الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبواق المساجد و أجراس الكنائس

أحمد عصيد

2010 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قديما لاحظ أبو العلاء المعرّي، فيلسوف شعراء العربية، بعقله الذكيّ و حسّه النقدي الواقعي، كيف انغمس أهل زمانه في الصّراعات الطائفية و الحروب الدينية السطحية التي كان وقودها الأحقاد و الضغائن و التعصّب، فقال ساخرا من المشهد الكئيب، هازئا بالعقول الصغيرة التي تجعل أمور الدّين و العقيدة أسبق من الإنسان و كرامته، و مبتدأ الحياة و منتهاها، مما أفقر التجربة الإنسانية، و جعل حصيلة المسلمين من الحضارة صفرا.
قال الشاعر الضرير في أبيات كوخز الإبر:

فـي اللاذقيـة فتنـة مـا بيـن أحمـد و المسيـحْ
هــــذا بـنـاقــوس يــدقّ و ذا بمـئذنـــة يصيـــــحْ
كـلٌ ينـاصر دينـه يا ليت شعري ما الصحيحْ ؟

لم تنقطع الصراعات الطائفية في بلاد المسلمين قطّ لأسباب ثلاثة:
1) إصرارهم على اعتبار دينهم أفضل الأديان و أصحّها، و ديانة غيرهم كما يمارسها الغير "محرفة"، و هو ما يعني أن على جميع الأمم الأخرى الدخول في الإسلام لتصحيح انحرافهم و الإهتداء إلى الطريق القويم، باعتبار أن الإسلام الذي يضمّ حسب رأي المسلمين الديانات الأخرى قبل أن تتعرض لـ"التحريف"، يعتبر الدين الوحيد بالنسبة للمسلمين الذي حافظ على الصّيغة الأصلية الصحيحة لما سمّي بـ"الحنيفية السمحاء" ديانة إبراهيم.
2) عزوف المسلمين عن قراءة الكتب السماوية الأخرى غير القرآن لأن الشرع نهاهم عن ذلك. و لهذا تعود المسلمون على انتقاء بعض المضامين الجزئية من الديانات الأخرى و إثبات تهافتها و ضعفها أمام الشرع الإسلامي من أجل الإنتهاء إلى تكريس فكرة أفضلية الدين الإسلامي على غيره و ضرورة إحلاله مكان الأديان الأخرى . مما أدّى إلى عدم السماح بمعرفة الديانات بتدقيق، و ما أدى إلى جعل تعايش المسلمين مع غيرهم أمرا صعبا، و سمح بإحلال مشاعر البغض و الميز و الجهل و عدم الإحترام محل المعرفة و الحوار و التقارب.
و قد ورث مسلمو عصرنا هذا كل بديهيات العصور القديمة، لأنهم اكتفوا باعتماد نفس التراث و قراءته بنفس مناهج النظر القديمة، مما أدى إلى ضمور الإجتهاد و شيوع التقليد و التخلف، و دفع ببعض الإجتهادات التنويرية الطفيفة إلى هوامش النسيان، و جعل بين مسلمي اليوم و عقيدتهم الدينية جبالا من الورق الأصفر لم يستطيعوا أبدا تخطيها مما أبعدهم عن الأصل، كما جعلهم غرباء في عصرهم، فلا هُم في الماضي لأن الزمن لا يعود إلى الوراء، و لا هم في الحاضر لأنهم يعيشون على هامش التاريخ و الحضارة المعاصرين. بل أصبحت ثقافتهم في بلدان الغير تبدو كما لو أنها شكل من أشكال زحف بداوة الفكر و السلوك على الحضارة الغربية المتقدمة، و كلما ازدادت شعوب الأرض إبداعا و اختراعا و تحررا أمعن المسلمون في التشبث بماضيهم و العودة إليه و الدعوة إلى تكريس قيمه رغم كل التطورات التي لحقت بالحياة البشرية على شتى المستويات.
3) معاملتهم لغيرهم من أتباع الديانات الأخرى في ظل الخلافة و الدولة الإسلامية باحتقار أوجب ردود أفعال مماثلة، و لا أدلّ على ذلك من الطريقة التي يتمّ بها جباية الجزية من أهل الكتاب تنفيذا للآية "وهم صاغرون"، و التي شرحها المفسرون المسلمون بأنها تعني " أن الجزية تؤخذ منهم على الصغار والذل والهوان بأن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب، ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس. ويؤخذ بلحيته، فيقال له: أدّ الجزية وإن كان يؤديها يزج في قفاه، فهذا معنى الصّغار". (التفسير الكبير/ الرازي)، و معناها أيضا في تفسير البغوي:" وَهُمْ صَـاغِرُونَ أي أذلاّء مقهورون. قال عكرمة: يعطون الجزية عن قيام، والقابض جالس. وعن ابن عباس قال: تُؤخذ منه ويُوطأ عنقه". وعن الكلبي: "قيل: إذا أعطى الجزية صُفع في قفاه. وقيل: يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه. و قيل: يُكتب ويُجرُّ إلى موضع الإعطاء." و عن الكشاف للزمخشري :" وأن يتلتل تلتلة ويؤخذ بتلبيبه، ويقال له: أدّ الجزية، وإن كان يؤدّيها يزخ في قفاه".
و الخطير في موضوع الجزية هذا أن ابن تيمية يعتبر هذا الإذلال و الإحتقار ضروريا من أجل دفع أهل الذمة إلى مغادرة دياناتهم و اعتناق الإسلام لتسقط عنهم طقوس الجزية المهينة لكرامتهم. يقول (شيخ الإسلام) ابن تيمية:" وإذلالَ المسلمين له، وأخذ الجزية منه ، فهذه قد تكونُ داعياً له إلى أن ينظرَ في اعتقادهِ، هل هو حقٌّ أو باطل، حتى يتبينَ له الحق ، قد يكونُ مُرغباً له في اعتقادٍ يخرج به من هذا البلاء". و هو نفس ما أكد عليه النيسابوري في تفسيره إذ يقول:" أنه لا بد مع أخذ الجزية من إلحاق الذل والصغار بهم. والسبب فيه أن طبع العاقل ينفر عن تحمل الذل فإذا أمهل الكافر مدة وهو يشاهد عزّ الإسلام وذل الكفر ويسمع الدلائل فالظاهر أن مجموع ذلك يحمله على الانتقال إلى الإسلام".
4) تكريس واقع عدم القبول بالإختلاف العقائدي و التعدد الديني، إلا في حالة وجود الطوائف المسلحة التي تدافع عن نفسها بالقوة و الأعمال الحربية. حيث ما زال المسلمون يرفضون رفضا قاطعا أن تكون مظاهر تدين الآخر بارزة في فضاءاتهم العامة داخل بلدانهم، و لكنهم يصرّون على أن من حقهم أن يطالبوا بالإكثار من مظاهر التدين الإسلامي بالدول الغربية، كالمساجد و الصوامع و الحجاب و اللحية إلخ... فالتمظهر بالصليب أو بـ"الشاشية" اليهودية يعتبر استفزازا لمشاعر المسلمين في بلدانهم، و لكنهم لا يجدون حرجا في فعل ذلك في بلدان الغير، بل يجعلون منه معارك مصيرية، و في الوقت الذي ألزموا فيه الكنائس بالتوقيع على قوانين تمنعها من دق أجراسها في بلدانهم و على عدم السعي إلى بناء كنائس جديدة، يعتبرون من حقوقهم المشروعة الإكثار من بناء المساجد بالبلاد الغربية كما يسعون بكل الوسائل إلى انتزاع "حقهم" في وضع مكبرات الصوت و الآذان خمس مرات في اليوم منذ الفجر.
و قد أصبح هذا بمثابة منطق مقبول لدى المسلمين في "حقوق الإنسان" و "المساواة": عليك أن تسمح لي بممارسة ديني كما أريد في بلدك، و أن أنشره و أبشر به كما يحلو لي ذلك، و لكن ليس لك أن تمارس دينك كما تشتهي في وطني، لأن ذلك يُعدّ خطرا و مؤامرة على ديني الذي هو أفضل الأديان و أصحّها رغم ذلك.
و تزداد النكتة تشويقا عندما نعلم أن بلدا مثل السعودية، يمنع منعا كليا تواجد أي دين آخر بها أو أية كنيسة أو معبد تبعا لـ"حديث" يقول: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب". و إذا علمنا أن في بلدان الخليج 5 ملايين مسيحي يعملون هناك، و هو عدد يتجاوز عدد عرب الخليج جميعهم، دون أن يكون لهم حق بناء كنائس أخرى أو أداء طقوسهم التعبدية باحترام، فإننا نلمس مقدار ما يحتاج إليه العقل العربي الإسلامي من ترميم أو علاج، أو ربما إحالة على المعاش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سقوط التاريخ العربي
سركون البابلي ( 2010 / 4 / 5 - 21:34 )
هذه الشعوب المسماة بالعربية او لاسلامية فقدت كل الاحاسيس فلا يمكن ان تطالبها بان تكون طبيعية في تصرفاتها لان دينها غير طبيعي وليس صالحا الا في تاريخ وعلاقة غير طبيعية مع البشر


2 - الشريعه السمحاء
متفرج ( 2010 / 4 / 5 - 21:45 )
وهكذا وضعت الفاس على اصل الشجره...فيظهر للجميع ياسيدى عوار المنطق الاسلامى المعوج والمنحرف...والادهى من ذلك الاعتقاد بان الله قد حفظ كتابهم من التحريف بينما سمح بتحريف باقى الكتب ...وفى هذا المنطق من الكفر الصريح مافيه فالله متغير يسمح بخداع البشر ويحمى الاخرين...وهو عاجز عن حمايه بعض كتبه...ومراوغ بحيث يترك كتب اصحاب الديانات تحرف بايدى البشر الذين هم اقوى من هذا الاله الضعيف ثم يحاسبهم على ايمانهم بتلك الكتب المحرفه...مقولات لا يمكن لاى صاحب فكر ان يقبلها الا ان كان يمارس اقذر انواع التضليل


3 - في طريق الهوية
اوشهيوض هلشوت ( 2010 / 4 / 5 - 22:12 )
برافو سيد عصيد مقال كاشف لعمق تاثير المخدرات على سلوك هؤلاء(( المسلمين ))فكلما انكشفت حقيقتهم زادوا تشبتا وا ستهلاكا لمخدرهم
انهم ينتحرون ببطئ
بئس المصير


4 - الجزية
عبدالعزيز السالم ( 2010 / 4 / 6 - 11:11 )
كان موضوع الجزية احد الموضوعات التي ابغضتها ونفرتني عن الاسلام فلا يمكن ان امارس اذلال الاخر واستصغاره وذله .. لا يمكن ابداً فليس من المعقول ان الله هو من يامر بهذا الذل ..

واضيف ايضاً لشيخ الاسلام ابن القيم الجوزية

هل أصل الجزية لعصمة الدماء أو هل إذلال و عقوبة

و المسألة مبنية على حرف : و هو أن الجزية هل وضعت عاصمة للدم أو مظهرا لصغار الكفر و إذلال أهله : فهى عقوبة

فمن راعى فيها المعنى الأول قال : لا يلزم من عصمها لدم من خف كفره بالنسبة إلى غيره - و هم أهل الكتاب - أن تكون عاصمة لدم من يغلظ كفره .

و من راعى المعنى الثانى قال : المقصود إظهار صغار الكفر و أهله و قهرهم و هذا أمر لا يختص أهل الكتاب بل يعم كل كافر و قد أشار النص إلى هذا المعنى بعينه فى قوله : ( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
فالجزية صغار و إذلال . ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرق . قالوا : و إذا جاز إقرارهم بالرق على كفرهم جاز إقرارهم عليه بالجزية الأولى لأن عقوبة الجزية أعظم من عقوبة الرق و لهذا يسترق من لا تجب عليه الجزية من النساء و الصبيان و غيرهم


5 - الاسلام ايديولوجية استعمارية
Martyr Kusseila ( 2010 / 4 / 7 - 01:37 )
الغريب في هذا الدين بعد انهار الداء التي اسالها وملايين القتلى والاسرى والسبايا يفرض التعريب ويبيد اللغات وبذلك يمهد للاستعمار العربي او يصنع من الشعوب المنهزمة التي ارتضت به قهرا كيانات جديدة منقطعة عن ماضيها واصولها فكيف اصبحت مثر العريقة عربية وكيف طمس الشمال الافريقي ورسخ في ذهن الملايين انهم من اصول اعرابية

وقد وجد القومجيون الطبخة جاهزة ولذلك لا تعجب ان رايت ملحدا قومجيا يرفع شعار العربية لغة القرآن ، ويقولون العرب أقدر من غيرهم على شرح القرآن وفهم معانيه

اذن يا مسلمين هاتوا نصارى عرب يشرحون لكم القرآن ويؤمونكم في الصلاة

وعهل نسي هؤلاء ان من وضعوا قواعد للعربية ليسوا عربا من سيبويه في الشرق الاسلامي إلى ابن آجرّوم الصنهاجي في الغرب الاسلامي


6 - في قمة التخلف
علي ( 2012 / 6 / 15 - 13:10 )
لمجرد التوضيح هنا من هو الجاهل بيننا , ان تأتي بلكمة من القرآن وبتفسيرها بدون أن تذكر سبب نزول هذه الآية فهذا هو الجهل بعينه
نزلت هذه الآية ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا ‏حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا ‏الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29)
عندما اراد هرقل عظيم الروم القضاء على الرسول محمد وصحبه بسبب الرسالة التي ارسلها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى هرقل .

خلاصة الموضوع , قبل أن تقرر كتابة اي مقالة راجع مصادرك مرات عديده حتى لا تفتح مجال السخرية لنفسك .

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل