الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدايات انحسار المد الديني في العراق

محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث

2010 / 3 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جراء ممارسات النظام السابق الدكتاتورية وتضييقه على الحريات الدينية والممارسات والشعائر لغالبية العراقيين، أضطر الكثيرون لمعارضة السلطة والاندفاع أكثر لممارستها مما خلق نوع من الهستيريا الدينية التي لم تكن رائجة أو مألوفة في العراق ،وفتحت المدارس الدينية أبوابها لاستقبال طلبة العلوم الدينية من الشباب الذين وجدوا في الدين ملاذا للتفريج عن همومهم الذاتية واللجوء الى قوة قادرة على مواجهة الظلم الذين ناءوا به،بعد أن لمسوا العجز في مواجهة الوضع القائم وعدم وجود القوة الاجتماعية القادرة على المواجهة أو تغيير الأوضاع ولعدم وجود حزب سياسي له دوره المؤثر في الساحة فكانت الممارسة الدينية تعبير صامت عن المعارضة للسلطة القائمة وأسلوب لمواجهتها ، فبرزت الظاهرة الدينية في العراق ومارس النضال من خلالها حتى من هو بعيد عن التوجه الديني لأنه وجد في هذا التوجه تعبير عن معارضته ومواجهته لسلطة ذاق من ممارساتها الويلات.
وقد استفادت المؤسسة الدينية من هذا التوجه رغم عدم قدرتها على تنميته وإنجاحه لانزوائها وخشيتها من رد الفعل السلطوي فكانت تقف على التل بانتظار ما تسفر عنه هذه المواجهة غير عابئة بما قدمت الجماهير من تضحيات ،بالتزامها جانب الصمت وعدم ظهورها طرف في هذا الصراع خشية على وجودها وامتيازاتها وما هي عليه من تقية تبرر لها الرضوخ وعدم المواجهة في أحرج الظروف وهو ما دأبت عليه عبر تاريخها بسكوتها عن المظالم الجارية ووقوفها موقف المتفرج على الأحداث إلا في أمور محدودة كان للعامل الخارجي أثره في إنضاجها.
وبعيد سقوط النظام البائدة كانت الأرضية ممهدة لبروز التيار الديني كقوة مؤثرة في الساحة العراقية فقد أعتقد الكثيرون أنها قادرة على تهيئة الظروف المناسبة لبناء دولة العدالة والمساواة كما صوره الدعاة الدينيين،استنادا لتاريخ الزعماء الدينيين الذي أعطوا المثل الأعلى في التضحية والنزاهة ونكران الذات والترفع عن الصغائر وحسن التأتي لمعالي الأمور،ولكن هذه التوقعات والصور الزاهية اصطدمت بالواقع المر للقوى الإسلامية التي أثبتت من خلال الممارسة أنها تزيد في تكالبها ومحاولاتها الاستحواذ على السلطة والمال العام على أكثر الحكام قسوة في التاريخ ،وبانت الصورة الحقيقية لدعاة الإسلام السياسي من خلال الفساد المالي الذي فاق جميع التصورات فكانت ردة الفعل العنيفة هذا العزوف عن تأييد هذه الأحزاب وبداية التوجه نحو البديل الأفضل بتأييد القوى المعتدلة والديمقراطية التي يمكن أن تكون البديل في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
والغريب في المزاج الشعبي العراقي أن الجماهير أخذت تنظر للزي الديني نظرة خالية من الاحترام والتقدير الذي كانت تحضي به في السنوات السابقة حيث ظهر للكثيرين أن هذا الزي لا يختلف عن الأزياء الأخرى التي ارتداها إتباع السلطات البائدة، بل ربما زادها عنفوانا بممارساته المفضوحة التي لم يستطع إخفائها لجهله بالطرق الفنية والمدروسة للنهب والفساد،وتجلى ذلك واضحا في عزوف الكثيرين عن ارتدائه أو تبديله وارتداء الأزياء المدينة ،ولم يكن غريبا أن نجد من تخلا نهائيا عنه أو من زاوج بينه وبين الزي المدني بالتقليل من المظاهر الدالة على التدين كحلاقة اللحى أو ارتداء الرباط أو الحضور في المناسبات الفنية وهو ما كان من المحرمات عرفا وشرعا في نظر هؤلاء وهذا التحول جاء نتيجة للنظرة الشعبية للمدلسين ممن اتخذوا من الدين لبوسا لخداع الجماهير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التدين
علي السعيد ( 2010 / 3 / 15 - 19:52 )
الاخ ابو زاهد ... تحياتي
الرافد والسند القوي لاشاعة التدين هي ايران ولي الفقيه ,بل إبراز الطائفية وإشعالها ,بتقصد واضح واصرار مستمر ,عبر الاحزاب الدينية الموالية لهم , لغايات سياسية مكشوفة للجميع .
أعتقد تغيير الوضع المعاشي للشعب وتوفير منابع العمل والعيش الكريم له تأثير مباشر في سلوكية الناس ,كما ان هناك مقياس يمكن ان نقيس به مبلغ التدين وهو عزوف كثير من الشباب عن المجالس الدينية وبرامجها وعويلها , إضافة الى وصول الكثير من الشباب الى مرحلة الاشباع والملل .نعم تم تلمس ذلك بوضوح ,ولو كان الوضع الامني أكثر استقرارا وسوق العمل أكثر ازدهارا لكانت الصورة أوضح .
المجتمع العراقي في أساسه متماسك , وكل ما حدث هو نتيجة حتمية لزوال الاستبداد قابله أيضا برامج مركزة أساسه سياسي وذو مصالح اقليمية .تلمست التسامح والعزوف عن الحس الطائفي في مدينة البصرة أكثر من أية مدينة أخرى , بل أصبحت البرامج الدينية والطائفية محل وموضع سخرية الكثير من فئات الشعب البصري ,نأمل ونحن نتحسر على سنوات الضياع عودة وتقرب المجتمع الى العلمانية , حتى ولو بالفطرة . مع التقدير لكم .


2 - هل أنحسر المد الشيوعي أيضآ؟
خالد ( 2010 / 3 / 16 - 01:14 )
لكني يا أبو زاهد..أرى بنفس الوقت أنحسارآ بالمد الشيوعي في العراق أيضآ...هذا ماتشير اليه الوقائع.....فياريتك أن تنورنا ....ليش وشلون و شتاليهه ؟ هل من أمل..؟ أدري بيهه أسئلة فطيره يجوز أتزعلك.. بس وداعتك المثال بالمثال ..يذكر ولو على مضض.. مع الود


3 - بناء الثقافة الوطنية
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 3 / 16 - 05:13 )
الأستاذ علي السعيد
يبدو أن ممارسات القوى الدينية أسهمت الى حد كبير في أنحسار الموجة الدينية رغم أن أحزاب الإسلام السياسي تحاول اللعب على الحبال الوطنية من خلال الادعاء بالديمقراطية وبرامجها المعلنة في هذا الخصوص لا تعبر عن واقعها بشيء فقد لمسنا الضجة التي أثارها السيد نوري المالكي ومحاولاته للظهور بمظهر الوطني والداعي للدولة المدنية ولكن ما أن نجحت قائمته في انتخابات مجالس المحافظات حتى ظهر زيف الأدعاآت المدنية وفي البصرة ذاتها أقدم محافظها الكريم على ممارسات تتنافى وأبسط حقوق الإنسان لذلك لا يمكن التعويل على نوايا الحكام وإنما العمل لإفشال توجهاتهم المريضة والرفض هذه المرة جاء من الشارع بتعبيره الرافض لهذه التوجهات بعد أن تبين لهم حقيقة هذه القوى وموقعها من صدق الكلمة وسلامة النوايا والأمر يحتاج لجهد أكثر في أعادة بناء ثقافة المجتمع على أسس متينة وسليمة


4 - لابد للعجلة أن تسير الى أمام
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 3 / 16 - 05:28 )
الأخ خالد
سوالك الكريم هذا يحتاج لوقفة طويلة دونها هذا الرد ولكن يمكن القول أن انحسار المد الشيوعي في العراق جاء نتيجة عوامل عديدة في مقدمتها ممارسات النظام السابق البربرية التي طالت جميع البنى التحتية للفكر الشيوعي وما جرى من تفكك للمنظومة الاشتراكية وظهور الفكر الديني بتأثيره العاطفي والذي أتخذ له مساحة كبيرة نتيجة الخيبات المتوالية للجماهير بالقوى السياسية ولكن بعد سقوط النظام أخذ الفكر مجاله للنفوس وأن كان بشكل بطيء ومتعثر الا أن المستقبل له لاعتماده النظرية العلمية وتجاوبه مع تطلعات الناس في بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي هي سمة العصر في الوقت الذي يعجز الفكر الديني التعايش مع أسمم الديمقراطية أو المدنية


5 - تابع لما قبله
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 3 / 16 - 05:29 )
والسنوات القادمة ستشهد تطور ونمو هذا التيارات التي بنيت على أسس عاطفية وروحية بعيدة عن العلم وعلينا أن لا ننسى الإمكانيات المتاحة للشيوعيين في هذه الظروف وما يتمتع به منافسيهم من إمكانيات هائلة تزيد مئات المرات على الأمكانيات المتاحة للشيوعيين ،فالحزب الشيوعي لا يمتلك الوسيلة الأ‘لامية الفعالة لإيصال أفكاره ولا زال يتبع الأساليب البدائية في الوقت الذي يمتلك الجانب الآخر إمكانية عظيمة لا تتمتع بها أي قوى سياسية على الساحة ويستطيع التيار الإسلامي طبع ملايين الكتب وتوزيعها مجانا في الوقت الذي يصعب على الشيوعيين تأمين ما يسد مصاريف جريدتهم اليتيمة لذلك لا مجال للمقارنة بين الجانبين ولكن الأيام كفيلة بعودة الروح للشعب العراقي وتباشير الوعي بارزة مما يعطي في المجال للفكر الرصين أن يأخذ طريقه للجيل الجديد والتطور بارز في هذا الجانب والحزب ينمو باضطراد ولا يصح إلا الصحيح


6 - نتائج ومظلومية
كنعان ( 2010 / 3 / 17 - 18:46 )
أطيب تحية للاخ الكاتب وهل سمعتم بأخر نكتة بعدما ظهرت نتائج 80 بالمئة
اليوم طلع علينا اعضاء فى قائمة الفافون كالعلاق يلطمون من المظلومية التى أصابتهم فى الانتخابات ؟؟ طيب هو منو المسيطر على مفاصل الدولة ورغم ان وراه كل قوة أطلاعات ومع هذا ما دبرها طيب لو كانت الانتخابات تحت اشراف دولى صدقونى الموجودين حاليأ بالحكم كان كلهم ما أيطلعون 5 مقاعد
ولكم استحوا على روحكم كان المفروض هسه من العار والمستحاه أما
انتحرتوا أو على الاقل قدمتوا استقالاتكم الجماعية ؟؟؟


7 - لعبة بحق وحقيق
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 3 / 17 - 19:17 )
الاخ كنعان
ما يجري حاليا من اتهامات واتهامات مضادة هي فقاعات لذر الرماد في العيون فالخيوط الرئيسية للعبة الانتخابات جرى التحضير لها مسبقا ورسمت خطوطها العريضة في دول الجوار بموجب تسوية تضمن لهم الهيمنة على مقدرات العراق وتحقيق الاجندات لدول الجوار او التي لها مصالحها في العراق وما طرح من شعارات قبل الانتخابات تم تجاوزه لاعادة رسم الخارطة من جديد وهي لا تخرج عن اللعبة السابقة والمحاصصة الطائفية وسيكون العراق لبنان الثانية لأن ذات اللاعبين في لبنان يلعبون حاليا في العراق والحراك الخارجي يبين الحقيقة دون رتوش

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل