الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حداثة الثقافة

علي جاسم

2010 / 4 / 12
المجتمع المدني


لكل شعب من شعوب العالم تاريخه الحضاري والفكري الذي يقترن بحجم انتاجه المقدم للعالم عبر تلك الحضارات ، والشعب العراقي يفتخر بتاريخه الغزير بالنتاجات الانسانية والعلمية والفكرية الزاخرة ، لما لها من قيمة روحية وانسانية تعكس طبيعة التفكير المتبلور في ذهنية وسايكولوجية الفرد العراقي على مدار حقب تاريخية مختلفة ، لكن هذا الفخر لايعد كافياً دون وجود حلقات مترابطة بين ذلك التاريخ الحافل بالانجازات وبين المستقبل القادم ،اي وجود تزامناً مرحلياً يحافظ على الثوابت والاسس التاريخي ويحثها على التماشي وروح العصر، وهذا مالم تستطع ان تحقق الثقافة العراقية بسبب تعطل عجلت التطور الثقافية والفكرية عن الاستمرارية في مواكبة المستجدات الحاصلة في العالم لاسيما في غضون العقود الثلاثة الاخيرة ابان حكم النظام السابق الذي حول مكتسبات العراق الحضارية والثقافية والاقتصادية الى انتكاسات بالمنظور العملي مقارنة بدول المنطقة التي لاتمتلك نصف تاريخنا ، لكنها اليوم تتقدم علينا بخطوات عديدة يصعب في الوقت الراهن اللحاق بها او مواكبتها.
الثقافة العراقية تأثرت بمدرستين ، الاولى تستلهم العامل الديني والتراثي ،في حين تذهب المدرسة الاخرى الى ترك ذلك التاريخ بحسناته وسيئاته وعدم الخضوع لعوامل صيرورته بكل اشكالها والالتزام التام بالحداثة ، وانصار هذه المدرسة يجدون بان الحياة الاجتماعية المعاصرة لايمكن لها ان تسير وفق قوانين مرت عليها مئات السنين ، فمشرع القانون في ذلك العصر لايملك الرؤية والمخيلة التي تنسجم مع العصر الحالي لذلك فان هذه المدرسة تعمل بقوة على تغيير تلك القوانين وجعلها اكثر حداثوية ، فمثلاً في المراحلة السابقة لم تعط المرأة دورها المنطقي في الحياة لاسيما السياسية ، وكان الرجال يمثلون السد المنيع بين واقع الحياة العامة وبين مايمكن ان تقدمه المرأة لتطوير هذا الواقع ، واصبحت المرأة اشبه باداة من ادوات المنزل ، لذا نجد ان القوانين والتشريعات في تلك العصور لم تأخذ بالحسبان دور المرأة ولم تمنحها اي حق من حقوقها وباتت المهام الحقيقية لها هي الخدمة في البيت وعدم الخروج عن طاعة الرجل وكذلك ينبغي تمسكها بالمورثات الاجتماعية والدينية اي اصبح مقياس اختلاطها بالمجتمع يقترن الى حد بعيد بمدى تمسكها بالموروث الاجتماعي والديني وعدم الخروج عن هذا العرف الاجتماعي ، اما الان اصبحت المرأة اكثر تطوراً وحراكاً واخذت تلعب دوراً محورياً في مختلف جوانب الحياة وباتت شراكتها الفعلية واضحة للرجل لاسيما عندما يتعلق الامر في المشاركة السياسية التي اخذت المرأة تتحرك داخل هذا المحيط بحرية تامة بل انها اصبحت مفتاح للكثير من الحركات والاحزاب السياسية وطبعاً هناك عوامل عديدة لهذا التطور ، ولعل ثقافة المجتمع احد تلك العوامل.
من هنا يتضح مدى ضرورة ايجاد رؤية مشتركة تسعى الى خلق مناخات ثقافية مشتركة بين كلا المدرستين والمزاوجة بين ما يعد لدى البعض موروث روحي وحضاري مقدس وبين مايراه البعض الاخر مواكبة لتطورات العصر العولمي الذي حول العالم الى بيت صغير يجمع البشرية بشكل يجعل وحدة الرؤية وتقارب الافكار مقياس الثقافة لدى المجتمع .
الان المجتمع العراقي بحاجة ماسة لتغير الكثير من سلوكياته الاجتماعية ، وتغيير نمط تلك السلوكيات بشكل حداثوي يجعله مقبولة اجتماعياً من قبل شرائح المجتمع الاخرى وهذا التغيير لابد ان يكون مقروناً بحركة اصلاحية حداثية تنبثق من قلب المجتمع تنضوي علاقتها بالجانب الاجتماعي المتمدن القائم على اساس المواطنة ولابد هنا اني يدخل المثقف باعتباره طليعة المجتمع كعامل قوة مؤثرة في تغيير سلوكيات المجتمع نحو الافضل ، وسحب البساط من القوى السياسية التي فرضت هيمنتها على سلوكيات الفرد بعد ان باتت التعاملات السياسية تمثل الجانب الاكثر فعالية في حياة المجتمع ، لذلك فان السنوات الست الماضية جعلت رجال السياسة يمتلكون جميع الخيوط التي تحرك ادوات التغيير الاجتماعي في المرحلة الحالية وهذا ما يتعارض مع مطلبنا بان تكون بوادر تحول المجتمع ثقافياً وفكرياً منطلقة من القاعدة الشعبية بقيادة الشرائح المثقفة والمتنورة بغض النظر عن خلفيات كل شريحة ، الحداثة المطلوبة الان لابد ان تكون حداثقة ثقافة قبل ان تكون حداثة مادية اوفكرية فالثقافة تمثل محرك اساسي لكل شيء بالوجود ، لذلك فان المثقف مسؤول عن احداث هذا التغيير ، ومنطلقات هذا التغيير لابد ان تكون خاضعة في المرحلة المقبلة لادوات ووسائل المثقف والتي ينبغي تسخيرها بشكل مكثف نحو هذا الجانب ، فالدعوة مفتوحة الان امام مثقفينا لتسخير كتاباتهم ومؤلفاتهم نحو عملية الاصلاح الاجتماعي والاستعانة بالحداثة البنيوية للموروثات الاجتماعية التي مازالت تتحكم بسلوكياتنا اليومية لكي نعيد الحلقة المفقودة بين الاجيال السابقة والاجيال القادمة والتي ضاعت في ظل الفكر الدموي للنظام البائد وكذلك الفترة التي لحقت سقوطه.
الكتابات والمؤلفات ينبغي ان تحمل في مضامينها رؤية فكرية وثقافية جديدة تجعل الوعي الاجتماعي حاضراً خلال المرحلة القادمة وهذا الامر مرهون بقدرة المثقف على استيعاب مهام في احداث التغيير المطلوب من جهة ومدى استعداد المجتمع لقبول الاصلاح والتغيير من جهة اخرى وفق اسس حداثوية رصينة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين