الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل شيء عندنا مقدس

عهد صوفان

2010 / 3 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ارتبط المقدس قديما بالغيبيات أي بالأشياء غير المحسوسة أو الملموسة وكون القداسة صفة روحية وعالية تحمي صاحبها من التطاول والازدراء وترفع القيمة وتعلي الشأن. لذلك كانت تطلق للحماية من الآخر..وهي أقصر الطرق لإيقاف النقاش والبحث. فالمقدس عند أغلب الناس لا يناقش فيه لأن النقاش يمس عظمته ورفعته ومن هنا ارتبط المقدس بالغيبيات لأنه يمنع المساس بماهية الغيب ويبقي صورته كما قدمت لنا..فلا يحق لنا أن نسأل أين الله؟ كيف صنع الإنسان؟ ولماذا؟ لماذا أرسل الأنبياء ولم يختصر الطريق ويرسل نبي واحد برسالة واضحة جلية غير قابلة للتأويل؟ وبالتالي فالمقدس يطلب منا أن نسكت وألا نناقش لأنه لا يمكن التدخل بإرادة الله فهو الأعلم بما يفعل وهذا خارج عن نطاق فهمنا وقدرة عقلنا .لا يمكن أن ندخل تفكير الخالق لنعرف كيف هو يفكر...إذن فكرة القداسة لأي شيء هي فكرة تلجم التفكير وتوقفه عند حدود مرسومة ومحدودة لا يجوز تجاوزها..فمنذ القديم تم حراسة هذه الفكرة وحمايتها ضمن منظومة قيم اجتماعية تمنع الاقتراب والتطاول وفي كثير من الأحيان تمنع حتى الحديث أو السؤال. فكثيرة هي الأسئلة المحرمة والأفكار المحرمة لأن تجاوزها قد يعني أن تحل اللعنات والمصائب..وقد نَمَت هذه الفكرة تاريخيا وأصبحت سلاحا بيد المتسلطين لحماية تسلطهم بمنع نقاشهم أو سؤالهم, وساعدتهم هذه الفكرة في أن يصفوا أنفسهم بالآلهة أو أبناء الآلهة وبالتالي تجنبهم للمساءلة أو سؤالهم عن أي شيء يفعلونه. إن وصف الديني بالمقدس فهذا قد يكون مقبولاً لأنه إن لم نر الأشياء فلا يعني ذلك عدم وجودها وبالتالي الإقتناع بالغيبيات الدينية أمر فيه وجهة نظر.أما أن يكتسب الحاكم صفة القداسة ومكانتها فهذا أمر غير مقبول.ولكن الحكام استمرأوا هذه الفكرة.ومن هنا نمت فكرة استعباد الشعوب وإذلالها وتسييرها حسب مشيئة الحاكم الإله..تطورت بعد ذلك بين الناس ولكن بألقاب ومفردات مواربة, أي لا تطلق صفة القداسة بشكل مباشر فالابن لا يجوز له مناقشة أبيه أو أي قريب بمقام وعمرأبيه, لأن الأب صورة الخالق في البيت وأحيانا يقولون ((غضب الأب من غضب الرَّب)) أي لا تغضب أباك وإن كان على خطأ وقديما لا يناقش الأب نهائيا بل المطلوب أن تسمع ما يقوله الكبير وتنفذه فقط..
إذاً انتشرت فكرة القداسة في مجتمعنا بشكل كبير وواسع جدا وفي كل المجالات و لكن بأسماء مختلفة لها نفس المضمون لأن لفظ القداسة ارتبط بالله فقط...
فمثلا زعيم القبيلة يمتلك صفات توازي القداسة عند الله فهو يتكلم والجميع يسمع ويطيع يقف له طالبا مشورته ورأيه. لا يخالف له رأي.لا ينفذ شيئ دون أمره فهو المطاع على الأرض وتحت مسميات الاحترام- شيخ القبيلة – التقاليد والأعراف.....
فالاحترام مطلوب وضروري ولكن أن نخلط بين الاحترام والطاعة العمياء شيء آخر...إن إدخال مفهوم المقدس عطل العقل لأنه منعنا من النقاش والكلام, وطلب منا أن نأخذ الأمر من صاحب الأمر وننفذه فورا....لقد توسعت حدود القداسة عندنا فكما للإله ذات إلهية مقدسة لا يجوز الاقتراب منها والتطاول عليها أصبح للرئيس ذات مقدسة أيضا لأنه ممنوع الاقتراب منها والتطاول عليها. ففي بعض الدول يقولون: لا يجوز الاقتراب من الذات الإلهية والذات الأميرية والصحابة أيضاً فهذا خط أحمر..أي أن ذات الله نفس ذات الملك أو الأمير ونفس ذات الصحابة وأحيانا يحق لك أن تتكلم في كل شيء إلا السياسة لماذا؟ لأنها عمل النظام ولا يجوز الاقتراب من النظام إذن النظام أصبح مقدسا..وقد يعترض البعض ويقول من قال لك أن النظام عندنا مقدس وهل سمعت أن نظاما يوصف بالمقدس؟ وأنا أعلم أن النظام لا يوصف بالمقدس لغويا ولكن عمليا ومضمونا هو مقدس وأحيانا قداسته الفعلية تجاوزت قداسة الله الفعلية والدليل أنه عندما يتطاول أحدهم سبا على الله فإنه قد يعاقب أو لا! وفي أغلب الأحيان لا يحدث له شيء. بل إن سب الله أصبح عند البعض عبارة لا شعورية لأنه لا عقوبة عليها الآن. أما انتقاد الرئيس فيؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها كذلك فإن انتقاد بعض الأنبياء يؤدي إلى عواقب أشد من انتقاد الله..إذن القداسة ليست لفظا فقط بل صارت عملا ومنظومة فكرية بعض بنودها غير مكتوب ولكنها تطبق بصرامة وقوة.
فكرة القداسة سهلت على الحاكم طريقة الحكم ويسرت له فعل ما يشاء لأنها عملت على إيقاف العقل وبرمجته لكي يستجيب للأوامر فيتلقى الأمر وينفذ. هذا التعطيل المتعمد لعقولنا انعكس سلطة وسلطانا للحاكم وتخلفا لنا وهذه العلاقة الطردية حولت الناس إلى مجرد قطيع يقاد كما يشاء الحاكم فيموت الإبداع والابتكار والكبرياء ويصبح همُّ الناس فقط البحث عن لقمة العيش وسترة الحال.....السلطة كانت مغرية للحكام وجذابة إذ وضعتهم بمصاف الآلهة أمام شعوبهم ودرءا لأي خطر يطال هذا المقام الرفيع العالي تفنن الحكام واجتهدوا في البحث عن كل السبل التي تقوي سلطانهم فشرعوا الدساتير والقوانين التي تحميهم وتبقيهم مدى الحياة حكاما بل وبدأت تحصر الحكم بنسلهم من بعدهم ...قرأوا الأديان جيدا واستفادوا من فكرة القداسة في هذه الأديان و استخدموا الأديان نفسها لزيادة تخدير العقول لإسكات كل صوت والقضاء على الأفكار المخالفة لهم قبل ولادتها.والكلام على الحكام ليس مقتصرا على حكامنا بل الآخرين لم يقصروا وكان لهم بأس شديد في هذا المجال فكلنا قرأ وسمع عن الظلم والقهر الذي تعرض له الأوربيون من حكامهم في القرون الوسطى والمجازر التي ارتكبوها بعد أن استعاروا القداسة الإلهية وتقمصوها ووصفوا أنفسهم بألقاب وأوصاف إلهية.باسم الله عذبوا وظلموا ومارسوا الفساد. فسمحوا بزيادة التدين لأن زيادة التدين تزيد الزهد في الحياة المادية وتقتل الإبداع والفرح..وعندنا لا يختلف الأمرنهائياً حيث أقنعونا دينيا بأن كل شيء مقدر ومكتوب لكل واحد وبالتالي لا تتعب نفسك للحصول على أي شيء فإن كان مكتوبا ومقدرا ستناله حتى وإن كنت نائما ستناله أيضاً..تصوروا سريان هذه الفكرة في المجتمع.. القضاء والقدر وكل شيء مقدر..كيف يكون كل شيء مقدر؟؟ وكيف يكون الثواب والعقاب إذا؟ إذا كان مقدرا عليك أن تقتل شخصا وقتلته كيف يمكن لله أن يحاسبك وهو الذي قدر لك فعل القتل؟ وما هي مسؤولية البشر أمام الله إن كان الله قدر عليهم كل شيء؟ هذه الأفكار والاعتقادات كانت واحدة من الأساليب والطرق التي روجت لها الأنظمة ...
هذه الأفكار المخدرة للعقل استأسدت علينا تحت شعار المقدس لأنه لا يمكن النقاش بالمقدس ولا بأي فكرة تنسب لله حتى وإن كانت فكرة خاطئة واضحة وضوح الشمس بمجرد أن تنسب كلاما إلى الله على الجميع أن يصمت ويقبل.
فعندما يريدون ترويج أية فكرة تنسب إلى الله أو الأنبياء فتصبح مباشرة مقدسة وطاعتها واجب ديني ... وقد وصل الأمر لدرجة تقديس التراب والأحجار.
فالأرض عندنا مقدسة وأرض غيرنا غير مقدسة.أرضنا صحار رملية مغبرة حارّة لا ماء فيها ولا زرع ولا حياة ومقدسة وأرض الآخرين سهول خصبة وأشجار وزهور وطيور وجبال وأنهار وهواء عليل وهي غير مقدسة. بهذه البساطة تنقلب المفاهيم والقيم والكثيرون يقبلون ذلك ويعتقدونه الحقيقة.لأن العقل المخدّر لا يميز ولا يحلل بشكل منطقي فيقبل التاريخ كما كتب دون تحليل وتدقيق فالمجرمون يصبحون أبطالاً وأنبياء وأتقياء.فيتحول المجتمع إلى بيئة حاضنة لكل الأساطير والخرافات..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تقديس
كنعان ( 2010 / 3 / 18 - 17:33 )
مع أطيب تحية للكاتب والقراء أقول بأن التقديس وصل عندنا في أقليم كوردستان العراق الى مسؤولى الحزبين الكبيرين حيث تم اعتبارهما من قبل
افراد حزبيهما من الرموز الوطنية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


2 - درجات
حمورابي ( 2010 / 3 / 18 - 18:55 )
اخي الكاتب....ولا تنسى ان التقديس درجات ,فهناك مقدس درجة اولى وهناك اخر درجة خامسة .لناخذ مثالا .....قام احد الرسامين برسم النبي صلعم كاريكاتوريا فهاج المسلمون وحطموا وحرقوا وقتلوا ,ولكن عندما يرسم الله فلا هياج ولا هم يحزنون .فايهما اقدس من الثاني ؟تحياتي


3 - الى الأخ كنعان
عهد صوفان ( 2010 / 3 / 18 - 19:54 )
شكرا لك ولفكرك النير الذي يستطيع ان يميز ويدخل الى الجوهر.نحن امام مرض عضال وحقيقي يقف خلفه انظمة مستفيدة ومستغلة للدين...


4 - الى الأخ حمورابي
عهد صوفان ( 2010 / 3 / 18 - 20:00 )
ملاظتك دقيقة فالتقديس عندنا درجات تبعا للهدف المنشود وحاليا قداسة بعض الأنبياء وبعض الحكام اكبر بكثير من قداسة الله .شكرا لك أيها الرائع


5 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 3 / 19 - 16:53 )
الأخ الكاتب المحترم ، تحية ، شكراً لك على هذه المادة التحليلة الرائعة لفكرة القداسة ، وتطبيقاتها في مجتمعاتنا المريضة بالخرافة ، والأسطورة وفكرة القداسة . أزمة المنطقة هي في موروثاتها الثقافية . لذا أعتقد أنه من الضروري توجية سلاح النقد لهذه الثقافة التي تقف عائقاً أمام تقدم مجتمعاتنا وتحقيق المساواة الإجتماعية والعدالة والديمقراطية . شكراً لجهدك القيم . مع التحية لك .


6 - كل شيء مقدس الا الانسان
المترصد ( 2010 / 3 / 20 - 06:43 )
نسيت ان تذكر ان بول الابل مقدس وان الحجامه مقدسه وان زمزم مقدس وقبر الرسول مقدس وقبور الاولياء والصالحين مقدس والتمر مقدس واللبن مقدس والنكاح مقدس وتعدد الزوجات مقدس الزوج مقدس اما الزوجه نجس يعني مفهوم القداسه اشمل من تصور اي انسان والاسلام ليس استثناء فالقداسه تسيطر على كل الاديان الموجوده على هذا الكوكب في المسيحيه حدث ولا حرج وفي اليهوديه خرافاتهم فاقت العقل في الهندوسيه في البوذيه وغيرها الكثير مجرد ذكر كلمة مقدس كفيلة باغلاق الموضوع وانتهاء النقاش في الاردن مثلا الملك الهاشمي هو من نسل الرسول هل تريد قداسه اكثر من ذلك في المغرب الملك مقدس في مصر الرئيس مقدس في السعوديه ال سعود كله مقدس كل شيء عند العرب مقدس ما عدا حقوق الانسان الحريه الكرامه هذه كلها بدعه


7 - نهيق بشري
أشورية ( 2010 / 3 / 20 - 11:27 )
ربي وألهي يسامحني لأرد كلأم لأ يليق بي التفوه به لأمثالك وأعاتب خالقك الذي هو ربي وألهي وتتطاول وتستهزأ به لأنه خلقك على صورته ومثاله, لكن أفعالك وأقوالك لم ترتفع مثل الحيوان البرىء الذي ينهق . والمصيبة تتكلم وترفع شعار أنك تدافع عن حقوق الأنسان أي أنسان هذا لو كنت من جنس أنسان ,حضرتك لم تصل لذكاء الذي ينهق . والذين علموك معنى الأنسان وحقوق الأنسان هم الغرب المسيحي أتباع الأله الذي لأ يناسب عقلك الضيق وليس الشرق الذي لم يرتفع الكثير من ساكنيه للحيوان الذي ينهق وحضرنك منهم .


8 - الاخلاق لا تحتاج الى اديان
المترصد ( 2010 / 3 / 20 - 12:47 )
الاديان لم تعلم الاخلاق بل على العكس زرعت الحقد والكراهيه والرفض في نفوس البشر الانسان لا يحتاج الى دين حتى يتحلى بالاخلاق التي هي نتاج البشر عبر تاريخه الموغل في القدم على هذا الكوكب وليس ستة الاف عام بحسب دينك ثم ان هذه الكتب ما هي الا نهيق بشر ولا دخل للاله بها لانه اصلا غير موجود كل ما تؤمنون به غير مرئي من الله للشيطان للروح للملائكه للجنه للنار كلها غيبيات اعتقدت بها بالوراثه ابا عن جد وبالنسبه لاوروبا يبدو انك تعيش في عالم اخر اوروبا منذ ان تخلت عن الكنيسه ورمتها جانبا بعد الويلات التي احلت بها بسسببها سنت القوانين التي تعطي الانسان كرامه وانسانيه اوروبا ادركت ان الدين سبب هلاكهم ام الشرق التعيس من امثالك لا يزال ينهق بهذه الخرافات الباليه الافضل لك ان تذهب وتريح ضميرك للخوري حتى يعطيك صك الغفران فترتاح من عذاب الضمير قمة الغباء والسذاجه في هذا المعتقد كلمه تتجسد في انسان يبدو انك الاهك يهوه غير ناطق ويحتاج الى حبال صوتيه لذلك استعان بانسان بريء حتى يعذبه هذا العذاب فقط ليعبر عن رغبته المنحرفه فيما يسمى الفداء والخلاص اقل لك انهق انهق لان الحيوان سيدرك الحقيقه افضل منك


9 - رد رقم 10
أشورية ( 2010 / 3 / 20 - 13:37 )
تعليقك هو لواحد مفلس لأ يجيد شىء + قال الرب الحبيب يسوع المسيح مخلص كل البشرية المقبلة اليه ..ومهلك كل أنسان يكون بعيد عنه وضده عند مجيئه الثاني والقريب جدا قال هذا الأله المحب : لأ يفتخرالحكيم بحكمته ولأ الجبار بجبروته ولأ الغبي بغبائه... بل من يفتخر فليفتخر بمعرفتي ويفهم أني أنا الرب مصدر الرحمة والحكم والعدل في الأرض... وقال : لأ تكونوا أطفالأ في تفكيركم بل كونوا أطفالأ في الشر وراشدين ( وعقلأنين ) في التفكير +++

اخر الافلام

.. -الجمهورية الإسلامية في #إيران فرضت نفسها في الميدان وانتصرت


.. 232-Al-Baqarah




.. 233-Al-Baqarah


.. 235-Al-Baqarah




.. 236-Al-Baqarah