بعد ان تتجدد صيغة الفكرة الواقعية أي المبنية على اسس اجتماعية عريضة ولست هامشية المدن والارياف، فالايديولوجية الدينية غير قادرة على مواجهة اشكاليات المعاصرة ولكنها قادرة على تفعيل الطاقات الاجتماعية وهي الوظيفة التاريخية التي يمكنها ان تسهم لاحقاً في رفع الوعي الجمعي الى مصاف الرؤية الاجتماعية السياسية بمعنى صعود الفكر الدنيوي العلماني من خلال ادراك محدودية الايديولوجية الدينية وهي عملية تتوقف برمتها على عوامل كثيرة لكنها حتمية.
ويرى د/ نبيل ياسين: ان في العراق لا توجد حركات علمانية بمعنى الفاعلية وانما وجدت تجمعات تكنوقراطية علمانية غير سياسية وغير منظمة كان لها مواقع في الجامعات والمعاهد العلمية وبعض الحقول المهنية كالاطباء والمهندسين والاقتصاديين والكتاب والفنانين وبعض الصناعيين، تقوم انساقها الفكرية على حرية الفكر والتفكير وحرية الثقافة واستقلاليتها فضلاً عن سيادة القانون والايمان بالتعددية الدستورية وحرية التعليم، الازمة الراهنة تكمن في الاطر الثقافية التي تربط المجتمع بالدولة، هذه الاطر لست قانونية او حقوقية وانها سياسية ايديولوجية، اطر عقائدية تعتبر المواطن رقم او عدد وقد جسدت النسخة العراقية من البعثية هذه الفكرة أي ان الهوية الحزبية هي الهوية السياسية وهذا سمح لحزب البعث العراقي ان يحتل الدولة، ويحل مكانها.
في حين يبين د/ حسين عبدالخالق ان ازمة الحركات العلمانية في العراق هي جزء من الازمة العراقية الشاملة وهي ناتجة عن الازمات التي تعرض لها المجتمع العراق منذ سبعينيات القرن الماضي ودخوله في سلسلة من الحروب التدميرية والحصار الاقتصادي وكذلك سياسية التجهيل المتعمد للمجتمع وتفتيت النسيج الاجتماعي والانهيار الحضاري والذي رافقه انهيار فكري واخلاقي واحياء للقيم القبلية والعشائرية والطائفية واعادة المجتمع الى ما قبل تكوين الدولة.
ان الحركات والجماعات والاحزاب العلمانية في العراق تعاني ازمة مستديمة فضلاً عن ضآلة شعبيتها وتشرذمها واختلاط القيم والمفاهيم في منظومتها الفكرية (الحرية، الحرية الدينية، حرية المعتقدات السياسية، المساواة التسامح، المواطنة) حيث ان هذه المفاهيم تبدو شاحبة وغير محددة في البنى الفكرية للحركات العلمانية وكذلك غياب التأسيسات النقدية والفكرية للحركات العلمانية حيث اضحت هذه الحركات والجماعات نخب ذات نزعات نخبوية منغلقة بالمقابل ظهور نخب رثة بدائية وهيمنتها على المشهد السياسي واستمرار قوة الدولة الريعية وتفكك الطبقات الاجتماعية الوسطى اضافة الى ذلك كله عدم اندماج المجتمع العراقي بالحداثة الكونية وضعف الدورة الاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أسباب أزمة العلمانية
شكري فهمي ( 2010 / 2 / 17 - 15:21 )
أزمة العلمانية في العراق مرتبطة بعدم إكتمال عملية بناء الدولة - الأمة.. فحيثما توجد الدولة - الأمة توجد معها العلمانية، والمقصود بالدولة هو ذلك الجهاز المؤسساتي الذي يتعالى على حقل الممارسات السياسية والاجتماعية والدينية. إن إحدى العقبات الرئيسة، بين عقبات أخرى، أمام عملية بناء الدولة - الأمة هو الفكر الإسلامي. مشكلة هذا الفكر تكمن في أنه لم يفكر في الدولة إنطلاقاً من الإجتماع الوطني أو المدني، وإنما فكر فيها من داخل الإجتماع الديني. وبسبب ذلك لم يكن أمامه إلا أن يحولها الى إشكالية ثقافية، بل الى فرع لإشكالية أصل هي إشكالية الهوية!


2 - المسبب للازمة
الكاشف ( 2010 / 2 / 17 - 20:20 )
سيدي الفاضل كاتب المقال ما نرى من تفاقم الازمات في العراق هو غياب الوعي المتعلم السياسي من الساحة واستغلال بعض الاطراف هذا الغياب لبث افكارهم وايديولوجياتهم على الشعب من خلال الضغوط المتدية والمعنوية وكبت المعارضين له.مما يتيح الفرصة للنيل من المصلحة العانة بالمصالح الشخصية

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا