الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يمارسون الأمومة.. ولا يدرون

فاديا سعد

2010 / 3 / 21
المجتمع المدني


إذا اتفقت الشعوب على أمر فيما يخص الأمومة، فإنه إجماعها على أن الأم تمنح ابنها هذا الإحساس العميق بالأمان والجمال، وهو إحساس لا تدخل في تركيبته القوانين أو الدساتير ولا حتى المؤسسات، إنه أحد القوانين والدساتير والمؤسسات المخفية، تمارس طقوسه الأم تجاه طفلها، فتفيض الحياة أمان ومتعة.

والحكايات ببطولة الأمهات في الدفاع عن أولادهن عند شعوب الأرض، تجاري عدد حبات الرمل في الصحراء، ولذلك نحن في عيدها نتحدث عن القاعدة العامة، التي اختبرت على طول السنين.

كلنا تقريبا نعرف تلك القصة أنه في أحد الأيام: لجأت امرأتين للقاضي تشكيان كل منهما أن الولد ابنها، وحين احتار القاضي لمن منهما سيمنح الأمومة لجأ القاضي لحيلة أن يوضع الطفل في دائرة وتشده المرأتان كل لاتجاهها وكان اتجاهين متعاكسين، فرفضت إحداهما صارخة أن الطفل سيتأذى فحكم لها القاضي بأمومة الولد.
صحيح أن هذه الحادثة ساذجة بعض الشيء في أيامنا إلا أنها تفضي إلى أن الشعور العميق بالأمومة عند إحدانا يدفعنا لممارسة الحماية تجاه أبناءنا.

والظرف العادل لأمومة حقيقية هو حجر الأساس لإحساس الولد والبنت، أن الشارع ما يزال بخير، والمنتزه بخير، والمدرسة كذلك، والمجتمع أيضا، ولذلك فالحياة بخير.

وبعيدا عن الأمومة بالمعنى المتعارف عليه بين الأنثى وابنها غالبا ما أفكر: "لمّا بيموت ما تبقى من عمالقة في الفن والسياسة والثقافي والرياضة والسينما والدين، "قديش: كم" ستكون الحياة صعبة! ومن غير أمومة"

إن الأمومة هي إحساسنا الناعم، الذي يتسلل إلينا ببطء وباستمرار ناجم عن تجربة الاستماع واللقاء والحديث لما تنقله أفعال شخص ما، لنعترف ضمنا وعلنا، بأن وجوده في الحياة مهمّا. وجوده في الحياة متعة. وجوده معنا تفاعل ولو أنه لا يدري، وأنها: لو تطيل حديثها.. لو تطول فترة غناؤها. لو يطول الوقت وهي ترقص بكل مافي رقصها من جمال. لو يطول الوقت في حضرة هذا الشاعر وشعره، وفي حضرة هذا الكاتب ونثره، وفي حضرة هذا الفيلسوف وأفكاره، وفي حضرة هذا السياسي ومواقفه. أليس لأننا في حضرتهم لم يكن الوقت خسارة وقد مارسوا بتلك المشاعر الناعمة أمومة معينة؟.

أليس لأننا بفقدان تلك الشخصيات من الحياة للحظات نشعر بعدم التوازن تماما كما يقد الطفل أمه وأمومتها؟، وأننا فقدنا جزءا من هذا الأمان وهذه الحماية، وهذه المتعة وتداخلت بالأمان، وأنا هنا لا أتحدث عن الشخصيات الديكتاتورية وممارساتها.

فعلى سبيل المثال لماذا نحن على استعداد لنخرج آلاف مؤلفة من محبي الفن لوداع شخصية فنية مثلما خرج الناس في وفاة أم كلثوم، وعبد الحليم وفريد الأطرش وأسمهان لوداعهم من غير أن يضربهم أحد على أيديهم؟

من بين الرؤساء العرب لماذا خرجت الجماهير الفلسطينية لتودع "ياسر عرفات" طواعية، وداعا اكتسب في جزء منه طابع فقدان الأمان، أليس لأن شخصية مثل ياسر عرفات استطاع أن يمسك خيوط القضية بطريقة منحت الثقة للفلسطينيين بأن قضيتهم بأمان؟ وأنه بفقدانه شعروا أنهم ورقة في مهب الريح،

وهذا بغض النظر عن الاختلاف بينه وبين الفصائل الأخرى، فنحن نعرف أنه من بين المجتمعات العربية بقي المجتمع الفلسطيني يتمتع بقدر من ممارسة الديمقراطية نظريا وعمليا، بعيدا عن ممارسة القمع بالمعنى الذي عرفناه، حيث لا يخرج الناس وراء قائدهم إلا بالسوط.

لماذا خرجت آلاف الآلاف بوفاة شخص كالليدي دايانا لوداعها؟ أليس بسبب هذا الإحساس العميق عند الناس بأن قصص الحب الجميلة يجب ألا تموت وأن إحساسنا الناعم هدد بالقتل؟

لماذا أشعر بشكل شخصي أنه إن ماتت بعض الشخصيات الثقافية فإننا سنحرم من هذا الاحساس العميق بالأمان على ثقافة، ظهرت لنا على أيديهم جميلة، وظهرت بوجودهم قوية، وتجلت في مسيرتهم واقفة على قدمين ثابتتين، أليس لأن هؤلاء استطاعوا بأدائهم العام ومن خلال نضالهم المميز، منح المثقفين الثقة، بأن وجود تلك الشخصيات، يستطيعون الدفاع عن قوة الكلمة وقدرة الفكرة على التغيير والتطوير؟

هؤلاء الذين وجودهم على قيد الحياة، جزءا منه أمان نستند إليه. و جزءا آخر من وجودهم جمال ومتعة، وجزء ثالث دروس في النضال ينتقل إلينا، كلها أجزاء من الأمومة يمارسونه علينا ولا يدرون، وليس من برهان على هذه الأمومة سوى أننا نحب بقاءهم على قيد الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمت يدا ك
الحارث السوري ( 2010 / 3 / 21 - 22:24 )
لالمقالك الرائع وحسب بل لتثمينك القيم الإنسانية وخوفك المشروع على غيابها النهائي وعدم تكرار قيمها الجمالية والإبداعية والنضالية في هذالعالم العائد إلى همجية الغابة .. خصوصا في الأنظمة الفاشية التي دمرت أبسط القيم الإنسانية مع التحية .


2 - لاذكر ولاشكر
بو سمره ( 2010 / 3 / 21 - 23:04 )
الا ترى معي اخي الكاتب لقد فقدنا الكثير من رجال ونساء ساهمو بشكل فعال في نهضه بلدانهم دون ذكر او شكر واغلبهم اصبحو الجندي المجهول في هذا الوطن المنكوب
ولا نذكر في هذه الايام المزريه سوى سيئ الصيت والسمعه


3 - صدقت.. الحارث السوري
فاديا سعد ( 2010 / 3 / 22 - 08:25 )

خوفنا مشروع. نعم صدقت.

أبو سمرة

أخذت تعليقك بالمعنى الضمني التي لا تظهره كلماتك. وإن فهمته خطأ أرجو إعادة كتابته بالمعنى الذي تريده فعلا.

فعدم الذكر والشكر ليس لي، وإنما للذين محو آثار كل مساهم إيجابي.


4 - في نظام التعليقات
فاديا سعد ( 2010 / 3 / 22 - 08:46 )

أود الاشارة للاخوة الذين علقوا سابقا على مواضيعي وجاءتني عبر البريد لتثبيتها أو حذفها ، فقد كان التفاعل عبر مستطيلي التثبيت والحذف غير فعالين، وما ثبت سابقا كان من قبل إدار الموقع.
ولذلك أشكر الادارة على حل هذه المشكلة مع الاعتذار للسادة المعلقين سابقا.

اخر الافلام

.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر


.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ




.. الأمم المتحدة.. تدخل الشرطة في الجامعات الأميركية غير مناسب|


.. تهديد جاد.. مخاوف إسرائيلية من إصدار المحكمة الجنائية الدولي




.. سورية تكرس عملها لحماية النازحين واللاجئين من اعتداءات محتمل