الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا لثارات كسرى ...! الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية (33)

حيدر نواف المسعودي

2010 / 4 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



وهنا يحضرني سؤال ، إذا كانت إيران حريصة ومحبة للشيعة في كل العالم وتقدم لهم الدعم والمال والسلاح من اجل الخلاص والتحرر من ظلم واستبداد وقهر السلطات الجائرة والظالمة وحكم الطواغيت المستبدين ومن اجل رفع الحيف والظلم عن المستضعفين والفقراء في العالم ، فلماذا تقوم هي بذبح وإعدام وقتل أبناء شعبها من الشيعة وفي الشوارع وأمام أنظار الجميع؟ ولماذا تملا السجون بالمعارضين والمحتجين وتمارس بحقهم أسوأ أنواع التعذيب والقمع إلى حد اغتصاب النساء ؟ لماذا تعتقل الجميع نساء ورجالا وشباب وطلبة وأساتذة ومثقفين وحتى رجال دين ومعممين وتعدمهم أو تحكمهم بالسجن المؤبد وبأقسى الأحكام والعقوبات دون محاكمة أو بمحاكمات صورية لا يقبلها الشرع ولا الإنسانية ، لماذا تقوم بإعدام معارضيها من القوميات الأخرى كالعرب أو الأكراد ومن الطوائف والأديان الأخرى لمجرد أنهم عبروا عن رأيهم واحتجاجهم ورفضهم لقهر وظلم سلطة المعممين ؟ فأي جمهورية إسلامية هذه وأي شرع الهي هذا وأي ولاية فقيه هذه وأي حكومة شيعية تلك التي تمارس سلطة القمع والقهر لا تمارس مثلها حتى أكثر السلطات العلمانية ؟
إن حكومة علي (ع) لم تعتقل ولم تعدم ولم تقمع ولم تعذب ولم ترهب ولم تملا السجون بالمعارضين ، بل ولا حتى اؤلئك الذين أعلنوا الحرب على علي (ع) وعلى حكومته ، ولم تفرق بين عربي ولا أعجمي ولا بين سني أو شيعي ، علي كان يحترم الرأي والرأي المعارض ويحترم حريات وحقوق الإنسان وكرامته وشرفه ، فيروى انه في إحدى المرات ، كان عليه السلام يعتلي المنبر خاطبا فمر يهودي في تلك الأثناء واستمع لكلمات الإمام(ع) وأعجب بها ، فأراد التعبير عن إعجابه بأمير المؤمنين (ع) على اعتبار أن الإمام مسلم فهو في عرفه كافر لأنه غير يهودي ، فقال عن أمير المؤمنين : ( كافر ما افقهه ) ، فلما سمعه أصحاب الإمام وثبوا نحوه بسيوفهم لقتله لسبه الإمام (ع) ، فمنعهم الإمام ، وقال لهم : ( إما انه أصاب فنشكره ، وإما انه اخطأ فنقومه ) ، هذه الحرية التي امن وعمل بها ودعا إليها أمير المؤمنين.
لست اقصد من وراء ما تقدم كله إلى إثارة الحقد والضغائن على ايران ولكن التنبيه إلى واقع مرير نعيشه وندفع ثمنه ونتحمل تبعاته ألا وهو إن إيران جارتنا ، وهي السبب في معظم ما نعانيه من أزمات وصراعات وحروب .
وهنا أود إن أسال وعي وعقل كل قارئ وأود أن يجيب على نفسه بصراحة وموضوعية ، منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في عام 1979م وحتى اليوم ترفع إيران شعارات العداء والكره ومقاومة أمريكا وإسرائيل والشيطان الأكبر وإسقاط قوى الاستكبار ، وتحيي في كل عام يوم القدس ...الخ، والسؤال هل أن إيران أطلقت رصاصة واحدة ضد أمريكا أو إسرائيل، هل أطلقت طائرة ضد إسرائيل، أو طلقة مدفع أو صاروخ واحدا من صواريخها العابرة ؟منذ 1979 منذ قيام الجمهورية الإسلامية لم اسمع أو أرى شيئا مما قلت ؟ إذن من الذي يقاتل أمريكا وإسرائيل مباشرة من الذي يقدم التضحيات والدماء والشهداء من الذي تدمر وتحرق بلدانه ومدنه وتباد شعوبه وأطفاله ونسائه وشيوخه من الذي يعيش تحت نيران الطائرات والمدافع والدبابات والصواريخ ومطر الرصاص منذ 1948 حتى الآن ؟ إن من يدفع كل ذلك الثمن والدماء والتضحيات الشعوب العربية، شعب فلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر والأردن، وحدهم العرب خاضوا الحروب ضد أمريكا وإسرائيل في حرب 1948 و1967 و1973 و1982...الخ، فهل سمعتم عن معركة إيرانية واحدة ضد أمريكا أو إسرائيل من اجل نصرة فلسطين أو من اجل نصرة الإسلام و المسلمين في العالم أو من اجل الشيعة خصوصا، وهل سمعتم عن شهيد إيراني أو دم إيراني على ارض فلسطين ؟ أم أن الدم الإيراني أزكى وأنبل وارفع من أن يبذل في سبيل مسلم عربي أو غير عربي؟ ودماء العرب وحدها الرخيصة وتستحق الهدر يوميا على يد أمريكا وإسرائيل ؟
إن كل ما في الأمر أن إيران تريد جعل فلسطين وسوريا ولبنان وغيرهم من الدول العربية ساحة الحرب المتقدمة لتبعد الخطر الأمريكي والإسرائيلي عن أراضيها وشعبها ، تريد جعل الشعوب والدماء العربية وقود معركتها ضد أمريكا وإسرائيل وتريد إبقاء أمريكا وإسرائيل منشغلتين في الصراع في فلسطين والعراق ولبنان لتبقى هي في مأمن وبعيدة عن خطرهما ، تريد من العرب أن يقاتلوا بالنيابة عنها ، وجعل البلدان العربية ساحة لتصفية حساباتها وخلافاتها مع أعدائها الآخرين.
إن إيران تريد إبقاءنا في دوامة مستمرة من الحروب والصراع والتخلف والجهل ، لتبني هي دولتها العصرية والقوية والمتقدمة لتتمكن من التوسع وابتلاع الجميع ، وهي تريد تامين مصالحها وثرواتها وتريد السيطرة على نفط وثروات وإمكانات المنطقة من معادن ونفط وثروات ومنافذ مائية ، فأصبحت تمنع عنا حتى المياه والثروات السمكية وتقضي على زراعتنا وثرواتنا الحيوانية لتحولنا إلى مستوردين ومستهلكين لكل ما هو إيراني .
ما الذي قدمته إيران للشعوب المسلمة والعربية أو للشيعة خصوصا ، غير تصدير الثورة والأزمات والمشاكل والصراعات والحروب ، إنها تصارع العالم من اجل تطوير بنيتها العلمية والتكنولوجية والصناعية ، فهاهي تتطور في مجال الصناعات العسكرية والمجال النووي وصناعة السيارات وكافة الصناعة الإنتاجية وحتى الصناعات الالكترونية والرقمية ، في مقابل أنها تصدر إلينا نحن الشيعة مثلا ( القامات للتطبير والزناجيل واللطم ) ، (والمخدرات والمتعة ) ، ( والبدع الفكرية والاجتماعية والثقافية التخريبية ) ، فأين مشاريعها العلمية أو الصناعية أو الخدمية التي صدرتها للعرب أو المسلمين أو الشيعة ؟ ماعدا تصدير الأسلحة والعبوات ومجاميع القتل والتخريب والدمار .
أخيرا فان احتلال بئر الفكه النفطي في كانون الأول من عام 2010م ورفع العلم الإيراني فوقه، ورغم قول البعض إن الرقعة الجغرافية للحادثة قد لا تستدعي كل ذلك أو قول البعض بعض بتضخيم الحدث إلى حجم اكبر من مدياته الطبيعية ، وهو قول الحكومة للدفاع عن موقفها الضعيف من الحادث، وقول القوى والأحزاب والشخصيات الموالية والمدافعة عن إيران وسياساتها ومصالحها في العراق، أمثال القائل بأننا ننتظر من إيران أن تنسحب أو ذلك القائل بأننا سنحل المشكلة بعلاقاتنا الشخصية، أو ذلك القائل بالعودة إلى اتفاق1972م ، والذي يجعل البئر شراكة بين العراق وإيران وان 40% من النتاج يذهب إلى إيران و60% للعراق، فهو حريص على عدم الإضرار بمصالح حلفائه الإيرانيين.
إما حادثة الاحتلال فهي مجرد مشهد مجتزأ من السيناريو الإيراني الذي بدء في العراق بعد 2003 والذي يسعى إلى الهيمنة والتوسع على العراق والمنطقة بعد انهيار الدولة العراقية ومنظمتها العسكرية والتسليحية وانتفاء تهديداتها لإيران ، وتحقيق نصر أو ثار سياسي بعد هزيمة حرب الأعوام الثمانية ، وهذا السيناريو نفسه هو جزء من حلم إيراني اكبر بإعادة إحياء إمبراطورية فارس الكبرى ، وعودة شروق الشمس فوق عرش وطاق كسرى في المدائن ، هذه الشمس التي أراد الإيرانيون أن تبدأ إشراقها من فوق ارض الفكه في ميسان على الحدود الشرقية التي شهد ترابها معركة كانت هي (أول يوم انتصف فيها العرب من العجم ) بحسب حديث رسول الله (ص)، ومعركة القادسية التي أطاحت بإمبراطورية فارس وعرش كسرى .
لقد أراد الإيرانيون من احتلال الفكه أن تكون عملية لجس نبض وردة فعل الحكومة العراقية اتجاه الحدث لتكون الفكه بوابة الطريق نحو ما هو ابعد من ذلك في تحقيق حلم إيران في احتلال العراق ، ودعونا لا ننسى تصريحات قادة إيران وجنرالاتهم العسكريين حين عبروا صراحة عن نواياهم التوسعية في العراق حين قالوا بالنص : ( أن القوات الإيرانية على استعداد لملء الفراغ العسكري في حال انسحاب القوات الأميركية من العراق ) وهذا تصريح صريح لا يحتاج مطلقا إلى تحليل أو تفسير أو قول ( احمل أخاك المؤمن سبعين محملا ).
وللأسف الشديد تحقق لإيران ما أرادته من جس نبض واختبار لرد فعل الحكومة العراقية الذي لا يمكننا وصفه إلا بوصف (اللا موقف ) ، وكذلك الموقف السياسي والحزبي وكان الجميع في العراق حكومة وأحزاب وقوى يخشون إيران والمساس بها ، وفي مقدمتهم الحكومة التي تقف موقف المتفرج والعاجز وعلى حياء ولم تحرك ساكنا ولا جنديا واحدا لردع إيران لا بالقول أو الفعل وكان الأمر لا يعنيها مطلقا وان الأرض التي احتلت ليست عراقية ، وهو ما يدعو إلى التساؤل ، أن حكومة بهذا الضعف لم تستطع الدفاع عن بقعة ارض حدودية صغيرة وبئر نفطي ، فهل إنها سوف تستطيع حماية البلاد والشعب والدفاع عنه وعن مصالحه وكرامته وشرفه أمام أي اعتداء مستقبلي ، هذا الموقف الحكومي دفع إيران إلى التمادي أكثر فضاعفت تواجدها العسكري وجهدها الهندسي وفرضت الأمر الواقع من اجل الإمساك بالأرض وتحقيق مكاسب مستقبلية اكبر .
أخيرا هل لاحتلال إيران للفكه علاقة بالصراع الانتخابي المتصاعد والمتوتر ولاسيما بين الائتلافين العملاقين (الوطني العراقي بزعامة المجلس الأعلى ) و(دولة القانون بزعامة حزب الدعوة)؟
الجواب ، نعم ، فهي عقوبة للمالكي الذي خرج عن طوع الائتلاف العراقي الموحد ، وقبل ذلك لخروجه عن إرادة إيران التي تريد الإبقاء على هذا الائتلاف بأي ثمن كان لأنه ذراعها السياسية والعسكرية وهو حارسها الأمين على مصالحها في العراق ، فبعد التفجيرات الدامية التي أريد منها إسقاط كذبة الاستقرار الأمني والذي كان الانجاز الوحيد لحكومة المالكي واتضح فيما بعد انه انجاز وهمي ومنجز هش ، وبعد الاستجوابات السياسية الصورية لوزراء حكومة المالكي والتي أجلت طويلا لتستخدم الآن كورقة سياسية ودعائية لإسقاط حكومته ، جاءت (القشة التي قصمت ظهر المالكي وحكومته )، باحتلال الفكه ووقوف الحكومة موقف المتفرج بلا حول ولا قوة على الردع أو حتى الاستنكار .
وتحقيقا للهدف السياسي من وراء هذا الاحتلال فانه قد تلجا إيران إلى سيناريو أكثر حنكة ألا وهو الانسحاب من الفكه بوساطة من المجلس الأعلى مثلا أو قياداته ، أو الائتلاف العراقي الموحد ليكون ذلك منجزا أخر لتلميع صورة المجلس وائتلافه الموحد .
وقد أشار احد قيادات الدعوة في تصريح مؤخرا إلى مثل هذا المعنى حين قال : ( نمتلك علاقات شخصية لحل قضية الفكه ) فربما قد يضطر المالكي كحل أخير ومن اجل الحفاظ على شيء من هيبة وماء وجه حكومته إلى توسيط المجلس وقياداته للضغط على إيران للانسحاب من الفكه ، وهو ما يريده المجلس وعين الهدف الذي يسعى إليه ليصبح انجازا لمصلحة المجلس وقياداته وائتلافهم وليسجل لهم أنهم استطاعوا التوسط لإقناع إيران بالانسحاب من الفكه.
وعود على بدء أقول إن إيران لن تستطيع أبدا استعادة مجد فارس المندثر ، ولن تشرق الشمس فوق إمبراطوريتها الغابرة ثانية من ارض الفكه أو البصرة أو ذي قار أو القادسية أو بغداد مطلقا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-