الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوانب من تاريخ المشروبات المسكرة بالمغرب الوسيط

عبد الإله بسكمار

2010 / 4 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



وقع بين يدي مؤخرا كتيبا تاريخيا طريفا في موضوعه وأفق اشتغاله ، فقد اختار صاحبه مصطفى نشاط( أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة محمد الأول بوجدة )،الخوض في موضوع المشروبات المسكرة بالمغرب الوسيط...وتوخيا لمزيد من الدقة والحيطة أضاف إلى العنوان إياه عبارة "جوانب من تاريخ المشروبات..... وقد صدر الكتاب عن منشورات الزمن سنة 2006بالرباط ومطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء.
بداية تستحق وقفة الباحث هذه تحية خاصة لجرأتها..وطرقها لموضوع يعتبر من الطابوهات الكبرى في مجال البحث والكتابة التاريخية على الأقل عبر الوسط الجامعي والأكاديمي ، ناهيك عن المواقف المنفصمة للمجتمع المغربي ككل ( معاداة الخمرة مثلا لأن الدين حرمها ، في حين أن وتيرة استهلاكها مرتفعة وبين جميع الشرائح وهنا المفارقة كما أن الخمرة موعود بها في الجنة) ، لا سيما وأن الماضي العربي الإسلامي ينظر إليه عادة عبرهالة مرضية من التعظيم والتقديس ، وكأن هؤلاء البشر، لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم ، وهو ما يعزز النزعات الظلامية والفاشستية في الفكر والسياسة جميعا ...علما بان تاريخ الإسلام لم يخل من صفحات مظلمة في مختلف فتراته ( حتى ما يفترض أنها المراحل المشرقة والتأسيسية....) فضلا عن أن أصحابه يجري عليهم ما يجري على البشر جميعا ...إذ تميزوا هم أيضا كلاحقيهم بنزواتهم وشهواتهم ومتعهم وميولاتهم المختلفة السوية منها والمنحرفة...ألم يتحدث الباحثون والكتاب عن ظواهرالخمرواللهو والغناء بمنطقة الحجازخلال العصر الأموي ثم الغلمنة وظواهر المجون في العصر العباسي على سبيل المثال لا الحصر؟؟ ....غير أن القراءة النسبية والنقدية لهذا التاريخ لا زالت تراوح مكانها ، وهذا موضوع له سياقه المختلف و المسهب هو الآخر... الأهم هنا يتمثل أيضا في تحديد مجالات معينة للبحث التاريخي ، تتجاوز التقسيمات المدرسية التقليدية والتصنيفات المعروفة ، والتي آن الأوان لإعادة النظر فيها ، لا بسبب تقدم آليات ووسائل البحث التاريخي ، ولكن أيضا خدمة للحقيقة التاريخية والتي تنتمي للمجال الإنساني كما هو معروف ، بكل ما يحيط به من تعقيدات ونسبية في الزمان والمكان...فضلا عن أن التحقيب وفقا للمراحل السياسية ، يحتاج إلى إعادة نظر شمولية ومنهجية ، أوعلى حد تعبير الباحث في مقدمة الكتاب " فان التاريخ السياسي المغربي يحظي باهتمام الباحثين أكثر من غيره من باقي التواريخ، بينما تبقى مساحات واسعة من تاريخنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي شبه مجهولة ، لقلة مادتها المصدرية ، مما يشرح عزوف الباحثين عن الخوض فيها ، أو لأن ما توافر عنها من إشارات ، يتصل بالمسكوت عنه الذي لا تغيب حساسيته ..." ص4 من الكتاب...هي إشارة منهجية هامة دون شك ، ما أحوج الدارسين والباحثين في الميدان إلى تعمقها والإحاطة بها ، من أجل إعادة بناء شاملة لتاريخنا الوطني والإجهاز على الكثير من الأوهام التي تعود إلى تزيد المؤرخين المقربين من ذوي الأمر أومبالغاتهم تحت تأثير اعتبار أو آخر...
يحدد الباحث الفترة المدروسة بين محطتين أساسيتين من تاريخ المغرب : دخول الإسلام إلى المنطقة ، أوسط القرن الأول الهجري وحتى سقوط مدينة سبتة ( التي ما زالت محتلة لحد الآن) في يد البرتغال سنة 1415م( القرن 9الهجري) أما الحيز المكاني فهو ما كان يطلق عليه المغرب الأقصىكما ورد عند ابن أبي زرع الذي " يعد - حسب علمنا – أول من أرخ له باعتباره وحدة سياسية وجغرافية" ص5 من الكتاب ....ويسجل الباحث مفارقة صارخة بين من يدعو إلى محاربة المشروبات المسكرة ، ومن يقر بوجودها بين بعض المكونات الاجتماعية...دون أن يعني ذلك أنها شكلت القاعدة ، إن الشروط التي تحكمت في الظاهرة هي ذاتها التي تحكم عادة كل محظور في المجتمعات العربية الإسلامية ....على أن استحضارموضوع المسكرات بالمغرب الوسيط – يقول الكاتب- بالاتكاء على الإشارات المصدرية ، وجمع شتاتها ، قد لا يخلو من طرافة وفائدة ، شأنها في ذلك شأن آفات أخرى نخرت المجتمع المغربي وتحتاج إلى إماطة النقاب عنها ، مثل تاريخ الرشوة ، وتدبير المال العام ومظاهر انزلاقاته ، والبغاء ، والتسول وتعاطي الحشيشة ...ولا شك في أن منطق التاريخ يفيد بأن الشعوب تتعلم من صفحات تاريخها السوداء أكثر من صفحاته الناصعة" ص7
في الفصل الأول للكتاب الذي صدره صاحبه بمقدمة صغيرة ، تؤكد أن الفاتحين المسلمين وجدوا سكان البلاد يتعاطون لزراعة الكروم ويحولونها إلى خمور، معززا ذلك بروايات تاريخية من مصادر معلومة لدى الباحثين ك"البيان المغرب" لابن عذاري المراكشي و"الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري"و"فتوح افريقية" للواقدي...قلت في الفصل الأول يتحدث الباحث عن جوانب من جغرافية الخمور بالمغرب الوسيط ، كمناطق زراعة الكروم خلال العصرين الموحدي والمريني ، ويذكر العديد من هذه المناطق التي تتوزع شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ثم أنواع العنب وصناعة الخموروتسلل المسكرات الأوربية إلى المغرب الوسيط بطرق متعددة ووسائل مختلفة ، طالما تحدث عنها المؤرخون بدءا بالعصر المرابطي وحتى سقوط الشواطئ المغربية في يد الأسبان والبرتغال.
أما في الفصل الثاني فيتطرق الكاتب إلى مسألة الخمور والمجتمع بالمغرب الوسيط مؤكدا تعاطي كثير من شرائح الخاصة والعامة للخمور المسكرة وغير المسكرة ، وفي ظل مختلف الدول التي تعاقبت على حكم البلاد عبر الفترة المدروسة...وفي الفصل الموالي يتحدث الأستاذ نشاط عن الخمور كورقة سياسية ، استغلت في فترات الصراع المرابطي الموحدي خاصة ،ومن أجل تأليب الناس ضد السلطة القائمة باعتبارها تشجع الموبقات وما إلى ذلك...وفي الجزء الأخير من الكتاب ، يتعرض الباحث لشعر الخمريات بالمغرب الوسيط وهو شعر قليل على وجه العموم ، نظم في هذا الغرض قياسا إلى الأغراض الأخرى ، غير أنه ظل حاضرا عبر كل مراحل الشعر المغربي خلال نفس الفترة المدروسة...وفي الأخير يشير الكاتب إلى بعض امتدادات ظواهر الخمور، كموقف المغاربة من الحشيشة والتي كانت منتشرة بالشرق ولم تصل المغرب إلا في حدود القرن الثامن الهجري...إلى أن هلت العصور الحديثة فعرفت البلاد الشاي والتبغ ، وانتشرت جلسات الأنس صحبة كؤوس الشاي ، بل قورن بالخمر في حين انقسم الفقهاء بين محلل للتبغ ومحرم له...
اعتمد الدكتور نشاط في كتيبه القيم والجدير بالقراءة على 36مصدرا ومرجعا تاريخيا سواء فيما يخص أمهات المصادر المؤرخة للمغرب الوسيط ، أو بعض المراجع الحديثة باللغات العربية والفرنسية والانجليزية مما يعزز حجية المؤلف ومصداقيته وهو ما يضيف لبنة هامة إلى المكتبة التاريخية الوطنية رغم حجمه الصغير....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات