الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملحدو عصر هم أنبياء العصر القادم

أحمد هيبي

2010 / 3 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



سواء اتفقنا أن مادة الوعي تختلف عن مادة التراب في أو منبثقة عنها ومشتقة منها, فإننا نتفق أنه لا نهاية لتطور هذا الوعي, وتجاوزه لنفسه. ولا خوف أن ننطلق - مؤقتا - من القصة التوراتية، لا باعتبارها قصة للخطيئة، بل باعتبارها نواة تجاوز الوعي البشري لحدوده، فيما صار يميّز الإنسان عن غيره من البهائم. لقد أكل آدم من شجرة المعرفة, وأفاق لنفسه في عصر موغل في القدم.
ولكي نضع أنفسنا مباشرة زمام الموضوع الذي نناقشه، فلنأخذ ابراهيم الخليل كمثال. فما نتفق عليه جميعا، بغض النظر عن الحقيقة التاريخية، أن تاالرجل كان كافرا بمعتقدات آبائه وأجداده. ساخرا من رب معاصريه أو أربابهم الكثيرين. ولم يكن هذا بالأمر السهل، كما يظن البعض. فقد يدفع المرء حياته لقاء مجاهرته بآراء تخالف آراء معاصريه، خصوصا اذا حملت هذه الاراء رأيا مخالف في الدين وفي القداسة وهي مجموعة ائلة من المحرمات التي لا مبرر لها سوى أنها نزلت من السماء. هكذا استحق ابراهيم الخليل أن يحرق بالنار. ولكن بما أن الأفكار العظيمة، لا تستطيع النار أن تلتهمها، كون النار توليفة مادية من الأكسجين والحطب فقط. فقد نجا ابراهيم الخليل، مُلحد ما بين النهرين، مبشرا ، مبشرا بالدين الجديد. دين الرب الذي ليس هو قمر ولا شمس ولا سحابة، بل هو علة هؤلاء جميعا..
ومثل إبراهيم الخليل كان سقراط, الذي أُرغم على تناول السم, بسبب أفكاره الهدامة عن آلهة عديمي الفائدة, آلهة متصارعة فيما بينها, متهافته, والتي لا تختلف صراعاتها وتفاهاتها أحيانا عن صراعات ،تفاهات زوجين مقبلين عن الفراق. كانت التهمة التي وجهت إلى سقراط هي الإلحاد. الكفر بدين الآباء والأجداد. فما الذي حدث؟ مات سقراط - وهو ميت في كل الأحوال - وعاشت أفكاره وقد انزلت آلهة الأولمب عن عروشها. بشر سقراط بديانة جديدة, هي الديانة ألتي أتى بها أرسطو تلميذه. ديانة العلم والمنطق الصوري الذي يسمى باسمه. وان لم تكن هذه ديانة سماوية, فإنها كانت ديانة أرضية علمية, أثَّرت عمودياً وأفقيا في جميع الديانات والمذاهب ألتي أتت بعدها.
وماذا كان النبي محمّد سوى كافر بديانة قريش؟ وماذا كان ذنبه وما لاقاه من صدود سوى إلحاده بدين آبائه وأجداده. وماذا كانت التهمة التي لبسته, ردحاً من الزمن هو زمن الدعوة, سوى "إساءته" لدين الآباء والأجداد, وأساطير الأوًليين, ممن أتوا قبله ؟ وتفضلوا النموذج الذي أتى به محمد , لقد حول مركز الإلحاد في زمنه, الكعبة, وما فيها من أصنام، إلى مركز
هكذا يرتكز التغيير الخلاق أحيانا على التغيير التدريجي, ويتبنى بعض رموز الماضي, التي لا يمكن إعدامها مرة واحدة. نموذج الإلحاد والإيمان هذا نجده في العلوم نفسها. لقد أساء نبي العلم أرسطو الى العلم أكثر مما أفاده. لقد قام أرسطو بتثبيت مبادىء وعلوم تبين فيما بعد أنها كانت في غاية السطحية والخطأ. فالشمس لا تدور حول الشمس, والأرض ليست مركز الكون كما يقول, الجاذبية لا يمكن تفسيرها برغبة الصخور والكواكب البعيدة العودة إلى حضن الأم الكبرى، إلى الأرض؟ لماذا يعاود الحجر السقوط بعد أن قذفناه الى أعلى، برأي أرسطو؟ لأنه يشتاق إلى العودة إلى المركز، إلى الأرض التي هي مركز الكون, وأصل جميع الأشياء. الناس يموتون لأن أجسامهم الترابية, تعاود الحنين إلى باطن الأرض الذي جاءت منه. ولكن الأفكار العظيمة بقدر ما تكون مفيدة وخلاقة، قد تصبح عائقا على الأفكار الجديدة, الأعظم منها, والأصحّ. وكانت فكر أرسطو التي تبنتها الكنيسة بعد ردح من الزمن، عائقا على فكر جاليلو كوبرنيكوس. ولا شك أن علماء آخرين خالفوا أرسطو في أفكاره ومبادئه، ولكن لم يكتب لأفكارهم الحياة، بسبب أنها خالفت هذا النبي القديم.
وعلى أفكار جاليلو أقام نيوتن ديانته الجديدة. رؤية جديدة للكون اللامتناهي والذي لا سماد فيه بل نجوم تسبح في الفضاء. وأماط نيوتن اللثام عن جاذبية أصبحت في ضوئها جاذبية أرسطو صبيانية بل مضحكة. وأنكر مطلقيه المكان, مبقيا على مطلقيه الزمان. ولكن نبوءة نيوتن وديانته, لم يكتب لها إلا حياة قصيرة فقط. فقد أثبت أينشتاين أن أفكار نيوتن بالنسبة للزمان هي خاطئة. ليس هناك زمن واحد يسود في جميع أرجاء العالم. فالزمن مرتبط بالمكان. ولكل مكان زمانه, بل لكل ذرة في ذرات الكون زمانها الخاص بها. أفكار ليس من السهل أن تستوعبها عقولنا التي تمرست على معتقدات الآباء والأجداد. ولكنهم في الغرب تعلموا الدرس من محاكمة جاليلو: وهو أن ملحد اليوم قد يصبح نبي الغد. فكان للكنيسة الجرأة الأدبية لتعتذر لملحد الأمس وتنصبه نبيا جديدا للعلم. فمتى نتعلم نحن في الشرق - على طريقة تعبير سلامة موسى - هذا الدرس، ونعرف أن ملحدي اليوم قد يكونون أنبياء الغد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
عماد العراقي-العمارة ( 2010 / 3 / 15 - 01:44 )
السيد احمد الهيبي موضوعك جميل وتمنيت لو اخذ وقتا اطول ربما لانك راعيت التطور حتى في الكتابة؟ فكتاب المقالات القصيرة قد يصبحوا يوما ما انبياء مقارنة بالروائيين القدامى,موضوعك يجعلني افكر عميقا في ابعاده واقف عندها عن قرائة اي مقال اخر ربما لفترة ليست بالقصيرة شكرا لك


2 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 3 / 15 - 03:04 )
الأخ الكاتب المحترم ، تحية لك ، مادة جميلة ومقارنة ممتعة . فقط لي ملاحظة أن سقراتس لم يبشر بديانة جديدة ، كما أنه لم يتهم بالإلحاد بل بالتحريض على الحكم القائم آنذاك . وتناول السم إمتثالاً لقرار محكمة أثينا في مغارة تقع في منطقة الأكروبوليس ، وكانت سجناً بلا أبواب رفض الهرب من موقع أخلاقي . وله قول شهير : سيثبت التاريخ خطأ قراركم . وفعلاً اثبت التاريخ خطأ قرار المحكمة . مع التحية لجهدك .


3 - تناقض مفضوح
محمد البدري ( 2010 / 3 / 15 - 10:42 )
مما اتعجب منه قول القرآن -هكذا وجنا آبائنا عليها عاكفون- ثم يطالب المسلمون بالتمسك بالاسلام رغم انهم جميعا ولاكثر من ذ400 عام وجدوا ىبائهم علي الاسلام عاكفونزظ فهل ادرك اهل النص الاصلي مدي تناقض المطلب بالتحول عن الدين من عدمه؟ تحية للكاتب


4 - الإلحاد هو راية العصر
صلاح يوسف ( 2010 / 3 / 15 - 11:14 )
شكراً للمقال الجميل. الفكر السائد دوما ما يكون قمعياً للفكر المتقدم الذي يستشرف المستقبل. ولكن ذلك في البلاد التي ما زالت تحلم بالجن والعفاريت وتعيش يومها على أمل أن يتم غفران ذنوبها من الله. هذا هو الدستور السائد في بلاد الشرق، بينما يعتبر من يمس بتلك الطواطم ملحداً كافراً مرتداً خارجاً عن الملة. أرى أن الإلحاد هو راية العصر بينما الثقافات القديمة إلى اندثار محقق.
دمت سالماً

اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في