الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انه واحد وتكسر!

أحمد هيبي

2010 / 4 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إنه واحد . إنه شيء. إنه كل شيء. وهو لا شيء. هو الواحد الكبير إلى ما لا نهاية. الصغير، بحيث لا يُرى، ولا يمكن تقسيمه. فلا أجزاء له. ولا يمكن العبور من خلاله. إنه أزلي. لأنه واحد. ولكن أبديته تصبح موضع سؤال. ولكنّه تكسّر، وتحول إلى كلمات. إلى أفكار. إلى أناس هائمين على وجوههم. متردّدين. تحوَّل إلى سماء. إلى أرض. إلى جبال. إلى أحزاب.
لا نعرف متى تكسّر. ولا نعرف كيف تكسّر. تشقق أولاً. ظهر خط التكسر رقيقاً. ثم أخذ يتسع. بعدها ظهرت شقوق أخرى وانقسامات كثيرة. هل كانت هذه خطة؟ لا نعرف. ولكننا نعرف أنه تكسر. تشقق حتى لم يعد بالإمكان وقف التشقق. تشقق بسرعة الصوت، ثم بسرعة الضوء. نزلت منه مياه كثيرة. ثم جف فجأة، وكأنه سكن فوق سطح المريخ. إنه يحاول الإتحاد ولكن هيهات. هل يستطيع أن يعود إلى طبيعته الأولى. لا نعرف. محاولاته باءت بالفشل. حتى وهو يجمع أجزاءه يعود إلى الانقسام. أصبح اثنين وثلاثة وأربعة .... وآلاف وملايين.. ينقسم بلمح البصر. من الطرف إلى الطرف. حتى قال البعض أنه ولد متكسرا، أو أن طبيعته التكسّر.
لم نعد نرى الواحد. فقد أصبح كثيرا. أصبح قطعاناً. أصبح أمماً. أصبح ذرات صغيرة وإلكترونات لا تستطيع أن تراها بالعين المجردة. ولكنها تموء كالقطط، وتنسل كالثعابين، وتملأ كل ثقب ممكن. تنتشر في الفضاء, على شكل نحل أو طيور, أو جزيئات من الهواء. وعندما بدأت الكائنات تموت. تركها لنفسها. نفض يده منها. تحولت إلى جوامد. إلى جبال وصخور وكوارث طبيعية. حتى روحه العالية تكسرت, فظهر منها ملائكة مجنحة, وأخرى تعيسة وشيطانية.. فقد أخذت الأشياء طبيعته في التكسر، وبدأت هي رحلتها اللانهائية في التبدل والتغير. حاولوا جاهدين رأب الصداع. ولكن هيهات. فقد بالغ في التكسّر والتحول. لم يكن في طبيعته التحول. ولكنه تحول. تبدد. تمدد واتسع حتى لم يُعُد أمامه إلى الانقسام. إنهار مثل جدار. وفجأة تحول الجدار إلى حجارة صغيرة. كيف لم نرَ ذلك في البداية؟ كيف لم نرَ أنه مؤلف من لبنات وحجارة صغيرة وحصى وحبات رمل.
لم نكد نرى. ثم رأينا كل شيء بوضوح. انكشف السّر. وكان أولاً يحاول أن يخفيه. ازداد الانقسام وتجذر. تباعدت الأجزاء. والأنكى من ذلك أن الأجزاء نفسها عاودت الانقسام. تكسّر حتى لم يعد للواحد معنى. فلا يوجد واحد بين الكثرة. إنه أحمر وأخضر وبجميع الألوان. لأن الانقسام لا يأخذ لونا. أو إنه يتلوّن بعد ذلك. إنه واحد وتكسّر. ولذلك فهو ذاق طعم الموت. ولم يكد يعرف الموت. وذاق طعم الحُب, ولم يكد يعرف طعم الحُب. الحُب الذي في الاتحاد. الحُب الذي في العودة إلى الوراء. وعرف معنى الحياة. ولم تكن الحياة تعني له شيئاً. وعرف طعم النوم, ولم يكن يعرف النوم إليه طريقاً. وعرف طعم الخوف. ولم يكن يخاف أولاً. ولأن الشيء لا يُعرف إلا بنقيضه, فقد عرف المرض إذا ابتعد عن الصحة, وعرف الجوع إذا أصبح يتوق إلى الشبع. وعرف العوز إذ تبدّدت طاقاته العظيمة بين أجزائه الكثيرة. وعَرَف التردّد إذ فلتت الأمور من يده. وعَرَف الحرب عندما تاقت نفسه للسّلام الأول. حقا. إنه واحد وتكسّر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس