الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كي لا نظلم التأريخ

ايمان محسن جاسم

2010 / 2 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شكل التاريخ والدين ثنائية منذ زمن طويل في الموروث الفكري والسياسي في الشرق بصورة عامة ومنطقتنا العربية بصورة خاصة وباتت هذه الثنائية مترسخة وحاضرة دائما , منذ وفاة الرسول محمد (ص) حتى يومنا هذا فأختلط الدين بالتاريخ وتحول التاريخ إلى دين والدين إلى تراث مما جعل هنالك تداخل وترابط كبيرين بينهما منذ ذلك التاريخ , ولعل السبب الرئيسي وراء ذلك هو السلطة التي سعى إليها البعض سعيا ونقصد هنا بالسلطة ( السلطة المدنية ) وقد بدأت منذ ذلك التاريخ نوع من الفصل بين الدين والدولة لم يكن القصد منه إنشاء دولة مدنية بقدر ما كان الابتعاد بالدولة الحديثة القائمة على أسس الدين الإسلامي عن أهدافها وأصل وجودها وهو الإصلاح والتغيير الذي جاء به الإسلام وشريعته السمحاء . فشكلت هذه الحالة أو الحادثة التاريخية بداية صراع توارثته الأجيال اللاحقة حتى يومنا هذا , والمتتبع لتلك المرحلة التاريخية سيجد إن الكثير من الحروب شنت لتثبيت أركان هذه الدولة تحت غطاء الدين وسفكت دماء غزيرة في حروب ما كانت لتحصل لو سارت الدولة الإسلامية كما خطط لها من قبل الرسول الكريم محمد ( ص ) . وكتب التاريخ لهذه المرحلة وغيرها من المراحل اللاحقة بأقلام المنتصرين وولاة الأمر على الرغم من للتاريخ مسارين أحدهما للمنتصر وهو الشائع والمعروف ومسار المهزوم أو الخاسر وهو التاريخ المغيب , فنجد إن المنتصر يكتب ما يشاء ويسطر ما يشاء وأحيانا كثيرة يزور الحقائق ويشوه الطرف الثاني الذي غابت لدينا روايته وحججه , وتاريخنا العربي الإسلامي حافل بهذا سواء في الماضي أو الحديث , فأما ما كان في الماضي فالسرد يطول ويحتاج إلى مجلدات كثيرة لكي نعيد قراءة التاريخ من جديد وفق ما حصل بالفعل لا كما وصلنا من طرف المنتصر , أما تاريخنا الحديث فيجب أن نقرأه ونكتبه بالشكل السليم والصحيح ولا نترك مجالا للشك والتشكك فيه طالما إن صناع هذا التاريخ سواء المنتصر منهم أو المهزوم موجودا , فنحن ومنذ 1400 سنة لا زلنا نتجادل بأحقية الخلافة لمن ؟ ولم نحسم أمرنا بعد في ذلك فكل طرف يستند لحجج حتى تحول هذا الجدال التاريخي إلى جدال ديني بحت مما ولد ( طائفية تاريخية ) لدى الكتاب والمفكرين وقد نكون نحن الأمة الوحيدة في العالم لا زالت تبحث عن تاريخها الصحيح رغم إنها أعادت كتابة هذا التاريخ بعدد حكامها الذين تعاقبوا على عروش الحكم بالسيف تارة والدبابات تارة أخرى , وقد أتيحت لي دراسة انساب حكام العرب الحاليين حسب ما يدعون هم فوجدت إن أكثر من نصفهم ينتهي نسبهم إلى الأمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه) , وهم بذلك يبغون ضمان ولاء الناس لهم طالما ان الرسول جدهم , أي إنهم بطريقة أو بأخرى يضعون هالة دينية لحاكم دولة مدنية بزي عسكري, فهل هم يحتاجون النسب أم مكانتهم كحكام تتوجب هذا لتمنحهم الصفة الشرعية للحكم ؟؟ الجواب الحقيقي يكمن في إنهم يحاولون أعادت كتابة التاريخ بالطريقة التي يرغبون بها ويقيسون التاريخ على مقاساتهم هم فنجد كما قلنا بأن أمتنا أكثر أمم الأرض تتداول وتعيد وتناقش وتكتب تواريخها بما يتلاءم والمرحلة وما يحتاجه الحاكم الظالم لتثبيت حكمه , والمتتبع للتاريخ العربي الإسلامي سيجد إنه يعج بالقادة العسكريين والمعارك وحتى في مناهجنا الدراسية لمادة التاريخ وابتداء من الصف الخامس الابتدائي وحتى مراحل متقدمة نجد ان 90% من مواده وفصوله هي للفتوحات والمعارك وأسماء القادة وبالكاد نسمح لتمرير أسماء لبعض العلماء والفلاسفة كتطييب خاطر ليس إلا , ونحن بهذا نعترف بأن تأريخنا يتلخص في معاركنا وحروبنا فقط وكأن التاريخ بلا حروب ليس بتاريخ !!!. وحتى في تاريخنا المعاصر هذا والذي نعيش أحداثه ونعاصرها نجهل الكثير مما حدث من أحداث غيرت مجرى حياتنا فلا أحد يعرف ماذا جرى في خيمة صفوان رغم إن ( بطلها) لا زال حي يرزق وحبر قلمه لم يجف بعد , هل استنطق ؟؟ هل تم توثيق ما قاله ؟؟ نحن نحتاج والتاريخ يحتاج توثيق هذا لأن ثمة تاريخ كتبه صدام ترسخ في أذهان الكثيرين يحتاج إلى إعادة قراءة وصياغة بالشكل الذي حدث فعلا لا كما أراد الطاغية , ربما في السنوات التي أعقبت التغيير الشامل في العراق عام 2003 بدأت بعض ملامح المرحلة السابقة كتاريخ تظهر بصورتها الواضحة والصحيحة وتظهر معها كمية التزوير التي مررت على أجيال كثيرة من العراقيين وحفظوها على ظهر قلب وبعضهم نال من دراستها شهادات عليا وأصبحت مؤلفاتهم تعتمد كمصادر في كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه , علينا أن نعيد قراءة ذلك وتصحيحه قبل أن نجده يدخل مناهجنا الدراسية في غفلة منا . قد يقول البعض ولما نعيد ذلك فنضيف قراءة جديدة ونكتب تاريخ جديد ؟ نقول لأننا لأول مرة في تاريخنا سنكون قادرين على كتابة التاريخ بحضور المسارين معا مع امتلاكنا للقدرة في التمييز بين الحقيقية وعكسها حتى لا نظلم التاريخ ونحشر فيه ما لم يحصل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيدة/الانسة ايمان
أوروك ( 2010 / 2 / 19 - 21:02 )
تحية-هذا ما ندعوه تعتيم التاريخ وتضبيبه الى الحد الذي يسمح بتمرير التزييف وجعله حقيقة واقعة لا تقبل النقاش وللاسف ضاعت الكثير من الحقائق التاريخية تحت ركام من الزيف وبات من المتعذر رسم الحد الفاصل ما بينهما ومنها خيمة صفوان وما جرى تحتها ومنها ايضا حقيقة ما يسمى بالدولة الدينية الاسلامية التي اشك بغطائها الشرعي بالرغم من تمريرها كأمر لا يقبل النقاش ولعل في قراءة كتاب علي عبد الرازق الشيء الكثير من الفائدة مع تقديري


2 - كل الاحترام والتقدير
المهندس كاظم الساعدي ( 2010 / 2 / 20 - 05:41 )
قلما يستهويني الولوج الى باحة الكتابة لحواء لاسباب عديدة منهاازلية واخرى تنتقل بين سنين وسنين عموما احتي العزيزة اعذريني على صراحة فالخطابة النسائية قلما تجود بما تجود واجاذت وانا اقوم بقراءة رغم قصرها الا انها تختصر الزمن الى الحقيقة الازلية والشمس التي لاتعرف المغيب وليست الشمس التي لاتحجب بغربال نعم اختي ايمان اصبت فيما اردت وهي الحقيقة المطلقةبل انك تنتقلين بروعة والق كانك فراشة مرصعة بالماسات الثمينة اعطيتي القها لنا من خلال قراءة رائعة شكرا اختي ايمان

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز