الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخوف من سلطة الله وسلطة النظام

عهد صوفان

2010 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



عندما نكتب أونتكلّم نخاف أن تكون حروفنا ملغومة بالقادم السيء..هاجسُ الخوف يبقى صديقنا الوفي. يعيش معنا وفي داخلنا يسكن..البعض يقول: هذه سلطة الرقيب الذاتي التي تسيطر على اندفاعة القلم حتى لا نكتب ما يؤذي المشاعر أو يسيء للآخرين.هل نكتب بإشراف الرقيب الذاتي ؟أم أن بعضنا يحاول التملّص من الاعتراف بوجود رقيب آخر يمثّل سلطة الله وسلطة النظام يتوعدنا بالثبور وعواقب الأمور. وكبرياؤنا الذي تربينا عليه يمنعنا من الاعتراف بأننا تحت وطأة هذا الخوف فنقول: نحن لا نخاف أحداً ولا رقابة أحد إلا رقيبنا الذاتي...
الكتابة عندنا عمل في حقل ألغام مخيف معد للإنفجار بأية لحظة بمجرد الاقتراب من أحد ألغامه وعند الاقتراب يبدأ الخوف يتسرب في شرايينك كيف ستفلت من مخابرات سلطة الله على الأرض وهم الجنود الأوفياء الجاهزون والحاضرون للدفاع والقتال في سبيل الله أملا بالحصول على حور العين في جنان الخلد؟ وكيف ستفلت أيضا من رجال مخابرات السلطان وهم جاهزون ليل نهار لأن يجعلوك عبرة لمن يعتبر ؟ وتهمك في كلا الحالتين جاهزة ومعدة . فأنت الكافر المشرك الملحد وأنت العميل الخائن وأنت الصهيوني المتأمرك والقائمة تطول .. ويأتيك العقاب بما لايخطر على بال كاتب كوميدي خصب الخيال .
سلطة الله وسلطة النظام أعدت قائمة بكل الممنوعات التي لايجوز الاقتراب منها أو التفكير بها وطلبت منا أن نخاف. أن نمشي بخوف ونأكل بخوف. ننام خائفين ونستيقظ خائفين ونطلب سترة الحال ... نحن نخاف من الله ومن الرسل والأنبياء ونخاف من الوزير والمدير وكل مسؤول ..
نخاف أن نتحدث في السياسة أو الدين أو أن نسأل عن الله أو أن نتحدث عن الرئيس أو الملك .نخاف أن نطالب بتغيير النظام. نخاف أن نختار عقيدتنا لأنها بالوراثة تنتقل وليس بالاختيار .. نخاف أن نفسر نصّا بغير مافسره المفسرون وأن نشكك في التاريخ الذي ورثناه وأن نقول أن تاريخنا ليس مقدس وأبطاله قتلة ومجرمون. نخاف أن نرفض العادات والتقاليد القديمة لأنها هي هويتنا واعتبارنا. ونخاف على مستقبلنا ومستقبل أولادنا وعلى لقمة العيش ..نخاف كلمة النقد لأنها تجلب الموبقات علينا فالنقد ممنوع ويعتبر اضعافاً لسلطة النظام أو لسلطة الله..نخاف أن نحلم لأن أحلامنا ترفع الضغط ..نخاف من القضاء المسيس لصالح السياسي ولصالح المال .. نخاف أن نتكلم مع أقرب الناس لأن للجدران آذان تسمع وتسجل الهمسات ..نحن نخاف من كل شيء ولم لا؟؟ والله يسجل ويحصي أنفاسنا ومخابراته تقبض علينا وحكم القتل جاهز والنصوص الدينية حاضرة وفعل (اقتل ) مكرر مئات المرات ..فالله يسجل كل هفواتنا دون أن نراه ويسلط علينا الشياطين والأمراض والكوارث والتسونامي السرطان والأوبئة ويحيل أيامنا إلى عذاب وألم وغمّ . وهو الذي وعدنا بالعقاب وبنار لاتنطفىء وبعذاب أبدي لايتوقف. تصوروا هذا العذاب الذي يستمر إلى الأبد وتصوروا التفنن في التعذيب والترهيب..حتى أن رجال الله عندنا صاروا يعلمون بالغيب فيعرفون رقم جهازك الذي ترسل منه رسالتك أو نصّك ويعرفون رقم هاتفك الذي تتصل منه وكل شيء عن طريق الشبكة العنكبوتية وكلّ التقنيات الحديثة التي تكمّ الأفواه وتصمّ الأذان فأين المفرّ ؟؟ ومخابرات النظام أيضا تحصي شهيق وزفير البشر وتصورهم في الأسواق والشوارع وأماكن العمل وتسجل أرقام حساباتهم وأرقام هواتفهم وإيميلاتهم وأعمارهم وأسماء زوجاتهم وأولادهم وأقاربهم وأمراضهم وكل شيء عنهم ..
نحن ضمن شرنقة وعلينا العبور إلى النور . نور الكلمة التي لاتخاف .الكلمة التي تبني بيتا ووطنا .
الكلمة التي تطعم طفلا جائعا وتداوي مريضا تقطعت به السبل . الكلمة التي تفتح عقلا فتدفعه للإبداع والابتكار . الكلمة التي تصنع إنسانا جديرا بالحياة . الكلمة التي بنت حضارة وولدت أخرى. الكلمة التي دفع أصحابها الثمن غاليا وأحيانا دفعوا حياتهم من أجلها .
لماذا زرعوا الخوف فينا وجعلونا وطن الأحزان؟؟ لماذا برمجونا بشراً خائفين حتى من ظلنا؟ لأن الخوف يُذهب الثقة بالنفس والإعتداد بها . الخوف يجلب الخنوع والخضوع والقبول بكلّ أمرٍ يأتي..
الخوف يُطأطىء الرأس ويكسر الشهامة ويدمّر الذات. الخوف يحولنا إلى قطيعٍ مطيعٍ خلف الرعاة نُساق إلى حيث يشاؤون ونفعل ما يريدون ونحن طبعاً صاغرون... الخوف تغوّل فينا وصرنا معه كياناً واحدً لا افتراق بيننا..
بالخوف من الله حكمنا رجال الله وأقنعونا بكلّ ما كتبوا وفسروا وعدّلوا.فكلهم أشباه أنبياء وكلهم مقدسون وكلامهم منزل وسلوكهم معصوم وأفعالهم قدوة. وصارت طاعة الله غير كافية إن لم نطع رجاله. وحتى الإيمان بالله غير كافٍ إن لم نؤمن بالرسول المرسل أيضاً. فالرسل مثل الله وبدرجته وربما أعلى منه.أقنعونا بتعدد الزوجات وأن المرأة متاع وحرث للرجل ودرجتها أقلّ .أقنعونا أن المرأة ناقصة عقل وأن الرجال قوامون عليها وعليها الخضوع للنصّ المقدّس... فاقتنعنا خوفاً من عقاب الله الذي شرّع وكتب علينا كلّ شيء. أقنعونا بأن الله وحسب مشيئته كتب لكلّ شخص ما يجب أن يفعله. وهو نفسه الله سوف يحاسب ويعاقب هذا الشخص على ما فعل. تصوروا أن الله يكتب ويقدر ويوجّه. وكل شيء بإذنه وعلمه ومشيئته وبعدها نعاقب!! ونحن خائفين راضخين راضين نردد: لا حول ولا قوة إلاّ بالله....أقنعونا بأن النصّ الديني مقدّس ولا نفاش أو اعتراض عليه بل قبول مطلق أولنا النار وبئس المصير.وأقنعونا بأنّ غزواتنا هي فتوحات برعاية الله وطلبه وبركته وبأننا خير أمة وأن الله ميزنا عن بقية الأمم وأنه قدّس ماءنا وأرضنا وشعبنا وعلينا أن نقبل ونطيع...
بالخوف استعمروا عقولنا وبنوا فيها الخرافات والأساطير.الخوف الذي صار حزناً في عيوننا ووجوهنا. صار اكتئاباً وألماً لا يفارقنا. وجوهنا صارت كتاباً فصوله الجوع والحرمان والأمراض والألم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اكثرمن رايع
اليمني ( 2010 / 4 / 12 - 23:11 )
مقال في الصميم متى سينتهي هذاالصلف الديني متى نستطيع ان نعبرعن مافي شعورنابدون خوف من جندالله الخرافي كفرنابالله وآمنابالعقل


2 - ملحديمني
اليمني ( 2010 / 4 / 12 - 23:32 )
تحياتي لكل الملحدين الاحرارخصوصآالدكتوركامل النجاروالدكتورسيدالقمني اناملحديمني عرفتوالإلحادمن من مدونات اخواني الملحدين رغم اني كنت من التيارالاسلامي التجمع اليمني للإصلاح كل الافكارالإلحاديةالتي قراتهاكانت تدورفي راسي واناصغير


3 - هناك علاقة جدلية بين الله والحاكم والخوف
سامى لبيب ( 2010 / 4 / 12 - 23:41 )
مقال رائع عزيزى عهد صوفان .
لقد وضعت أصبعك على العصب العارى الذى نحاول أن ندفنه تحت جلودنا .
فى إعتقادى أن سلطة الله جاءت من سلطة الحاكم ... فالحاكم البدئى هو الله بنفس تضاريسه وسماته ..وتم تصديرهذا الأمر لفكرة الإله لتعطى لها الهيبة وتجعل فكرة الحاكم أيدلوجية مطلوب الطاعة لها .
لتمد الفكرة الحاكم وتعضد من هيمنته .

لى رؤية فى مقال سابق عن العبودية والطاعة لله ..وأصل أنها صورة للسادة لتصدير رغباتهم فى الهيمنة والسيطرة .

فكرك رائع مع خالص مودتى .


4 - الاديان مشروع سياسي اساسا
المترصد ( 2010 / 4 / 13 - 07:06 )
ظاهر الاديان هي خدمة الانسان لخالقه وباطنها هي خدمة الاله لهذا الانسان الذي يتحدث باسمه ويمثله على الارض بيننا في اعتقادي السياسه هي من اوجد فكرة الاديان فلا يوجد افضل من الدين لتنفيذ برنامج سياسي ولا يوجد افضل من السياسه لحمايه الدين المصلحه مشتركه اذا بل الحاجه ماسه كل منهما يحتاج الاخر ويكمله التاريخ الاسلامي تاريخ سياسي بحت منذ نشأته الفكرة في الاساس رفع شأن العرب وتوحيدهم وخلق كيان لهم يعيشون فيه يحموه ويحميهم ولذلك تجد ايات القران موجهه للعرب بوصفهم افضل الامم ومن هنا كانت الانطلاقه ادرك الساسه بعد موت محمد ان الاسلام اصبح مظلتهم وعباءتهم بدونه لن يكون كيان او دوله للعرب ولذلك لا مجال لانتقاد الاسلام او التشكيك فيه بل العكس يجب احاطته بقداسه مطلقه فتم قتل كل من يخالف الساسه وولاة الامور الاسلام موجه ركبها حتى غير العرب من فرس واتراك لشن الحروب والغزوات فلقد عظم شانه ولا بد من استغلاله انا برايي الاسلام برنامج سياسي حاله كحال الاديان التي تمت صناعتها من قبل لتنفيذ رؤيه سياسيه


5 - مقال رائع !
ماجد جمال الدين ( 2010 / 4 / 13 - 08:44 )
أخطر ما في ألأديان ليس فقط أنها تخلق وتكرس ألرعب ألداخلي ألعبودي أمام كل ما هو مجهول ، بل في أنها تلقن ألناس (و منذ طفولتهم في أغلب ألأحيان ) تلقنهم تقديس عبوديتهم وتقديس رعبهم ألعبودي ( ألخشوع ) أمام ألأوهام .

لتحرير ألبشر من ألخوف وألعبودية وترويضهم على ألثقة بنفوسهم وعقولهم لا بد من تعليمهم ألبصق وألسخرية من كل ألمقدسات ألغيبية .
تحياتي


6 - اللة الكذبة الكبرى والاديان هي السبستنك* الت
محمود ( 2010 / 4 / 13 - 11:40 )
الاديان عبارة عن مجاري فالمجاري ترمي بها ما تبقى من الماء الزائد الذي تشربه وترمي بها الفضلات والاوساخ وهذه المجاري تصب في وعاء كبير تحت الارض بالعراقي اسمة السبستنك ما ان تفتح السبستنك تخرج الروائح الكريهه التي تزعج بعض الشيئ ولفترة قليله ولكن عند فتح موضوع الاديان تبداء الروحانيات والغيبيات والصراعات الدموية والانفجارات وقطع الروؤس والكل يدافع ليس عن دينه فقط وانما عن طائفيته متناسيا دينه ليتدارك الموقف ويعود الى الدين المنسي للحفاظ على ايمانه ماذا فعل الله منذ حرب البسوس وقبلها الى حرب افغانستان والعراق وصراع الحضارات لنقف معا ضد الجهل والتخلف والفقر والعبودية ورفع راية العلم والوعي والعمل والحرية والى التغيير
مع التحية لكاتب المقال


7 - الى الأخ اليمني
عهد صوفان ( 2010 / 4 / 13 - 14:20 )
اشكرك على تعليقك القيّم واتمنى ان نصل الى مرحلة التحرر من الخوف الديني والسلطوي تحياتي


8 - الى الأخ سامي
عهد صوفان ( 2010 / 4 / 13 - 14:25 )
اشكرك على ثنائك الذي اخجلني فأنت كبير يا أخي سامي وفكرك رائع ومبدع ولا بد لنا ان نقول الحقيقة كما هي لعل وعسى يأتي يوم نتذوق فيه الحرية لك تحياتي


9 - الى العزيز المترصد
عهد صوفان ( 2010 / 4 / 13 - 14:28 )
اشكرك على المرور الجميل الذي يضيف ويغني المقالة ويزيدها جمالا واتمنى لك التوفيق تحياتي


10 - الى الرائع ماجد جمال الدين
عهد صوفان ( 2010 / 4 / 13 - 14:29 )
تحياتي ايها العزيز وشكرا على كل كلمة قلتها


11 - المصفاة
مرثا ( 2010 / 4 / 13 - 23:02 )
احب مقولة لن تستطيع ان تمنع الطيور ان تحلق فوق رأسك ولكنك تستطيع ان تمنعها ان تعشش في رأسك
يقولون ويقولون ولكن العقل الذي يستطيع التمييز ، فلايمكن قبول ان كل النصوص الدينية مقدسة حتى لو كانت لاتحترم آدمية الإنسان وعقله المقكر الذي تُسلب ارادته اذا ُطلب منه قبول الدين كمسلمات
العقل يكون كالمصفاة او الفلتر الذي يفلتر كل مايمر من خلاله
وعلى مستوى علاقات البشرايهما اصح او افضل طفل يخاف من ابيه ويرتعب من مجرد سماع صوته ولايسمع منه سوى الأوامر والنواهي وعليه ان يقبل ويطيع بدون مناقشة او اختيار، وبين طفل آخريقدم له ابوه كل الحب والحنان والثقة وعلى الرغم من انه يعرف مافي صالح ابنه ولكنه يصنع جسورا من التفاهم والحوار ويفرد امامه الحقائق والنتائج بوضوح ولا يطالبه بما هو ضد عقله ويترك له الاختيار
ايهما سيكون شخصا سويا
هذا هو الهي
كل تقديري واحترامي


12 - شكرآعهدصوفان على ردك واهتمامك بالقراء
اليمني ( 2010 / 4 / 14 - 00:44 )
الاخ العزيزعهدصوفان اذاسمحت ممكن تدلعني على كتب الحاديةاقدراحملهاللجوال ولكم جزيل الشكر

اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب