الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخمار و اللّحية قضيّتا الجزائريين الأساسيّتين...!

باهي صالح

2010 / 4 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الهمّ الأكبر و القضيّة الأساسيّة للجزائريين اليوم ليست نهضويّة و لا تنمويّة و لا إبداعيّة و لا إنتاجيّة و لا تنظيميّة فكلّ هذه أشياء على ما يبدو جانبيّة أو ثانويّة و غير مهمّة و لا تسترعي إنتباه أو إهتمام الشّارع الجزائري...؟!

لا يحرّك الجزائريين اليوم و لا يؤجّج مشاعرهم و لا يستنفر ضجيجهم و لا يستقطب إهتمامهم و لا يوجّه تركيزهم و لا يحوّل بلادهم إلى ساحة مفتوحة للإنفعال و لاحتدام الجدل و النّقاش غير قضيّة اللّحية و الخمار...؟!

ما هذه العبثيّة الغبائيّة ...؟!

لغط عبثي و ضوضاء فارغة من أيّ محتوى تنموي أو حضاري أو إنساني بل أقول أنّها ضجّة غاية في الحمق و البلادة انخرطت فيها عن وعي و عن غير وعي أطياف من الشّعب الجزائري بحكومته و سياسييه و رؤساء أحزابه و بكثير من فعالياته ليس ضدّ الغباء و التّهميش و التخلّف و كلّ الآفات و المصائب التّنمويّة و الحضاريّة الّتي نعاني و نرزخ تحت أرزائها و براثنها بل من أجل اللّحية و قداسة الخمار الإسلامي بعد أن اضطرّتهم ضرورات الإقتصاد و العلاقات الدّوليّة إلى تبنيّ نظام البطاقة البيومتريّة...!

و السّؤال الوجيه: لماذا ينشغل المجتمع الجزائري كلّه هذه الأيّام بجدل حام حول اللّحية و غطاء الرأس و يغفل أو يتغافل في الوقت نفسه عن كلّ مصائبه و قضاياه الأساسيّة...؟!،

هل هذا طبيعي أم أنّ هناك شيئ في الظّاهرة يمكن اعتباره خارج المنطق و الموضوعيّة...؟!

المجتمع كلّه مرجل يغلي...تلاسن و تجادل و يحمى الوطيس بين فريق وزير الدّاخليّة و مدافعه و مبرّر ضرباته و تصويباته وزير الشّؤون الدّينيّة رفقة بقيّة اللاّعبين من الصّحافة العلمانيّة و النّخب الثّقافيّة و السّياسيّة و بين الفريق المضادّ من منافحي و مناصري مملكة الشَّعر(الفتحة على حرف الشّين) و الحجاب الإسلامي...الفريق الأوّل يدعو و يستصوب ضرورة تعرية رأس المرأة و حلق اللّحية بهدف إبراز سمات و ملامح صاحب البطاقة البيومتريّة بأسلوب من المراوغة و التملّق للفريق الثّاني المندفع بأهدافه السّياسيّة و المصلحيّة و العاطفيّة المستقوي برصيده الشّعبوي و كثرة و قوّة تيّاره الإجتماعي الإسلامي الجارف الّذي يعارض و يناهض بكلّ قوّة وبأس مجرّد طرح قضيّة مثل قضيّة الحجاب(ويا لها من قضيّة مصيريّة بالنسبة للبلاد) للنّقاش لأنّ علماء و مشايخ الأمّة حوّلوها في ذهنه إلى مسلّمات دينيّة و ثوابت و مقدّسات يحرم التّعاطي معها أو مناقشتها أو حتّى الإقتراب منها بحيث أصبحت لها الأسبقيّة و الأولويّة على كلّ المصائب و الأمراض الّتي ترقد عليها الأمّة فلا تحفل و لا تضجر و لا يضيرها منها شيء...أمّا من أجل الحجاب أو اللّحية فليس أسهل على المسلمين اليوم و في كلّ البلاد العربيّة و الإسلاميّة أن يعلنوا الحرب العالميّة الثّالثة على العالم و بين بعضهم البعض دون تفكير أو أدنى تردّد...!

لست أدري كم يكفينا من الزّمن و نحن نصخب و نتجادل حول أهمّية اللّحية و أهمّية أن تغطّي المرأة رأسها من عدمه قبل أن تحدث صدمة كونيّة تجعلنا ننتبه إلى أنّ التّنمية و هاجس اللّحاق بركب الحضارة الإنسانيّة هو الأهمّ و الأجدى...؟!

تغطّي المرأة رأسها عندنا أو لا تغطّيه في صورة بطاقة الهُويّة هو موضوع السّاعة هذه الأيّام في بلدي الجزائر...جمعيات و هيئات و علماء و أئمّة و نخب و غيرهم ينتفضون و يتعبّأون للدّفاع عن قضيّتهم الأولى مع أنّهم لم ينتفضوا و لم يتحرّكوا في كلّ القضايا المصيريّة الأخرى مثل الفساد و شجون التّنمية و غيرهما، أمّا السّاسة فدائما في الموعد بأسلوب خبيث أتقنته من الشدّ و الإرخاء و التّلاعب لاستغلال ما أمكن الأحداث و خلل الفكر الشّعوبي لتكريس الحالة ذاتها و الوضعيّة نفسها إلى زمن لا يعلمه إلاّ اللّه و العالم من حولنا لا يعدم فرصه في التفكّه و الضّحك علينا كأنّنا في سيرك لقردة و ألعاب بهلوانيّة...!

إلى وقت قريب كانت مصر و الجزائر و دول عربيّة و إسلاميّة أخرى تضاهي دولا مثل الهند و كوريا الجنوبيّة و اليوم أنظر أين هم و أين نحن...؟!!

هم برز لهم مفكّرون و متنوّرون و علماء رياضيات و فيزياء و في مختلف العلوم و الفنون تصدّروا مسيرة التّنمية عندهم وصنعوا نهضة بلدانهم، أمّا نحن فبرز لنا جهلاء و دجّالون و مشعوذون بإسم علماء الدّين فكرّسوا الجهل و نشروا الخرافات و أحبطوا الأداء و الإبداع بإسم الدّين و فرّخوا في الأذهان فكرا ظلاميا لا يرى غير الحجاب و اللّحية والتّقصير...!

إهتمام الجزائريين باللّحية و غطاء الرّأس بالنّسبة للمرأة على خلفيّة التحوّل إلى استخدام بطاقة الّتعريف البيومتريّة يجعلنا نقترح من وجهة نظر تشخيصيّة سببين جوهريين شكّلا العقليّة العربيّة الإسلاميّة الغريبة الّتي نعرفها اليوم و الّتي من سماتها الضّحالة و السّلبيّة و الغباء نتيجة التّخريب و الأذى الّتي أصاب على ما يبدو مقدّرات التّفكير الإيجابي و الإبداعي لدى تلك العقليّة و خرّب فضلا عن ذلك منظومة التّفكير لدى الجزائري و المسلم عموما و حيّد قدرته على التكيّف و التّعاطي الإيجابي مع محيطه و بني جنسه...الظّاهرة تدعونا كما قلت إلى اقتراح سببين أساسيين في تشكيل ذاك الفكر و تلك العقليّة ، الأوّل وراثي و الثّاني تاريخي...!

السّبب الوراثي/

هناك شيفرة وراثيّة يتوارثها و يتناقلها الأبناء عن الآباء عبر الأزمان، كلّ إنسان يرث الشّيفرة الّتي تحدّد دون إرادته أو أخذ رأيه صفاته و ملامحه الجسديّة كلون الشّعر و العينين و البشرة بالإضافة إلى كلّ ما تخزّنه تلك الشّيفرة من مستويات الذّكاء و حتّى درجات مختلفة من المقاومة و القابليّة و الاستعدادات البيولوجيّة لأمراض أو حالات نفسيّة معيّنة و ليس أدلّ على ذلك من نظريّة الطّبيب الإيطالي لمبروزو الّذي يربط فيها بين السّمات النّفسيّة و الشكلية وملامح الوجه وشكل الرأس وبين الاستعداد للاجرام النّظريّة الّتي لاقت في البداية الكثير من المعارضة من قِبل العلماء و المختصّين ثمّ أصبحت القاعدة الأساسيّة لعلم الجريمة الحديث... يأتي بعد ذلك عامل المحيط أو البيئة ليغلّب أو يسهّل أو يؤجّل صفة أو استعدادا معيّنا...فهل تُرانا نحمل في شيفرتنا الوراثيّة جينات الغباء و التخلّف الفكري...!

السّبب التّاريخي/

مضت قرون و نسي سكّان الشّمال الإفريقي أنّ أجدادهم الأمازيغ قاوموا الرّوم و البيزنطيين ثمّ الغزو العربي الإسلامي لمدّة طويلة قبل أن يُجبروا على الدّخول في الإسلام إمّا بحدّ السّيف أو بفعل التّقادم و الوراثة...و قبل طوفان الحركة السّلفيّة الّذي اجتاح و غمر كلّ العالم الإسلامي بقوّة آلة البترودولارالجبّارة و ما عبّأته من جيوش المشايخ و الأوصياء على الدّين...كان الجزائريون و غيرهم من سكّان شمال أفريقيا يتبنّون الوجه التّقليدي المنقّح من النّسخة الإسلاميّة و كان محتواها لا يتجاوز الفرائض و الحضّ على الإحسان و الأخلاق مثل الصّدق و طاعة الوالدين و إكرام الجار و غيرها و إلى غاية نهاية السّبعينات حيث لم يكن الجزائريّون و لا التّونسيّون و لا اللّبيون و لا المغاربة و لا أهل موريتانيا يعرفون و لا يسمعون عن اللّحية أو الحجاب الإسلامي و لا عن أيّ أهمّية تُذكر لهما لصالح حياتهم أو هويتهم الدينيّة أو الحضاريّة...إلى أن انبرى أهل السّلف من شيوخ الخليج العربي و أعادوا تشكيل الفكر الدّيني على نهج الصّحابة و السّلف الصّالح و كانت النّتيجة أمّة كأنّها منقادة بفعل ساحر أو تعويذة شيطانيّة لا يهمّها و لا يعنيها حالها و هي في أدنى دركات التردّي و الانحطاط و لا ترى من مشاكلها العويصة و لا من قضاياها كلّها الّتي يصرخ بها واقعها القبيح و المتعفّن ليل نهار غير أن لا يحلق الرّجل لحيته و لا تنزع المرأة غطاء رأسها في صورة بطاقة الهُويّة...؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مفردات الفيس
الشهيد كسيلة ( 2010 / 4 / 16 - 15:03 )
الكاتب المحترم
مع انني استبشرت خيرا ان اجد بالصدفة جزائريا يستنهض الهمم الفكرية ضد الاسلمة والاظلمة الا ان قراءتي في مفردات حضرتك جعلتني اصاب بالخيبة فانت تستحذم ربما دون قصد عبارات الفيس وانصاره

عبارة تعرية راس المراة لا يستعملها الا الظلاميون وانت تعرف ما ذا يعني التعري كما ان وصفك للوزير بانه علماني هو وصف تحريضي لان 99 % من الجزائريين اجريت لهم عمليات غسيل دماغ ويكفي ان تقول عن شخص انه علماني حتى يجد حوله العشرات بل المئات من المهووسين والمندفعين المتهورين لتصفيته

ومع هذا لن نفقد الامل في قيام الجزائري من تعثره
عذرا ان ازعجتك بهذه الملاحظة فهي لك لا عليك


2 - سبب انحطاطنا
سناء ( 2010 / 4 / 17 - 06:52 )
لقد نجحت الحركات الإسلاميّة في غسل أدمغة الجزائريّين ،الذين يرون في اللّحية والخمار وغيرهما أقدس المقدّسات وتلك مأساتنا.ومع ذلك مازال الامل باق في إستفاقة هذه الامّة البائسة الّتي لاهمّ لها الاّ استفتاء الشّيوخ في التفاهات


3 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 4 / 17 - 17:24 )
الأخ الكاتب المحترم تحية لك ، شكراً لك على هذا المقال الذي يصور حالة الجزائر اليوم ، ويبين الفارق الكبير بين الأمس واليوم . وشئ مفزع أن تصل حالة الناس الى هذا المستوى ، مع التحية لك .


4 - تحية
بشر ( 2010 / 4 / 17 - 18:32 )
اخي الاستاذ باهي المحترم انا من متابعيك على موقع عرب تايمز ومنذ وقت طويل لم اقرا لك حتى خلت انك استقلت و لم تعد تكتب وهذا ما ساءني كثيرا واليوم فرحت جدا بعودتك و اتمنى ان اقرا لك دائما . انت بالتاكيد محق في كل ما تكتبه عن وضعنا الراهن كعرب وكمسلمين والفضل - كما قلت انت وكما يقول كثيرون غيرك - يعود لشيوخ الجهل والظلام والنفاس والمحيض . كنت اظن انه لن تقوم لنا قائمة ابدا الا ان احد الاصدقاء بشرني بانه شاهد في حلمه احد الناس يبشره باننا سوف نكون قادرين على صنع قلم رصاص او ابرة مع منتصف الالفية الخامسة بعون الله وان غدا لناظره قريب - لك مني كل الود

اخر الافلام

.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا


.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو




.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط