الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى نغير ما بأنفسنا

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2010 / 3 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أمضيت عمري وأنا أدافع عن رجل الشارع العربي قولا ً وفعلا ً على قدر المستطاع. فإذا ظهرت في العمل مشــكلة ٌ ما تتعلق بموظف ٍحكومي صغير سرق من المال العام أنحيت باللائمة على ظروف عمله القاسـية التي دفعته للسرقة والاختلاس. فالراتب الضئيل المتلاشي أمام حاجات الأسرة من طبابة و تعليم وملبس لائق إلخ... هي ولابد السبب في هذا المسلك الذي يجب أن يكون مدانا ً من قبل الجميع لولا الوضع العام الشــاذ... وقد قال في ذلك الصحابي المعروف أبو ذر الغفاري "عجبت ُ لمن لايجد قوت يومه كيف لايخرج على الناس شاهرا ً سيفه". وبالتالي فإن المذنب في ذلك، بالنسبة لي طبعا ً، هو المسؤول الحكومي الكبير وليس هذا اللص الظريف الصغير. وإذا تملق المقاولُ المسؤولين َ المعنيين للحصول على عقد عمل أو صفقة ما، قـلت ُ إن الجو العام هو المسؤول عن ذلك... وإن هذا المقاول مضطر ٌ لهذا المسلك الأعوج كي يجد سبيلا ً للرزق الذي عز على الجميع في بلاد العرب دون التزلف لفلان أو رشوة فلان. وإذا انطوى هذا المواطن الأشوس على نفسه وفقد الثقة بكل شيء وبكل الناس وسلم أمره وقدره لزعماء القبيلة والعشيرة والطائفة كي يـُحصِّـلوا له حقوقه الضائعة في زمن أشباه الدول العربية التي يغيب فيها القانون والدستور إلا برضاه هو ولاأحد غـيره... الحاكم بأمر الله، قلت إن هذا هو رد الفعل الطبيعي على هذا الوضع وأن الطائفية فينا ليست مرضا ً عصيا ً على العلاج بل عرض ٌ من أعراض المرض الأساسي المتمثل بغياب مفهوم الدولة المعاصرة المؤسساتية التي تحفظ فيها حقوق المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية. وإذا خاف هذا الرجل العربي الصغير من الحديث في السياســة وأخبار أهل القرار والحكم في وطنــــه وهو في بلاد تبعد عن هذا الوطن آلاف السنين الضوئية قـلت إن هذا الوضع الشاذ بات طبيعيا ً في بلاد يحتاج المرء بها لأن يكون بطلا ً مغوارا ً وفارسا ً لايشق له غـبار كي يقول كلمة حق واحــدة في وجه حاكم ظالـــم. كل هذا، كان ومازال صحيحا ً للغايــة ومازلت متمســكا ً به وبحذافيره الصغيرة والكبيرة ربما. إلا أن وصولي إلى كندا ومعاينة أحوال هذا الرجل العربي هنا، وضمير المذكر دوما ً يشمل المذكر والمؤنث معا ً طبعا ً، جعلني أفتح عيني على السذاجـــة والطوباويـــة التي كنت أعـاني منها.
ترى.. كيف نفســـر التكتلات الطائفية في بلاد المغترب التي لجأ إليها المهاجر العربي علما ً بأنه هرب من بلاد المنشــأ بعد معاناته الشديدة من ويلات هذه الطائفية على صعيد الأمن الفيزيائي الشخصي والنفسي وسواه؟ كيف نفسر ذلك بعد أن أصبح عالما ً داريا ً مدافعا ً عن حقوقه كأقلية عرقية أو دينية في دول المؤسسات والعدالة، النسبية طبعا ً، التي لجأ إليها؟ كيف نفسر الممانعة الشديدة التي يبديها هذا المواطن لفكرة القوانين وتطبيقها على نفسه وأسرته علما ً بأنه عانى الأمرين من فكرة غياب القوانين في بلاد المنشأ التي هرب منها؟ كيف يعي عقل هذا المهاجر العربي فكرة حقوق الإنسان واستنكار العنصرية ويبقى في نفس الوقت متمسكا ً بعنصريته هو اتجاه أقرب الناس إليه عل سطح الكرة الأرضية وأعني بذلك أبناء جلدتـــه من الأديان والطوائف الأخرى؟ لابل بل أسوق هنا مثالا ً أدهى وأصعب... كيف يستطيع هذا المهاجر العربي نقل كل هذا التراث السلبي الذي يحمله معه إلى أبناءه الدارسين والدارسات في مدارس بلاد المهجر والمتعلمين فيها أصول العيش المشترك واحترام الآخر؟ وهنا طبعا ً نراه يسعى بكل قواه لإدخال أولاده الدارسين في المدراس العامة العلمانية التي تعلم العيش المشترك واحترام كل الأديان... إلى مدارس التعليم الديني في الكنائس والجوامـــع كي لايفوت الجيل الجديد أي تفصيل من تفاصيل الاختلاف عن الآخر والاستعداد للانفصال عنه!
هل يعقل ونحن في كندا...التي نستطيع بها الاحتجاج والتأثير على سياســة الحكومة وممارساتها، طبعا ً عبر لغة الانتخاب والتصويت، أن نجد من مازال يدافع عن الحاكم العراقي المخلوع صدام حسين الذي كان السبب الأول والأخير في دمار العراق. وأقول هنا إنه كان السبب في دمار العراق من خلال تدمير نفسية المواطن العراقي وتحويلـــه بكل نجاح إلى كائن بشري لاإجتماعي يخاف الجميع ويريد الخلاص الفردي فقط ليس إلا. طبعا ً، كلامي هذا لايعني بأي شـكل ٍ من الأشكال أني مع التدخل العسكري الأجنبي ومحاولة فرض الديمقراطية بقوة السلاح (!). كيف نفسر أن هذا المهاجــر العربي مازال قابلا ً لمجرد فكرة وجود وتطبيق قوانين الطوارئ في بعض البلاد العربية منذ عشرات السنين . . . هذه القوانين التي تتيح للحاكـــم بأمر الله التصرف على هواه بمصائر وأقدار المواطنين دون حسيب أو رقيب؟ ترى لو أتيح لهذا المواطن المغترب المهاجر لبلاد الله الواســـعة أن يعود ويمارس الحكم في بلده الأصلي، هل سيكون إلا نسخة ًممن كان السبب باغترابه؟
لابد وأن هنالك شيء ما آخر غير الظروف الوضعية القاسية التي كان يعيشها هذا المواطن العربي العجيب في بلاد العـُرب ِ أوطاني. لابد وأن هذا الإشكال أعمق وأكبر من ذلك... إنه، برأيي المتواضع، إشكال ٌ ثقافي ٌ عميق ٌ للغاية يجد جذوره في عمق التراث العربي الإسلامي والمسيحي وربما الإسلامي أكثر بقليل لأسباب وضعية عديدة لامجال للخوض فيها في هذه العجالة. لابد لنا من الحرية كي نفهم كيف ولماذا ومتى... لابد من هذه الحرية وعلى كل الأصعدة كي نعرف درب الخلاص... لابد من الدفاع عن كل من يكتب بحرية ويبحث بحرية ويعمل بحرية. لقد ولى زمن الانقلابات العسكرية التي أثبتت فشلها الذريع في تحويل وتطوير المجتمع على الرغم من شعاراتها البراقـــة... الغاية لاتبرر الوسيلة والتغيير لابد وأن يأتي من القاعدة العريضة كي يفوز بنعمة الديمومة. وهنا ... أجدني مجبرا ً على التفاؤل... فإذا كانت هذه المقدمات صحيحة ... يكون لكل منا دور ٌ هام ومحوري في إحداث التغيير... ويكون لما أكتب أنا ويكتب هو وتكتب هي أثرٌ في هذا التغيير ... وإن غدا ً لناظره قريب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - روعة
احمد ( 2010 / 3 / 22 - 08:12 )
وهنا طبعا ً نراه يسعى بكل قواه لإدخال أولاده الدارسين في المدراس العامة العلمانية التي تعلم العيش المشترك واحترام كل الأديان... إلى مدارس التعليم الديني في الكنائس والجوامـــع كي لايفوت الجيل الجديد أي تفصيل من تفاصيل الاختلاف عن الآخر والاستعداد للانفصال عنه!
رائعة منك
شكرا لك على مقالك الممتنع


2 - أزمة ثقة وإرادة
يمام بشور ( 2011 / 1 / 3 - 16:13 )
شكرا لك على مقالتك المتميزة ومساعيك الإيجابية.

حل الإشكال يبدأ بحل أزمة الثقة التي تعم العالم العروبي
بمعرفة إرثه الثقافي معرفة حقة واحترام كل من ساهم ببنائه
ليكون قدوة لإسهام بنّاء في واقعه الحالي

اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية