الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالله بن سبأ

زينب رشيد

2010 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لو نجح العرب في بناء نموذج حضاري مشرف في صدر الاسلام وبعد ذلك لما سمعنا بشخص عبدالله بن سبأ، ولما أنهكنا أنفسنا ومعنا الأخرين في البحث عن حقيقة وجود هذا الشخص والى أي مدى بلغت قدراته الخارقة في التخريب على مسيرتنا المظفرة ورسالتنا الخالدة وحضارتنا المجيدة.
لو كانت العلاقات البينية في مجتمع بداية الاسلام علاقات متينة قائمة على أسس المصلحة العامة وليس على حد السيف لما سمعنا بشخص يدعى عبدالله بن سبأ في ثنايا تاريخنا الدموي بامتياز.
لو لم يؤسس النص الديني لمفهوم المؤمن والكافر، والقريب من الله والأقرب منه والبعيد من الله والأبعد منه، والصحابي الذي عاشر الرسول وغيره الذي لم يعاشره، والأحق بالولاية والخلافة والأقل حقا لما حدث ماحدث بين المسلمين الأوائل من اقتتال دموي راح ضحيته رأس الخلافة الخليفة "الراشدي" الثالث عثمان بن عفان، ولولا ذلك بالتأكيد ما كنا لنسمع بشخص عبدالله بن سبأ الذي أحيلت كل تلك المجازر الدموية على كاهله، فابن سبأ في تاريخنا هو صانع الفتنة الكبرى التي أطاحت برأس الخليفة وهو راسم خيوطها وواضع تفاصيلها ومبرمج أحداثها وعارف خواتيمها ولولا بقية حياء لدى هؤلاء من الحقائق والمستقبل لذكروا بأن ابن سبأ هو الذي نفذ بنفسه تلك المجازر.
لو اجتمع المسلمون على فرقة واحدة ولم ينقسموا عدة فرق بدأت بشيعي وسني وانتهت الى ماهو اكثر من ثلاث وسبعين فرقة، واحدة فقط تدخل الجنة والبقية في النار لما تذكر القوم شخصا يدعى عبدالله بن سبأ ولما كانوا كرماء معه باعطائه هذا الحيز الكبير جدا في سياق تاريخنا.
لو استمرت حالة التعايش السلمي بين مختلف الأديان قائمة مثلما كانت في كعبة مكة القريشية لما احتاج هؤلاء القوم للاستعانة بعبدالله بن سبأ ليحملوه وزر الفرقة والعداوة والتنافر وصولا الى الفتنة الكبرى بين ابناء العائلة الواحدة والدين الذي أصبح واحدا.
يُعرِف تاريخنا شخصية عبدالله بن سبأ بأنه يمني "يهودي" دخل الإسلام نفاقا، ومن المؤكد أن هذه الشخصية قد تم اختراعها بهذا الشكل لكي تُلقى عليها كل الموبقات والأفعال الشنيعة والجرائم والانكسارات والهزائم والفتن التي كان لابد لها أن تكون جزءا أصيلا من حياة مجتمع انتقل من التعددية الدينية واحترامها وتعايشها السلمي الى دين واحد فرض على مريديه بأن يؤمنوا بأنهم أتباع الحق لهم جنة السماء ومافيها من بركات، وغيرهم أتباع الباطل لهم نار جهنم ومافيها من لعنات و "بئس المصير".
قبل اكتمال الدعوة الاسلامية تم القضاء على أغلب القبائل اليهودية في شبه الجزيرة العربية قتلا وتهجيرا، فهل عجز كل المسلمين على القضاء على شخص واحد بعد أن بلغوا من القوة ما لايقاس مع تلك القوة التي قضت على أربع من قبائل اليهود، ان وجود هكذا شخصية كان ولا يزال حاجة ماسة لكل من يحتاج الى شماعة يعلق عليها خيباته وانكساراته وأحيانا جرائمه.
"يهودية" عبدالله بن سبأ كما أوردها الرواة فعلت مفعول السحر عند جماهير المسلمين في العصر الحديث حكاما ومحكومين، فقد تم ربط ابن سبأ "اليهودي" وتأمره المزعوم على المسلمين بما يحدث الأن بين العالم الاسلامي والدولة الاسرائيلية التي أنشأت عام 1948 على الأرض الفلسطينية بفعل ضعف الجانب الفلسطيني العربي وليس فقط بسبب مافعلته العصابات الصهيونية مثل شتيرن والهاغاناه من مجازر بحق قرى فلسطينية بأكملها.
هنا تضخم ابن سبأ ليصبح دولة وكبرت مؤامراته لتطال جغرافية العالم الاسلامي من طنجة الى جاكرتا، فأصبح ابن سبأ-اسرائيل هو المسؤول أو المسؤولة عن هزائمنا العسكرية والسياسية وحتى الرياضية، وعن خيباتنا في جميع المجالات، وعن تراجع مستويات التنمية الى أدنى المستويات، وعن تصدرنا ذيل القوائم من الأسفل في مجالات التعليم والصحة وغير ذلك، لا بل أكثر من ذلك فهي مسؤولة عن الاحكام العسكرية وأحكام الطوارئ المفروضة ببساطير عسكر اقتنصوا السلطة في أكثر من بلد عربي في ظلام ليل دامس، وما يعنيه ذلك من غياب الديمقراطية والتعددية والتدوال السلمي للسلطة، وهي مسؤولة عن غياب الحريات، لا بل ان هناك أنظمة عربية يصل درجة عهرها السياسي الى مستويات غير مسبوقة اذ تزج بخيرة أبناء شعبها في غياهب السجون والتهمة هي محاولات هؤلاء النيل من هيبة الدولة واضعاف الشعور القومي والترويج لأفكار معادية تصب في صالح العدو الاسرائيلي.
هنا يتلاقى الحاضر مع الماضي، فأي هيبة تلك التي سينال منها نفرٌ من أصوات الحرية العزل إلا من ضمائرهم وشوقهم لتحقيق حرية شعوبهم، ويا لها من هشاشة تلك التي تعتري شعورنا القومي اذا كان هؤلاء قادرون على اضعافه، مثلما نستطيع أن نقول أية "رسالة سماوية" تلك وأي نوع من الصحابة هؤلاء الذين استطاع ابن سبأ أن يتلاعب بهم كيفما يشاء على افتراض حقيقة وجود ابن سبأ.
نحن الأن في أعماق الهاوية وليس على حافتها كما يحلو للكثير من المثقفين أن يصف الحال التي وصلها العالم العربي والاسلامي، وهذه ليست نظرة متشائمة أو سوداوية لأنها تترافق مع طرح خيار قادر على تخليصنا مما نحن فيه كما خلص شعوبا كثيرة غيرنا عايشت ما نعايشه الأن وكابدت ما نكابده الأن ولكنها اختارت بخطى واثقة وثابتة أن تتجاوز كل ما هو غيبي وخرافي، وأن تجمد العمل بأي نصوص تتجاوز الآخر وتمنح الحق بالاعتداء عليه أو الزامه بما ليس مقتنع به، وبمعنى آخر اختارت أن تبني الدولة المدنية العلمانية الحديثة..دولة الحرية والديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
عندما نقرر الانطلاق بهذا الاتجاه فقط، فاننا حتما سنخرج من الهاوية التي نعيش بها، وستنطلق طاقات الانسان الابداعية لانتاج كل ماهو مفيد له ولمجتمعه، وسنحقق كل ما نصبو اليه من آمال، ولن نحتاج حينها لابن سبأ أو لاسرائيل أو لايران أو لأمريكا حتى نلقي عليهم خيباتنا وهزائمنا وانكساراتنا..فهل نقرر أم أن الساعة لم تأت بعد؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
ماجد ساوي ( 2010 / 3 / 29 - 06:46 )
لم يقل احد ان عبدالله بن سبا سبب كل ما حدث للمسلمين على مر القرون , ولا ادري من اين اتتك هذه المقولة واعتقد ان من يقول هذا - مجنون- ولا ريب اذ لابد ان يكون هذا الشخص صاحب قدرات خارقة ليحدث كل هذه الافعال

عبدالله بن سبا اول من قال بالوهية على بن ابي طالب ... فقط , طبعا كما تروى الكتب وفي كل الاحوال الصراع الطائفي دوما محمل بالكثير من اللامعقول واللامنطق لانه في اصله لا معقول ولا منطقي


2 - نحن هكذا
سليمان ( 2010 / 3 / 29 - 07:11 )
نحن العرب ذات زرقاء اليمامة لا نرى الكبير بل نرى الصغير. كل مشاكلنا من اليهود وحتى لو انقرضوا اليهود فاننا نيهود اناس اخرون ونلقى بكل كوارثنا عليهم . خرجنا بمظاهرات ضد رسام دنماركى ولم نخرج ضد حكامنا الفاشلين.سجنا معلمة انجليزيه فى السودان وتركتنا البشير وعصابته. قتلنا مصليين فى يوم عيدهم بمصر وتركتنا مصر كلها تضيع فى براسم الفساد.الحقيقه ان الاذكياء الوحيدون فى امتنا هم حكامنا بالاتفاق مع شيوخنا ليجعلوا منا شعوب خانعين راكضين ورا غيبيات مخزيه يسندوه الى اله كان يسارع فى هوا صعلوق بدوى حتى اننا اصبح شعارنا نموت كلنا ولا يمس الفكر البدودى المصلعم


3 - رائع
احمد ( 2010 / 3 / 29 - 08:12 )
الله ماروع مقالك وخاصة عندما مازجتى بين بن سبأ سابقا واليهود حاليا
على انهم سبب مشاكلنا
فعلا والله هذا ماحصل للاسف
نعلق فشلنا على غيرنا دائما والضحية دائما يهودى
او الموضة الجديدة الان تعليق فشلنا على ديننا
نعيب على اليهودى والعيب فينا
وما لليهودى عيب سوانا
جميل مقالك جميل
شكرا


4 - نحتاج الى المزيد من البحث
خسرو ( 2010 / 3 / 29 - 14:11 )
سيدتي الفاضلة لك مني كل الاحترام..في بداية المقالة أشرتي الى الفترة المككية حيث التعايش السلمي واله يقول لكم دينكم و لي ديني و جادلهم بالتي هى احسن ,نرى في الفترة المدنية هذا اله تغير الى اله شرير وإن رمي مشاكل هذا الدين على عاتق شخص أو مجموعة لا ارها من الصواب ,ارجو ان تقرأئى كتاب بعنوان القس و النبي أو كتاب القريش من القبيلة الى الدولة,وبعدها سوف تكشفين إن هذا الدين كان مشروعآ خطط لها قصى الجد الاكبر و بعدها هاشم الى القس ورقة ابن نوفل ,أضن الثقافة البدوية و قليل من الديانة الابيونية وهرطقات المسيحية إضافة ما أخذ من التلمود اليهودي جعلوا منها كتابآ لهم ,تسلمين وشكرآ


5 - أ مة يفتتها شخص
آمال ( 2010 / 3 / 29 - 17:25 )
الكاتبة المحترمه: مقال ممتاز..لا أستطيع أن أتخيًل مدى هشاشة هذه ألامة، التى يستطيع شخص لوحده أن يفتتها..الاسلاميين والاخوان يقولون أنً أتاتورك يهودى إعتنق الاسلام وقضى على دولة الخلافة...بما أنً من يدخل الاسلام من الاديان الاخرى يدمًر الدولة ويفتت ، ما فيه وسيلة إلا وقف الاعمال الدعويًه وسكروا دور الدعوة و الارشاد ..شغله جايبه الدًمار خلينا نتركها ، لانه الجاى أخطر.....وخاصةً نمنع أصحاب الديانات السماوية من إعتناق الاسلام ، ونفهمه أنه صاحب دين نحن نعترف به لا يوجد داعى لتغيير دينه ، واذا أصر تخوفه ونقول له ستبقى تحت المراقبه ،واذا اى غلطه سنتهمك بالزندقه ويكون مصيرك العذاب والقتل..ونؤكد عليه أن معظم مفكًرينا و فلاسفتنا القديمين قضينا عليهم والحاليين اذا لم ينجو بريشه ويلقى بلد أجنبى تأويه ،سيبقى فى السجن حتى اموت...المهم ان نخلص من الذين يرغبون فى الدخول فى الاسلام، ويا ريت نخلص من كيد وشر مسلمين حالنا....الف شكر للكاتبة مع أحلى ألامنيات


6 - شكرا سيدتي
معلق ( 2010 / 3 / 30 - 09:51 )
من هذه الشخصية الموهومة الشبح نمت فكرة المؤامرة عند شعوبنا العاجزة وراح المؤدلجون بالخرافة و الدجل والهرطقة ينشرون رعبهم المتخلف و اللاأنساني المسمى دينا على الأخر ودليلي الأجابة الببغائية الجاهزة و السلفية للمعقب الأول

اخر الافلام

.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة


.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا




.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد