الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تازة : في التسمية والدلالة

عبد الإله بسكمار

2010 / 3 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تطرح تسميات العديد من المناطق والمدن المغربية إشكاليات متعددة على صعيد الدلالات والإحالات الجغرافية والرمزية ، ولا يخفى ما لهذا الجانب من أهمية على صعيد الأبحاث اللغوية و التاريخية والأنتروبولوجية وحتى الاجتماعية ، والتي تعكس طرائق التدبير والتفكير عند السكان ، وكذا كيفية تعاملهم مع المجال المعني ، ولابد هنا من الاستعانة بالدرس اللسني ونظرية الدلالة ، إضافة إلى خلاصات السوسيولوجيا ونظرية المعرفة ، والمعروف أن الباحثين والمفكرين خاضوا في هذا المجال ، كل من موقعه المعرفي ، محاولين ربط التسميات بدلالاتها الجغرافية أو المجالية / الطبيعية، وكنماذج لذلك ارتباط تسمية مدينة فاس بالفأس عند تأسيسها ووجدة با جتماع أهل الوجد (التصوف) بالمنطقة التي تأسست فيها وطنجة بعبارة" الطين جاء" العربية أو باعتبار "طنجيس" اسم اله قديم..... ايفران من ايفري أي الكهف بالأمازيغية وأكلمان التي تعني البحيرة ، واسفي من أسفيو وأسافيو وأسافو التي تعني المشعل أو المصباح المضيء وأغبالو (عين الماء) واموزار (الشلالات) وأنفا ( الرابية أو التل) وتطاون (العيون)و ميشليفن ( ذات الركام) تافراوت ( الحوض - الصهريج) أكاد ير ( الحصن – المخزن العمومي) وغيرها كثير ، ويلاحظ أن عددا كبيرا من هذه الأسماء والنعوت ذات جذور أمازيغية.
طرح اسم مدينة تازة بعض الفرضيات التي لا تعدم أساسا من الواقع الطبيعي والبشري للمنطقة ، فالجذر الأمازيغي الزناتي وهو تيزي(وجمعها تيزة) يعني الفج بين سلسلتين جبليتين( المرجع: مقال للأستاذ محمد شفيق " في أن أسماء الأماكن في المغرب جلها أمازيغية ص229 وما بعدها مجلة البحث العلمي ع يناير – يونيو 1977) فتازة هي تأنيث للفظ تيزي ومن المحتمل أيضا أن يكون اسم تازة الحقيقي هو تازرا، ذلك أن بعض القبائل الزناتية تهمل حرف الراء في النطق ، ويؤيد ذلك أن كلمة تازة لا توجد إلا في المناطق التي تغلب عليها الزناتية ، سواء في المغرب أو الجزائر أو تونس ، ومن أطرف ما يذكر هنا ، وجود مدينتين أخريتين على الأقل تحملان نفس الاسم" تازة " ، إحداهما بالجزائر( وتشمل تيزي بولاية معسكر ومنتزه تازة بولاية قسنطينة) والأخرى بالعراق(اسمها الكامل تازة خورماتور، تعني بالكردية : النخيل الرطب وتختصر بلفظ تازة ، تقطنها أغلبية تركمانية وهي تقع بين الموصل وبغداد) ، وهذا يمكن أن يفتح شهية البحث في اتجاهات شتى على صعيد التفاعل الاجتماعي والثقافي واللغوي وربما الاقتصادي والرمزي أيضا بين شعوب شمال إفريقيا من جهة وبينها وشعوب الشرق العربي من جهة ثانية . ويورد الأستاذ شفيق( المرجع السابق)منطقة باب تازة المحسوبة على المجال الزناتي قرب شفشاون .
إن الدلالة المرتبطة بالفج أو الممر بين الجبلين ، تجد سندا طبيعيا واضحا لها في تضاريس المنطقة أي ممر تازة الفاصل بين شرق البلاد وغربها وبين سلسلتي جبال الريف والأطلس المتوسط ، وتوجد المدينة بالمقطع الأخير لهذا الممر الاستراتيجي ، والذي يقع مركزه عند فج الطواهر ، على بعد حوالي 16 كلم إلى الغرب من المدينة ويخترقه أكبر نفق سككي بالمغرب ( نفق الطواهر) يليه آخر هو الثاني من نوعه في البلاد( نفق العقرب) ، حيث تقترب تلال وجبال كل من الريف والأطلس المتوسط ، في تجاور عجيب وعند أحواز المدينة من الشرق ينتهي الممر (حوض ايناون ووادي الأربعاء) ويبدأ حوضا امسون وملوية ، ويزيد من مصداقية هذه الفرضية أن جل الفجاج في السلاسل الجبلية المغربية تسمى تيزي ، كما يقول بهذا الرأي عدد من الباحثين كمحمد حجي وتوفيق أكومي ، أما الأستاذ عبد الهادي التازي – نتمنى له الصحة والعافية وطول العمر– فيؤكد ارتباط التسمية بالثنايا حيث يقول في كتابه " رسائل مخزنية" " وإذا كانت كلمة تازي تعني بالفارسية معنى عربيا ، فإنها عندنا نسبة لتازة التي هي تعريف للفظ (تزا)الزناتية التي تؤدي معنى الثنايا ، والواقف بأعلاها تقابله فعلا الثنايا والمنعرجات من جميع الجهات " ، يستخلص العلامة المرحوم الحاج امحمد الأمراني أن مدينة تازة كانت موجودة قبل الفتح الاسلامي ، ولعل تسميتها بهذا الاسم هو أنها كانت في الأصل " تزي" بكسر التاء وتشديد الزاي ومعناها البربري الثنية أي طريق العقبة ، ويؤيد هذا أن كل من صعد إلى مكان مرتفع تظهر له هذه الثنايا من جميع الجهات ، فهناك ثنايا رأس الماء ، وثنايا تطل على ملوية ، وثنايا تطل على مكناسة الشرقية ، وثنايا مكناسة الغربية ، وتمتد بك تلك الثنايا إلى جبل الطواهر ذي المنعرجات والشعاب الوعرة ( المرجع كتاب "ابن بري التازي امام القراء المغاربة " امحمد الأمراني ص18)، وكل هذه الإحالات التضاريسية تعبر بصدق عن المجال الجغرافي لتازة وحوض ايناون ، فيما عرف بممر تازة أو مضيق تازة ، ويفيد الأستاذ محمد الفاسي في كتابه " من وحي البينة " أن اشتقاق لفظ تازة أتى من تيزي وهو متعدد الدلالة ومن معانيه الصخرة وتجمع على تيزا ، وتقع تازة العتيقة بالفعل على صخرة بامتداد 7 كلم مربع ، تجمع تسمية تازة في المحصلة بين الثنايا والصخرة والممر والفج والمضيق ، وهذه جميعها ساهمت في بلورة أدوار تاريخية مشهودة بحكم الموقع الاستراتيجي ، من التـأسيس التاريخي ( حوالي القرن الثالث الهجري) مرورا بالرباط والمستقر وانتهاء بالمعبر الهام الذي شهد مرور الجيوش الجرارة والقوافل التجارية من شرق البلاد إلى غربها ( والعكس)وانتهاء بالموقع العسكري الذي حمى الحاضرة فاس عبر العديد من المراحل التاريخية كما حدث مع الدولتين المرينية والسعدية وبعض فترات حكم العلويين، بل إن كل من استطاع السيطرة على ممر تازة (ومعه المدينة) كان يفلح في الإطباق على فاس العاصمة بكل سهولة حسب ما تذهب إلى ذلك العديد من شهادات الباحثين والمؤرخين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المزيد
عبد اللطيف ( 2010 / 12 / 22 - 19:15 )
تحية طيبة وبعد..نرجو المزيد من هذه المعلوما ت حتى تغطي كل مدن وقبائل المغرب وشكرا

اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد