الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربما يكون هذا حقيقياً

ماريو أنور

2010 / 4 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أبدا تحليلى البسيط بإيراد قصة يهودية رواها بوبر , فهى تساعد على توضيح معضلة المصير الإنسانى . تقول القصة : (( جاء رجل من أصحاب المذهب العقلانى , له باع طويل فى العلم , وقد سمع باسم بيرديتشيفر , إلى هذا العالم لمناقشته قاصداً دحض الأدلة التى قدمها فى صالح الإيمان . وعندما دخل على العالم الحكيم , وجده يطالع فى كتاب , ويتمشى أرض الغرفة جيئةً و ذهاباً , وهو مستغرق فى تأمل عميق . فى بادىء الأمر , لم ينتبه الحكيم البته إلى وجود الضيف . وبعد فترة من الومن توقف أمامه وألقى عليه نظرة خاطفة وقال له : (( لكن ربما كان هذا حقيقياً )) . عبثاً حاول العالم أن يتمالك نفسه , فأخذت ركبتاه تصطكان لشدة ما كان الحكيم مرعب المنظر ولشدة ما كان وقع كلماته مخوفاً للسمع . عندها استدار الكاهن لاوى إيزشاك نحوه وقال له بصوت هادىء : (( يا بنى , لقد هدر من ناقشتهم من كبار علماء التوراة وقتهم معك , لأنك تركتهم وعلى ثغرك بسمة ساخرة . لم يستطيعوا أن (( يبسطوا على الطاولة أمامك )) البرهان القاطع على وجود الله و على حقيقة ملكوته . وهذا ما لن أستطيع أنا أيضا ً فعله . مع ذلك , فكر ملياً يا بنى , فلربما كان هذا حقيقياً )) . حاول العقلانى جهده فى أن يرد , لكن ترجيع صدى كلمة (( ربما )) أطاح بمقاومته )) .
يبدو لى أن هذه القصة , ولئن جاءت غريبة الإطار , تتضمن وصفاً لوضع الإنسان حيال مسألة الله غايةً فى الدقة . ما من أحد يقدر على الإتيان ببرهان رياضى على وجود الله و حقيقة ملكوته , بل أن المؤمن نفسه عاجز على ذلك حيال ذاته . لكن مهما حاول غير المؤمن أن يجد فى هذا العجز مبرراً لعدم إيمانه , فإنه لن يفلت من الانسغال المقلق اى تثيره عبارة (( ربما يكون هذا حقيقياً )) ذاك هو حجر العثرة الذى تحتم عيه أن يصطدم به والذى سيجعله يختبر استحالة رفض الإيمان من خلال فعل هذا الرفض عينه . بتعبير آخر , لإان المؤمن , نظير غير المؤمن , أوكل واحد منهما على طريقته , يختبر الشضك و الإيمان , إذا كان كل منهما لا يحاول إيهام نفسه و إخفاء حقيقة وجوده عن ذاته . فلا أحد يستطيع أن يتملص تماماً من الإيمان . فالإيمان موجود لدى الواحد منهما بصورة النقيض للشك , وموجود لدى الآخر بفضل الشك وعلى شكل الشك . إنه لناموس أساسى من نواميس المصير البشرى أن تحقق البشرية وجودها عبر هذه الجدلية الدائمة بين الشك و الإيمان و بين التجربة و اليقين . فهذه الطريقة يتمكن الشك , الذى يمنع على الواحد والآخر أن يسجن نفسه فى برجه العاجى , أن يتحول إلى حيز المشاركة . لأن المؤمن و غير المؤمن يلقيان فيه سانحة الانفتاح الواحد على الآخر , فلا يعود كل واحد منهما يتقوقع على ذاته . وهكذا يتسنى للمؤمن أن يشاطر غير المؤمن مصيره , ويتسنى لغير المؤمن , بفضل الشك , أن يشعر بالتحدى الذى يطرحه الإيمان بصورة لا هوداة فيها .
كذلك يقودنا الواقع إلى رؤية تحابك المصائر البشرية فى حالة غير المؤمن : فهو أعجز من أن يعيش حياة خالية من الكدر . فعلاً , فإن غير المؤمن لن يستطيع , أبداً , أن يتخلص من السؤال المنغص : هل المذهب الوضعى فى التفكير هو الحقيقة ؟ وذلك بالرغم من مفاخرته بكونه صاحب موقف وضعى صرف , وبأنه قد تخلص , منذ أمد بعيد , من كل نزعة إلى التفكير الماورائى , ولم يعد يوقن إلا بالحقائق المحسوسة . إن ما يحدث للمؤمن فى صراعه مع وساس الشك , يحدث أيضاً لغير المؤمن , إذ ينتابه الشك حيال فكره , فهو لا يستطيع أن يثبت أن هذ الكون المرئى الذى أعلن أن كل الوجود ماثل فيه يؤلف , حقاً , الوجود بأكمله . لن يكون غير المؤمن أبداً واثقاً الثقة التامة باقتصار الوجود على هذا العالم المرئى الذى اعتبره شاملاً الوجود بكليته : وسيظل يتعذب على الدوام من جراء مسألة الإيمان الذى يخطر له , بالرغم من استعصائه على الفهم العقلانى , أنه ربما كان يعبر عن الحقيقة . وهكذا يظل المؤمن مهدداً على الدوام بخطر الجحود , ويظل غير المؤمن مهدداً على الدوام بحظر الإيمان وتجربة الشك بعالمه المحسوس الذى يعتبره مكتملاً بصورة نهائية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ربما
عبد الآمر ( 2010 / 4 / 11 - 21:17 )
و ربما يكون الغول والعنقاء موجودان بالفعل!!

مقالة عجيبة ضعيفة الحجة تفتقر إلى المنطق وتهين العقل


يا سيد ماريو...على المدّعي البيّنة


2 - شكرا
ماريو أنور ( 2010 / 4 / 11 - 22:47 )
اولا المقالة ليست ضعيفه ... لانها و بكل بساطه تتجه نحو فكرة ما ورائية و ليست فكرة تحليلية بيئية ... ارجو منك التركيز عزيزى

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب