الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخمار المؤمن

حسنين السراج

2010 / 4 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خمارا الى درجة الثمالة المستديمة لا تفارق قنينة الكحول جيبه , كان يقف في مكانه الدائم تحت ظل حائط مائل , مر بالصدفة أحد المتسولين من هؤلاء الذين يعيشون في أكبر منزل صيفي في العراق وهو حديقة الامة التي تقع في قلب بغداد , تجمع بحنانها عشرات المتسولين كعائلة واحدة , كان هذا المتسول يمشي حافيا ويبدو انه فارق الحذاء منذ فترة طويلة الى درجة ان قدماه تلونتا بلون ارضية الشارع , وقف المتسول قريبا من الخمار ليرتاح من عناء الطريق الذي لا ينتهي الا بتوقف قلبه , أنتبه الخمار لحال المتسول وكأنه ينظر للوحة سريالية رسمت بأنامل فنان شديد القسوة , وضع الخمار يده على كتف المتسول ومده بدفعات من الحنان وأنتزع نعليه والبسهما في قدمي المتسول وذهب الى بيته حافيا .
مررت بأحد الاصدقاء مرة ووقفنا في باب داره انا وهو واحد أقاربه ,مرت سيدة يبدو عليها الفقر وكان صديقي على معرفة مسبقة بحالها فقدم لها يد المساعدة , أنتفض قريبه بشكل مفاجيء قائلا : هل تعلم عنها شيء ؟ هل تعرف أن كانت تصلي أم لا ؟ هل تأكدت من كونها فقيرة فعلا ؟ هل تعرف مستوى أيمانها والتزامها ؟ وغيرها من الأسئلة التي أثارت أشمئزاز صديقي الذي أنتفض بوجه قريبه بشكل أثار أعجابي وأراحني بشكل كبير .
قدر الفقير أن يكون الالم صديقه الدائم الذي يزوره دون سابق أنذار , شعار الخمار في قصتنا الأولى هو ( الشعور بمعاناة الاخر) وشعار المتدين في قصتنا الثانية هو
( أستغلال معاناة الاخر للحصول على متعة أبدية لا تنتهي )
هناك نوع من المتدينين علاقته مع الله مبنية على أساس تجاري تحدده معادلات رياضية صعبة , فهو يفكر كثيرا في ما سيحصل عليه مقابل فعل الخير ويفكر في تحقق المعادلة الرياضية التي توصله للمكسب المستهدف من الحسنات لذلك يهتم كثيرا في علاقة من يريد مساعدته مع الله ومدى قوة هذه العلاقة ولا يفكر بمدى معاناة هذا الشخص ومقدار الألم الذي يشعر به , وهكذا نموذج لو فرضنا أن عمل الخير ليس فيه حسنات لم ولن ينفق دينار واحد لأجل رفع المعاناة عن أنسان , الهدف الرئيسي من فعل الخير لدى هذه الشريحة هو تقوية علاقته بالله والحصول على متعة أبدية لا تنتهي , أما الخمار الذي نزع نعليه دون تفكير ليرفع المعاناة عن المتسول وليذهب الى بيته حافيا دون حرج فهذا نموذج من نوع اخر , وصل الى أعلى درجات الرقي وأعلى درجات الأحساس بالاخر ,لم يفكر في معتقد الاخر ولا مقدار التزامه ولم يعرف أن كان يصلي أم لا كل ما كان يفكر به هو مقدار الألم الذي يشعر به المتسول وطريقة تخفيف هذا الألم , في الواقع ليس هناك علاقة للتدين ولا للخمر بالموضوع , هناك متدينين يحملون نفس طيبة ومقدار عالي من الحنان وهناك خمارون يحملون مقدار عالي من القسوة , شاهدت مرة كلب أعطاه أحدهم طعام فوضعه خلف اطار أحدى السيارات الواقفة في الشارع ورجع بعد خمس دقائق معه أربع كلاب واقتسموا جميعا الطعام , ما فعله هذا الكلب يعجز الكثير من البشر عن فعله , لم أعد أعتقد أن المشاعر الطيبة يجب أن تسمى مشاعر أنسانية , فالواقع يفرض غير ذلك , هي مشاعر توجد في البشر وغيرهم من الكائنات الحية , تستخدم مفردة الأيمان عرفا كصفة للمتدين وتستخدم مفردة الكافر كصفة للاديني أو الغير متدين احيانا , في الواقع حين نتأمل قصتي الخمار والمؤمن نجد أن صديقنا الخمار مؤمن بعقيدة ازلة الالم عن الاخر وصديقنا المتدين كافر بالاخر ومؤمن بربه ونفسه , يتحدث بعض رجال الدين عن الله وكانهم يتحدثون عن هتلر, لا يهتمون بمدى قناعة الاخر ومدى شعور الاخر بجوهر الأيمان بالله فالنتائج الشكلية هي في المستوى الأول فيكفي أن تصلي وتقصر ثيابك وتستعمل السواك وتتختم باليمين خوفا من جهنم أو طمعا في حور العين ومن غير المهم أن تصل الى عمق الأيمان بفلسفة الله وفلسفة الموت والحياة , المفارقة أن الخمار وصل الى درجة تعتبر وفق المنظار البشري أعلى درجات فهم الاخر والشعور به والمتدين فشل في التفاعل مع الاخر وقرر الانتظار في البرج العاجي الى أن يمكن الاخر المنهك في هموم الحياة من الوصول اليه , الأمثلة السابقة ليست معيار ممكن أن يقرن بالتدين أو شرب الخمر , في هذه الحياة كل صفة ممكن أن تتوقع وجودها في أي أنسان مهما كان سلوكه الحياتي والتزامه الديني , يتصور المتدين أحيانا أنه من خاصة الله وباقي الناس الذين لا يشبهونه في السلوك هم العامة لذلك يكتسب صفة الغرور فهو يهدد الناس بجهنم ويستثني نفسه ويغريهم بالجنة لأنه متأكد من أنه سيدخلها , أقصى درجات عبادة الله هي الشعور بمعاناة الاخر ورفعها عنه جهد الأمكان دون التفكير بالمكاسب المعنوية والمادية , بعض فاعلي الخير يفعل الخير من باب الانانية وليس من باب رفع الألم عن الاخر , فلو لم يكن هناك مكافأة مقابل الخير أنا على يقين أنه لم ولن يفعله .
في أمان الله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
أيمن قـدرى ( 2010 / 4 / 11 - 02:35 )
مقاله لا يقال عنها أقل من رائع


2 - سلم قلمك ـ هذه هي الحقيقة.
سميح الحائر ( 2010 / 4 / 11 - 08:07 )
فلو لم يكن هناك مكافأة مقابل الخير أنا على يقين أنه لم ولن يفعله .- صدقت يا اخي هذه هي الحقيقة. ان الملايين الزاحفة الى الاماكن المقدسة في العراق وايران لم يكن هدفها تكريما واجلالا لما قام به صاحب الذكرى من التضحيات بقدر ما هي المصلحة المتوخات مقابل هذه الزيارات واليك بعض المكافاة.
الامام الرضا: ينسب اليه قوله من زارني على بعد مداي ضمنت له على الله الجنة. الامام الحسين: من زار الحسين كمن زار الله في عرشه. من زار الحسين يوم عرفة كتب له اجر ماة الف شهيد من شهداء بدر. من زار الحسين يوم الاربعين كتب له اجر اربعين حجة مبروررة. هذه هي المكافاة ولولاها لما رايت هذه الاعداد الهائلة من اليشر تتردد على قبور الاولياء الا النزر القليل منهم. اما المصلحة للساسة المتنفذين هو الاستغلال السياسي للوصول الى كراسي الحكم. ولكن السؤال المطروح هل هذه المكافاة حقيقية ام وهمية؟؟؟.اعتقد انها الى الوهم اقرب والمستفيد هم المتنفذون وتجار الدين.


3 - الى الأخ أيمن قدري تحية طيبة
حسنين السراج ( 2010 / 4 / 11 - 14:56 )
شكرا جزيلا لك أخي العزيز على أطرائك ومشاركتك مع خالص التقدير وكل الأمتنان


4 - الى الأخ سميح الحائر تحية طيبة وبعد
حسنين السراج ( 2010 / 4 / 11 - 14:59 )
ممتن جدا أخي العزيز على أطرائك ومشاركتك الرائعة وفي الحقيقة أنا لا أهتم كثيرا في مدى حقيقة ما يؤمن به الأنسان ما يهمني أكثر هو مدى حقيقة مشاعر الأنسان في تعامله مع الاخر مع خالص التقدير وكل الأمتنان لمشاركتك القيمة


5 - بالفعل
أيمن قـدرى ( 2010 / 4 / 12 - 19:10 )
بالفعل يا سيد سراج هذه هى الحقيقه بعينها الإيمان القلبى ليست ماده يفحصها الغير ويقيمها فيثمنها أو يبخسها
الإيمان القلبى إعتقاد فى القلب لا بد أن عبر عنه العمل
الإنسان يحول نفسه الى إله يقيم إيمان الآخرين
ويصنفهم فى فئات
تحية مره اخرى الى الكاتب سراج ودعوه له بالإستمرار فى الكتابه

اخر الافلام

.. لمن سيصوت يهود أميركا في الانتخابات الرئاسية؟


.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم




.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah