الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب الفيليون

عبد الجبار خضير عباس

2010 / 3 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفيلـــــــــــــيون
تاريخ. قبائل وانساب. فلكلور. تراث
تأليف: نجم سلمان مهدي الفيلي.. مراجعة: جرجيس فتح الله
قراءة:عبد الجبار خضير عباس
مؤلف الكتاب احد المهجرين من الكرد الفيلية مات في ايران شأنه شأن العديد من المثقفين الذين طواهم النسيان هناك مثل عالم الآثار شاه محمد علي الصيواني وغيرهم!!

يعد الكتاب اوسع دراسة مرجعية كتبت عن الكرد الفيلية في العراق، ان لم نقل من اهم المراجع التي تمثل تاريخ الكرد الفيلية وتراثهم وحياتهم واساطيرهم، فضلا عن اسراف الكتاب في رصد حركة القبائل والعشائر وأنسابها في ايران والعراق ..
ما يثير الدهشة هو الجهد المضني للكاتب في البحث والتقصي عن المعلومات والتحقق منها بحيادية ومن دون تحيز او تعاطف، يتحرك بروح الباحث عن الحقيقة بنزاهة وتجرد ، فساح في مؤلفات اليعقوبي وابن الاثير وابن خلدون والطبري وعلي الوردي، وعباس العزاوي والعديد من الكتاب الفرس ونحو اكثر من عشرين مؤلفاً اجنبياً، اذ تجاوزت مصادر الكتاب نحو اكثر من مئة وعشرين مصدرا. يأتي الكتاب اشبه بالمفاجأة بعد ان اعتدنا رؤية كتابات عن الفيلية هزيلة لأناس ليست لهم خبرة في الكتابة التاريخية ولا الادبية والأسوء من ذلك شاهدنا مطبوعات فيها اساءة للكرد الفيلية اذ عبر مؤلفيها عن هزالة وفقر فكري ناهيك عن ركاكة اللغة ..لا تملك سوى الاتكاء على عذابات الكرد ومعاناتهم وعرض صورهم، وكأنها عملية استجداء لعطف الآخرين! فجاء هذا المطبوع ليرسم صورة اكثر واقعية للعمق الحضاري لهذا المكون وارتباطه التاريخي بالعراق منذ آلاف السنين، لا كما يحاول بعض الشوفينيين عندما يصفونهم بمجاميع نازحة من ايران، فتارة يوصفون بالفرس وتارة أخرى بالايرانيين في محاولة خبيثة لمحو عراقيتهم.
يقول الكاتب في الصفحة 26 عند تعيين الحدود في العام 1639 بين الدولتين العثمانية والايرانية زمن السلطان مراد الرابع والشاه صفي حفيد الشاه عباس الاول، لم يتوصل الطرفان كما تبين من اتفاقية قصر شيرين (زهاب) الى صيغة نهائية لتثبيت معالم الحدود بينهما، وبعد عدة معاهدات وبروتوكولات عقدت بين الجانبين زهاء ثلاثة قرون صدقت الاتفاقية نهائيا في 16/12/1929 من دون استشارة الكرد الفيلية، الساكنين في المناطق الحدودية من كركوك شمالا والى البصرة جنوبا ، وبذلك تجزأ الوطن الكردي الفيلي (بحسب رأي الكاتب) . هنا يمكننا الاشارة الى مناطق عديدة معروفة، مازالت محتفظة بهويتها الكردية او فيها نسبة ظاهرة من الكرد الفيلية، اذ من مندلي والى خانقين وبدرة وجصان ثمة عشائر نصفها في(بشتكوه) اي خلف الجبل و(بشكوه) امام الجبل اي في الاراضي الواقعة شرق العراق وهذا الموضوع ينسحب على مصيف احمد آوا اذ العشيرة تتوزع بين العراق وايران اي في الحدود الطبيعية هي ارض واحدة ولكن في السياسة جزئت الى نصفين، عموما كان الوجود الفيلي واضحا ايضا في شيخ سعد وعلي الغربي وحتى مركز العمارة ولكن بعد العام 1963 بدأ هذا الوجود بالتلاشي على اثر الضغوطات والملاحقة ومن ثم التسفيرات من قبل النظام الشمولي.
يورد الكتاب اسماء الولاة الفيلية في لرستان وايلام ونبذة عن الدولة الاتابكية الخورشيدية والحكومة النخودية في العراق اذ حكم ذو الفقار اغلب مناطق العراق العام 1924 الى 1530 وشهرته (نخود) هي نسبة الى طائفة نخود اللكية الفيلية . وفي الصفحة 67 من الكتاب، الحكومة الديرية الفيلية في البصرة .. رجَح علي محمد ساكي بأن أصل الديرية هو من سلاجقة الروم الذين حكموا البصرة سنوات طويلة، في حين نقل احمد كسروي عن الكعبي قوله « مؤسس السلالة الديرانية شخص أسمه أفراسياب باشا الذي كان من منطقة دير القريبة من البصرة».
لايسعنا هنا الا ان نعقب على هذا بقولنا (الحديث هنا للمؤلف): بالنظر الى عدم وجود منطقة قريبة من البصرة بهذا الاسم قديما وحديثا، فيكون مقصد الكعبي في كلامه عن مدينة دير او دِيرْ(بكسر الدال وسكون الراء) وهي تلك التي ذكرها كل من البروفيسرور جورج كامرون ووالتر هينتس ويوسف زاده ، بانها مدينة بدرة الحالية في العراق ، وهي مدينة عيلامية قديمة ، وسكانها من الكرد الفيلية الذين يقيمون فيها حتى اليوم.
نجد هنا ان الكاتب ربما جانب الصواب، فمدينة الدير موجودة شمال محافظة البصرة وهي ناحية معروفة لجميع العراقيين الذين زاروا البصرة، اذ تقع على الطريق العام المؤدي الى مركزالبصرة، ونعتقد ان التسمية ربما تعود في الاصل الى دير مسيحي وكما هو معروف ان الكنيسة النسطورية كانت هي المهيمنة في البصرة قبل مجيء الاسلام، لكن لاشيء يوحي ان ثمة ديراً يقع في بدرة.. لا اعرف كيف جاءت هفوة كهذه في كتاب تشير مواضيعه ومفرداته وتفاصيله الى جهد شاق، اخذ سنيناً من الكاتب في البحث والتقصي ثم يهفو بهذه البساطة، عموما الكاتب معذور فهو عاش حالة من القطع بالزمن بعد التسفير، اذ كان من الصعب في ظروف الحرب وبعدها من الاتصال باي عراقي للاستفسار، حيث التهم جاهزة بالعمالة لايران او الانتماء لحزب الدعوة وغيرهما من التهم التي تودي بصاحبها الى الاعدام، لكن مثل هذه الهفوة لاتقلل من شأن الكتاب وقيمته العلمية كما أسلفنا آنفا.
البعد الثقافي في الكتاب
الثقافات القومية تتشكل من تمثلات الاعراف والتقاليد والرموز.. التي تؤثر في افعال الناس وتغير في مزاجهم وانفعالاتهم، وتشكل الخريطة السايكولوجية الجمعية لهم فمن يشكل الهوية هو المتخيل الجمعي الذي يتمظهر عبر الاساطير والحكايات والخرافات.. فضلا عن الاشعار والاغاني اذ تشكل بمجملها الذاكرة الكبرى للجماعة او الاثنية والمراقب للمشهد الثقافي الكردي الفيلي، يجد انه فقير في نشاطه الادبي وبوضوح على سبيل المثال في مجال القصة والشعر .. ولكن بعد التغيير في العام 2003 بدأت بعض المؤسسات في ترميم الذاكرة عبر رصد الشعراء وكتاباتهم واعادة انتاج الماضي ..، (نشير هنا الى دور مؤسسة شفق في هذا المجال) لكن الذي يعنينا هنا ان الكتاب يحوي على الكثير من الحكايات والاساطير التي تصلح للدراسة الانثروبولوجية و النقد الثقافي، او صناعات الافلام السينمائية منها او المسرحيات، فعلى سبيل المثال، نذكر انموذجا من هذه السرديات.
في الصفحة 85 (انطلت الحيلة على محمد خان زن فصدق كلام الرسول ، وخرج الى الافغاني خمسة عشر من كبار القوم الزند بينهم محمد خان وصادق خان و جعفر علي خان .. فأمر الافغاني بالقاء القبض عليهم و زجهم بالسجن ثم هدد سكان القلعة بقتلهم ان هم امتنعوا عن فتح ابوابها لهم، وتم له ما اراد، ودخل القلعة دون مقاومة، وكان من بين اسراه خمسون امرأة زندية بينهن والدة كريم خان ( ماه منظور ) ومعهن عدد من الاطفال، وارسل الجميع وقد ربطوا بالحبال الى اورمية بحراسة ابن عمه علم خان افغان، وكانت المسافة بين قلعة بري و اروميا طويلة تمتد ايام عديدة، والرواية المتناقلة ان (ماه منظور) طلبت من احد الحراس ذات ليلة فك وثاقها لأنها امرأة عجوز، فلبا طلبها و فك وثاق يديها وحينما حاول فك وثاق قدميها، طعنته بخنجرها الذي كانت تخفيه تحت ثيابها كعادة نساء الزند ثم انها ارتدت ثيابه ودخلت خيمة المحتجزين من رجال الزند سراً و فكت رباطهم، فأنقضوا على الحراس و اغتنموا اسلحتهم ثم حملوا على خيمة آمر الحرس علم خان و قتلوه في فراشه، وتوجهوا نحو الاسطبلات وأهاجوا الجياد حتى تعالى صهيلها ووقع اصوات حوافرها، وباغتوا الجنود الباقين و هم نائمون، فهرب منهم من هرب وقتل من قتل، وقد توهموا انهم يتعرضون الى حملة من كريم خان بنفسه وولو أدبارهم و لجأوا الى المرتفعات القريبة وخلال هذه الفوضى، حمل الزند الاموال المسروقة منهم ..
يقول «مارتن فان بروينسن» في كتابه « الاكراد وبناء الأمة» (لقد ابتدع المثقفون الكرد الرموز الصانعة للأثنية الكردية: مؤلفات التاريخ، واللغويات، والدراسات الفولكلورية، ثم، وهذا الأهم، الشعر والنثرالادبي. اما الحركات السياسية فقد ادت دورها..) وهذا عين ما يحتاجه الكرد الفيلية لصناعة ذاكرتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت خيالية للمنتخب العراقي بعد التأهل للأولمبياد... | هاش


.. تحدي القوة والتحمل: مصعب الكيومي Vs. عيسى المعلمي - نقطة الن




.. ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا


.. تحقيق استقصائي من موريتانيا يكشف كيف يتم حرمان أطفال نساء ضح




.. كيف يشق رواد الأعمال طريقهم نحو النجاح؟ #بزنس_مع_لبنى