الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصمة الخطيئة.. لماذا مؤنثة دائماً؟

أحمد عبد الله

2004 / 7 / 17
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


إن مفهوم الشرف أوسع بكثير من مجرد خطيئة أنثى أو زنا رجل، ورغم ذلك فإن محاولات قتل الشرف تكررت كثيرا في مجتمعاتنا الشرقية عبر التاريخ.

وبالرغم من أن الشرف ليس مجرد ذلك التجويف الصغير أسفل البطن فكأنه قدر الميلاد وعار الأبد تحمله صاحبته، وكأنه ذنب أو خطيئة ينبغي أن تتوب منها، أو تدفع ثمنها حتى يواريها التراب، فالعار الذي نعيشه أفدح بكثير من بضعة رجال يزنون أو نسوة خاطئات، ولكنه اختصار القضايا، وتسطيح المسائل، وتبسيط الأمور، وكأن الإنسان قد اختصر إلى عضو في جسده، والحياة قد أصبحت مجرد وظيفة أو وظيفتين.

"قتل الشرف" كظاهرة هو إحدى قمم جبل الجليد المختفي تحت السطح بحيث لا تتطرق النقاشات، ولا تنصرف الطاقات إلا للنتائج النهائية لعمليات مستمرة في حياتنا من عقود؛ فمتى يذوب الجليد البارد؟! ومتى ينطق الصمت الجبان؟! .

** رمز الشرف

وفيما نعلم فإن جاهلية العرب قبل الإسلام بمجرد أن ترى هذا الذي بين الفخذين... حتى تسرع بحفر قبرًا لصاحبته، من باب العمل بمبدأ "الوقاية خير من العلاج"، والمقصود هنا هو علاج الإصابة بالعار طبعًا.

أما "فرويد" في نظرياته فرأى ذلك الحال مدعاة لعقدة نفسية تلازم كل امرأة، وتعبر عن نفسها بأشكال مختلفة؛ فالذكر يتحرك وراء شيئه البارز، والأنثى يؤرقها افتقادها له!! .

وفي مسيرتنا من مجتمعات لها معالمها وتقاليدها إلى هذه الفوضى الشاملة التي نعيشها صرنا نبحث عن مسئول يتحمل عنا مسئولية التخلف أو الانهيار، والتفسخ والانحلال، وما زلنا نستريح –نوعًا ما- حين نزيح عن كاهلنا بعض الأوزار، ونغسل عن أنفسنا ما يلطخنا من العار –بمفهومه الشامل- فتقتل المرأة لأنها "رمز الشرف" حين تحوم حولها الشكوك، أو حين تسقط، وكأن الشرف المفقود يعود بقتلها!! .

والشاعر يقول:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى***حتى يراق على جوانبه الدم

** تحليل الظاهرة

وبتحليل ظاهرة قتل الشرف تم اكتشاف مجموعة من المحددات ساهمت إلى حد كبير في تحليلها، ومن أهمها وجود خلل كبير في منهج تربيتنا للإنسان عامة وللإناث خاصة، ولدينا خلل كبير في تحديد المسئوليات المطلوبة والصلاحيات الممنوحة للمرأة في العصر الحالي، ولدينا اضطراب كبير في معالجة القضية الجنسية إشباعًا للرغبة الطبيعية الإنسانية التي أودعها الله في الإنسان، ولا يتوقف وجود هذا الاضطراب عند حد الجهل بالمعارف الأساسية أو الأحكام الشرعية أو التأخير في قضاء الوطر بالحلال، أو استيراد مفاهيم وتفاصيل ضارة من خارج ثقافتنا، أو مصادرة المناخ الصحي الملائم لطرح هذه الأمور ومعالجتها بالطريقة اللائقة لنصل لحلول معقولة، ولكن جرى العرف على التواطؤ بشأن السكوت عن الخوض في هذه المسائل التي نسميها "حساسة".

كذلك فشل "الأسرة النووية" المكونة من الأب والأم والأبناء في أن تتخلص من العيوب التي كانت تعاني منها "الأسرة الممتدة"، بل وفشلت في الاحتفاظ بالميزات التي كانت تتيحها، وتحت مطارق "الحياة الحديثة" التي نعيشها غرق كل "فرد" في مشاكله الخاصة وطموحاته وأوجاعه، وذهب الجميع يشكو من الوحدة والهجر وافتقاد الدفء الأسري والحنان الذي يحتاجه بشدة في مواجهة الضغوط اليومية المتزايدة للحياة التي نعيشها، فتكسرت النصال على النصال.

** ثقافة الفاحشة

بالإضافة إلى أنه في عصر الاتصالات وفي غياب أو قلة الإنتاج المحلي أو ضعفه -أقصد على مستوى القيم السليمة، والممارسات الصحيحة، والتصورات الواضحة لما هو "حياة طيبة"- من المتوقع أن تروج البضاعة الفاسدة والمثيرة؛ فتضغط على أعصاب الإنسان/المستهلك، وتحاصره بطوفان من الأنماط والاختيارات؛ فيحسب نفسه حرًّا أمام هذا التنوع رغم أنها حرية أن تكون قردًا يحاكي الصورة، أو ببغاء يقلد الصوت، أو مهرجًا تضع أصباغًا على وجهك لا تتفق مع الملابس التي ترتديها!! .

والفاحشة لم تعد مجرد اثنين يتضاجعان وسط أعواد الذرة المرتفعة، ثم يطويها جنح الظلام، ولم تعد بيوتها خيمة تحمل راية حمراء لتعرف أن تحتها بغيا، إنما أصبح للفاحشة ملايين الأشكال والألوان، والأنواع والأصناف، والتبريرات والفلسفات، ولم تعد الأغلبية تتوارى أو تستحيي، ولكن يذيع المرء ويتفاخر، وأحيانًا يضع الكاميرات، ويملأ الأشرطة ليشاهد نفسه في مشهد الفاحشة ثم يشاهده الناس!! .

** الجانية والضحية

كما أنه لا يغفل على أحد أن لدينا في حياتنا هذه ألف سبب وسبب للعنف كأسلوب عيش وطريقة لتصفية المشكلات أو إعدامها بدلاً من حلها؛ فالمرأة الخاطئة قد تكون مجرمة وضحية في نفس الوقت، فرطت في عرضها؛ لأنها لم تتعلم أن تحترم نفسها، وتشعر بكرامتها وطعم حريتها وتبعات مسئوليتها أمام الله قبل الناس، ولم تجد من يخبرها عن جسدها وعن رغبتها، ولم تجد من يستمع لصوت ذلك أو تلك، ويتجاوب أو يتحرك ليكفل العفاف للجسد المتشوق.

وبدلاً من النظر إلى جانب الضحية، وبالتالي الخوض في المسكوت عنه المزمن في تراكيب حياتنا المختلة، تغتال يد الانتقام من طعنت العائلة في أعز ما تملك، حتى إن كانت هذه الطعنة بالخيانة مجرد رد فعل، أو عنف المقهور قليل الحيلة الذي يريد أن يؤذي من أهملوه أو احتقروه بإيذاء نفسه أو تدميرها، وكأن نفسها قد هانت عليها بعد أن هانت على ذويها فذهبت تحطمها على غرار قول العرب: "بيدي لا بيد عمرو".

ومما لا شك فيه أن كل هذه الأجواء وغيرها من شأنها تمهيد السبيل أمام الخطيئة والانتقام في غياب كامل للعقل والشرع، والمرأة الخاطئة هي الضحية الأسهل والأقرب للإدانة، والدليل موجود واضح في نفس مواضع الوصمة الأنثوية الأولى، وكل فتاة هي عندنا أصلاً مصدر فتنة ومشروع فساد وزنى، وهي بالتالي متهمة حتى تثبت براءتها!! .

إن قتل الشرف هو موقف نفسي بالأساس، فيه الموافقة والقبول والتمرير أو التغاضي على الأقل، أما التستر على الخطأ أو الخطيئة فلا يعني أبدًا الرضا بها، ولكنه يعني عدم إعلانها حتى تصبح فضيحة على كل لسان، والدم حرام فـ"كل المسلم على المسلم حرام؛ عرضه وماله ودمه"، وحين يقع ما يوجب الحد فإن لهذا تشريعا واضحا في دين الله لم يتركه سبحانه وتعالى لغضب غاضب أو لانتقام منتقم، والستر أولى في حال التفريق أو الإبقاء بين الزوجين، وباب التوبة مفتوح لعودة من سقط، ولا يأس من روح الله سبحانه.

هذه كلها بديهيات، ولكن يبدو أنها غائبة وسط "الفوضى".

** عجز القانون

بالإضافة إلى أن أداة القانون أصلاً لدينا عاجزة وغير فعَّالة، ناهيك عن أن الإفراط في استخدام القانون وسيلة للإصلاح والتغيير الاجتماعي، أو العلاج للأمراض الثقافية والنفسية هو نهج فاشل منذ البداية، والأنجح منه أن نسأل الأسئلة الصحيحة، مثل:

- لماذا التمييز بين مخطئ وآخر على أساس الجنس فقط؟!!

-لماذا التركيز على المرأة / الأنثى في كل خطابنا الإسلامي وغير الإسلامي في مقابل تركيز أقل على المرأة / الإنسان، والمرأة / الأم؟! .

-ماذا نتوقع حين نوقظ جانب الأنثى ونخاطبها أو نضغط عليها ترغيبًا أو ترهيبًا، ونهمل جانب الإنسانية والعقل، والمروءة، والمسئولية، والنضج والفاعلية العامة؟! .

- لماذا تزني الحرة؟ أم أنها ليست حرة؟ أم هي تزني امتدادًا لهشاشة تكوينها، وعطش أنوثتها، وضمور إنسانيتها، وإهمال ذويها لها، وضعف علاقتها بربها؟! .

-إذا كان انفعال الرجل حين يرى عرضه قد انتهك يمكن أن يكون –من الناحية القانونية- ظرفًا مخففًا يفتح الباب لعقوبة أقل، فلماذا لا يكون الإهمال العاطفي، والقصور التربوي، والحرمان الجنسي الذي تتعرض له المرأة ظرفًا مخففًا يوضع في الحسبان، ونحن نفكر في إدانتها؛ لأنها سقطت دون أن يكون التخفيف في الحالتين مقدمة للتبرئة أو التبرير؟! .

-هل الذين يعترضون على قتل الشرف يريدون أن يكون الرجل والمرأة سواء في التغاضي الأسري والاجتماعي عن الخطأ حين يقع، أم في المسئولية عنه اجتماعيًا وقانونيًا؟!.

** تطبيق الحدود

لقد رأى الفاروق عمر رضي الله عنه أن الأوضاع اللازمة والملازمة لتطبيق حد السرقة قد غابت في زمن المجاعة، فأوقف العمل بالعقوبة حتى عمل على إعادة الأوضاع اللازمة مثل حد الكفاية في الكسب، وتوافر الدخل اللازم لسد الحاجة من الطعام... إلخ.

فهل يمكن الحديث عن تطبيق لحد الزنى في مجتمعات لديها إعاقات حقيقية، وصعوبات وعوائق ضخمة في قضاء الوطر بالحلال، وإصلاح الثقافة والترفيه بعيدًا عن ضغوط الفتن والإثارة أو تخفيفًا منها على الأقل؟!.

هل يمكن الحديث عن تطبيق شرعي ما دون أن نستوعب أن الشرع يتكون من شقين: أحكام وأوضاع؟! وأن الارتباط بينهما متلازم حتى إذا غاب أحدهما اختل الآخر أو تعطل أو صار الحديث عنه من قبيل معالجة نصف الأمر؟!!.

ومن الضروري أن نعلم أنه لا يمكن معالجة مسألة قتل الشرف دون الدخول في بقية مكونات القضية الاجتماعية والثقافية والنفسية والقانونية، والاستسهال خطير، والخلط أخطر، والتربية داخل الأسرة وخارجها، والإعلام بجهوده وضغوطه، والتعليم بمنظومته وأدواته، والتفاعل بيننا وبين الغرب بحضارته وثقافته، والعنف المتنامي عندنا، والتحديث المتعثر، وهذه المدنية العرجاء التي نعيشها.. كل هذه ملفات أشفق على من يعتبر أنها لا تنفتح تلقائيًّا حين نتحدث عن "قتل الشرف"!! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. LBCI News(04-05-2024)- شبكة اغتصاب الأطفال.. شبهات عدة وقضاء


.. حملة توعوية لمحاربة التحرش الجنسي في المغرب




.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمرها 75 ألف عام


.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمرها 75 ألف عام




.. المشاركة أمال دنون