الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مضارب البدو في جبال القوقاز

نارت اسماعيل

2010 / 4 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يوجد تباين في سرعة انتشار الأفكار الغيبية والظلامية بحسب تباين الشريحة المستهدفة من الناس، كمثال على ذلك موقع الحوار المتمدن حيث تشكل مجتمع إنساني من كتّاب وقرّاء في ظل سقف حرية عال عند طرح المواضيع ومناقشتها وبدون أية قيود ماعدا تلك المتعلقة بمنع الإساءة الشخصية واستخدام ألفاظ بذيئة والشتم، في ظل هذا الجو ومع وجود نخبة من الكتّاب المرموقين، نما مجتمع إنساني على درجة عالية من الوعي والادراك، وأنا من الناس الذين استفادوا كثيرآ من هذا الموقع وتطورت كثيرآ منذ اليوم الأول الذي اكتشفت فيه هذا الموقع
في ظل هذا المناخ، فإنه من الصعوبة أن تمر وتسكن أفكار ظلامية لأنه سوف يتم بسهولة التصدي لها من قبل الكتاب والمعلقين وبالتالي يتم تحجيمها وإزاحتها، لاحظوا كم من الكتاب والمعلقين جاءوا ببضاعة فاسدة ورحلوا ولم يبقى في النهاية إلاّ الأصلح
العكس صحيح في مواقع أخرى حيث سقف الحرية فيها منخفض وتوضع قيودآ على الكتاب والمعلقين، ففي مثل هذا الجو تعربد الأفكار الغيبية ويطيب لها العيش والازدهار
ما ينطبق على مواقع الانترنت ينطبق أيضآ على المجتمعات والدول، فالمجتمعات الغربية وصلت إلى درجة عالية من الوعي والادراك إن كان على مستوى نخبها المثقفة، أو على مستوى الشارع العادي، بالإضافة إلى وجود هامش حريات واسع يصونه الدستور، كل ذلك جعل من الصعوبة أن تنتشر الأفكار الغيبية والظلامية في تلك المجتمعات
بالمقابل، في المجتمعات الصغيرة التي مازالت تتلمس طريقها، ونخبها المثقفة غير مؤهلة للتصدي لهذه الأفكار الظلامية، وشعوبها تنوء بهمومها اليومية، وفي ظل انحياز واضح من الحكومات وتضييقها على المتنورين لأنهم وبشكل مواز هم دعاة إصلاح سياسي داخلي ويشكلون خطرآ على الأنظمة الحاكمة، فإن هذه المجتمعات تصبح فريسة سهلة لكل ثرثار أفّاق من دعاة الدين الذين نشاهدهم في الفضائيات والمحافل العامة والذين يتاجرون بالدين لتحقيق مكاسب مادية على حساب مستقبل هذه المجتمعات
ما يدعوني لهذا الكلام هو وصول هذا الخطر الذي تحدثت عنه إلى مجتمعي الشركسي الذي أنتمي إليه والذي هو جزء من المجتمع الإسلامي، كما أن جزءآ من المجتمع الشركسي صار هو نفسه جزءآ من المجتمع العربي بعد الهجرات التي حدثت في القرن التاسع عشر
المجتمع الشركسي صغير نسبيآ ونخبه المثقفة محدودة العدد والعدّة، في ظل هذه الظروف سيكون من السهل على المتاجرين بالدين التسلل إلى هذا المجتمع والعمل على تدمير هويته وثقافته وحضارته الممتدة لآلاف االسنين
قد يقول قائل: ولكن الإسلام دخل إلى القوقاز منذ عصور الدعوة الأولى وصار جزءآ من هويتهم وثقافتهم وهم تعايشوا معه كل تلك المدة بدون أن يؤثر ذلك على عاداتهم وتقاليدهم وفنونهم ، فلماذا تثيرون هذه الضجة الآن؟
جوابي على ذلك هو:
الإسلام الذي دخل القوقاز في السابق هو غير الإسلام الذي يروّج له اليوم، كما أن الظروف مختلفة
في السابق عندما قدم الدعاة الأوائل إلى القوقاز وبشّروا بالدين الجديد، فإنهم لم يظهروا الدين كله بل أظهروا بعضآ منه أي ( وجه البسطة) وأخفوا كثيرآ منه، لا نعرف إذا كانوا فعلوا ذلك عن قصد أو عن غير قصد، المهم أن ما عرضوه كان أشبه بالبروشور الدعائي الجميل الذي يقدمه مندوبوا شركات الأدوية للأطباء حيث يظهرون محاسن الدواء ويخفون آثاره الجانبية والضارة، كان كل همّ الدعاة أن يدخلوا أكبر عدد ممكن من الناس إلى الإسلام ولتخرب البصرة بعد ذلك
الشراكس فهموا الإسلام في ذلك الوقت على أنه دعوة للأخلاق الحميدة والمعاملة الحسنة وبعض الطقوس البسيطة فوافق ذلك هواهم واعتنقوه، بقي تأثير الإسلام سطحيآ عندهم ولم يغوصوا في العمق وساعد على ذلك جهلهم باللغة العربية في ذلك الوقت، لذلك فإنهم لم يغيروا عاداتهم ولا تقاليدهم أو فنونهم مع أنها مخالفة لتعاليم الدين، ولم يتخلوا حتى عن شرابهم الوطني( الباخسمة) الذي يحتوي على الكحول
اليوم الوضع مختلف تمامآ، فنسبة كبيرة من الشركس صارت تتقن اللغة العربية بسبب الهجرات إلى الدول العربية وبالتالي صار بإمكانهم الغوص في الأعماق ، هذا أدى لظهور متزمتين ومتطرفين بين الشركس لم يكونوا موجودين في السابق
كما أن ما يروّج له اليوم هو إسلام بنسخته الكاملة بدون تزيينات، إسلام لا يعرف الحلول الوسط ولا يعرف إجتزاءآ ولا اقتطاعآ، انسوا البروشور الدعائي المزيّن السابق، الآن يريدونك أن تتجرع الدواء كله بكل آثاره الضارة والسميّة وبدون أي حساب لخصوصية هذا الشعب العريق وحضارته وملاحمه وعاداته وتقاليده وتاريخه الذي يمتد آلاف السنين
إسلام اليوم وراءه دول غنية وآبار بترول لا تنضب
كم يؤلمني هذا الوضع، كم يؤلمني انتشار الحجاب عند أعداد كبيرة من الفتيات الشركسيات الصغيرات
كم يؤلمني أن أمد يدي لمصافحة سيدة شركسية فتمتنع عن مصافحتي حتى لا يفسد وضوؤها، هذا لم يكن موجودآ في السابق
وضع الشراكس في القوقاز أفضل من الشراكس في المهجرولكن إلى متى؟ هل سيأتي يوم نشاهد فيه عمرو خالد يقدم محاضرة في مدينة شركسية في القوقاز؟
القوقاز من أجمل بقاع العالم بطبيعته الساحرة، والشراكس عاشوا هناك منذ آلاف السنين وطوروا ثقافة وحضارة وفنونآ راقية وعادات وتقاليد جميلة تعتبر إرثآ إنسانيآ وحضاريآ جميلآ
لا يمكنني أن أتخيل انتشار مظاهر القبح والتخلف من نقاب ولحى ومسواك في تلك الربوع الجميلة
لا يمكنني أن أتصور أن يستبدل هذا الشعب ملاحمه وقصائده الجميلة بكتب ابن تيمية وابن باز
سيكون الوضع مثل رؤية مضارب للبدو في جبال سويسرا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيصلون
فارس اردوان ميشو ( 2010 / 4 / 1 - 00:50 )
الصديق العزيز نارت
سيصل التطرف الى الشركس في موطنهم الجميل وسيصرخ شيوخ التطرف عالياً في عقر داركم والقضل في ذلك لاموال الخليج والوهابية
السؤال الذي يدور في ذهني ؟؟ مادوركم انتم المثقفين والمتنورين في الدفاع عن تاريخكم وثقافتكم وتراثكم ؟؟ هل سثقفون مكتوفي الايدي وتتحسرون على ما كان !!!! ؟؟؟ مثلما فعلنا نحن في العراق فخسرنا تاريخ وحضارة سومر وبابل واشور !!! وفقدت قوميات هويتها وأصالتها وارضها مثل الكلدان ةالصابئة واليزيديين وغيرهم واصبحوا اقليات ضعيفة تتلقى الصفعات وتطلب المزيد !!! انتم المثقفين يا صديقي عليكم الثقل الرئيسي في الدفاع عن هويتكم واصالتكم وتراثكم فلا تتركوا الملعب لهم ؟؟؟
ان البكاء على الاطلال لن يجدي نفعاً ولن يقف معكم سوى انفسكم
انا اسف إن ازعجتك يا صديقي لاننا قبلكم مشينا على نفس الطريق ووصلنا الى ما وصلنا اليه حتى اننا لانجد اطلالاً لنبكي عليها
تحياتي


2 - الهدف الضائع
أشورية ( 2010 / 4 / 1 - 09:40 )
تحيات لكاتب المقالة الذي أصاب الهدف , لكن هل من يسجل رميتك القاضية برميك هذا الهدف المبدع , لأن ضربات وأهداف الكثيرين أمثالك رائعة لكنهم للأسف لهم سلتهم الخاصة بهم عند أصابتهم الهدف وليس من يصفق ويحقق الأمل بتسجيل الهدف أمام أعين المسؤلين الدوليين . مثلما قال أخي فارس عن العراقيين الشعب الأصيل من الأشوريين والكلدان والسريان أصحاب الحضارات العريقة وذات الجذور المتجذرة , أين نحن من عراقنا الحبيب , أصبحنا كالرمانة التي رميت في الأرض وتبعثرت حباتها الرائعة التي كانت يوما متراصة وجميلة . تشتتنا في المسكونة هل من معين ؟ هل من أذان صاغية تسمع لصراخنا وعويلنا وأناتنا , الغريب يقسم بلدانا مثلما يروق له وصاحب البلد مرمي على أبواب الغرباء .


3 - ردود
نارت اسماعيل ( 2010 / 4 / 1 - 11:20 )
صديقي العزيز فارس، لم تزعجني أبدآ، رأيك صحيح مئة بالمئة وأنا أقدره كثيرآ وصدقني أن همي الأكبر في حياتي هو السعي لحماية مجتمعي الشركسي بشكل خاص ومجتمعي السوري والعربي بشكل عام من هذا السرطان، أنا أبذل ما بوسعي على مستوى أسرتي ومحيطي وكتاباتي هنا وهناك، شكرآ لك وتقبل تحياتي الصادقة

الأخت آشورية، ما أجمل وصفك لطوائف المجتمع المختلفة بحبات الرمان التي تبعثرت هنا وهناك، أقل مانستطيع فعله هو أن تحافظ كل طائفةعلى هويتها ولغتها وثقافتها ولا تفقدها ولا تقدمها لقمة سائغة للاسلاميين والقوميين
نحن نعيش بالزمن الرديء ولكني أعتقد أن المستقبل سيكون للأفضل
تحياتي وتقديري


4 - انهم بالفعل قد وصلوا
سيمازا ( 2010 / 4 / 1 - 18:08 )
انهم بالفعل قد وصلوا , و هذه المرة ليس فقط بأموال النفط الذي لاينضب , بل وبدعم و أيدي خفية أو بالأحرى مرئية , لقوى تعتبر العنف الاسلامي عدواً لها وشماعتها التي علقت عليها تدمير أفغانستان والعراق و ماهو آت أعظم
القفقاس الجميل لوثته أمس انفجارات غبية في داغستان و لوثت اسمه الجميل أول أمس في مترو موسكو انتحارية في العشرين من عمرها, ستناي و لكن بنقاب عفن و عقل تم غسله في معسكرات تدريب من يعملون لاقامة امارة القوقاز الاسلامية
فقدت ستناي ملامحها .. عندما صعدت الى جنة موعودة على جثث المدنيين الأبرياء
الأخ فارس .أصبت لب المشكلة بسؤالك عن دور المثقفين و المتنورين الشراكسة,على هؤلاء أن يعملوا و يناضلوا و بضراوة ضد سرطان التخلف الذي بدأ و منذ عقود يستشري في جسدنا الراقي الجميل
و لا زال لدينا الأمل أن لا يأتي يوم نبكي فيه على قفقاس جميل و شعب شركسي صاحب حضارة كما بكينا يوماً على العراق الجميل
كل التحية لك نارت.بانتظار جديدك دائماً


5 - وستجني على نفسها براقش
الحكيم البابلي ( 2010 / 4 / 1 - 20:29 )
بين مقال الصديق نارت ، والتعليق الذكي للسيد فارس وإضافات الأخرين ، كنتُ أفكر ... ماذا يستطيع افراد مثلنا أن يقدموا أكثر لحماية مجتمعهم ؟غير
قابلياتنا وقدراتنا وتأثيراتنا محدودة جداً ، ومهما علا صوت المثقف الحر فلن يكفي لأيقاف الماكنة - صانعة الجهل والتخلف والعمى - الممولة بمليارات البترو دولار
تقول الحكمة -ولا يفلُ الحديد إلا الحديد- ، ونحنُ كأفراد غير متفرغين ، أو جمعيات ومنظمات وأحزاب صغيرة ، ليس بإمكاننا قطع أذرع الأخطبوط الذي وصل تقريباً إلى عرين الأسد النائم
وإن لم تتدخل الدول - الأسد - القوية في إتخاذ القرار الحاسم لفقأ عين الأخطبوط ، فالعالم - كل العالم - في خطر
ورأيي هو أن يكون واجب المثقف الشرقي تحذير الدول الكبرى وتحريضها وإستعدائها على إخطبوط الإسلام السلفي الوهابي السفيه !! لأننا كأفراد ليس بمقدورنا التصدي لهذه القوة الغاشمة التدميرية التي عند الخصم ، والتي لن تُنهيها غير قوة تدميرية أقوى
الأرهاب يضع الأفعى السلفية مع كل العالم الحر في غرفة مغلقة سيخرج منها حياً ، واحد منهما فقط
هي الحرب قادمةٌ لا محالة مهما حاول الغرب تلافيها ، لأنه لم يعد يملك الخيار مع السفهاء


6 - ردود جديدة
نارت اسماعيل ( 2010 / 4 / 2 - 02:06 )
الأخت سيمازا،إنها فعلآ معادلة معقدة تتداخل فيها قوى الظلام المدعومة بأموال البترول مع مصالح دول كبيرة تحتاج إلى هذا البترول كحاجة الإنسان إلى الهواء
في ضوء مثل هذه التحالفات ماذا يستطيع أفراد مثلنا أن يفعلوا؟
كل ما نستطيع عمله هو توعية أسرنا وأصدقائنا ومحيطنا والعمل بكل جهدنا على تعرية هذا الفكر المتخلف وكشف عيوبه للناس
تحياتي لك

الأخ الحكيم البابلي، أنا معك بأن (الحل قادم من الغرب) وأنا عبرت سابقآ عن رأيي هذا في مقالة لي بنفس العنوان
علينا فعلآ توعية الغرب حكومات وشعوبآ لخطر الإسلام على مستقبل الإنسانية
تحياتي لك


7 - تحياتي لك وللشعب الشركسي
ابراهيم جركس ( 2010 / 4 / 3 - 21:08 )
آمل عزيزي نارت أن يرمي المسلمون من اشعب الشركسي هذه الأفكار البالية ولا داعي لأن يصل الأمر لدرجة ذهاب المدّعي عمور خالد إلى القوقاز
آمل ألا يضحوال بتراثهم وتراث أجدادهم م أجل هذه الأفكار الميتة كما ضحى الشعب الفارسي بتاريخه وتراث أجداده من أجل الإسلام
آمل ذلك
تحياتي لك ولزجتك الكريمة

اخر الافلام

.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم


.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا




.. 251-Al-Baqarah


.. 252-Al-Baqarah




.. 253-Al-Baqarah