الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة الرسول: دينية أم مدنية؟؟

يوسف المساتي

2010 / 4 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شكلت هجرة الرسول (ص) نحو يثرب محطة نوعية، إذ أعلنت عن ميلاد مشروع دولة بمميزات خاصة، و هو الأمر الذي جسدته خطوات عدة قام بها محمد (ص)، كان من بينها تغيير اسم يثرب إلى المدينة – سبق و أن توقفنا عند دلالات هذا التغيير في مقالنا المنشور بمنتدى الأحداث يوم الجمعة 05 دجنبر 2008 بعنوان: "فتح مكة و الفصل بين السلطتين"- و التي تلتها خطوة أهم و أعمق عرفت بصحيفة المدينة، و هي تلك الوثيقة التي عقدها الرسول (ص) مع كافة الأطياف المتواجدة بالمدينة (أوس، خزرج، يهود...)، و التي حددت واجبات كل طرف و حقوقه، و قبل أن نتوقف عند أهم بنودها فإنه من الضروري أن نتساءل حول سبب اختيار محمد (ص) يثرب ليهاجر إليها؟، و لمحاولة الإجابة لا بد من استحضار معطيان أساسيان:
أولا: إذا كان احتضان قريش للكعبة قد جلب لها احترام بعض القبائل العربية، فإنه و بلا شك سيجلب نقمة البعض الآخر، و يمكن لنا أن ندرج محاولة أبرهة الحبشي تهديم الكعبة في هذا الإطار، التي و برغم فشلها إلا أنها و بلا شك قد خلقت تطلعا عند بعض القبائل العربية لإزاحة قريش من موقعها. و بالتأكيد أن ظهور نبي جديد كان سيدفع أكثر من قبيلة لتأييده حتى تحول مركز السيادة إليها، و هذا ما سيحدث في فترة لاحقة مع مسيلمة الكذاب، حيث سيؤيده الكثيرون -رغم اقتناعهم ببطلان ادعائه للنبوة- لسحب البساط من تحت أقدام قريش. فلماذا حدث العكس مع محمد (ص)؟، و رفضت أغلب القبائل دعوته عندما كان يعرض نفسه عليهم؟.
يبدو أنه من الصعب تقديم جواب قطعي، لكن في اعتقادنا الشخصي، أنه من الضروري وضع الروايات التي تتحدث عن هذه الفترة موضع شك بسبب ما يطبعها من مؤثرات درامية، ذلك أنه و في ظل خريطة قبلية معقدة بالشكل الذي كانت عليه في شبه الجزيرة، لم يكن من الصعب على الرسول (ص) أن يقيم تحالفات قبلية في مواجهة قريش، إلا إذا كان هو يرفض هذا الأمر، لأنه لم يكن يبحث عن مجرد تحالف قبلي عادي، بل كان يبحث عن شيء آخر مختلف لا يوجد إلا في يثرب، و هذا ما يقودنا للمعطى الثاني.
ثانيا: كان النظام القبلي هو الطابع السائد في شبه الجزيرة العربية، و لكن يثرب لم تكن قبيلة بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، و لم تصل إلى درجة المدينة، بل كانت في منزلة بين المنزلتين. غير أن واحدا من أهم مميزاتها هو ذلك الغنى الذي كان يطبع تركيبتها البشرية بسبب تراكمات تاريخية متعددة، لا مجال للخوض فيها الآن، لكنها –يثرب- في الآن نفسه كانت مفتقدة لأي سلطة منظمة للعلاقات بين أفرادها، و هذا ما يفسر سبب المعارك التي كانت تندلع بين الأوس و الخزرج بشكل متكرر.
و بالتأكيد أنه في ظل هذه الوضعية لا بد أن ترنو عيون سكان يثرب نحو سلطة محايدة تقوم بتنظيم علاقات وضمان حقوق كافة الأفراد داخلها، و هو ما يعني ضرورة قدومها من خارج يثرب. هذا التطلع إضافة إلى ما كان يروجه اليهود عن قرب ظهور نبي جديد فيها، سيجعل البنية النفسية لسكانها –يثرب- مستعدة و متلهفة لاستقبال الوافد الجديد.
نخلص من خلال ما سبق إلى أن اختيار الرسول (ص) يثرب ليهاجر إليها لم يأت كنتيجة للروايات الدرامية التي قدمتها لنا المصادر الإسلامية، و إنما لكونه –محمد (ص)- قد وجد فيها ذلك المجتمع الذي ينشده و القائم على التعدد، الاختلاف، التنوع، و الحاجة لسلطة تقوده. و هو الأمر الذي سيظهر فيما عرف بصحيفة المدينة، و التي جاءت لتضع أسس مشروع الدولة الجديدة.
و لعل أول ما يلفت الانتباه في صحيفة المدينة هو تمثيلها لكافة الأطياف المتواجدة بها (المهاجرون، الأوس، الخزرج، اليهود ...)، مع خلوها من أي تمييز بينهم على أساس الدين أو اللون أو الجنس، أو تمييز المسلمين عن غيرهم في الحقوق و الواجبات. كما لم تتم الإشارة إلى الإسلام كدين رسمي أو أنه يحضى بمكانة متميزة مقارنة مع باقي الأديان –اليهودية بشكل خاص- داخل دولة المدينة. بل على العكس من ذلك نجد بنودا في الصحيفة تنص صراحة على تساوي كافة الأديان داخل الدولة، من خلال التصريح بأن "لليهود دينهم و للمسلمين دينهم، مواليهم و أنفسهم، إلا من ظلم و أثم فإنه لا يوتغ (لا يهلك) إلا نفسه و أهل بيته"، أو ما ورد في بند آخر "الجار كالنفس غير مضار و لا آثم". و هذه البنود تعلن صراحة على أن الدولة لكل المواطنين، و أن الدين يبقى علاقة شخصية بين الخالق و عبده، شرط مراعاة المصلحة العامة و احترام الآخر.
و إذا كان من الصعب استعراض كافة بنود الصحيفة، فإننا نود التأكيد على أن ما تنظر إليه المصادر الإسلامية على أنه تسامح و مؤاخاة من الرسول (ص) تجاه الآخر -اليهود بصفة خاصة-، يتجاوز ذلك بكثير إذ هو في حقيقته وضع لأسس دولة المواطن أيا كان دينه أو معتقده، مع ضمان سير عادي للحياة داخل الدولة، و يكفي أن نذكر أن الرسول (ص) توفي و درعه مرهونة عند يهودي، و هو ما يحتمل أكثر من قراءة و دلالة.
و بذلك يكون محمد (ص) قد أحدث نقلة نوعية في مفهوم الدولة، ناقلا إياها من القبيلة القائمة على روابط محددة إلى دولة المدينة المفتوحة لكل الأديان و المعتقدات، و التي ناموسها الأساسي هو مراعاة المصلحة العامة، إن دولة الرسول (ص) التي يرى الكثيرون أنها قامت على الدين، و أنها دولة دينية، هي في الواقع نقيض ذلك، إذ هي دولة مدنية تفصل بين ما هو ديني و ما هو سياسي فصلا يكاد يكون جذريا، و تكثر الشواهد في هذا الصدد و التي سنخصص لها مساهمات قادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - علمانية؟؟؟؟؟
المنسي القانع ( 2010 / 4 / 11 - 09:20 )
سيدي المبجل
وبعد ----
( وهذه البنود تعلن صراحة على أن الدولة لكل المواطنين ،وإن الدين يبقى علاقة شخصية بين الخالق وعبده ، شرط مراعاة المصلحة العامة وإحترام الآخر)
أوَ ليست هذه هي الدولة التي ينادي بما يشبهها العلمانيون . هل تريد أن تقول يا سيدي بأن محمد كان علمانياً يدعو الى فصل الدين عن السياسة والدولة ؟! أم أنني لم أفهم قصدك؟ أم أننا كلانا ، أنت وأنا لم نقرأ السور المدنية التي ما زال الذباحون منذ ذلك العهد والى اليوم يذبحون بهديها .
أفهمني وأنا لك من الشاكرين .
مع كل الإحترام والتقدير


2 - سؤال واجب
محمد البدري ( 2010 / 4 / 12 - 01:52 )
وهل هذا برهان كاف لقيام مجتمع مدني؟ فاذا كانت الاجابة بنعم فما قولك في اكثر من 1400 عام من الانحطاط الذي لا مدنية فيه؟ واذا كانت بلا فلماذا الرجوع والاستشهاد بما لا نفع فيه؟


3 - كانت الدوله دينيه
محمد الشمري ( 2011 / 4 / 30 - 03:14 )
ما جاء في كلام السيد البدري صحيح بدليل حدثت اباده لمن لايسير في خط الدوله آن ذاك واسس لدكتاتوريات اعتمدت التطبيق وامماهات في حكمها للاقاليم فيما بعد واستمرت لحد الان


4 - كانت الدوله دينيه
محمد الشمري ( 2011 / 4 / 30 - 03:14 )
ما جاء في كلام السيد البدري صحيح بدليل حدثت اباده لمن لايسير في خط الدوله آن ذاك واسس لدكتاتوريات اعتمدت التطبيق وامماهات في حكمها للاقاليم فيما بعد واستمرت لحد الان

اخر الافلام

.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل


.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك




.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي


.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن




.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت