الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ختان العقول

أحمد محمد صالح

2004 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ عدة سنوات كانت تسيطر على الجامعة المصرية جماعات الإرهاب ، وفى المحاضرة الأخيرة فى المقرر ، تحدانى أحد طلبتى المتأسلمين ، وكان من قيادتهم وأراد أن يحرجنى فى المدرج أمام الطلبة ، وقف وقال :أن المادة التى تدرسها لنا من عند الكفار ولن يذاكرها وسوف يقرأ القرآن ليلة الامتحان وينجح فى تلك المادة بدون مذاكرة ، وأنتظر المدرج إجابتي ، وكانت هادئة وحاسمة وقلت له أننى أتحداك ... إذا قرأت القرآن فقط ليلة الامتحان بدلا من مذاكرة المادة سوف ترسب فى الامتحان ، وان علينا جميعا أن نتوكل على الله ونأخذ بالأسباب ، وقتها فقط سوف يوفقك الله ، ولكن عندما سألنى ابنى الصغير ونحن نصلى الجمعة منذ سنوات فى الشارع ، بعد أن أغلقه المسجد مثل بقية المساجد التى تغلق الشوارع يوم الجمعة كمظهر زايد فى التدين ، سألنى ماذا تفعل الإسعاف أو البوليس أو المطافئ إذا وقعت حادثة وأستلزم الأمر المرور فى هذا الشارع ، أو اضطر أحد المرضى من الذين يسكنون فى الشارع إلى الدخول بسيارة حتى منزله ماذا نفعل ؟!،أشفقت على ابنى من هذا السؤال وهو فى هذه السن ، وكانت إجابتى مراوغة ، واكتشفت أن ابنى الصغير له طريقة خاصة فى التفكير خاصة عندما دخل معى إحدى فروع البنك الأهلى المصرى لصرف فوائد شهادات الاستثمار التى اقرها مفتى الديار المصرية ، ولاحظ ابنى انه بدل الموسيقى التى اعتاد أن يسمعها فى فرع البنك تملأ المكان ، سمع القرآن الكريم بصوت قارئ خليجى وسألنى هل هناك حالة وفاة فى البنك ، وسئلت آنا بدورى موظفين البنك فكانت الإجابة عجيبة أن مدير الفرع راجع من عمرة جديد من السعودية حفظها الله ! وانه بعد فترة من الأيام سوف يذيع الموسيقى الجادة وبعدها بفترة الموسيقى الخفيفة إلى أن يأتى ميعاد العمرة الجديد وهكذا ، وأصبحت فى موقف من يصرف الفوائد على صوت القرآن الكريم ، وإذا عرف الشيوخ طريقة تفكير ابنى سوف يرفعون عليه قضية حسبة لتفريق بينه وبين زوجته ، لكنه مازال طفلا يمكن فى هذه الحالة يرفعوا قضية لتفريق بينه وبين أمه ، أو يفرقوا بين أبوه وأمه ، وهنا تصبح فرصة ذهبية لأبوه للبحث عن زوجة ثانية ، وكله بالحلال .

الصوت العالى والمصرى الآخر
كل عام افضل دائما أن القى نظرة أولا على الجديد فى معرض الكتاب بالقاهرة ، وانتظر انتقاله إلى الإسكندرية حيث يقل الزحام ، وتكون فرصة متاحة للفحص قبل الشراء ، والمعرض فى الإسكندرية يقسم إلى عدة أماكن يتوزع عليها دور النشر . وفى جناح كلية سمارك بالشاطبى يلفت نظرى كل عام أن دار نشر أخوانية مشهورة بإعلاناتها فى التليفزيون عن القواميس الناطقة ، والتى لها طابع دينى معين تجاور تماما دار نشر قبطية تعرض الكتب الدينية وشرائط الكاسيت القبطية فى هدوء تام وبدون أن تذيع عينات من تلك الشرائط ، فى حين كانت دار النشر المتأسلمة تذيع على رواد المعرض بصوت عالى شرائط كاسيت ذات صبغة دينية مثل أغانى أطفال تشجعهم على الصلاة والصوم باللهجة الخليجية ، وكان أنطباعى السريع على تلك الدار أنها غير مصرية ، وسئلت المسئول عن هويتهم ؟أجاب الرجل الملتحى : مصريين إنشاء الله ، واستفسرت وسمعت أن صاحبها من جماعة الأخوان ، المهم ماذا كان يحدث فى المعرض إذا كانت دار النشر القبطية تذيع هى الأخرى عينات من شرائط الكاسيت القبطية على المعرض وهذا من حقها طالما هناك آخرين يعرضون بضاعتهم بالصوت العالى ، وقتها سوف يتحول المعرض إلى مباراة فى إبراز الهوية الدينية لكل دار نشر . وهنا أتذكر ما نشر فى جريدة الدستور المصرية فى شهر أكتوبر عام 1996 من أن الدكتور ميلاد حنا نجح فى الحصول على موافقة بناء كنيسة فى الساحل الشمالى بالكيلو 109 واشترطوا عليه أن تكون الكنيسة بدون أجراس حفاظا على مشاعر السياح العرب !! يا سلام منطق مغلوط ومتعجرف ، ومنطق فيه الإرهاب واضح ، كيف نمنع أجراس كنيسة حفاظا على مشاعر السياح العرب الرقيقة ، وهل تمنع دول أوروبا أجراس الكنائس من أجل عيون السياح العرب، الذين يحتفظون بأموالهم فى بنوكها ويصرفون دم قلبهم هناك ، ووفقا لهذا المنطق علينا أن نمنع الآذان حفاظا على مشاعر السياح الأجانب ، ولماذا لا نستمتع بصوت بالآذان من خلال أجراس الكنائس لتخرج سيمفونية من الوحدة الوطنية تعبر عن هوية مصر، وعلى السياح سواء عرب أو أجانب أن يحترموا تلك الهوية .

أبنائي غرقوا فى التعليم
اتذكر منذ عدة سنوات ، عندما حان وقت دخول أولادى المدارس كانت لى تجربة مع إحدى المدارس التى تدعى الإسلام ، أو إحدى المدارس المتأسلمة التى تمارس ختان العقول ، والتى لم افهم أبعادها ألا حين قابلت مديرها ، وفى مكتبه لاحظت انه طويل الذقن مكفهر الوجه ، وجميع المدرسات محجبات ، واعتذر الرجل بعدم قبول اطفالى بحجة ضيق الأماكن وإمكانية توفيرها فى المستقبل وحدد ميعاد لاحق واستنتجت من كلامة انه كان فى مملكة الارهاب السعودية ومازال يزورها ، وفى الميعاد المحدد طلبت إدارة المدرسة مقابلة الأم لترى مدى تحجبها ، ويمكن كمان يشقوا قلبها لكى يقيسوا مدى إسلامها ، وعرفت أن المدرسة تلزم المدرسات والتلميذات بالحجاب بل تلزم كل ما هو أنثى ، وأنها لا تلتزم بمنهج الوزارة فلا تدرس الموسيقى لأنها حرام والرسم له حدود ، والأغاني حرام الخ تلك القائمة إياها التى تعودنا عليها من تجار الدين ، وهى تهتم بتدريس عدة مقررات دينية مثل القرآن والتوحيد والفقه والأحاديث التى تعتمد على المضمون التعليمى للسعودية حفظها الله للمسلمين ، فأخذت طريق السلامة ، وأدخلت اطفالى مدرسة أخرى . ونسيت هذا الموضوع إلى أن جاء صباح يوم ، ولاحظت أن هناك تجمع من الرجال الملتحين والنساء المنقبات والمحجبات حول المدرسة إياها ، ورجال الأمن من بعيد يرقبون الموقف فسئلت عن السبب قالت أحداهن بالنص " شوفت الدولة المصرية عايزة ترفع الحجاب عن الستات ده حكومة كافرة وبلد كافر " وقال رجل ملتح "الحكومة عاوزة تأخذ المدرسة من صاحبها ونحن أولياء الأمور سوف نمنع ذلك " ، ودفعنى حب الاستطلاع إلى دخول المدرسة وجدت صاحبها منفوخ الريش واقف وسط أولياء الأمور الجالسين على ارض الحوش كأنهم فى مسجد ، الرجال فى الأمام والنساء فى الخلف ، واقف يخطب فيهم ويشحنهم ويعلمهم أن الوزارة سوف ترسل إدارة جديدة للمدرسة ، وان هناك قضية مرفوعة من المدرسة على الوزارة وان ده حرام وده حلال ....الخ كلام الهوس الدينى والتكفير المنتشر الآن .
وانسحبت فى هدوء أفكر فى مظاهرة الجهل هذه ، وكيف تم ختان عقول هذا التجمع ، وإذا كان ختان البنات هو اعتداء سافر على آدمية البنات وحقوقهن الإنسانية فى حياة طبيعية تحت مزاعم العفة والتقاليد والعادات ، فختان العقول هو تغيبها عن الوعى وتعطليها وتجميدها تحت مزاعم دينية ، وإذا كان التعليم هو عمليات تغيير معارف واتجاهات وسلوك الأفراد فان المسئولية الأولى للمؤسسات التعليمية هو إعداد وتهيئة العقول لمواجهة المتغيرات المتلاحقة والمستجدات الحياتية .
وتحت إطار الازدواجية فى النظام التعليمي المصري ، تتم يوميا عمليات ختان العقول لتلاميذ وطلاب مصر ، فالنظام التعليمي المصري يعانى من أنواع مختلفة من الازدواجية ، خاصة بين التعليم الديني والمدني ، والتعليم الحكومي والخاص الذى يعانى داخله من ازدواجية بين التعليم الأجنبي والديني ، بل هناك التعليم حسب الطلب ، وكلنا نسمع ونقرا شعارات المدارس الخاصة كمبيوتر + قرآن + لغة أجنبية + فروسية + وسباحة .
ومع انتشار الإسلام الوهابي والأخوانى ، انتشرت فى مصر المدارس الإسلامية الخاصة التى ترفع الشعارات الدينية وتسمت بأسماء إسلامية ، واشترطت فى هيئة تدريسها والأمهات والتلميذات الحجاب ، وأقبلت على تلك المدارس اسر الطبقة المتوسطة العائدة من بلاد البترول ، والتى تختبئ وراء شعارات الإسلام هو الحل ، وفى المقابل مدارس ترفع شعارات قبطية وتسمت بأسماء مسيحية وتحقق أهداف دينية ، وأخرى ترفع شعارات غربية وتسمت بأسماء غربية وأقبلت عليها الفئات الطفيلية التى جمعت ثروات هائلة ، وتحاول الضغط وتوجيه السياسات التعليمية ، ولعل هذا الطوفان من المعاهد الجامعية التى تعلن عنه الصحف فى أول كل عام دراسي ترجمة لتلك المقولة . طبعا اختلاف الشعارات والمسميات والأهداف ينعكس فى اختلاف المضمون التعليمي والتكوين الثقافي للطلاب وأيضا فى المصروفات ، وهذه المدارس تنتج مواطنين يختلفون فى المعايير السلوكية ، ولا تنجح فى تكوين المواطنة أو بناء نسق معرفي وقيمي يتفاعل تحته أبناء الوطن الواحد . ورغم مسئولية النظام التعليمي عن التطرف ، لكن لا يجوز تفسير تلك المسئولية بعيدا عن المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع المصري ، وهنا يبرز السؤال لماذا ينتشر التطرف بين المتعلمين دون غيرهم ؟! وهنا نزعم للمرة الثانية ، انه بالرغم من ان النظام التعليمي هو نتاج النسق الاجتماعي ، وهو محصلة لشروط المجتمع ، الا أن المناخ المدرسي وان كان لا يصنع التطرف ، فأن معطيات القصور فى المنشأت والإمكانيات التعليمية والمناهج ، وفى عناصر العملية التعليمية كلها ، يحفز على التطرف خاصة إذا ما توفرت ظروف اجتماعيه وسياسية واقتصادية مواتية لذلك .
الدعاة النجوم
توالى فى العشرين سنة الاخيرة فى مصر ظهور الدعاة النجوم ، واصبح هناك بينهم من هو متخصص فى الإعجاز العلمى فى القرآن ، وآخر متخصص فى الشباب ، وثالث متخصص فى توبة الفنانات ! هذا غير طابور من النجوم الدعاة المنتشرون فى الاقاليم والمناطق الريفية ، وكل واحد له منطقته ، لدرجة ان المصريين اصبحوا مستعدين ان يلتفوا حول اى واحد بيتكلم عن الدين حتى لو كان شعبان عبد الرحيم ! وازعم ان الخيط المشترك فى خطاب هؤلاء ، رغم اختلاف اهتماماتهم هو أقناع الناس ان التدين الأصيل ملازم للزهد ،والبعد عن كل هو متعلق بفعل حضارة الدنيا ، وقدموا حلولا فردية للناس فى الكيفية التى ينقذ بها كل فرد نفسه من النار ! ولم يقدموا حلول مجتمعية تحل مشاكل المسلمين وتحاسب حكامها . وفى الناحية الأخرى وظف حكام المسلمين هذا الخطاب الدينى الزاهد منذ عهد معاوية وحتى الآن فى قمع الناس وفقا لمعادلة معاوية ، بالوسائل الروحانية ومزيدا من المواعظ الدينية! ومارس الدعاة سواء الرسميون منهم او الشعبيون فى خطابهم الدينى نرجسية دينية جمعية تضخّم الأنا ، وتستصغر الآخر، فأنتشر بيننا هوس المركزية الدينية ، لاننا فى تعرضنا للدعاة نكون مثل الاسفنج الذى يشرب كل شىء ، وفى حالة من الارتخاء النفسى والحسى بين اليقظة والنعاس ، فى حالة تنويم مغناطيسى فعلا ، فيزيد من استعداد المتلقى الاسفنج لتقبل ما يعرض فى إطار سيكلوجيه الإيمان ، وان الدعاة يتكلمون كلام الله ! وهم يعتمدون فى خطابهم على تشكيل ووإنتاج وإعداد وتحرير قصص بعينيها تعتمد جزئيا على تحيزات شخصية ! وخبراتهم وتجاربهم على ما يريده الجمهور!
مع أنتشار الموجة الدينية في مصر في اعقاب هزيمة 1967 ، وتزايد إيقاعها منذ السبعينات حيث اتسعت الهوة بين الفقراء والاغنياء ، زاد التفاوت الاجتماعي نتيجة التغيرات فى التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المصري وظهرت طبقة الأغنياء الجدد بعد التحول من النظام الاشتراكي الي الرأسمالي، وزادت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وماتت السياسة ، وانكسرت روح الوطن وسقطت مشاريعه القومية الكبري. وفى هذا الموقف اليأس الذى وجد فيه المصريين انفسهم ، راح الناس كما يقول الدكتور يحي الرخاوى " في حركتهم للتجمع معا. يخترعون لهم قيادات، وينتمون إلى ثلل ويلمعون أبطالا ويزيفون زعماء. وتنوعت تلك القيادات البديلة مرة وراء داعية حاضر البديهة طليق اللسان، (المرحوم الشيخ الشعراوى)، ومرة وراء مغن جيد محلي أو مستورد، سواء كان عمرو دياب أو كاظم الساهر، ومرة وراء حشرجة سياسسية أسمها شعبان عبد الرحيم. بل ومرة وراء وزير الخارجية ذكي دغدغ المشاعر بأنفته في مواجهة غطرسة العدو، فتذكر الشعب شيئا اسمه الكرامة، فصار وزير خارجيته بطلا، وغنوا له.
كان من الطبيعي لشعب متدين بعمق تدين الشعب المصري، أن يأخذ المد الديني النصيب الأكبر من هذه البدائل، وفعلا قام الدين كبديل بدور طيب، إذا استبعدنا المغالاة وسوء استعمال للدين كوسيلة دعاية انتخابية، أو كغسيل مخ لتصنيع الشباب قذائفا للإرهاب".
ملخص الموضوع ان الدين كان ومازال الأمل الوحيد للمصريين فى تحسين أحوالهم . فانتشرت ظاهرة التدين بين الرجال وظاهرة الحجاب بين النساء. وكان يفترض ان يقل الفساد ، وتتقلص الجريمة ، لكن حدث العكس زادت المفاسد ، وتنوعت الجرائم ، وإزداد الفقراء فقرا ، واشتدت عمليات التخويف من عذاب القبر والحرق في نار جهنم الحمراء وتعليق المرأة من شعرها يوم القيامة ! واصبح المناخ العام فى مصر يشجع على الدروشة ثم التطرف ، ولعل ايمن الظواهرى ، وغيره من المصريين فى تنظيم القاعدة ، هم نتاج طبيعى للخطاب الدينى الذى يقدمه نجوم الدعاة ، فى يلادنا ، وقبل ذلك هم نتاج ثقافتنا ونظم تعليمنا وأعلامنا التى تروج للدروشة والتطرف معظم الوقت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي


.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس




.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد


.. 119-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال