الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حافظ القاضي يلتحق بركب الخالدين

تيلي امين علي
كاتب ومحام

(Tely Ameen Ali)

2010 / 3 / 17
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


قبل ايام انتقل الى رحمة ربه المثقف الكردستاني البارز حافظ القاضي بعد ساعات قليلة من وصوله الى مدينة دهوك قادما من النمسا ، ولم يتسنى لجمهور الادب والثقافة والصحافة وسيل من الاصدقاء والمعارف الاحتفاء به هذه السنة كما كان يجري اثناء العشر سنوات الماضية حيث اعتاد المرحوم قضاء فصل الربيع والصيف في بلدته دهوك التي احبها كما احبته ، جاء هذه المرة متجاوزا نصائح الاطباء وتاركا سرير المستشفى في بلاد الغربة وكانه يتعمد الموت في كردستان ، وكانت امنيته الاخيرة ، والتي تتحققت له كما روتها لنا ارملته السيدة الفاضلة ام سيروان والتي سهرت عليه طيلة اعوام مرضه باخلاص وحماس وتفان.
كان المرحوم من رواد الصحافة الكردستانية ، وكان قد اصدر في الخمسينيات من القرن الماضي مجلة ( روناهي – النور ) باللغة الكردية في بغداد وعلى نفقته الخاصة . كما كان من مؤسسي نادي الارتقاء الكردي ( يانه ى سه ركه وتن ) في بغداد ومن اسرة ادارة النادي . وعمل لمدة طويلة في الاذاعة الكردية ، وكان المرحوم حافظ القاضي عضوا نشطا في الحركة الوطنية اليسارية ابان العهد الملكي ومقربا من جميع الساسة الوطنيين . و بعد انقلاب شباط عام 1963 زج النظام البعثي بالاف الوطنيين في السجون والمعتقلات ، وكان حافظ قاضي مطلوبا للاعتقال ، ولما كان له اصدقاء في كل مفاصل الدولة استطاع الهرب من بغداد وعن طريق كردستان التحق بثورة ايلول لفترة من الزمن وشارك في احداثها والتقى بالزعيم مصطفى البارزاني والذي كان من مقربيه في السنوات التي عاشها في بغداد بعد عودته من الاتحاد السوفييتي السابق اثر ثورة 14 تموز 1958 ، ولم يتمكن من العودة الة العاصمة العراقية الا بعد ان ازال عبدالسلام عارف حكم البعث ومليشيات الحرس القومي ، الا ان حزب البعث دبر انقلابا اخر عام 1968 ، وهذه المرة مطلوبا من الانقلابيين مع مجموعة ضخمة من الشخصيات الوطنية العراقية ، فاعتقل واودع سجن قصر النهاية الرهيب ونال حصته من التعذيب الجسدي والنفسي باعتباره عضوا ناشطا في الحركة الوطنية اليسارية الاشتراكية .
عاش المرحوم جل حياته في بغداد كرجل صحافة وثقافة ، وكان كذلك رجل اعمال ناجح ، انتقل الى مسقط راسه مدينة دهوك في منتصف الثمانينيات ، وكانت داره تعج صباحا ومساءا بالزائرين من اهل دهوك من المثقفين والادباء والموظفين ومن عامة الناس وحتى من القرويين اذ كان شديد القرب من الناس ومن المجتمع ، كما كان الكثير من الشخصيات والعائلات الكردستانية والعراقية ، تزوره باستمرار وتقضي في ضيافته ايام وايام وخاصة من اهل بغداد ، كردا وعربا وتركمانا وكريستانا وغيرهم .
كان انسانا كريما متواضعا مرحا متحدثا بلبق ولياقة ، يحمل قلبا كبيرا يمتلئ بحب الانسان والخير لكل البشر ، كان صديقا للاطفال يحبهم ويتحدث اليهم بلغتهم وبحب وحنان وعطف ابوي ويستمع اليهم بتلهف فيغمرهم بالسعادة ويبادلونه الحب ، كان نصيرا للمرأة يكن لها الاحترام ويتلقى منها العظمة والتقدير.
بالنسبة لنا ، في اواسط ونهاية الثمانينيات ، كان حافظ قاضي ، المرشد لنا في الهيئة الادارية لفرع اتحاد الادباء الكرد ، كانت اوضاعنا صعبة مع المسؤولين المحليين وكان يرفع شكاوانا ، وما اكثرها ، وبحكم علاقاته المتشعبة الى كبار المسؤولين في بغداد ، كانت اللغة الكردية واقلامنا في اتحاد الادباء غير محببة على اقل تقدير ، وكان هو نصيرا لهذه اللغة فكان يعاني المعاناة اكثر من غيره .
عند الانتفاضة ،ربيع عام 1991 ، بدت ان المعاناة قد هجرتنا ، لكن بعد اسابيع اضطر المرحوم ان يشارك جموع شعب كردستان في مسيرته المليونية نحو المجهول ، التقيت به على الحدود التركية عند مدينة ( جلى ) ، لاول مرة رأيته في غير اشراقته ، كانت دهوك قد نهبت وكان حزينا على مكتبته ، ابديت اسفي على التحف والمقتنيات التي جمعها في حياته من كل امصار العالم ، لم يأبه بها كان يقول لا يمكن تعويض المكتبة وحسب . كان للمرحوم اصدقاء ومعارف في انقرة ، دعوه عندهم فودعنا ، ومن انقرة استقر به المقام لاجئا في النمسا . هناك كان يحادثنا ويتحدث عن شقته البالغة مساحتها تسعة وثلاثين متر وعشرة سنتيمترات ، وكنت اعرف انه يذكرني بداره الواسعة وحدائقه وبساتينه الغناء في دهوك ، لكن ابا سيروان يظل كريما وفيا وصديقا فيأبى الا ان يستظيفني وابني اراز في شقته التي كانت عبارة عن غرفة .
في السنوات الاخيرة ، كان حافظ القاضي ، يتردد الى دهوك ويقضى فيها اشهرا ، وكانت الثقافة الكردية همه الاول والاخير ، عند عودته الى المهجر كانت الحقائب تمتلئ بالكتب والمطبوعات ، وكنت ادعو الله ان يكون في عون ام سيروان التي كانت تتكفل نقل وحمل الحقائب .
كتب المرحوم مذكراته التي صدرت بجزأين وباللغتين الكردية والعربية ، كما وضع قاموسا عربيا – كرديا وكرديا عربيا ، وله ديوان شعر ومجموعة قصص ومؤلفات اخرى ، وكان صاحب امتياز لدار ( سبيريز ) للنشر والطباعة .
وداعا ايها الرجل الرجل ، كنا في انتظارك مساء الثالث من شهر اذار ، لم يسعفنا الحظ ان نسعد بلقياك هذه المرة ، تكفل اصدقائك الاخرين هذه السنة بنقلك من مطار اربيل الى دهوك ، كنت انتظر منك كلمة عزاء للوفاة المفاجئ لصديقك ، ابن عمي وعزيزي ( حاكم سالم ) ،وانتظر منك ان تحدثنا عن قهرك للمرض واصرارك على الحياة واحاديث من زمن طويل تحتفظ بها ذاكرتك كانها وقعت بالامس ، كنا نحن ( اصدقاء السوء ) ،كما كان يحلو لك ان تصفنا مازحا امام ام سيروان لاقناعها بمصاحبتنا والافلات من رقابتها لساعة او ساعتين ، ننتظر ان تجمعنا معا لوقت فضيل لا حيز فيه لبغض او كره او لوم او حقد او حسد ، تجمعنا لوقت يتجرد فيها الانسان عن صفاته غير المستحبة ويلتصق كل باصحابه وكانها كتل ودّ ومحبة ، وكان الدنيا ليس فيها ما يعكر المزاج او يدع الانسان يتنكر لاخيه الانسان .
هكذا عودتنا في دروسك وجلساتك واحاديثك وطبيعتك وخلقك الكريم .
لكن وبعد ساعات قلائل من وصولك دهوك ،اراد القدر شيئا اخر، شاء ان نقف خاشعين امام روحك الطيبة في مستشفى ازادي ونعتصم بقوله ( انا لله وانا اليه راجعون ) ، اختار القدر ان نقف بصمت ولا نجد بيننا ابناك سيروان وشفان وابنتك روناهي بسبب احكام ديار الغربة ، هرعوا ساعتها الى المطارات يا ابا سيروان ، عزائهم وعزائنا انهم جاءوا وشاركوا العزاء واحاطوا بام سيروان ، ليس بوسعهم وبوسعنا فعل شئ اخر امام مشيئة القدر يا ابا سيروان فليسكنك الله في اوسع جناته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا


.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ




.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.