الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يجري في بلاد العرب والمسلمين ؟؟!!

طلعت الصفدى

2010 / 4 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أثارني كتابان قرأتهما أخيرا أولهما كتاب بعنوان " من تاريخ التعذيب في الإسلام " للمؤلف هادي العلوي الصادر عن دار المدى للثقافة والنشر ،يروي فيه قصص التعذيب في تاريخ الإسلام، بما فيها التعذيب السياسي، والتنافس الدموي على الاستئثار بالمزايا التي يوفرها الحكم والسلطة، وموقف الفئات المختلفة منه، وآراء الفقهاء فيه معتمدا على المراجع وأمهات الكتب الإسلامية، والثاني كتاب بعنوان " أميركا والإبادات الجماعية حق التضحية بالآخر " للمؤلف منير العكش صادر عن دار رياض الريس للكتاب، يتحدث فيه المؤلف عن أساليب الإبادة الجماعية التي مارسها المستعمرون الانجليز والأمريكيون ضد الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين، وفكرة استبدال شعب بشعب آخر، وثقافته بثقافة أخرى، بالضبط كما يحاول الإسرائيليون اليوم تطبيق فكرة إسرائيل التاريخية المزعومة على الشعب الفلسطيني أصحاب الأرض الأصليين.

الكتابان ليسا من صنع الخيال والوهم، ولهذا أصاباني بالذهول، والهستيريا، والقلق على مصيرنا لاحتوائهما على معلومات تاريخية قيمة، منحاني فرصة أكثر للتأمل، والتمعن في تاريخنا الإسلامي، وواقعنا العربي الحالي، المشحون بالصراعات الداخلية، والاقتتال الدموي والفوضى، وغياب سلطة القانون، والنزاعات المذهبية والعرقية والطائفية، وجنون التطرف،والإرهاب، والتعذيب في السجون الذي طال حتى المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء دون رحمة وشفقة،وتفجير حتى دور العبادة والساحات العامة والحافلات، وتصاعد حمى طاعون التنافس على الحكم والسلطة والنفوذ، فهل ورثنا جينات القتل والتعذيب والتصفية الجسدية التي طالت دمنا ولحمنا وعظمنا .

ومن الغريب أن البعض، يتعامل مع صناعة الموت كفن وهواية،ويبرر عمليات القتل والإبادة في التاريخ العربي والإسلامي القديم والحديث، ويضفي على منفذيها المطلق الصحيح ،وصفة القداسة على شخصياتها التي انتهكت كل القيم الإسلامية السمحة،وتعاليم القرآن الكريم " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " و " لست عليهم بمسيطر" ،ويتنطع بعض المثقفين والباحثين والمتأسلمين في الدفاع عن المظالم والأخطاء عبر الفضائيات، ويحاول فقهاء السلطة، وامراء الجماعات الإرهابية تزيينها، والترويج لعمليات الإعدام، وإصدار فتاوى التكفير والإلحاد بكل من يحاول أن يعيد للعقل العربي والإسلامي توازنه، ويبحث بموضوعية في دراسة التاريخ الإسلامي من جديد بروح ناقدة بعيدة عن التعصب، وبمنهج علمي وبحثي .

إن الباحث والمنقب في أمهات ومراجع كتب التاريخ الإسلامي والعربي، يرى تناقضات جمة ،مما يستدعي إعادة دراسة وتقييم التاريخ ، فتاريخ الأمم والشعوب لا يسير بخط مستقيم ،بل بشكل حلزوني، خطوة إلى الخلف، وخطوتان إلى الأمام، تكون محصلته التطور والتقدم إلى الأمام وتغيير الواقع إلى الأفضل، كما تؤكده قوانين الحياة والتطور في المجتمع الإنساني، فكل ثورات المضطهدين والمسحوقين، والمظلومين في كافة عصور التاريخ بدءا من عصر الوحشية ،مرورا بعصر البربرية إلى عصر المدنية، ومن عصر العبودية، مرورا بعصر الإقطاع وثورات الفلاحين، إلى عصر الرأسمالية وثورات ونضال الطبقة العاملة، تؤكد أن التاريخ الإسلامي والعربي ليس خارج قوانين الكون والمجتمع،لا يخلو من المساوئ والتجاوزات بحق شعوبها، ورافقه تعديات ملطخة بالدماء ضد الكرامة الإنسانية للمعارضين، والخصوم السياسيين، واستخدام أبشع وسائل التعذيب والاغتيال بحقهم .

وهنا لا بد من التأكيد في البداية عن الفرق بين الدين الإسلامي، وبين التاريخ الإسلامي، فتاريخ وحضارة العرب والمسلمين من كافة القوميات، والطوائف العربية وغير العربية، والفرق المذهبية المختلفة صنعتها الجماهير الشعبية، ولكن في النهاية لا يكتب التاريخ الأنبياء والرسل، بل يكتبه الأشخاص، وأول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين، وبطريقة تضفى صفة القداسة على القادة، فهو القائد الأوحد، والزعيم الواحد، وبيده كل مفاتيح النصر تؤهله للانقضاض على خصومه السياسيين والعسكريين، وتصفيتهم واقتلاعهم من جذورهم الاحتجاجية والنقدية ، وتعليقهم على باب زويلة، ويتعزز السيطرة المطلقة على الحقيقة، والمعرفة، ويصنع المنتصر من أجساد ضحاياه وثقافاتهم فريسة له يلتهمها كيف شاء ومتى أراد، وكما يؤكد المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه ( الخلافة الإسلامية ) "التاريخ الإسلامي مليء بالأوساخ وعلينا تنقيته، وخصوصا أن الحكام وفقهاء السلطة يبررون كل المظالم التي وقعت، ويحسنون كل المساوئ، ويزينون كل الخطايا، ويصدرون ضد أي خصم أو معارض فتاوى بأنه كافر ملحد مفسد في الأرض يحل دمه شرعا ".

ماذا يجري الآن في بلدان العرب في العراق والسودان واليمن والصومال وفلسطين والجزائر، وفي بلدان المسلمين في باكستان وأفغانستان وإيران والشيشان .. الخ وأنظمة الحكم فيها تدعي تطبيق الشريعة الإسلامية، وبعضها يرفع لواء الإسلام هو الحل..!! هل نجحت في حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية؟ وهل لديها برامج وخطط لحل معضلات البطالة والفقر والمجاعة والأمية والتعليم والصحة ؟ وما دورها في مكافحة الفساد والرشوة، وأزمات الشباب والمرأة، والحريات العامة، وحرية التعبير والصحافة، وقضايا التنمية البشرية والمستدامة ؟ كيف تتعامل مع المبدعين، وبعضها يحرم الموسيقى، والمسرح والسينما، ويتنكر لتراثه الشعبي، ويساهم في تغييب لغة العقل ،ومحاربة أفكار التنوير والإبداع، ويشن هجوما على الديمقراطية السياسية والاجتماعية، مما يعمق الهوة والفجوة بينهم وبين العالم المتمدن في كافة العلوم والتكنولوجيا والفضاء والمخترعات، وعلوم الطب والفيزياء والكيمياء، وعلوم الإحياء والوراثة، والعلوم الإنسانية والفلسفية.. الخ وتدني مستوى التعليم، والبحث العلمي في الجامعات وهذا ما أكدته،آخر إلاحصائيات التي رصدت مستوى القراءة للفرد في العالم العربي التي لا تتجاوز صفحة واحدة في العام الواحد..!! إن الأعمال السياسية من صنع البشر، وهم ليسوا مقدسين ولا معصومين من الخطأ، ومن الصواب أن يكون الحكام والقادة منتخبون من الشعب، بطريق ديمقراطي، بعيدا عن التزوير والتزييف التي طالت كافة الانتخابات الصورية في البلدان العربية والإسلامية، لقد تحول القادة إلى طغاة ومستبدين، يبحثون عن توريث الحكم والسلطة لأبنائهم، أو لأحزابهم .

إن عددا من هذه الأنظمة يمارس لعبة تشويه العقل، وتحجر الفكر، وفشل في حل مشاكله الاجتماعية والديمقراطية، وبهذا فقد وفرت المناخ لترعرع الأفكار المتطرفة التي ترى العالم كله كفرا، وتسعى لتغييره بالعنف والإرهاب والتطرف الديني، لقد تحول العديد من القادة إلى طواغيت ينشرون الأوهام والأحلام، ويخدعون شعوبهم دون أن يقدموا برامج محددة لتغيير الواقع الكارثي. إن أخطر ما يواجه شعوبنا العربية والإسلامية ممارسة السياسة باسم الدين، تؤدى إلى تحزبات، ونشوء مليشيات، وتفاقم الصراعات الداخلية، والاقتتال من أجل الاستحواذ على المناصب والمغانم، وإفساد العقول والضمائر، وتشكيل جيش من المنتفعين الذين يطبلون ويزمرون له، تغتصب معه وتتقاسم وإياها مصادر الدخل القومي، وتعيش حالة البذخ والرفاهية ، والكسب غير المشروع في حين تكتوي الجماهير الشعبية من العمال والفلاحين والمرأة والشباب والمثقفين بنار الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والقيمي .

القاسم المشترك لهذه البلدان انتشار الجهل والأمية، وتفشي الأمراض وفقدان المناعة الوطنية، وتصاعد الاقتتال الداخلي والصراعات المذهبية والعرقية، وغياب سلطة العقل والقانون، وانتهاك حقوق المواطن، وتشجيع التدخل الأجنبي، ولم يعد الشعب ذو قيمة وطنية، تحكمه مجموعات ومليشيات مسلحة وعصابات متنوعة الأسماء، والأزياء يملؤها الحقد والكراهية والتعصب المقيت، وإنهاك البلد بالانقسامات، وتآكل حدود الوطن، وتجزئته .

أمام هذا الواقع الكارثي الذي تغذيه الأفكار المسمومة، ونزعة التطرف الديني والقومي، ومصالح الامبريالية والنظام الرأسمالي العالمي، ألا يستدعي كل ذلك في كل بلد من هذه البلدان تشكيل جبهات وطنية متحدة من كافة القوى الوطنية والأحزاب السياسية، والديمقراطيين والتقدميين، ومكونات المجتمع المدني،والاتفاق على برنامج الحد الأدنى السياسي والاجتماعي والديمقراطي، لإنقاذ الوطن، وحمايته من الفوضى والتدخل الخارجي، ووقف العبث به داخليا ، ومواجهة سرطان الإرهاب والاقتتال الداخلي، وحل كافة القضايا الحياتية للجماهير المسحوقة وبناء المجتمع الديمقراطي الذي يوفر كل مقومات العدالة الاجتماعية، ويرسخ مفهوم المواطنة، ويعمل على مأسسة المجتمع ، وتأميم موارده وخيراته، والحفاظ عليها من النهب والسلب، ويدافع عن حقوق الإنسان وكرامته الإنسانية، باعتباره أغلى قيمة للوطن، والحارس الأمين له .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وتبقى المصيبة ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 4 / 23 - 16:02 )
أولا تحياتي لك يا أستاذ طلعت مع خالص محبتي وتمنياتي وشكرك لإستخدامك كلمة بلاد العرب والمسلمين ... لانها فعلا ليست كلها بلاد الغزاة المسلمين رغم ما فيها من تجني على العرب المسيحين لأن هذه العبارة تشركهم في جرائم وأعمال المسلمين....!؟ا
ثانيا :لماذا تقرأون فقط الصفحات البيض في قرأن المسلمين ، بينما الصفحات السود فيه لازالت السبب في خراب بلاد العرب وخراب وإنحطاط بلاد وعقول الملايين من المسلمين ...!؟
ثالثا : إن المفلسين هم وحدهم من يضعون أخطائهم على شماعات ألأخرين ... لأن فاقد الشئ لا يعطيه ومن هنا تنعدم الرؤية السليمة كما تنعدم الشجاعة لنقد الذات وتقويم الأخطاء ...!؟
مرة أخري لك مني خالص تحياتي وتمنياتي برؤية أوضح ... وتقييم أصدق....!؟


2 - تللسقف
يوسف حنا بطرس ( 2010 / 4 / 23 - 17:25 )
السيد طلعت الم يستبدل العرب البدوالمناطق التي احتلوها الى العربيه مثلا العراق سوريا لبنان الاردن شمال افريقيا ثم ان الفلسطينين اصلا هم ليسو عربا بل مستعربين وهذه كلها مناطق كلدانيه واشوريه واراميه حولها العرب بالقوه الى العربيه ابحث في التاريخ ثم اكتب ما يمليه عليك ضميرك بصدق وامانه ولا تزور كما فعله العرب

اخر الافلام

.. ألبوم -كهان الكاف -: قصائد صوفية باللهجة التونسية على أنغام


.. 71-An-Nisa




.. 75-An-Nisa


.. 78-An-Nisa




.. 79-An-Nisa