الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 3 / 5
القضية الكردية


يعد الشعب الكردي من أعرق شعوب الشرق الأوسط ، وأقدمها انتماء للحضارة الإنسانية ، فعندما نذكر الكورد في محطات التاريخ ، لا بد أن نستذكر حضارة ميديا الخالدة ، التي رفدت الإنسانية وعموم الشرق ، بعلوم الحياة من زراعة وصناعة ، جنباً إلى جنب مع الحضارتين السومرية والفرعونية .
لكن هذا الشعب ، ولقدم حضارته وتاريخه ، ظل على الدوم ضحية السطو والغزو المنظم الذي نهش وهدم كيانه ، بدءاً من السطو الفارسي - الأخميني القورشي الأشد بربرية من السطو المغولي ، فالكورد الميدين كانوا ضحايا الزحف الفارسي الذي مسح حضارتهم ، وسطا على وجودهم ، أسوة بسطوه على مدن الشرق وحضاراته الأخرى ، ذلك السطو الذي وصل إلى حدود مهد الحضارة الفرعونية ( مصر) التي سطا عليها قمبيز نجل قورش .
وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم مع الشعب الكردي المثخن بالجراح ، والذي يُحي عيد ( نوروز) الربيع في ذكرى انتصار رمز انعتاقه ( كاوا) على رمز استبداده
( ضحاك) ، التاريخ يعيد نفسه مع المستبد القديم ( قورش) وأحفاده الجدد ( نجاد - الأسد ) وما يجمع بين هذا المستبد من حلف مقدس يستقوي فيه على شعبه الكردي ، ومن دون أن يعترف فيه ، بل ويوغل في قتله بدم بارد ، ربما بأبرد من دم
( الضحاك ) .
النظامان السوري ( الطائفي ) والإيراني ( الخميني) وما بينهما من حلف ملي ، مذهبي، أسطوري، خرافي ، يقدس الفرد ( الولي الفقيه - القائد الخالد ) ويرفعه إلى مرتبة الرب بإضفاء بعض صفاته ( آيات الله ) هما الأكثر سطواً وانتهاكاً لحقوق الأكراد ، فالهوية الكردية وما يتصل بها من ثقافة وتراث ، لا يعترفان بها على أقل تقدير .
وليت الأمر ، يقف في حدوده عند نفي الهوية الكردية وإلغائها ، باعتبارها هوية ذات تاريخ وحضارة عريقين ، وكيان إنساني أعرق من كيانهما الطائفي الملي - الشوفيني الفاشستي العصابي ، الذي يمقت عقدة نقصه ، بل يتعداه إلى حد الاجتثاث الممنهج للشخصية الكردية ، والتعدي على تاريخها السياسي والثقافي من خلال تبخيس رموزها ( صلاح الدين ) وطمس معالم وجودها .
وكأن الأكراد في سوريا ، لا يكفيهم أن يدافعوا عن إخوانهم من القوميات الأخرى في أحلك الظروف التي مرت بها سوريا ، بلدهم الأم جميعاً بلا استثناء ، وهو شرف وطني قبل أن يكون واجباً ، خطه الزعيم إبراهيم هنانو في التاريخ الحديث ، وسار عليه محمد علي العابد كأول رئيس لسوريا بعد الاستقلال الأول بكل اقتدار .
نقول لا يكفيهم ، بعد كل هذا البلاء الوطني المشرف ، أن تلغى هويتهم الوطنية ( تجريد مئات الآلاف من أكراد القامشلي من جنسيتهم ) ولا يكفيهم أيضاً ، أن يقتل شبابهم الذين هم بعمر الزهور ، ليس في أعياد النوروز ، بل في قلب ثكناتهم العسكرية ، التي حولها النظام الطائفي إلى مزارع للسخرة ، لا تجد إسرائيل حرجاً في قصفها أو التحليق فوق سمائها ، أو حتى اغتيال كبار إقطاعييها ( العميد محمد سليمان ) وفقاً لمجلة دير شبيغل الألمانية .
قد يرى البعض في طرحنا هذا ، شيء من المبالغة ، لكن الحقائق المجردة تصهر الخيال والأساطير التي أصبحت ديدن النظام الطائفي وغطاء يتلفع فيه مثقفوه ، فقد تبدت طائفيته في التقائه المذهبي - العرقي مع إيران الفارسية في حفلة العشاء الملي الأخير في دمشق .
فعندما يوغل النظام الطائفي - النصيري ، نسبة إلى محمد بن نصير الفارسي الأصل ، في قتل المجندين الأكراد ( أربعون مجنداً وأكثر ) في إقطاعياتهم الزراعية
( قطاعاتهم العسكرية ) ليس بصفته نظام عربي ، التي تجعل بعض الأكراد يحملون على أشقائهم العرب ، الأكثر تعايشاً واندماجاً مع الكورد عبر التاريخ ، بل بصفته نظام تابع لنظام طهران الفارسي ، فهو ليس نظاماً علمانياً كما يدعي ، وليس نظاماً عربياً رغم عروبته وقومويته الزائفة ، لكونه شاذ عن قاعدة النظم العربية ، وإن كانت مستبدة .
غير أن عنف النظام الطائفي ضد الأكراد ، يجري تبريره وتحمليه غصباً باسم العرب ، لزيادة الشقة والخلاف بين العرب وإخوانهم الكورد ، مثلما حصل مع اغتيال الشيخ الكردي معشوق الخزنوي .
ومن الحقائق الدامغة على عنف النظام الطائفي بحق المجندين الأكراد ، وعموم الشعب الكردي في سورية ، والتي يجري ارتكابها باسم العرب زوراً وبهتاناً ، وأحدها ما أبصرته عيني قبل حوالي ست سنوات في صيف تموز/ يوليو اللاهب عام 2004 ، فالمشهد الدامي لا يوصف بالكلمات ، لشدة همجيته وبربريته .
فبينما كنت على متن حافلة النقل ، في طريق السفر الطويل من حلب إلى دمشق ، من ذلك العام ، الذي كنت فيه طالباً بالسنة الثالثة بكلية الآداب في جامعة دمشق ، جلس أحد المجندين بقربي في نفس الحافلة ، والذي عرفت لاحقاً أنه كردي يدعى ( كنجو ) وهو شاب فقير معدم من قلة فرص الحياة ، وفوق ذلك أُمي لا يستطيع أن يتكلم إلا بما يحس ويشعر به .
خلال الرحلة الطويلة بين حلب ودمشق حوالي ( 400 كم ) شعرت أن هذا الشاب
( كنجو) غير طبيعي ، فقد كان شديد القلق ، وحركته كثيرة لا تهدأ ، من دون أن يستطيع الجلوس على الكرسي وإسناد ظهره للخلف ، بادرت بسؤاله : ما دهاك ؟ فقال بعد أن اطمئن إلي ، في استراحة حمص ستعرف شكواي ، وسترى بأم عينيك وستعذرني .
في الاستراحة التي تقع على تخوم مدينة حمص ، طلب مني كنجو أن نبتعد قليلاً عن أعين المسافرين ، ذهبنا إلى خلف سور الاستراحة ، لئلا يفزع المسافرين من دموية المشهد ومن وعثاء السفر، فإذا بكنجو يخلع بزته العسكرية أمام ناظري ، شهقت عميقاً ، وعقد لساني ، وتحجرت عيناي لهول المشهد ووحشيته ، فلو كنت أمام طائر نزع ريشه عنه لما صدقت ، لأنني كنت أمام إنسان سلخ جلده عن لحمه ، واهترئ لحم ظهره وأطرافه وبان عظمه ، فما أقسى أن يتخلى الإنسان عن إنسانيته ، ويشرع في سلخ لحم أخيه الإنسان كما يفعل النظام الطائفي في سوريا .
الأكيد أننا في سوريا وبعد مشهد كنجو الدامي ، في غابة الحيوانات الضارية التي تستسهل سلخ جلود البشر، ولسنا في مجتمع مدني متمدن يدعيه ويروج له رعاعيو- مثقفو النظام الطائفي .
أما السبب الذي دعا وحوش النظام الطائفي إلى سلخ جلد كنجو ، مثلما سلخ أجدادهم ( قورش) هوية الشعب الكردي ، أنه تأخر خمس دقائق فقط عن اللحاق بزملائه والحضور إلى الساحة العامة ، لتريد تحية العلم - العلق والتي تسمى بالنشيد الوطني ( حماة النظام ) فما كان بالضابط الطائفي ( ملازم أول ) أن دخل متفقداً مهجع المجندين - الفلاحين ، فوجد كنجو غارقاً في تنظيف المهجع - الإسطبل ، وترتيب أسرته ، فيوم الخميس ،الذي يزعق فيه الجنود نشيد النظام ، تزامن مع تسخير كنجو بتنظيف روث الإسطبل- المهجع "الممانع" كاملاً ، وكأنه لا يكفيه ما فيه من ذل ومهانة ( السخرة ) حتى يعاقب على جميله بتنظيف إسطبلات النظام الطائفي ومزارعه .
حين ذاك ، أمر ذلك الضابط الغارق في طائفية نظامه " الصامد والممانع " في وجه إسرائيل التي لا تذل جنودها وشبابها كما يفعل النظام الطائفي ، أمر بسحل كنجو في الساحة العامة أمام أعين الجنود ، وتعليقه عارياً في مؤخرة الحافلة العسكرية المهلهلة وسحله على الإسفلت الحارق ذهباً وإياباً ، ليكون عبرة ودرساً لهؤلاء الجنود - الشباب المرعوبين داخل وطنهم وخارجه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمت يداك ياثائر
الحارث السوري ( 2010 / 3 / 5 - 08:48 )
لن أزيد حرفاً على وثيقتك الوطنية الصادقة . التي أقدمها هدية للسيد ياسين الحاج صالح -- الذي كتب مقالاً في هذا العدد من الحوار تحت عنوان ( هل سورية معرضة للزوال ما لم يكن حكمها إستبدادياً ..؟ ) بالتوافق مع رأي السيد حازم صاغية أحد وعاظ السلاطين التابعين للحزب السوري القومي الخادم الأمين لمماليك القرداحة ..في حواره مع سيمور هيرش مطلع شباط المنصرم الذي قال فيه بكل صفاقة : ( إما أن تبقى سورية في ظل إستبداد عسكري وديكتاتوري , وإما أن تزول هي نفسها.. ) وهذا أخطر ما صدر إعلامياً عن نظام القتلة واللصوص في دمشق , بل في العالم أجمع وتنشر سمومه في كل مكان ... جاء مقالك صفعة لهؤلاء أرفعه في وجوههم الكالحة .. لك تحياتي حماك الله


2 - سلمت يداك ياثائر
الحارث السوري ( 2010 / 3 / 5 - 08:48 )
لن أزيد حرفاً على وثيقتك الوطنية الصادقة . التي أقدمها هدية للسيد ياسين الحاج صالح -- الذي كتب مقالاً في هذا العدد من الحوار تحت عنوان ( هل سورية معرضة للزوال ما لم يكن حكمها إستبدادياً ..؟ ) بالتوافق مع رأي السيد حازم صاغية أحد وعاظ السلاطين التابعين للحزب السوري القومي الخادم الأمين لمماليك القرداحة ..في حواره مع سيمور هيرش مطلع شباط المنصرم الذي قال فيه بكل صفاقة : ( إما أن تبقى سورية في ظل إستبداد عسكري وديكتاتوري , وإما أن تزول هي نفسها.. ) وهذا أخطر ما صدر إعلامياً عن نظام القتلة واللصوص في دمشق , بل في العالم أجمع وتنشر سمومه في كل مكان ... جاء مقالك صفعة لهؤلاء أرفعه في وجوههم الكالحة .. لك تحياتي حماك الله


3 - تبديل السئ بالاسوء
T. khoury ( 2010 / 3 / 5 - 13:27 )
أنا متأكد بانه لم يكن هدفك بهذا المقال الدفاع عن قضية الاكراد التي يساندها كل مؤمن بحقوق الانسان, بقدر ما كان هدفك نقد النظام السوري لمصلحة الاخوان المسلمين!!
انا متأكد بان الاكراد اذكى من ينزلقوا الى مستنقع الاخوان المسلين لانهم لايريدون تبديل السئ بالاسوء.

تحياتي


4 - سلمت اناملك يا سيد ثائر
ابو عصام ( 2010 / 3 / 5 - 20:41 )
في الحقيقة يا استاذ ثائر لم اكن اعرف بانك ملم ولو بشئ من تاريخ وحصارة الكرد،وفي الحقيقة لا يسعني الا ان اشكرك على هذه المقالة التي توصف جزءا من مأساة الكرد في شخصية كنجو الذي تعرض للسلخ والاهانة وهو في خدمة جيش ابو الشحاطة على قول ابو العز الشامي واخيرا حماك الله وادامك رمزا لتعرية النظام الصفوي النصيري العفلقي ...
تحية


5 - ضيق الفكر
منذر السوري ( 2010 / 3 / 5 - 22:32 )
طالما تفكرون بهذه الطريقه لا امل


6 - لا تعليق
درويش السيد ( 2010 / 3 / 6 - 07:40 )
لا اصدق في احيانا كثيرة ما اقرأ ؟؟؟فبعض القراءات تثير في الغضب والآلم.
ولا اريد ان اصدق انكم تتراشقون.
فهل سحل المواطن كنجومن قبل السجان والمتسلط والمعدوم الضمير هو موضوع للتراشق.
لاافهم كثيرا مغزى ماتريدون والى اين تريدون الوصول.
فلا يظن بعضكم ان حاله افضل من نعيسة ويترك العنان للسانه بدل عقله.

اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري


.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان




.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو


.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا