الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني في الفكر المعاصر -الجزء التاسع-

اسماعين يعقوبي

2010 / 4 / 14
المجتمع المدني


انتهازيو وضحايا "المجتمع المدني":


إذا كان وضع المستفيد من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني, سواء بصفته المعني الأول بأنشطة هذه المؤسسات: محو الأمية, أنشطة مدرة للدخل, مساعدات, تطبيب, تكوين, ترفيه, مستعمل طريق, كهرباء, ماء, تشجير... أو بصفته مسؤولا عن هذه المؤسسات: مكاتب جمعوية, نقابية, حقوقية, نسائية, عمالية... أو وسيطا بين هذه المؤسسات ومؤسسات أخرى: جمعيات محلية وجمعيات دولية..., لا يخفى على احد وقيل عنه الكثير في مختلف وسائل الإعلام بين منتقد ومشجع ومرتاب وطاعن في العملية برمتها, فهناك فئة لم يلتفت إليها احد ولم تولى لها العناية والاهتمام الكاملين رغم الدور الحيوي الذي تلعبه, بل إن حياة بعض مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني مرتبطة بها اشد الارتباط. هذه الفئة هي التي تتكون من حراس مقرات النقابات, الجمعيات التنموية والحقوقية, والوداديات, المدرسون بالجمعيات او الذين يتلقون أجورهم من الجمعيات والمنظمات الأخرى ويشتغلون بقطاعات التعليم, الصحة, الأوقاف... هؤلاء كلهم, ورغم العمل الذي يقومون به, والمسؤوليات الجسام التي يتحملونها سواء كمشتغلين بهذه المؤسسات أو كآباء وأمهات ومعيلي عائلات أو كأشخاص مقبلون على الحياة وكل مستلزماتها من زواج, سكن, أثاث, أبناء... يبقى وضعهم مزريا, استثنائيا ومستعصيا على جميع القوانين: فهم لا يشتغلون بقطاع عام يفترض فيه ان يضمن لهم جميع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويصون لهم كرامتهم ويمكنهم من اجر يستجيب لمتطلبات الحياة ولو في حدودها الدنيا, وهم لا يشتغلون بقطاع خاص خاضع لمنطق السوق ومحكوم بميزان قوى بين أرباب العمل والنقابات, بين راس المال والعمل... قطاع ورغم ظروفه اللا انسانية يضطر وتحت الضغط للاستجابة لبعض مطالب الشغيلة والعمال وتمكينهم من العطل ومن حقهم في الترسيم والتغطية الصحية والتطبيب...
إن هاته الفئة تنضاف الى ضحايا التوجه اللاشعبي للدولة المتسم بالتراجع والتخلي عن الخدمات الاجتماعية والاقتصادية لفائدة القطاع الخاص.
حين يعجز القطاع الخاص عن إنجاز الاستثمار في قطاعات ومناطق معينة لغياب الربح الذي يعتبر محركه الوحيد, تتدخل بعض الجمعيات التي لا تختلف لا في اعضائها ولا في مسؤولييها ولا في ممارساتها عما يسري داخل جسم الدولة والذي يعتبر وجودها استمرارا له بل ان تمويلها يأتي بدرجة اولى من الدولة تحت مبررات مختلفة ومنها اساسا صفة المنفعة العامة والتي تستعمل للتمييز بين الموالين لسياسة الدولة والرافضين لها, وهاته الجمعيات والمنظمات أصبحت تعرف بجمعيات السهول والوديان.
وليس من قبيل الصدفة ان تتمركز خدمات اغلب هاته الجمعيات في الدواوير والقرى والمناطق النائية والصعبة, حيث تتكفل بطاقم من المدرسين والممرضين الذين يتقاضون اجورا زهيدة لا تستجيب لمتطلبات الحياة ولا تقترب من الحد الادنى للاجور حيث نجد مثلا مدرسين متعاقدين مع هاته الجمعيات مقابل الف درهم في الشهر مع الحرمان من جميع الحقوق التي حققتها الانسانية عبر نضالها الطويل والمرير ضد الاستغلال: حد ادنى للاجر, تحديد ساعات العمل, الحق في التطبيب, الحق التعاضدي, العطل السنوية, الرخص المرضية, الحق في التقاعد, الحق النقابي للدفاع عن الاوضاع المزرية..., بل انه (أي التمركز) يخدم بالدرجة الاولى سياسة الدولة, المسؤول الأول عن توفير مناصب شغل قارة لخريجي الجامعات والمعاهد ومؤسسات التكوين, التي نفضت يدها من قطاع التعليم والصحة وكل القطاعات الاخرى ذات الطابع الاجتماعي وذلك في انسجام تام مع توصيات صندوق النقد العالمي والبنك الدولي منذ فترة الثمانينات في اطار ماسمي بسياسة التقوم الهيكلي. كما انه يؤسس لولوج القطاع الخاص الى هذه المناطق عبر بناء تجربة تنطلق من روض الاطفال وتقتحم المستويات الاخرى في المناطق المؤهلة لذلك.
ان النتائج الكارثية لهذ التوجه, والوضع المستقبلي لهاته الفئة التي تفني زهرة شبابها عاملة ومستخدمة في ظروف لا انسانية مفتقدة لابسط شروط الحياة: برد قارس, حرارة مفرطة, غبار سام... مقابل فتات لا يكفي ولا يسمن من جوع, وهذا الفتات بنفسه قابل للتراجع عنه في أي وقت وحين لكون العمل يكون بعقود قصيرة الامد, سيتعقد اكثر عندما ستصل هذه الفئة الى السن الذي يجعلها غير قادرة على البذل والعطاء: فلا ادخار من اجرة لا تستجيب للحد الادنى للمعيشة, ولا تغطية صحية تتكفل بالازمات الصحية النفسية, العقلية والجسدية...المرافقة لظروف وشروط الحياة, لا ابناء متعلمين وموظفين يساعدون على تجاوز المحن: فمن يتقاضى الف درهم شهريا محكوم عليه بالعزوبية او بابناء يتلقفهم الجهل والشارع وعالم الجريمة والمخدرات لقلة الزاد والمعين حيث ان فاقد الدراهم لا يعطيها, ولا تقاعد يعوض سنوات الجد والكد ولا مكان للنمل في هذا العالم الجديد, عالم هذه الجمعيات والمنظمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #


.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا




.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3