الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرض التقليد في الحركات الشيوعية العربية.

زهير قوطرش

2010 / 3 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحركة الشيوعية العربية ,مثلها مثل كل الحركات السياسية العربية ,وكذلك الحركات الدينية السياسية ,ابتليت بمرض التقليد المميت.
(الشيوعي المقلد) ,مثل المؤمن المقلد ,والملحد المقلد.
في البداية ,وحتى نوضح الصورة لابد لنا من تقريب معنى المقلد.
التقليد يعني فيما يعنيه ,تعطيل العقل والفكر عن البحث والعمل ,والاكتفاء بما فكر وعمل فيه الآخرون .
والمقلد يمتاز بصفة أساسية كونه عَّلامة بكل شيء ,وهو يتكلم في كل شيء.
المقلد الشيوعي ,تراه يتكلم في الفلسفة المادية ,ويتكلم في الاقتصاد ,علم الاجتماع ,ويحفظ الرأسمال لماركس ,ويناقش بالحتمية التاريخية .لكن كل هذه المعارف التي يدعي معرفتها ,ما هي إلا عناوين سمعها أو ٌقرأها في نشرات حزبية ,دون أن يكلف خاطره جهد البحث وعناؤه للوصول إلى قناعات داخلية إزاء هذا الفكر ,فتحول إيمانه بالفكر إلى إيمان عاطفي ,غير مبني على علم .
والمقلد ,مشكلته أنه بعيد عن طرح الأسئلة ,ولا يهتم أساساً بالسؤال ,لأنه يستطيع الإجابة بدون طرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة المناسبة لها في أمهات الكتب والمؤلفات.
هذه الصفة (التقليد) ابتليت به الأحزاب الشيوعية من القمة إلى كوادر القاعدة.لهذا لم نقرأ لهؤلاء القادة ,كتباً أو بحوثاً علمية ,قاموا بكتابتها وتأليفها بما يتناسب مع الظروف الموضوعية لعالمنا العربي. كل كتبهم ومؤلفاتهم تقريباً كانت ترديداً وتقليداً لما نشره بعض المؤلفين السوفيت خاصة, أو المؤلفين الاشتراكين من الدول الغربية عامة.
صفة التقليد ,أحدثت حالة الوعي العاطفي ,هذه الحالة خلقت حالة تقديس القادة ,والتحدث عن شخوصهم الكاريزما ,وعن المواقف البطولية لهم وخاصة في العهود السرية.
ثقافة الشيوعي المقلد ,من القادة إلى الكوادر ,كانت ترديد الفكر الذي تم تأليفه في الغرب أو الاتحاد السوفيتي ,وخاصة فيما يتعلق بقضايا النضال والصراع في منطقة العالم الثالث .طبعاً أنا لا أنتقد هذا الفكر من حيث المضمون ,لكنه يبقى فكراً يعالج مؤلفه قضايانا ,وهو بعيد عن معاناة جماهيرنا وظروفها الخاصة.
كنت أتمنى لو أن قادة الأحزاب أو كوادره مثلاً كانت لهم مؤلفات فكرية ,تعالج ظروفنا بما فيها من تعقيدات دينية وقومية . ولو حدث هذا لاختلف التقيّم واختلف الفكر.
على سبيل المثال.
موضوع الإلحاد والموقف من الدين الإسلامي.
الشيوعي العربي كان مقلداً بامتياز لموضوع الإلحاد .هو ملحد وكفى!!!!والسبب في ذلك ,كون مرجعية الحزب الشيوعي ,هي مرجعية إلحادية ,تؤمن بالفلسفة المادية ,والتي تنكر وجود الروح وتعتبر المادة هي أساس الخلق عن طريق الصدفة ,وارتكزت إلى أبحاث دارون في أصل الأنواع والاختيار الطبيعي ,كمرجعية تثبت صحة المادية.
هذا الفكر ,كان يمكن تطبيقه ونجاحه في الغرب العلماني. ونجح كونه انتقد من خلاله الموقف الرجعي الكهنوتي للكنيسة بامتياز, الكنيسة التي ابتعدت في فكرها وممارساتها عن مقاصد الدين ,وكانت عقبة أمام التغيرات التي كان لابد منها في طريق السيرورة التقدمية للفكر العلماني الحداثي.
لكن هذا التوجه والتقليد الإلحادي ,لم ينجح في مجتمعاتنا العربية . والسبب في ذلك أن الملحد الشيوعي المقلد استورد هذا الفكر من بيئة لا تمت إلى بيئتنا بصلة .
الدين في مجتمعاتنا ,وهنا لا أتحدث عن التدين .
الدين ,هوتراث إنساني,وليس مجرد تراث,إنه تراث وعي إنساني ويميز المرء في شأنه ,إن كان فردياً ,ويتعلق حينئذ بحرية الإنسان. بينما التدين فهو محور لتشكيل طائفي أو مذهبي ,وهو تراث عبودي ,الفرق كبير بين اعتناق الدين وبين التمسك الطائفي,الأول يتعلق بالحق في الحرية ,والثاني هو طرح سياسي يدعو إلى بناء مجتمع العبودية . الكتب السماوية لا تُعتبر تراث ,لكن التفاعل البشري معها يشكل التراث.
الدين كان له دوراً إيجابياً في مراحل التحرر الوطني من الاستعمار.وكان شعار لا إله إلا الله ,يجمع المسلم والمسيحي والعلماني ,وغيرهم للدفاع عن الوطن وكرامة المواطن.
وتحضرني حادثة لقاء لينين بسعد زغلول ,بعد ثورة أكتوبر ,حيث طلب لينين إلى سعد والوفد المرافق له ,بأن يطرحوا شعار يا مسلمي الشرق اتحدوا في مرحلة التحرر الوطني بدل من شعار يا عمال العالم العربي اتحدوا.
كيف فهم لينين خصوصية هذا الدين ,ولم يفهم ذلك مفكروا الأحزاب الشيوعية العربية وقادتها.
المشكلة في التقليد,لينين لم يكن مقلداً ,كان مفكراً باحثاً ...ألف عشرات المؤلفات في الثورة والتطبيق الاشتراكي ,هذه القدرة الفكرية ,جعلته يدرس ويتمعن في ظروف الشعوب الموضوعية والاجتماعية ,ويقدر قيمة الجامع والرابط لهذه الشعوب في نضالها في سبيل التحرر.
في الختام ما أريد قوله إن النضال الطبقي الذي يهدف إلى إقامة العدل والقسط والكفاية لفقراء العرب ومساكينهم ,لا يتطلب من المناضلين التقليد ,ولا يتطلب منهم التخلي عن الحق بالحرية ,لكن يتطلب منهم تجاوز العبودية .
والدين وخاصة الإسلامي ,فيه من الفكر ما يدعم نضال المناضلين ,هو فكرهم مسلمين كانوا أم مسيحيين أو علمانيين ,وعليهم ألا يقلدوا ,بل أن يبحثوا ويتعاملوا مع مكونات تراثنا وفكرنا الإنساني الذي يمكن أن يكون عاملاً أساسياً أو مرجعية من المرجعيات الهامة لوضع تصور عالمي للنضال ضد الظلم والطغيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انا معك ضد التقليد ولكن...
صهبان اليمني ( 2010 / 3 / 22 - 07:14 )
عزيزي الكاتب المحترم
اتفق معك تماما في الموقف الرافض للتقليد ايا كان شكله او لونه او مجاله في الدين او الفكر الانساني او خلاف ذلك .
لكني بالتاكيد لست معك في مسالة الموقف من الدين فانا لا اعتبره عنصر تقدم بل حجر عثرة امام التقدم والعدالة والمساواة وكل القيم والشعارات النبيلة التي ناضل من اجلها التقدميون عبر التاريخ وخاصة الشيوعيون فالفمر الماركس فكر مادي ( وليس الحادي بالتعبير الذي استخدمته لان الملحدين وجدوا منذ بداية التاريخ بما في ذلك في التاريخ الاسلامي) و اي شيوعي او ماركسي يتعامل مع الدين على ان فيه -من الفكر ما يدعم نضال المناضلين- فانه يخادع الجماهير كما يخدع نفسه فلا يجتمع الدين بتقديسه للملكية الحاصة مع الشيوعية التي تقول بالملكية المجتمعية لوسائل الانتاج ، وقولك ان الموقف الماركسي من الدين يقتصر على الموقف من المسيحية والكنيسة الاقطاعية قول غير دقيق فالدين هو الدين اكان اسلاما ام مسيحية ام يهودية ام بوذية والشيوعي الحق والصادق مع نفسه ومع الجماهير يجب ان يوضح الموقف من الدين بشكل نقدي فنقد الدين هو اساس كل نقد كما يقول ماركس .وتحياتي

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال