الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المثقف فى عملية التغيير

أحمد السعد

2010 / 3 / 7
المجتمع المدني


منذ سقوط الدكتاتوريه فى العراق وأنفتاح الأفق امام الشعب العراقى لرؤية المستقبل بعيون مفتوحة على أمل بتغيير حياته وواقعه المؤلم ولكى يطوى صفحة الماضى الأليم بكل آلامها ويفتح صفحة فى تاريخه أكثر اشراقا ، ومن خلال الخيبات والأحباطات التى شابت عملية التغيير نحو الديمقراطيه – التى تمت بأيدى القوى العالميه التى طالما أعتبرها العراقيون معاديه لتطلعاته ولآماله بالحرية والديمقراطيه – وتعثر هذه العمليه وعدم وضوح معالم الطريق أمام جماهير الشعب العراقى بسبب ما تزامن مع عملية التغيير من ظواهر تمثلت فى بروز المظاهر المسلحه والعمليات الأرهابيه التى استهدفت حياة الناس وممتلكاتهم وأمنهم ، أضافة الى بروز مظاهر الفساد فى مفاصل الدوله وبؤس الخدمات وتعطل مشاريع الأعمار والتنميه وتدخل دول الجوار وظهور الطائفيه السياسيه والمحاصصه والتوافقات التى تمت على حساب المصلحة الوطنيه العليا مما انعكس سلبا على حياة الناس وساهم الى حد كبير فى الشعور الجماعى باليأس والأحباط مما عزز الأعتقاد لدى بعض الناس بأن أجواء الحرية والديمقراطيه لاتتناسب مع الوضع العراقى وبأن الدكتاتوريه كانت الغطاء الذى (ستر ) التناقض والتناحر بين مكونات الشعب العراقى وداخل منظومة القوى السياسيه وهى البديل ال(طبيعى) لحالة الفوضى وغياب هيبة الدوله وتعثر مؤسساتها التى جيرت لمصالح الفئات السياسيه المتناحره والمتكالبه على السلطه ، هذا البعض من الناس لم يدرك أن ذلك هو تجليات لحالة المخاض العسير التى ستنتج الحالة الديمقراطيه الصحيحة التى تحتاج فى صيرورتها الى تجذير للقيم والمفاهيم الديمقراطيه لدى الناس ولدى القوى السياسيه وبأن تجربه أنتخابيه واحده أو أثنتين لا تلد بالضرورة الحالة الصحيحه ناهيك عن الأرث الذى تركته الدكتاتوريه فى نفوس الناس والذى تمثل فى لغة الأقصاء ورفض الآخر الذى أنتج حالة التفكك والتناحر تلك .هذه العملية الديالكتيكيه هى التى ستنتج فى نهاية المطاف ترسيخ الأسس الصحيحه للممارسه الديمقراطيه وأستيعاب الدروس الى أن تتعمق فى اذهان الناس ووعيهم المفاعيم والقيم والتقاليد الديمقراطيه ويتراكم لديها كم من التجارب يتحول الى تراث وخبره تنعكس فى سلوكهم وممارساتهم اليوميه وتعاطيهم مع الأخر ايجابيا . يرتبط الوعم الديمقراطى وتعززه بأمور كثيره ، فالديمقراطيه لا تمنو وتتطور الا فى ظل الأستقرار الأمنى والأقتصادى والأجتماعى للمجتمع العراقى – فالمجتمع الجائع الفقير لايفكر الا بكيفية تحصيل متطلبات حياته وخبزه وصحته وتعليمه وبذلك يتأخر نضجه السياسى وتتعطل استجابته للتغيرات ويبقى بعيدا عن ما يجرى وكأن الأمر لايعنيه ، وهو لا يعنيه فعلا أذا جرى بمعزل عن أرادته وأختياره ومساهمته فيه .ولذلك تبرز أهمية دور الحكومات فى مرحلة التغيير والتحول نحو الديمقراطيه فى تأمين الحاجات الأساسيه للناس وأرساء الأرضيه الصحيحه لنمو وعى ديمقراطى جمعى لدى أبناء المجتمع العراقى من خلال عملية نهضويه وتنمويه تنهض بمستوى عيش المواطن وتحرره من أسر واقعه الأقتصادى والأجتماعى المزرى المتمثل فى الفقر والأميه والجهل والبطاله وأزمة السكن وأزمة الخدمات ....الخ وتستمر فى ذلك بشكل متصاعد فى دعم البنى التحتيه للأقتصاد والثقافه والتعليم والصحه من خلال خطه منهجيه ومدروسه لمعالجة مشكلات المواطن للأرتفاع بوعيه وتفكيره وتخليصه من الأفكار والممارسات التى زرعها النظام الدكتاتورى فى وعيه منذ خمسة عقود ويزيد. وفى خضم هذه الأشكاليه بقى المثقف العراقى مراقبا للأحداث غير مشارك فيها تاركا للسياسى ولرجل الدين الفرصه ليسبقاه الى مراكز صنع القرار والتحكم بالشارع والدخول الى عقول الجماهير من خلال تسويق الشعارات السياسيه والدينيه بينما لم يكن الخطاب الثقافى متوافرا على عناصر جديده مستخرجة من تحليلات المثقفين للواقع الراهن ومعطياته . لقد شل البرود والتردد قدرة المثقف العراقى على تمثل الواقع وأنزوى فى الظل يمارس الكتابة للنخبة المثقفه أو لنفسه وعلق على شماعة الفوضى والخراب كل فشله وعدم قدرته على أن يكون جزءا من الحدث وصانعا له وأعاقه ذلك من استيعاب المتغيرات والتقدم الى المواقع الأماميه معتقدا أن مهمته تقتصر على الرصد والمراقبه والنقد والسمو على الواقع وأجتراح الخيالات والحلم بمجتمع طوباوى لايوجد الا فى عقله بينما بقيت الجماهير – وهى منغمسه فى همها المعيشى – بعيدة عن الخطاب الثقافى . يعتقد المثقفون انهم لايستطيعون التنفس فى بيئة غير صحية نتجت عن التزاحم والتنافس الذى أحتدم بين القوى السياسيه للوصول الى سدة الحكم وبأن ذلك الأصطراع والأحتدام قد ولدا ظواهر اجتماعيه سلبيه تمثلت فى سطوة السلاح ومظاهر العنف والتشنج والأحتقان فى الشارع العراقى وهى أجواء لايستطيع المثقف فيها أن يمتلك حرية الحركة والعمل والأبداع وأنا أقول أن المثقف لايجب أن ينتظر من السياسى ورجل الدين أن يفسحا له المجال لحرية الحركة بل يجب على المثقف أن يشق طريقه وسط هذا الزحام والتكالب وأن يخلق فرصته للعمل والأبداع وأن يمتلك روح المبادره وأن يتواجد فى الشارع مع الجموع وأن يجعل من خطابه مفهوما ومستساغا من الجماهير التى هى قاعدته . أن مرحلة العبور نحو الديمقراطيه والحريه تحتاج الى الصوت العالى المجلجل لكى يسمع وسط ضجيج السياسيين ورجال الدين الذين يستخدمون كل الوسائل لأيصال خطابهم الى الناس . لا يمكن للمثقف أن يبقى منتظرا الفرصه ليقدم نفسه للجمهور ! صحيح أن المنتج الثقافى يحتاج من أجل أن يسوق جماهيريا الى أرضيه صالحه وألى أستقرار مزاجى وعقلى وعاطفى لأستيعابه والتعاطى معه ولكننا لا ننظر الى المنتج الأبداعى كنوع من الترف الفكرى بل كمحرض ودافع للتقدم والعمل والأنجاز والتحرر ونبذ الأطروحات التى تسىء للأنسان وتحط من قيمته وتثبط عزيمته فى خلق واقعه الجديد الأنسانى . أن المثقف الواعى الطليعى الذى يدرك دوره التاريخى الثورى يستطيع أن يخلق لنفسه الظروف ليتقدم الى الناس وليذهب اليهم عندما يتعذر عليهم أن يأتوا اليه ، وأن لايترك للسياسى ولرجل الدين أن يستحوذا على وعى الناس ويستثمرا الساحة لصالحهما .
لقد وفرت الأنتخابات التشريعيه الفرصة السانحه أمام المثقفين من أدباء وفنانين وكتاب وأعلاميين وأساتذة جامعه وتدريسيين ليزجوا بأنفسهم فى آتون المعركة الأنتخابيه ليصلوا الى مراكز صنع القرار وليكونوا صوتا معبرا عن تطلع الأنسان العراقى الى الغد المشرق وليسمعوا صوتهم لكل من يريد الأبقاء على حالة التخلف والتمزق والفوضى ، سيكون المثقف ضمير الجماهير والمعبر عن طموحاتها بالحرية والأنعتاق ، سيكون وجوده فى البرلمان بوابة الدخول الى مرحلة جديده من تاريخ العراق ليفتح أمام الناس آفاقا رحبة من التفكير والوعى والتذوق والمعرفه . أن البؤس الذى تعانيه المؤسسه الثقافيه العراقيه والأهمال المتعمد للبنى التحتيه للثقافه لن يزيله سوى المؤمنون بأهمية الثقافه فى حياة الشعوب . ومن هنا تبرز أهمية مشاركة المثقفين فى الترشيح للأنتخابات النيابيه فى العراق والتى لا نتوقع لها – فى ظل الظروف والمعطيات الحاتليه – أن تفضى الى مخارج للأزمات التى صارت تعصف بالمجتمع العراقى وتنقذه من الخراب الذى يخيم على مرافق ومؤسسات الدولة خصوصا تلك التى ترتبط بالثقافة والتعليم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند | الشباب وتحدي -وظيفة مابعد التخرج-.. وسبل حما


.. الإعلام العبري يتناول مفاوضات تبادل الأسرى وقرار تركيا بقطع




.. تونس: إجلاء مئات المهاجرين و-ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية- و


.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا




.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟