الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن والتاريخ

حامد حمودي عباس

2010 / 2 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


منذ أن أفقنا على كوننا بشر ، نحمل في جيوبنا شهادة المواطنه ، ونحن نسمع بما يسمونه التاريخ .. ذلك المارد الممتد عبر مساحات شاسعة من وجودنا ، وله لسان ينطق به كما علمونا ، وميزان عدل يرافقه على الدوام ، لكي يزن من خلاله ما يجري من أحداث ، ويسجل كل شاردة ووارده ، لتكون سجلاته تلك ، مرجعا منطقيا يعود له المنصفون حينما يقدر لهم ان يقفوا من سيرة حياة من سبقوهم موقف المتفحص .

التاريخ هذا ، أخافونا منه ، وزرعوا في نفوسنا حياله رهبة وقعها عظيم ، وجعلوا منه نافذة لا مناص لمن يطل من خلالها ، إلا وأن يصيبه الذهول مما يراه من اختلاط عجيب لركامات من اللامعقول ... غير أن هذا الامتداد المتواصل للتاريخ ، يبدو عليه حينما تصطدم حيثياته مع الواقع المتجدد ، وكأنه كان يكذب في العديد من مفاصل نطقه ، وتبدو رواياته للعقل الآخذ في النمو وفق سياقات جديدة تؤهله لامتلاك ناصية التحليل ، وكأنها محض خيال ، سطره منافقون أرادوا من خلال تخيلاتهم ألعبث بمقدرات الشعوب ، والوقوف حائلا أمام نجاح سبل تطور الحياة عموما .

من هنا ، وبالضبط ، بدأت محاولات التحاور العقلاني مع الماضي ، وراجت سبل الشك الدائم والايجابي حيال ما سطره المؤرخون على اختلاف مشاربهم ونواياهم وانتماءاتهم الفكرية والدينيه .. لقد أسهم امتطاء صهوة التحليل المنطقي والواعي لمجريات الاحداث ، في عمليات إعادة النظر في المئات بل الالاف من النشاطات الانسانية الوارد ذكرها في بطون الكتب وعلى السنة الرواة .

لقد كنت في مرحلة من مراحل عمري الاولى ، أتخيل كيف كان الكتبة ممن كانوا يروون فصول ما جرى في المعارك التي خاضها عنترة العبسي ، يتحملون الجهود المضنيه لكي يسطروا للاجيال المتعاقبة ، كل شيء ، حتى طريقة هز الرمح بيد الفارس العربي الشجاع ، بل إنني تتجسد أمامي أحيانا ، حتى ذرات الغبار المتطاير من تحت سنابك خيول المتحاربين ، واراجيزهم الشعرية ، والتي كنت أتعجب ، كيف يفلح اولئك الكتبة بتسجيلها في ذلك الحين ، وبهذه الطريقة التفصيليه .. هذا ما رواه لنا التاريخ .. وحين تجلت مفاهيم جديدة للتعامل مع السرد التاريخي القديم ، تبين لي في أكثر من موضع ، بان عنترة العبسي قد يكون خرافه .

توالت معاول الهدم لصروح ما رواه التاريخ ، لتظهر حقائق جديده ، توحي للمتتبعين العقلانيين ، بأن جل ما سجلناه عن ماضينا ، هو أمر مشكوك في صحته ، أو أنه لا يرقى الى درجة اليقين المؤكد .. وبهذه الصفه ، فان مظاهر الاستجابة لنتائج الكثير من الاحداث المفتعله ، بدت وكأنها في طريقها الى النهايه ، ليبدأ حراك آخر مختلف ، هدفه النهائي ، هو إما إغفال تلك المنعطفات المؤثرة في حركة المجتمعات سلبا ، ومسحها من الذاكره ، أو أن يصار الى إعادة لدراسة الإرث الفائت من تاريخ الامة ، وبشكل أكثر انصافا ، بما يحقق الفائدة المرجوة لصنع الحاضر والمستقبل فحسب .

إننا أصبحنا ، وبشكل يدعو للاشمئزاز في بعض صوره ، أسرى لأطلال الماضي الباهته ، والتي هي من صنع حاجب لسلطان ، أو وزير منافق ، أو عالم مهادن .. وأطلت علينا آلاف الحكايا الساذجه ، لنقول عنها رغم سخافتها ، بأنها تشكل أركان ماضينا العتيد .. ووصفنا عتاتنا من السالفين ، بصفات كانوا هم قد حفروها في عقول المحيطين بهم ، ليساهموا هؤلاء بنشر الاكاذيب بهدف تمجيد الحاكم آنذاك .. بل إن مزوري التاريخ ، كانوا قد سبقوا حتى أسيادهم ممن تربعوا على عروش الخلافة والسلطنة والامارة ، ليقولوا عنهم ما لم يقولوه هم أنفسهم عن انفسهم .. فوردنا ما وردنا من أحجيات وطلاسم ، لم تهدنا مساعينا من قبل ، لسبر أغوارها ومعرفة مقاصدها .

بذيئة حتى النخاع ، تلك الاساليب القذرة التي كان معظم خلفاء بني العباس وقبلهم بنو أمية على سبيل المثال لا الحصر ، والتي كانوا يحيكون لها ويلبسونها نواياهم في أقبية القصور السريه ، ليعتدوا من خلالها على حرمات الناس .. والتاريخ حينما يصدق ، يروي لنا آلاف المؤامرات وما نتج عنها من إغتيالات وسلب للحقوق بحق علماء وفقهاء ، وحتى بسطاء لا شأن لهم بما يجري فوق العروش .. لقد كان الخليفة العباسي والممهور إسمه على الدوام بلفظ الجلاله ، لا يخجل من محاولات معرفة لون غطاء النائمين على فراش الزوجية من الخصوم ، وأشيعت سبل التجسس القذرة على بيوت العوام ، وأهينت بشكل كبير كرامات المعارضين .. حتى بلغ بأحدهم أن يعيد اسراه الى خصومهم ليفعلوا بهم ما ارادوا ، لمجرد انهم اختلفوا مع رؤاه بخلق القرآن من عدمه ... كل هذا وتاريخنا لم يرعوي في سرد ما سجله من صفحات مليئة بالغش . . فعمد الى تثبيت سلامة سمعة أولئك القتلة على أنهم هم من بنوا الحضارة ، وبكونهم يشكلون مفخرة نباهي بها بقية الأمم .

نحن لا زلنا ضحية ماضينا بما حمله لنا من إرث تلونت أغلب لوحاته بطلاء الزيف .. فلم نعد نفهم حق الفهم ، هل أن ما نقل لنا ، وعلى تعاقب الاجيال ، من أحداث وشخوص ومنعطفات ، أريد لها أن تكون شذرات ثمينة ، صنعت ما صنعت من ( أمجاد ) يقال عنها بأنها عظيمة بمحتواها واهدافها ، هل ان ذلك هو من صلب الحقيقة ، أم أنه من وحي خيال المستفيدين من سطر الاكاذيب ألمضلله لا غير ؟؟ .. وهل سيأتي يوم تدعونا حميتنا على حفظ ماء الوجه ، أن نعمد الى احالة كافة رموزنا التاريخية ، من الذين تثبت إدانتهم وسوء سلوكهم ، وتسببهم بالضرر الكبير لمجتمعهم ، الى محكمة دولية تقول فيهم كلمتها ، كي نمسح اسمائهم من ذاكرتنا ، وشوارعنا ، وأحياء وميادين مدننا العامه ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أمثلة غيرها
عبد الكريم البدري ( 2010 / 2 / 17 - 23:35 )
لم نقرأ يوما عن ان العرب وخاصة المسلمين ألأوائل منهم ان اعتمدوا التدوين وانما كل تأريخنا يجري بأصطلاح -العنعنة- عن فلان عن فلان...الخ. وهناك مثال للقسم الثاني من مقالك وهو التدوين ان وجد. اتوجد لغة عربية نحوية اكثر من القرآن ورغم هذا اختلفوا في تفسيرآياته على مرالعصوروالكارثة ألآن ان كل حادثة يدحضها العلم وهي مغايرة لآياته يفسروها المفسرون كل حسب هواه.فأين العلة؟


2 - تاريخنا وتاريخهم
عبد القادر أنيس ( 2010 / 2 / 18 - 07:46 )
رأيي أن كل الأمم مرت بتواريخ ليس كل ما فيها يسر. الفرق أن الأمم المتحضرة بنت تحضرها المعاصر على قطيعة حقيقية مع تاريخها بحيث لم تعد حاضرها مرتهن لتاريخها كما هو شأن حاضرنا. مازالت مساحات واسعة في تاريخنا توضع في خانة المقدس المتعالي على النقد، خاصة ما تعلق بالدين ومؤسسيه ورجاله فيما بعد. وحتى تاريخنا القريب لا يزال محاطا بطابوهات يتعرض كل من يمس بها للقمع والترهيب.
تحياتي على معالجتنا الشيقة


3 - أبطال من ورق
الحكيم البابلي ( 2010 / 2 / 18 - 09:18 )
يوم كنتُ في المدرسة الإبتدائية ، كنت أعشق أسماء الأبطال الميامين والمحاربين الأشداء المملوءة سيرتهم بكل أنواع الإيجابيات ، مثل خالد بن الوليد وطارق بن زياد وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، وكان الطلبة الأطفال يناكدوني ويقولون بأن ليس لي حق في هؤلاء الأبطال لأنني من دين مختلف
يومها جئتُ إلى أمي باكياً وقلت لها : لماذا نحن على دين مُختلف مما حرمني من أبطالي حسب قول بعض الطلبة . إبتسمت أمي وقالت : عندما تكبر وتقرأ ستغير رأيك بهؤلاء الأبطال
كبرتُ وقرأتُ ووجدت بأنهم كانوا أبطالاً في كل ما هو سيئ من سلب حقوق بقية البشر ، وجدت بأن اشرف هؤلاء الثلاثة كان سيافاً بين يدي محمد ، وجدتُ بأن التأريخ كان قواداً ستر كل عيوبهم التي تحتاج إلى صفحات كثيرة لتعدادها فقط وليس لشرحها
عصر اليوم كنت أقرأ كتاباً عن هارون الرشيد ، وكم هالني حجم الداينصور الذي كان يرقد داخل ذلك الرجل !! ، وإذا كان الرشيد هو بطل ذلك العصر الذي يسمونه بالذهبي ، فكيف بأبطال عصر التنك والصفيح ؟
تحياتي


4 - شياطين الإنس
أبطال حقيقيون لا على ورق ( 2010 / 2 / 18 - 11:49 )
إلى الحكيم البابلي نحن أمة نفخر في تاريخها وخاصة أولئك الأشخاص الذين بنو الإسلام بكرامتهم وجهادهم ليخرجو الناس من الظلمات إلى النور على الأقل هؤلاء الأشخاص لم يتعرضوا إلى تدنيس أي عرض كما فعل أسيادك بوش من العصر الحاضر ونبوخذ نصر من العصر القديم أيها الحكيم البايلي وقال الله تعالى *أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً


5 - إلى المعلق # 4
الحكيم البابلي ( 2010 / 2 / 19 - 06:53 )
ليس في تأريخكم ما تفخرون به ، لأنه تأريخ جهل وإرهاب وغزو وقتل بلا سبب ومفاخذة رضع ونكاح ما طاب لكم من نساء وسبايا وهتك أعراض وزنا محارم
ولا أعرف من هم هؤلاء الذين تقول بأنهم بنوا الإسلام بكرامتهم وجهادهم ؟ لأن كبيرهم ونبيهم عاش وهو يعبد فروج النساء ، متبولاً على حضارة كل الشعوب المغزوة وبأسم الله والمقدس
وعن أي جهاد تتكلم ؟ الجهاد في سبيل السبايا والجنس والقوة والتربع على حطام الشعوب المغلوبة ، أم الجهاد في سبيل الصنم الذي لا يستطيع الذود عن بلاهته ؟
إستحي يا رجل ، أتدعو الغزو والسبي والإرهاب وترويع العالم جهاداً ؟ ولو كان هذا هو معنى الجهاد لكان خراتيت أمثال هولاكو وجنكيز خان أصحاب حضوة عند إله الإسلام
أما الآية الشيطانية الغبية التي تقيأتها ، فهي صناعة بشرية قثمية ماركة (جهلستان) ولا تليق حتى أن يتمسح بها من كان يؤمن بالحضارة والعلم
أما عن بوش ونبوخذ نصر ، فهم لم يدنسوا أعراضكم كما تدعي ، لأنكم أنتم من دنس أعراض بعضكم وبكل هوسكم الجنسي عبر التأريخ ، وكل إستمنائكم الفكري الكريه الذي أبعدكم عدة سنين ضوئية عن ركب الحضارة
إستحوا وغطوا عوراتكم القبيحة فنحن في عصر الكمبيوتر

اخر الافلام

.. شبكات| فيديو يظهر شجاعة مقاومين فلسطينيين في مواجهة جيش الاح


.. شبكات| مغاربة يدعون لمقاطعة مهرجان موازين بسبب غزة




.. عمليات البحث عن الرئيس الإيراني والوفد المرافق له


.. خبيرة بالشأن الإيراني: الدستور الإيراني وضع حلولا لاحتواء أي




.. كتائب القسام: استهداف قوات الاحتلال المتموضعة في محور -نتسار