الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية ليست ضد الدين

شريف حافظ

2010 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سمعت فى الأونة الأخيرة الكثير من الملحدين المصريين، يتوافقون وبشدة مع المتشددين المسلمين، حول الدمج ما بين العلمانية والإلحاد. وهو أمر إن دل على شئ، فإنه إما يدل على أن هؤلاء يستمدون علمهم من مصادر مشكوك فى أمرها أو أنهم يتعمدون ذلك رغبةً منهم فى أن يتلاعبون بمضمون الكلمة لأغراضهم الذاتية. فالمتشددون العارفون بحقيقة المعنى، إنما يزيفون المحتوى، لأنهم يريدون أن يقيموا دولة دينية. أما الملحدون المتطرفون فهم يريدون التعريف ملائم لهم ولما يحيونه، لكى يرتاحوا إلى أن تطبيق العلمانية فى النهاية، ستمنحهم ما يصبون إليه من الحرية اللامتناهية، دون ضوابط أو قيم روحية.

إن "فصل" الدين عن الدولة، لا يعنى إلا أن تكون السلطة الدينية فى داخل مؤسساتها، مثل الأزهر للمسلمين فى مصر والكاتدرائية بالعباسية للمسيحيين. ولكل شخص الحرية التامة فى ممارسة شعائره، دون أن تخلط بالسياسة وهذا أمر طبيعى وكان الحادث فى دولة الخلافة فإن كان الخليفة يحكم بأمر بالدين، لما كان لديه ناصح دينى يجلس فى مجلسه، وكان إما يأخذ برأيه أو يتركه، إن الفصل بين السياسة القذرة والدين المستقيم، مستمر وسيستمر دائماً وليس فى هذا أدنى لبس أو شك والحياة بصفة عامة، لا يُمكن أن يكون فيها خلط بين الأمور، فلا يمكن الخلط بين الطب والهندسة، أو صناعة الخمر وصناعة الألبان. الموضوع محسوم وتلك مسألة لن أتحدث فيها، لأننا هنا لا نناقش المعلوم!

لقد أرسى الغرب دعائم العلمانية الرسمية، المقننة بشرائع مكتوبة. وعليه بنى تلك العلمانية التى تحترم الدين ولا تعتدى عليه. وإذا ما تناولنا العلمانية فى كندا على سبيل المثال، سنجد التالى:

فكندا وبالرغم من علمانيتها وتعدد الأديان فيها، تعطى الأولية للديانة المسيحية الكاثوليكية. والإجازات الرسمية التى تحتفل بها البلاد روحياً، هى الإجازات المسيحية "فقط"! إلا أن الدولة تمنح غير المسيحييين 3 أيام إجازة فى السنة، يحددها كل شخص على حدة، وفقا لأعياده الدينية ولم يشكو أحد من هذا النظام أبداً. والكنائس تدق أجراسها كل يوم أحد دون إعتراض من أى شخص. أما أهم مظاهر احترام الدين المسيحى فى كندا العلمانية، فيتمثل فى النظام التعليمى، حيث المدارس الأهلية شائعة ويتم تحصيل أموالها من الضرائب، كما هو الحال بالنسبة للمدارس ذات الصفة الكاثوليكي، أى أن تلك المدارس الأهلية الدينية، هى مدارس مجانية

فليست المشكلة أن تكون هناك مدارس تدرس الدين، بل إن هذا أمر واجب الوجود، لأن تلك قيمة المجتمع وموروثه الثقافى، كما تعتبر كندا فى تلك الحال. ولكن المشكلة أن يُدرس الدين بشكل "يُجهل" العقل والتسامح للآخر. فالدين مُؤشر للخير، ولكن التشدد الدينى ممنوع، لأنه يُقيم ديانة "أخرى" مُجهلة للعقل! وبالتالى، فإن كيفية المنهج الدينى هى المهمة وليست المنهج الدينى فى حد ذاته!

إن أوروبا، تستقى موروثها الثقافى من الدين وتختلف فيها العلمانية من دولة إلى أخرى. فبينما يظهر الصليب جلياً فى كل محاكم إيطاليا، لا يحدث ذلك فى فرنسا، ولكن فى النهاية يوجد كنائس تدق أجراسها بمطلق الحرية فى المدن والقرى الفرنسية. فإن كانت العلمانية تمنع الدين، فكيف توجد تلك الكنائس وتعمل بحرية؟! وفى أغلب المتاحف الأوروبية التاريخية، تجد صورا ورموزا مسيحية واضحة المعالم، فتسأل، عن مكانة المسيحية فى تلك الدول، فتجدها غاية فى الاحترام. ويوجد قوانين فى الكثير من الدول الغربية، تمنع سب الأديان تماما، وتمنع التعرض للمعتقدات المقدسة كلها، وتسمح بحرية العقيدة وتصونها، بل إن هناك تطرفا فى أحيان كثيرة، فى رفض تغلغل الآخر فى وسط تلك المنظومات، حيث يرفض الاتحاد الأوروبى تماماً، انضمام تركيا إليه، وعندما سألت، أكد لى الأوروبيون أن السبب أن الأغلبية الساحقة من الأتراك "مسلمين" وأن دخول تركيا، ستغير المعلم الثقافى المسيحى لأوروبا! ولذا نجد أن دول أوروبا الشرقية الأقل تطور من تركيا، قُبلت فى الإتحاد الأوروبى "مباشرةً"، بينما لم تُقبل تركيا التى تطالب بالإنضمام من عقود مضت! وتقديس بابا الفاتيكان، لهو أبلغ تعبير على أن علمانية الغرب "المسيحى" تحترم الدين تماماً! تلك هى علمانية العالم الغربى، وهو يحافظ على دينه تماما! فمن يقول لدينا، أن العلمانية لا تحترم الدين إذاً؟!

أقول دوماً أنى مسلم علمانى، فيهاجمنى كل من المسلمين المتشددين والملحدين المتطرفين، إنهم "يقتاتون" من الهجوم على "المعتدلين"، لأنهم لا يملكون بضائع عقلية للبيع! إنهم مفلسون، لأنهم لا يمكنهم أن يدعوا إلى التشدد الدينى ولا إلى الإلحاد، لأن كليهما لا وجود له إلا فى عقولهم! ولا ينزلق وراء المتشددون دينياً، إلا المغيبون عقلاً أو الفقراء الذين يريدون دوراً أو الإحساس بأنهم أفضل حالاً من الأغنياء، وبذا يملكون سلطة وهمية فوق رؤوس العباد! ولا يمضى وراء الملحدون إلا من يريد أن يتخطى الأخلاق دون قراءة ويفعل ما يريد. وأنا هنا، لا يهمنى الأشخاص بقدر ما يهمنى الفكر العام.

ففى النهاية كلُ حر فى اعتقاده، ولكن أكره المزيفين، الذين يزيفون الفكر، من أجل غاية فى نفس يعقوب! فليقولوا الحقيقة والخير والحق وإن كان ضدنا أو ليصمتوا! أما أن يزيفوا الواقع من أجل أن يتصيدوا ويظفروا فى حرب لا أساس لها، فهذا هو الزيف!

إن العلمانية أيها السيدات والسادة، لا تحارب الدين على الإطلاق، بل إنها فقط، تفصل ما بين المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية، ولا تجعل الدينى هو الأساس، إلا فى قلوب "من يريد" من العباد. ويمكن حل كل تلك المُعضلات، بإطلاق حرية العقيدة وحرية بناء أماكن العبادة الدينية كلها، حتى يستفيد هؤلاء "المزيفين" بعيداً عنا. إن الملحدين فى الغرب، لا يقيمون المعارك هكذا، ولكنهم يحيون بسلام، وهم أحرار فى ذلك، طالما أنهم لا يضرون الناس بفكر "مختلق"! والمُتشددون الدينيون، يزورون الدين ويُظهرونه وكأنه العنف والقتل والدم، وهو أبعد ما يكون عن ذلك!

علينا بأن نحتكم إلى ضمائرنا، عندما نتكلم ونفكر ونحلل، لأن الهدف هو إرساء المواطنة والخروج ببلاد نعنتز ونفخر بها ونحيا فيها كلنا بسلام، يحترم الناس بعضهم بعضاً فيها، ويستطيعوا الإتحاد من أجل تنميتها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مثـل ... الجــراد
حورس ( 2010 / 4 / 6 - 01:04 )
صديقى العزيز

أنت تنفخ فى قربة لها الكثير من الثقوب ، فهؤلاء المرضى لايرون سوى أنفسهم ولايسمعون سوى نعيقهم متخيلين أنفسهم أفضل البشر والجميع يحسدونهم ويطمعون فيهم !!! وأن أقوالهم وتاريخهم أحكم وأفضل ماغشاه العالم... فهم سلالة الأعراب الذين عاشوا عالة على بيئتهم ولم ولن يطوروها بدليل أنهم حين غزوا ماجاورهم من شعوب لم يطوروا مكان مولدهم وهو جزيرة العرب ولم ينقلوا لها شيئاً من حضارات تلك الدول بعد أن نهبوها وعادوا بها للوراء قرونا ً . فهم مثل الجراد عزيزى


2 - بلى العلمانية ضد الدين
تاج الدين النوبي ( 2010 / 4 / 6 - 07:53 )
تحية للأخ شريف, من قال لك بان العلمانية مع الدين فقد كذب,!! نعم وألف نعم العلمانية الحقة هي ضد الدين, وكل ما يمثله هذا الدين من شرور منذ ظهوره, وحتى لحظات التنوير الحالية, كل ما تراه من مظاهر وجود الدين في أوروبا ما هي إلا عملية استسلام قسري كامل للدين لشروط العلمانية القاسية, لا تنسى هذه الشعوب عمليات القتل والإحراق والتعذيب الوحشي الذي مارسه رجال الدين مستخدمين تعاليمه الإرهابية, هذه الشعوب لم تنسى جاليليو ولا كوبر نكس ولا داروين, والعلمانية في الوطن العربي لن تنسى فرج فوده ولا نجيب محفوظ ولا محمود محمد طه, الدين ضد العقل وضد إرادة الحرية, أما عن تركيا فمن قال لك بأنها دولة ديمقراطية؟؟, بل هي اشد الديكتاتوريات دولة تحكمها العسكر من وراء ستار !! وأوربا ادري بها منا,,أخ شريف من موضوعك استشف انك ما زلت تحمل الأفكار الدينية عن العلمانية وهي أنها بدون قيم؟؟, بل قيمها أفضل وأروع لأنها مستمدة من العقول والضمائر وليست من كتب صفراء!!, إن أسوأ ما في الأديان أنها تحول إنسانا عاديا, طيبا إلى وحش كاسر لإرضاء شهوة شبح لا يوجد إلا في عقول المجانين؟؟


3 - فكر مشوش مقال مشبوه
النيل نجاشي ( 2010 / 4 / 6 - 08:43 )
فصل الدين عن الدولة في العلمانية لا يمنع نقد الدين. فالنقد أساس كل التقدم ونقد الدين أساس كل نقد
في الأسابيع الأخيرة قررت الحكومة في كندا رفع الدعم عن المدارس الدينية وفي مقدمتها مدارس يهودية ومسيحية
ان تسللات الأديان في الحياة الغربية . لافسادها . وكما هي طبيعة الاديان . تجعل علمانية دل الغرب دائما في حالة صراع ومد وجذر مع الأديان . ولكن العلمانية بالغرب و كندا لم تستسلم للأديان كما يصور ويزعم الكاتب . الذي لا ندري لماذا اختار كندا بالذات . ولماذا اختار المصريين بالذات . فهناك عراقيون وسوريون بل وسودانيون .علمانيون وملحدون أصواتهم عالية ربما أعلي من أصوات العلمانيين والملحدين المصريين
!!!!!!!!!!!!
لولا العلمانية . وحرية نقد وتعرية الأديان . - وان كانت لا تمنعها ولا تحاربها الا دفاعا عن النفس - لما تقدمت أوربا ولا أمريكا . ولما وصل الانسان لما هو فيه الآن من حضارة
فالأديان كانت ضد العلم وبالتالي ضد التقدم . وقتلت وأحرقت العلماء . ولها في ذلك تاريخ أسود -
يبدو أن الكاتب المحترم لا علم له بذلك
لو اعتمد الانسان علي الأديان . لما كان الانترنت الذي ينشر الكاتب من خلاله مقاله هذا


4 - الدين هو الذي ضد العلمانية
أثير العاني ( 2010 / 4 / 6 - 08:59 )
نعم، العلمانية ليست ضد الدين لكن الأديان الإبراهيمية هي التي ضد العلمانية والليبرالية وحقوق الإنسان لولا أن النقد قد قلم أظفارها باستثناء الإسلام الذي يجب أن يأتي الدور عليه.


5 - العلمانيه تحمي الاديان
المترصد ( 2010 / 4 / 6 - 09:47 )
اخي الكريم العلمانيه لا مع ولا ضد الاديان بل على العكس العلمانيه توفر الحريه لكل الاديان على اختلافها وتنوعها حريه العبادات واقامة الطقوس بدون ان يتسلط دين على الاخر وهذا ما نطالب به لا يمكن لدستور دوله ان يستمد تشريعاته من دين معين لانه ببساطه سيظلم الاديان والطوائف الاخرى تحيه لك

اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟