الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيحيون في العراق بين مطرقة السياسة وسندان التكفير

نصيف جاسم حسين

2010 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يشهد التاريخ السياسي الحديث للعراق ، استخداما وتوظيفا للدين والطائفة لغايات سياسية كما حدث بعد سقوط النظام السابق، فقد ظهرت الطأئفية بأبشع صورها، ثم ظهر التكفير الذي شمل كل ما – ومن- يختلف مع التكفيريين في نظرتهم للدين وللأخرين.
وثمة عدة أسباب أدت الى هذه النتائج يمكن تقسيمها الى أربعة رئيسية تتفرع منها أخرى فرعية أقل أهمية :
الاول : الفهم الخاطئ لطبيعة الصراع السياسي في زمن النظام السابق من قبل قوى الأحتلال التي أسست لنظام ما بعد السقوط.
الثاني : التأسيس لنظام سياسي جديد ، أعتمادا على الفهم الخاطئ في (أولا) أعلاه.
الثالث : قانون ادارة الدولة، الذي رسخ عوامل الفرقة والتناحر في المجتمع العراقي.
الرابع : كتابة الدستور العراقي، وما يتعلق بهذا الموضوع ، مثل طبيعة من ساهم في كتابة الدستور ومنطلقاته الفكرية ، وتوجهاته السياسية ، أو الدينية، أو الطائفية.
الخامس: يتعلق بفهم مبدأ المساواة ، وكيفية تثبيته دستوريا.
فلو عدنا قليلا الى الوراء، وتأملنا مثلا، ان أول زعيم للنظام الجمهوري في العراق، كان الزعيم عبد الكريم قاسم، ولا يختلف أثنان ان عبد الكريم قاسم كان سنيا، لكنه كان –ولا زال- يحظى بحب أغلب شيعة وسنة ومسيحيي وأكراد العراق، وان جميع من قاد واشترك في انقلاب 8شباط عام 1963كانوا من نفس طائفة الزعيم عبد الكريم قاسم، وبعبارة أخرى لم يكن العامل الطائفي أو الديني أو المذهبي حاضرا في أذهان السياسيين العراقيين أو المجتمع العراقي في ذلك الوقت.
كما أن المعارضة العراقية زمن النظام السابق لم يكن ثمة في أدبياتها انها كانت تسعى لأسقاط صدام حسين لأنه (سني) مثلا، بما في ذلك الأحزاب السياسية التي تصنف على انها شيعية. ولم يطرح الأكراد في ذلك الوقت، انهم يسعون لأسقاط صدام لأنه (عربي)، ولم يكن أحد من مسيحيي العراق ممن كانوا في المعارضة العراقية في ذلك الوقت قد برر معارضته لنظام صدام حسين لأنه كان نظام (مسلم) وان هدفهم كان اقامة نظام (مسيحي) في العراق. واذن لم يكن الصراع السياسي في العراق ذات هوية دينية أو مذهبية أو قومية، بل ان ذلك تم خلقه أو أظهاره- بعلم أو بدون علم- بعد سقوط النظام السابق.
وقد قامت الولايات المتحدة –اعتمادا على هذا الفهم الخاطئ- بالتأسيس للنظام الجديد في العراق، وقد ساهمت بعض الأحزاب –الدينية منها خاصة- بترسيخ هذا الفهم لدى قادة الولايات المتحدة لأن ذلك سيتيح –وقد أتاح فعلا- لهذه الأحزاب الفوز بالسلطة ، وكلما كان التمييزبين ابناء الشعب العراقي أكثر كان ذلك يصب في مصلحة هذا الحزب أو ذاك ممن تمسكوا-لاحقا- بالهويات الأصغر، وأعني الطائفية والقومية والدينية ، وهنا بدأت مشكلة المسيحيين الحقيقية في العراق، فلا يمكن للمسيحيين أن يدخلوا في هذه الصراعات كونهم "اقلية" دينية وقومية، في حين لم تكن هذه المشكلة موجودة سابقا في العراق كون ان أغلب قوى المعارضة العراقية كانت تحوي في صفوفها المسيحيين وغير المسيحيين ولم يكن ثمة وجود لهذه التوصيفات أيام المعارضة لنظام صدام.
وبناءا على هذا الفهم الخاطئ، والتاسيس الأولي بناءا على هذا الفهم، وأقصد بذلك تأسيس مجلس الحكم الذي كان بداية تكريس النزعات الطائفية والقومية والدينية في العراق، تمت كتابة (قانون ادارة الدولة)، وبالرغم من ان هذا القانون قد أحتوى على الكثير من الحقوق والحريات للشعب العراقي لكنه كرس هذه النزعات وخاصة منها القومية والطائفية حيث أشار بعض المستشارين "الأميركان" على بعض الأطراف التي تشبثت بهذه النزعات –لاحقا- بضرورة استثمار هذا القانون لتحقيق أهدافها لأن " تثبيتها هنا يعني تثبيتها في الدستور الدائم لاحقا" كما ذكر ذلك (بيتر و غالبريث ) في كتابه (نهاية العراق).
وهنا اتحدت ثلاث عوامل، هي: فهم خاطئ لطبيعة الصراع السياسي في العراق، وتأسيس النظام السياسي الجديد بناءا على هذا الفهم، ثم كتابة قانون ادارة الدولة الذي كرس افرازات التعامل مع هذا الفهم، اتحدت هذه العوامل جميعها لتنتج (الدستور العراقي) وكما قلنا- وكما أريد لهذا الدستور أن يكون- كان يحتوي على كل ما يكرس الانقسام القومي والطائفي والديني في العراق، ولم يكن ثمة فهم حقيقي لما يجب أن يكون عليه الدستور العراقي لأغلب من ساهم في كتابة هذا الدستور، فقد اصر كل طرف ، من الذين تخلوا عن هويتهم الوطنية الى ما هو أدنى، واقصد الهوية الطائفية أو القومية، وكان هم كل من هؤلاء أضفاء بصمة معينة تؤكد هويته الأدنى "القومية أو الطائفية أو الدينية" بما في ذلك بعض المسيحيين الذين ساهموا في كتابة الدستور، فلم ينتج عن ذلك (دستور عراقي) بل كان اقرب الى معاهدة صلح أو معاهدة سلام بين خصوم.
فمثلا، كان هناك أصرارواضح من قبل من كتب الدستور، على ذكر (مكونات المجتمع العراقي) في أي فقرة يروم فيها تأكيد مبدأ المساواة بين العراقيين، ثم يبدأ بتعدادها (السنة والشيعة والعرب والكرد والتركمان والايزديين والكلدو اشوريين) ، في حين كان يمكن اختصار ذلك بجملة (دون تمييز على أساس الدين أو القومية أو المذهب أو الجنس) وهي صيغة أشمل وأكثر مناسبة لتكون صيغة دستورية، لكن السؤال المهم هل كان البعض ، وأقصد، ممثلي الأحزاب الدينية والقومية كان سيكتفي بهذا النص دون ذكر تلك التوصيفات؟ وهل ثمة من سعى لأن يتم الأستغناء عن تلك التوصيفات بوصف يشمل كل العراقيين ويكون أكثر عدالة (دون تمييز على أساس...)؟
كان ذلك –ولازال- سبب كل مشاكل العراق، فقد أدى مفهوم الفيدرالية على أساس قومي الى صراع (سياسي) على مناطق متداخلة قوميا، وأدى تقسيم المجتمع العراقي على اساس طائفي الى صراع (سياسي) على أحقية هذه الطائفة أو تلك في الحكم، وأدى كل ذلك الى عدم شعور الجميع بالرضا أو الطمأنينة لأن النظام السياسي ، وأهم ركائزه ، وأعني بذلك الدستور العراقي بني على أسس خاطئة.
ان حل كل مشاكل العراق يأتي من خلال العمل الجدي والحثيث لتغيير الدستوربما يحقق ضمان السلم الأهلي والأمان ، وضمان مبدأ العدالة الاجتماعية التي تساوي بين المسلم وغير المسلم من منطلق انساني تلتقي فيه كل الاديان من حيث نظرتها الى انسانية الأنسان كقيمة عليا تجسدها خير تجسيد مقولة الأمام على ابن ابي طالب (ع) لعامله على مصر (وعليك بالعدل، فالناس أثنان، أما أخ لك في الدين ، او نظير لك في الخلق). وأن لا يحرص اي طرف على وضع بصمته على الدستور قدر حرصه على وضع ما يوحد شعب العراق ويزيل أسباب الأحتقان بين طوائفه وقومياته وأديانه.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فرق تسد هو القانون السائد في العراق
صباح ابراهيم ( 2010 / 3 / 16 - 11:15 )
شكرا للكاتب على هذا التحليل الرائع، واضيف .... ان المحتل لابد ان يضع يده العليا في البلد الذي يحتله ليستثمر ويجني فوائد من احتلاله ويعوض ما فقده من خسائر بسبب الحرب ، لهذا استخدم طريقة فرق تسد البريطانية لتمزيق وحدة الشعب العراقي مستغلا تنوع مكوناته القومية والدينية ، فتشكيل مجلس الحكم من مجموعة من الطوائف القومية ( العربية والكردية ) والدينية والمذهبية
( سنة ، شيعة، مسيحيين ، يزيديين ) ظاهرها مشاركة كل اطياف ومكونات الشعب بالحكم لكن باطنها اثارة النزاعات القومية والدينية التي لاتنتهي، وكذلك كتابة الدستور تمت على اساس اشتراك الجميع في كتابته لكن القوي والمتنفذ هو من استطاع وضع الفقرات التي تناسبه اكثر من غيره ، مع ترك ثغرات قاتلة يمكن ان تؤدي الى تناحر مستقبلا. وثمرة ذلك كانت الحرب الطائفية بين السنة والشيعة، والتكفيريون والدول الاقليمية اهم من يزيد الوقود على النار ، ثم جاء دور تصفية المسحيين والصابئة والشبك وهي الحلقات الاضعف في المجتمع كي يسود القوي فقط .
واذكى الجميع كان الكرد ، فقد نالوا كل ما يطمحون واكثر، ولم تصل النيران لديارهم بسبب وحدتهم رغم الاختلافات المؤجلة فيما بينهم


2 - حقوق مسلوبة
أشورية ( 2010 / 3 / 17 - 18:25 )
أخي صباح أبراهيم تحية وسلأم لحضرتك , لي تعليق بسيط على ما كتبته تقول بأن الأكراد أذكى الجميع وهذا للأسف ليس تحليلأ دقيقا وأنما هو أمرا من الذي منحوهم كل ما وصلوا اليه أقصد أمريكا , هي لو أرادت مصلحة الأخرين لسعت لذلك وأمرتهم كما أمرت الأكراد ليتوحدوا , وبالنسبة للمسيحيين فلأ يهتموا أبدا بهم ولأ قيمة لهم عندهم لأنهم يعلمون ليس في يدهم سلطة ما , وهم أصلأ طوال السنين والمرات دخولهم وخروجهم للعراق لم يسعوا أبدا لأراحة الأنسان المسيحي وهدفهم شىء ما في أفكارهم وأنتم أدرى بذلك , والمسكين المسيحي وأن كان سريانيا او أشوريا أو كلدانيا هو كبش وذبيحة تحت سكاكين الكل وحقوقه مسلوبة من الجميع . وألف تحية وشكر للأخ كاتب المقالة .

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا