الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الديمقراطية ومتطلباتها

سامية نوري كربيت

2010 / 2 / 22
المجتمع المدني



إن الانتخاب في الدول الديمقراطية أصبح يجري بصورة آلية ويقوم به عدد من الأفراد، وهم الناخبون باختيار واحد او أكثر هم المنتخبين بأكثرية الأصوات .ولكن الأمر يختلف في بلدان العالم الثالث حيث ان مجتمعات هذه البلدان ذات البنى الهيكلية الضعيفة والمتميزة بقلة أفراد النخبة. فضلا عن التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي , والمصدومة باستعمار دام مدة ليست بالقليلة , لم تجد لديها الموارد والوقت الذي سمح للمجتمعات الغربية بإبداع أشكال سياسية مناسبة وفعالة عبر عملية نضج طويلة وصعبة .
لقد تم تدوين تجارب ألف سنة خاصة بأمور توزيع الحصص، والتمثيل وأنظمة الانتخابات , وما ينشا عن هذه الأنظمة من نتائج سلوكية، وكذلك ما يتعلق بالفدرالية، والمنظمات الحزبية، والهيئات التشريعية , ومظاهر أخرى تتصل بالأنظمة التمثيلية كما حللت هذه التجارب وأصبحت متاحة ميسرة يمكن الانتفاع منها , وما أصبح واضحا هو ان أنظمة التمثيل باتت تكتسب قوة ذات طابع مؤسسي وتعمر فترة طويلة وذلك في حالة توفر المتطلبات التالية :
1- عندما تعمل على تنويع مصادر القرار الوطني ، وعلى فصل السلطات , وإنشاء برلمان , وسن قانون يتمتع فيه جميع المواطنين بحق الاقتراع ، وتقسيم المناطق جميعها الى مناطق تشريعية متساوية .
2- عندما تدافع هذه الأنظمة عن شرعية الأحزاب السياسية المنظمة ،وحرية عملها في حالة التزام قادة تلك الأحزاب بالأحكام الانتخابية والتشريعية .
3- عندما تسند مناصب حكومية وأمور أخرى الى المعارضة، وذلك لإعطاء المعارضة المخلصة الفرصة والإمكانية لكي تؤدي وظيفتها المهمة كمعارضة .
4- عندما توفر هذه الأنظمة فرصا وتجد موارد يستطيع من خلالها ممثلو الناخبين الذين يحتلون مناصب في الدولة من التواصل مع جمهور الناخبين وتقديم الخدمات لهم .
وبالإضافة الى ذلك، ينبغي أن تكون الهيئات التمثيلية الوطنية السوق السياسية النشطة الدائمة الانشغال في المجتمع , وان تصبح هذه الهيئات متاحة لعقد الاتفاقات المشروعة بين المواطنين ومجموعات المصالح المنظمة والأحزاب السياسية ودوائر الحكومة المختلفة .
وهنا ينبغي توفر ثلاثة شروط لكي يتمكن النظام الديمقراطي من القيام بهذا كله , فيجب ان يلتزم الطرف الرابح باحترام حقوق الطرف الخاسر ، وان يتيح له الفرصة للمنافسة من جديد , ويصب هذا الأمر في مصلحة الطرف الرابح ان كان واعيا ومدركا انه قد يكون هو الطرف الخاسر فيما بعد , وأما الشرط الثالث فهو أكثر رسوخا وهذا يعني انه لا يجب اعتبار الدولة ملكا لأي من الأطراف ويجب النظر حتى لأية حكومة انتقالية على أنها وصي مؤقت للإشراف على تسيير أمور الدولة , كما يجب أدراك ان موارد الدولة ليست موضوعة تحت التصرف المطلق للحكومة او الطرف الرابح , وهذا هو جوهر مبدأ سيادة القانون وبمعنى آخر فان استخدام مصادر الدولة محكوم بقوانين معينة , وهناك أشخاص يعملون على حراسة هذه الموارد وحمايتها والاستماع لشكوى المواطنين .ويتطلب مثل هذا الأمر وجود نظام أحزاب سياسية تقوم على حرية الاجتماعات وحماية حقوق الإنسان وحق الوصول الى وسائل الأعلام وضمان الأمن في الحملات الانتخابية وصيانة استقلال اللجان الانتخابية وإجراء انتخابات نزيهة والتعهد بتشكيل حكومة جديدة بصورة حرة استنادا الى نتائج الانتخابات .
وبمعنى آخر فان الديمقراطية ليست مجرد وصفة سريعة، وإنما عملية ذات أبعاد عديدة , كما أنها ليست مجرد ترتيب عملية انتخابية معينة بل ترتبط بالحفاظ على توازن القوى في المجتمع لكي تدرك الأحزاب انه لا يمكنها احتكار السلطة وإنها مضطرة لسحب بعض من مطالبها وفقا لقوتها الانتخابية .كما تعني الديمقراطية في الانتخابات ان الحكومة الموجودة قد تخسر الحكم ويسهم هذا كله في بلورة نظام حكم جديد يحظى بالمصداقية والقدرة على تحسين صورته أمام القوى السياسية .
ومع ذلك ،يمكن أن تبقى الديمقراطيات الجديدة هشة وضعيفة ،لذا يجب وضع آلية يمكن من خلالها لأي نظام ديمقراطي ان يعالج فور قيامه أية صراعات قد تثور في وجهه حول مسالة توزيع القوى في المجتمع .
وثمة حقيقة تؤكد بان بقاء حزب سياسي في السلطة لمدة طويلة جدا يمكن ان يؤدي إلى احتكار حقيقي للدولة فرجال الحزب الحاكم ،يهيمنون على الإدارات , ويضمنون لأنفسهم احتكار شبه تام في كل الهيئات التي لها صلة- من قريب او بعيد- بالنظام السياسي . وهكذا نشهد نوعا من التطور نحو الوضع المميز لنظم الحزب الواحد , أي نحو الدمج بين الحزب والدولة ، ويقينا ان هذا التطور مدان على صعيد المبادئ الديمقراطية .
كما نجد ان نظام الحزب المسيطر يكون مولدا لشعور خطير بالحرمان , ففي نظام سياسي يرتكز على تعاقب سريع نسبيا للحكام يمكن لمعارضي السلطة القائمة ان يأملوا بتغيير سريع لصالحهم . أما الفئات الهامشية التي ليس لديها أي حظ في رؤية ممثليها يصلون الى السلطة، فهي الوحيدة التي تشعر بحرمان إجمالي تجاه النظام. أما في حالة الحزب المسيطر فان كل القوى السياسية الأخرى وناخبيها الذين يمثلون غالبا نحو نصف عدد المواطنين تجد نفسها مستبعدة لفترات طويلة من الزمن من المشاركة في الشؤون العامة .
الا انه من الخطورة بالنسبة لنظام ديمقراطي ان يشعر جزء من السكان بأنه مستبعد أو مهمش بشكل مسبق من اللعبة السياسية وانه لا يستطيع ان يأمل بأيصال وجهة نظره ولو بشكل جزئي على الأقل .
ان الديماغوجية والتطرف في المواقف السياسية ،بل واللجوء إلى العمل اللاشرعي الذي يعد المتنفس الأخير لهؤلاء المستبعدون من النظام ،يفرض على السلطة ان تعمل على تصحيح الأوضاع بالقدر الذي يبقى النظام فيه ديمقراطيا بشكل صحيح أي بالقدر الذي يحترم فيه الحزب الحاكم مبدأ التناوب لان حلول دولة حزبية ولو جزئيا محل دولة لا حزبية يجعل الاستياء يتخطى قطاعات الراى العام , ويكون الحزب المسيطر ليس بعيدا عن ظاهرة استنزاف السلطة التي تهدد كل حكم ديمقراطي , انه لن يحكم من دون ان يثير استياء الأفراد والفئات الاجتماعية وكلما مر الزمن تنامى الاستياء وأصبح حادا , ان الناخبين سيتعبون من رؤية نفس الرجال وهم يطبقون دائما نفس الوصفات .
وعندما يكون النظام استبداديا ،فان الحزب الواحد يشكل من خلال تشعباته حتى القاعدة وسيلة للحراسة البوليسية لصالح النظام القائم , كما انه يحاول ان يثير دعما للحكام الذين ليس لديهم في الغالب أية شرعية ديمقراطية فالحزب الواحد هو مخلوق يحدد له الحكام مهمات عديدة ومعقدة ضمن أفق إداري وبهذا يكون الطابع الديمقراطي للنظام محدود للغاية , هذا إذا لم يكن غائبا كليا .
ان حريات التعبير التي تعد من الشروط الضرورية التي لا غنى عنها لظهور النظام الحزبي المستقر، مهددة على الدوام في ظل الحكومات الاستبدادية او تلك السلطوية التي تخضع إرادة الفرد للدولة , ومن ثم فان تحقيق هذه الحريات وحمايتها يجب ان تكون من بين الأهداف الهامة للصفقات السياسية التي تجري بين النخب المتنافسة .أما نظام التعددية الحزبية فيسمح من جهته بالمشاركة المباشرة في الحكومة التي تتمثل فيها جميع أنواع المصالح والاهتمامات الأيديولوجية والسياسات الكبرى كما إنها تعزز حصول التحالفات على مستوى القيادات .
وفي المراحل المبكرة التي يبدأ فيها شعب ما في تأسيس دولته لابد من فسح المجال لجميع فئاته السياسية لخوض الانتخابات ولأهداف عديدة منها ترسيخ الوحدة الوطنية، ومنع حدوث الفوضى التي قد يولدها التنافس . وثمة أدلة كثيرة على ان تعدد الأحزاب المتنافسة، يشجع على أتباع سياسة تشكيل التحالفات على مستوى الناخبين , كما انه يساعد على ظهور قادة يتمتعون بالاعتدال , وعلى تكاثر جماعات المصالح , وعلى وجود وضوح اكبر فيما يتعلق بتفويض المندوبين والممثلين للشعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوع مهم نحن اليوم بأمس الحاجة اليه!!
عبد الحق عبد القادر ( 2010 / 2 / 22 - 20:24 )
العراقيون ،وهم يتوجهون بعد ايام الى صناديق الاقتراع لانتخاب اعضاء جدد للبرلمان هم بأمس الحاجة الى هكذا مواضيع مهمة تنير لهم الدرب في مسيرتهم لاعادة بناء وطنهم .
بوركت الكاتبة والى مزيد من الموضوعات القيمة والمفيدة .


2 - Very nice
Sally Jibrail ( 2010 / 2 / 23 - 10:10 )
Dear Mrs. Garabet,
Thanks voor this informative article
Best regards

اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة