الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كونت في الميزان السوسيولوجي

مبارك بدري

2010 / 3 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان التقليل من دور كونت في نمو النظرية السوسيولوجية و تطورها امر مألوف في الوقت الحاضر. فمن المؤكد ان اسهاماته الاصلية محدودة و قليلة, حيث يمكن تتبع أغلب أفكاره لدى كثير من السلف الذين سبقوه, هذا من ناحية. و قد اتضح من ناحية اخرى انه كان مهتما في اغلب الاحوال اهنماما كبيرا بتفصيل برنامج لعلم الاجتماع لا باقامة نظرية سوسيولوجية . لكن هذه الاحكام عن كونت أحكام جائرة, صحيح أنه قد أعاد صياغة كثير من قضاياه و احكامه التق ريرية و اخرجها في شكل معدل من الافكار المبعثرة خلال التاريخ الطويل للفلسفة الاجتماعية ثم ركب هذه الافكار و جمعها بشكل أعطى اشارة بالنمو السريع و المثمر لمعرفة العلاقات الشخصية , و الجماعات الاجتماعية, و الثقافة, و البناء الاجتماعي, و التغير. هذا بالاضافة الى ان جميع علماء الاجتماع يدركون ان كل الابتكارات انما هي اساسا اعادة تجميع و تركيب لعناصر قائمة في الثقافة بالفعل, و علم الاجتماع نفسه كان اختراعا ثقافيا.
و القارئ المتمعن لاعمال كونت يجد ثروة هائلة من الافكار سبقت معظم التيارات الملحوظة في تاريخ علم الاجتماع حتى الوقت الحاظر و بشرت بها, كما يعثر أيضا على مجموعة ضخمة من القضايا و الاحكام المتعلقة بمجال علم الاجتماع و منهجه. وقد اعاد علماء الاجتماع في الاعم الاغلب اكتشاف هذه القضايا , وقد يشيرون في بعض الاحيان الى الأب المؤسس لعلمهم, أو قد يغفلون الاشارة اليه في احيان اخرى.
لقد مهد كونت أكثر من ذلك الطريق امام التعريف الحديث لعلم الاجتماع و أقسامه الاساسية . ومن المؤكد أن هذا العلم قد انحرف تحت تأثير "هربرت سبنسر" عن التصور الذي صاغه كونت و أصبح علما أصيلا ملموسا يصف عملية فريدة متمثلة في تطور المجتمع الانساني.
وبعد انهيار المدهب التطوري عاد علم الاجتماع أو يمكن القول الجزء الرئيسي منه على الأقل مع شيء من التعديلات الى تصور كونت لهذا العلم و موضوعه. صحيح أن علم الاجتماع المعاصر لايردد ببساطة تعريف كونت , ذلك أن مجاله قد اتسع و نما متضمنا الاقسام النظرية للعلوم الاجتماعية الخاصة كالاقتصاد و الحكومة و الفقه...و لم يعد يقصر اهتمامه و جهوده على صياغة القضايا النظرية, بل انه قد امتد الى نطاق النشاط العملي , و أصبح مرشدا لأصحاب النوايا الحسنة في اصلاح المجتمع و تحسينه مع العلم ان كونت ابتكر علمه الجديد بوصفه أداة ضرورية للاصلاح الاجتماعي, كما أن علم الاجتماع قد انجز قدرا لا بأس به من العمل الوصفي , في الوقت الذي لا يوجد فيه علم اخر يكرس جهده لوصف ظاهرة اجتماعية معينة. لكن هذه التطورات المتعددة تتكامل تكاملا ذا معنى في ضوء علم الاجتماع النظري فقط, فقد حقق هذا النموذج من علم الاجتماع ما تطلع اليه كونت بالتدريج.
وقد اقترح كونت على وجه التخصيص حلولا للمشكلات الكبرى من أجل الأغراض السوسيولوجية. ومع أنه لم يعرف المجتمع على الاطلاق فان المرء يستشف أن المجتمع في رأيه أسر و اتحادات اجتماعية تتجمع في أمم ثم في الانسانية , كما اقترب كونت الى حد كبير من صياغة الفكرة المعاصرة عن الثقافة بوصفها الحصيلة الكلية لانجازات العقول الانسانية المتفاعلة. ولم يعزل كونت أي وحدة اجتماعية بغرض التحليل, لأنه اعتقد أنه يمكن فهم الكل بشكل افضل من الاجزاء, وهذا أمر ينسحب على المجتمع. وقد أدرك ادراكا سليما التأثير الأزلي المتبادل بين الفرد و المجتمع, كما أنه يعد من أصحاب العامل الأساسي أو المسيطر في التغير الاجتماعي. و يتمثل هذا العامل في رأيه في نمو الافكار و تطورها, فهو اذن يعتبر واحدا من الحتميين الفكريين, لكنه أدرك وقع نمو السكان و كثافتهم وقد عرف علم الاجتماع من خلال وضعه في تنظيمه السلمي للعلوم النظرية المجردة , فعلم الاجتماع هو العلم النظري و المجرد الخاص بالمجتمع. و قد استخدم غالبا ما دعاه بالمنهج التاريخي الذي تمثل بالفعل في تنظيم وقائع تاريخية مختارة في ضوء وجهة نظره عن التطور الاجتماعي, و ظلت هذه الطريقة منهجا لعمل الاجتماع لفترة طويلة, مع انها طريقة خاطئة خطأ قضيته الرئيسية و المتمثلة في ايمانه بالتطور نحو الأمام, أو التقدم. ومع ذلك, لم يكن المذهب التطوري لكونت من النموذج الجبري الذي أكده سبنسر لبضع سنوات, و أسلم منطقيا الى مبدأ "دعه يعمل". لكن كونت على العكس من ذلك كان يؤمن بأنه يمكن التعجيل بالتقدم بواسطة العمل السياسي القائم على المعرفة الوضعية, وقد مهد كونت في هذا الصدد لفكرة " الغائية الاجتماعية" , التي طورها فيما بعد "لستر وارد", وهو معترف تماما بالفضل لأوجيست كونت.
وقد قامت الادلة و البراهين على خطأ كثير من قضايا كونت و تخميناته, كما أنه كان ميتافيزيقيا مفلسا, لأنه اعتقد فقط أنه قضى على امكان قبام ميتافيريقا. كذلك كان مفكرا دينيا مفلسا, مع أنه اعتقد اعتقادا جازما بأن الدين واحد من دعامات المجتمع, ويمكن أن تعد نظريته السوسيولوجية قفزة غير ناضجة, أو أنها لم تصل الى مرحلة النضج من مستوى الملاحظة و الشواهد المبنية عليها الى مستوى النظرية.
وقد ظل عمل كونت غير معروف في فرنسا خلال حياته, و الطلاب البريطانيون هم أول من اهتم بوجهات نظره و به شخصيا, وعلى الأخص "جون ستيوارت ميل" علما بأن هربرت سبنسر قد نظر اليه و الى ارائه بازدراء. وقد وجدت أفكار كونت طريقها الى ألمانيا عن طريق المؤلفين الانجليز, ثم عادت من ألمانيا الى فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر في الفترة التي كان عالم الاجتماع العظيم "دوركايم" يعطي علم الاجتماع دفعة جديدة يمكن أن يلاحظ فيها الكثير من أفكار كونت. وقد أثر عمل كونت تأثيرا عظيما في علم الاجتماع الروسي كوفالوفسكي و كذلك في علم الاجتماع الامريكي لستروارد.
ومما يستحق الذكر أنه ظهر مؤلف في الولايات المتحدة يحاول أن يبعث من جديد "علم اجتماع كونت" وهو مؤلف بعنوان " طبيعة علم الاجتماع و عناصره" ل دي جرانج. وقد أثرت أفكار كونت الواردة في مؤلفه "السياسة الوضعية" في الانجازات الحديثة نسبيا للنظرية السوسيولوجية, و بخاصة ما يتعلق بدور الثقافة ( التراكمات الاجتماعية) و التحول من المقابلة العضوية الى الاتجاه النسقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشكور كل الاحترام
احمد القطراوى ( 2010 / 3 / 13 - 06:55 )
اخى العزيز كثيرا من الاحيان قد يجهل القارئ او الباحث قيما العالم الذى يقرأ له

وسبب هذا هو القراءة من اجل النجاح وليس بغرض البحث

مشكور كتير كل الاحترام الك


2 - مشكور أخي الكريم
كريم بلهادي ( 2010 / 3 / 13 - 13:25 )
ادامك الله في خدمة العلم و مشكور أخي الكريم

اخر الافلام

.. من مسافة صفر.. استهداف دبابة إسرائيلية بعبوة -العمل الفدائي-


.. متظاهر يهتف -غزة- خلال توقيفه بنيويورك في أمريكا




.. إسرائيل تؤكد إصرارها على توسيع العملية البرية في رفح


.. شرطة نيويورك تعتدي على مناصرين لغزة خلال مظاهرة




.. مشاهد للدمار إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة خفاجة غرب رفح ب